ما أروع أن ينام الواحد بين فخذي امرأة... وان كانت مومسا ..أن يقاسمه جسد أنثى فراشه في ليلة شتوية حزينة...جسدا دفئا كما قال مظفر النواب ...جسدا طريا يحتوي بكل تضاريسه أحافيرا وشقوقا أخذت تصدع الذاكرة والوجدان ...لم يشعر عمر بهذا الدفء منذ عشر سنوات خلت ...عشر أحزان شتاء بليدة باردة قضاها وحيدا في السجن...يا الله كم هو جميل الشعور بالحرية ..والأجمل أن تقاسمه أنثى ليلة الحرية الأولى ..أن تبعث فيه شعور الرغبة من جديد تبعث الحياة في جسد أكلته وحدة الزنزانة الضيقة وتقاسم البرد والفئران القذرة وحدته منذ زمن..لم يضق عمر طعم النوم منذ سنوات عشر ...كان الأمر صدفة ...لم يفكر في هكذا لليلة...رمته الباقا ( سيارة السجن المصفحة) قبل ليلة البارحة قرب محطة الباساج بعد صدور عفو رئاسي عن مجموعتهم ...فرك عينيه وهو يقف وحيدا ..أبهرته الأضواء وصخب الشارع وان بدا يلفظ آخر العائدين لبيوتهم بعد يوم عمل مضني ..لفحه برد المدينة المتثائبة ..غرس رأسه بين كتفيه في بقايا معطف تآكل دثاره ....أين سيذهب لم يعد يذكر أحدا بالعاصمة ..عشر سنوات تغير أشياء كثيرة في بلد صغير ...ولكن هاهي المدينة تكبر وتمتد ..بناءات شاهقة زرعت هنا وهناك لم يكن يعرفها ..بعض الباعة انتصبوا بشكل فوضوي يزينون للمارة ما بقي من بقايا ما يعرضونه...بالتأكيد إنهم من النازحين الجدد الذين قذفت بهم أرياف نائية...مازال نزل ريتزا منتصبا في مكانه يذكره حين جاء العاصمة أول مرة طالبا للتسجيل في الجامعة ...تحركت قدماه المتعبتين تلقائيا نحو المكان ليس له من خيار أو لعلهما آثرتا اقل جهد مبذول للحركة ..دلف إلى النزل وجده باردا كزنزانة السجن أو أشبه ...لا احد في البهو ...وحش مارد أفزعه أنغرس فجأة من وراء خشبة الاستقبال ...كلمه بصوت فض ..تفضل من هنا :
في الشارع إلى باب الخضراء مر على حديقة الباساج ( حديقة الجمهورية) تناهى إلى سمعه قهقهات صعلوكين ثملين يديران حوارا اخرقا عن الفرق بين المرأة والنبيذ يجيب احدهما بان كلاهما حلو يثير لذة الرجل...ثم ينغمسان في قهقهات متصعلكة ...تنم عن سوء أدب واضح أو عن ثمالة تجعلهما لا يحفلان بمن حولهما ..علق عمر صامتا ..انتهت مشاكلنا لم يعد لنا في هذا البلد من قضايا سوى المرأة والنبيذ...مر على محطة الحافلات ..تذكر كم وقف هنا ينتظر حافلة تنقله للمركب الجامعي...تقف امرأة وحيدة متحفزة في ناصية إحدى ممرات المحطة تنتظر حافلة قد لا تأتي ..صعلوكان يتربصان بها قرب سياج الحديقة ...حين تقف دورية للأمن تطالبها بهويتها ووجهتها ..عرض احدهما إيصالها إن لم تجد سيارة أجرة ...قهقه في داخله ..صار يعرفهم جيدا ...هل حقا سيوصلونها لو قبلت عرضهم ...تخطى مسرعا نحو باب الخضراء ...في هذا المكان منذ خمسة عشر سنة كان هنا يحتل الشارع هو ورفاقه ...يذكر وقتها كان في المبيت الجامعي بمنوبة حين تنادى الرفاق إلى مسيرة طلابية شعبية للتنديد بالامبريالية الأمريكية لاعتدائها الإجرامي على الشقيقة ليبيا ...لقد فعلها ريغن ...نفذ تهديده وقصفت طائراته مدنيين أبرياء ليبيين ....خرج الجميع للشارع في حركة عفوية من كل الأجزاء الجامعية ...تناسى الجميع خلافاتهم السياسية من على حجرة سقراط (مكان للتجمع والنقاش الساخن في المركب الجامعي) ..كان هنا يصعد فوق السيارات الرابضة ...يخاطب الطلبة بحماسة منددا بالامبريالية والرجعية .مطالبا بطرد السفير الأمريكي وإنهاء مصالح أمريكا في كل بلد عربي فتهتز الشعارات من الحناجر الصغيرة تجاوبا معه مازال يسمع هذه الشعارات ترن في اذنه إلى الآن :
لامصالح أمريكية على الأراضي العربية - واجب طرد السفير -بالروح بالدم نفديك يا شهيد - يا شهيد لاتهتم الحرية تفدى بالدم ….
ثم تتجمع الأصوات في صوت واحد يزيد الجميع لحمة وقوة :
حماة الحمى يا حماة الحمى .....هلموا هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في عروقنا الدماء ...نموت نموت ويحيا الوطن ....
كانت الأصوات حينها تُنحت من الحنجرة بعفوية تجمع الجميع رغم اختلافهم ...يذكر انه كان يطلب من رفاقه الطلبة قبل تخطي الشارع بتحويل السيارات الرابضة وسد الطريق بها على فرق البوب ( فرق التدخل السريع) حتى لا تلحق بهم وتفسد عرسهم ...كانت خطته ناجحة أربكت أجهزة الأمن ..التي لم ترى بدّا من استدعاء فرقة الأنياب ( فرقة خاصة أمنية لتدريب الكلاب) لتفريق المظاهرة ..يذكر كيف عضه كلب وكاد أن يمزق عضلات ساقه لولا شجاعة بعض الرفاق الذين فكوه من قبضة محققه...حملوه عدْوا على الأكتاف ..حتى تواروا به في باب دزيرة ( باب في المدينة القديمة) .
..خمسة عشر سنة مرت على ذاك الحدث ...كم هي قصيرة الحياة ..دلف إلى الحمام بعد أن تعب في البحث عنه ...تلذذ حرارة البخار الصاعدة منه ..استلقى بكل ثقله عند النحاسة (البيت الذي يغلى فيه الماء )...طافت به الذاكرة عند الأهل ...كيف سيتصل بهم ..لم يعد يذكر رقم عمه الوحيد في القرية والأموال التي تركت له في السجن هي فقط ثلاثون دينارا قد لاتكفيه لمبيت ليلة ولعشاء وتبغ و...
تذكر فجأة أن له رفيقا صديقا شهر الجنيور الوحيد الذي يشتغل وقتها ويتزود منه أحيانا ببعض الدراهم ..سمي هكذا لكونه مهندس سياقة يذكر مكتبه في لافايات في إدارة جوازات السياقة بوزارة النقل ..هل ترى مازال هناك؟؟؟
استفاق من تداعي أفكاره وذكرياته على كتلة لحم تنز عرقا كأنها قطعة صلصال تتجفف ...انه الطيّاب ( مدلك الحمام) يسأل ان كان يريد تدليكا قبل أن يغادر ...أعجبته الفكرة ...قفز مسرعا :هيا أنا جاهز .
كان يشعر بلذة لا تضاهى وهو مسلم الروح والجسد المتهالك لهذا العملاق من صلصال ...الفرق واضح بين هذا الوحش اللطيف وبين "قعبوط"..كان قعبوط يخير السجناء عند حدوث تمرد في السجن أو عقوبة سجين لم يعجبه تصرفه بين صفعة واحدة أو أسبوع في زنزانة انفرادية ...يذكر انه مرة خير الصفعة وانه غاب بعدها عن الوعي لأسبوع أو يزيد لم يعد يذكر ...يده جامدة صلبة كقطعة حجر فظة ...قالوا إن صفعته تولد ارتجاجا حادا في الدماغ ...تجزم أنه لايملك قلبا بين ضلوعه كالبشر ...بعضهم قال انه من "إحدى قرى أطفال بورقيبة "( قرى خيرية أنشأها الزعيم الراحل للأطفال فاقدي السند) ...لا ضير في ذلك مادام ابن زانية ليس له أب أو أم .....
قطع عنه المدلّك حبل أفكاره ...حين ربت على كتفه : بالشفاء والهناء ...قم اغتسل ...شكره ...ونقد صاحب الحمام ...وخرج خفيف الروح والجسد ...كأنه ولد لتوه ...
اشتهى قهوة ساخنة ...حين دغدغت انفه رائحتها ...عند مروره أمام مقهى شعبي بدأ يلفظ زبائنه ...أشار للنادل: قهوة سريعة وخفيفة رجاءا ..تلذذ مذاقها ..منذ زمن لم يتذوق نكهة الكافيين ...ترنّم على أنغام ام كلثوم ..بعيد عنك حياتي عذاب ..قهقهات الثملين ..حكاياتهم عن الكرة لم تعجبه ..أخذ رشفة كبيرة وغادر.
تناهى إلى سمعه وهو يفتح غرفته بالنزل صوت نسائي رخيم...تباطأ في وضع المفتاح بالقفل..أحدث صريرا بالمزلاج ..لغاية في نفسه ...لم يتأخر الرّد ...خرجت واحدة من الغرفة المجاورة في ملابس خفيفة ...بين شفتيها سيجارة ...افتعلت حوارا معه :هل معك كبريت ؟ عرف من كلامها إنها جزائرية ...نعم معي بالغرفة ..تفضلي ...قبلت عرضه أو هي كانت تنتظر هذا الرّد ...
في الصباح ..بحث في لافايات عن صديقه " الجنيور " قيل له انه انتقل للعمل في بنزرت .
يا للخسارة ..
تحركت قدماه في تثاقل نحو محطة باب الخضراء لسيارات الأجرة ...رأى وجها يعرفه ...سائق سيارة أجرة ابن قريته ...أخذته الغبطة ...فسحب نفسا طويلا من سيجارته ...
- مرحبا
- تفضل
- أريد غرفة أبيت فيها الليلة
- اعطني بطاقة هويتك و10دنانيروهذه الاستمارة عمرها
- بينما بدا بفعل ما طلب منه تسائل هل لديكم حمام ساخن
- لعن المارد الماء وشركة الماء والتطهير وشركة الغاز ..الماء عندنا فقدانه أكثر من وجوده ومع ذلك ندفع فواتيرنا بانتظام دائما
- فهم عمر أن الحمام ليس جاهزا
- وقبل أن يسال ..كلمه المارد هناك حمام قريب من هنا في باب الخضراء حمام السلام .
- حسنا ..استحسن فكرة الحمام الذي قد يزيل عنه أوجاع سنوات عشر ...وخاطب نفسه مازحا ربما لاحظ الرجل إنني لم استحم منذ سنوات فقرر أن لا أعفر له المكان بأوساخ ما انزل الله بها من سلطان ..
في الشارع إلى باب الخضراء مر على حديقة الباساج ( حديقة الجمهورية) تناهى إلى سمعه قهقهات صعلوكين ثملين يديران حوارا اخرقا عن الفرق بين المرأة والنبيذ يجيب احدهما بان كلاهما حلو يثير لذة الرجل...ثم ينغمسان في قهقهات متصعلكة ...تنم عن سوء أدب واضح أو عن ثمالة تجعلهما لا يحفلان بمن حولهما ..علق عمر صامتا ..انتهت مشاكلنا لم يعد لنا في هذا البلد من قضايا سوى المرأة والنبيذ...مر على محطة الحافلات ..تذكر كم وقف هنا ينتظر حافلة تنقله للمركب الجامعي...تقف امرأة وحيدة متحفزة في ناصية إحدى ممرات المحطة تنتظر حافلة قد لا تأتي ..صعلوكان يتربصان بها قرب سياج الحديقة ...حين تقف دورية للأمن تطالبها بهويتها ووجهتها ..عرض احدهما إيصالها إن لم تجد سيارة أجرة ...قهقه في داخله ..صار يعرفهم جيدا ...هل حقا سيوصلونها لو قبلت عرضهم ...تخطى مسرعا نحو باب الخضراء ...في هذا المكان منذ خمسة عشر سنة كان هنا يحتل الشارع هو ورفاقه ...يذكر وقتها كان في المبيت الجامعي بمنوبة حين تنادى الرفاق إلى مسيرة طلابية شعبية للتنديد بالامبريالية الأمريكية لاعتدائها الإجرامي على الشقيقة ليبيا ...لقد فعلها ريغن ...نفذ تهديده وقصفت طائراته مدنيين أبرياء ليبيين ....خرج الجميع للشارع في حركة عفوية من كل الأجزاء الجامعية ...تناسى الجميع خلافاتهم السياسية من على حجرة سقراط (مكان للتجمع والنقاش الساخن في المركب الجامعي) ..كان هنا يصعد فوق السيارات الرابضة ...يخاطب الطلبة بحماسة منددا بالامبريالية والرجعية .مطالبا بطرد السفير الأمريكي وإنهاء مصالح أمريكا في كل بلد عربي فتهتز الشعارات من الحناجر الصغيرة تجاوبا معه مازال يسمع هذه الشعارات ترن في اذنه إلى الآن :
لامصالح أمريكية على الأراضي العربية - واجب طرد السفير -بالروح بالدم نفديك يا شهيد - يا شهيد لاتهتم الحرية تفدى بالدم ….
ثم تتجمع الأصوات في صوت واحد يزيد الجميع لحمة وقوة :
حماة الحمى يا حماة الحمى .....هلموا هلموا لمجد الزمن
لقد صرخت في عروقنا الدماء ...نموت نموت ويحيا الوطن ....
كانت الأصوات حينها تُنحت من الحنجرة بعفوية تجمع الجميع رغم اختلافهم ...يذكر انه كان يطلب من رفاقه الطلبة قبل تخطي الشارع بتحويل السيارات الرابضة وسد الطريق بها على فرق البوب ( فرق التدخل السريع) حتى لا تلحق بهم وتفسد عرسهم ...كانت خطته ناجحة أربكت أجهزة الأمن ..التي لم ترى بدّا من استدعاء فرقة الأنياب ( فرقة خاصة أمنية لتدريب الكلاب) لتفريق المظاهرة ..يذكر كيف عضه كلب وكاد أن يمزق عضلات ساقه لولا شجاعة بعض الرفاق الذين فكوه من قبضة محققه...حملوه عدْوا على الأكتاف ..حتى تواروا به في باب دزيرة ( باب في المدينة القديمة) .
..خمسة عشر سنة مرت على ذاك الحدث ...كم هي قصيرة الحياة ..دلف إلى الحمام بعد أن تعب في البحث عنه ...تلذذ حرارة البخار الصاعدة منه ..استلقى بكل ثقله عند النحاسة (البيت الذي يغلى فيه الماء )...طافت به الذاكرة عند الأهل ...كيف سيتصل بهم ..لم يعد يذكر رقم عمه الوحيد في القرية والأموال التي تركت له في السجن هي فقط ثلاثون دينارا قد لاتكفيه لمبيت ليلة ولعشاء وتبغ و...
تذكر فجأة أن له رفيقا صديقا شهر الجنيور الوحيد الذي يشتغل وقتها ويتزود منه أحيانا ببعض الدراهم ..سمي هكذا لكونه مهندس سياقة يذكر مكتبه في لافايات في إدارة جوازات السياقة بوزارة النقل ..هل ترى مازال هناك؟؟؟
استفاق من تداعي أفكاره وذكرياته على كتلة لحم تنز عرقا كأنها قطعة صلصال تتجفف ...انه الطيّاب ( مدلك الحمام) يسأل ان كان يريد تدليكا قبل أن يغادر ...أعجبته الفكرة ...قفز مسرعا :هيا أنا جاهز .
كان يشعر بلذة لا تضاهى وهو مسلم الروح والجسد المتهالك لهذا العملاق من صلصال ...الفرق واضح بين هذا الوحش اللطيف وبين "قعبوط"..كان قعبوط يخير السجناء عند حدوث تمرد في السجن أو عقوبة سجين لم يعجبه تصرفه بين صفعة واحدة أو أسبوع في زنزانة انفرادية ...يذكر انه مرة خير الصفعة وانه غاب بعدها عن الوعي لأسبوع أو يزيد لم يعد يذكر ...يده جامدة صلبة كقطعة حجر فظة ...قالوا إن صفعته تولد ارتجاجا حادا في الدماغ ...تجزم أنه لايملك قلبا بين ضلوعه كالبشر ...بعضهم قال انه من "إحدى قرى أطفال بورقيبة "( قرى خيرية أنشأها الزعيم الراحل للأطفال فاقدي السند) ...لا ضير في ذلك مادام ابن زانية ليس له أب أو أم .....
قطع عنه المدلّك حبل أفكاره ...حين ربت على كتفه : بالشفاء والهناء ...قم اغتسل ...شكره ...ونقد صاحب الحمام ...وخرج خفيف الروح والجسد ...كأنه ولد لتوه ...
اشتهى قهوة ساخنة ...حين دغدغت انفه رائحتها ...عند مروره أمام مقهى شعبي بدأ يلفظ زبائنه ...أشار للنادل: قهوة سريعة وخفيفة رجاءا ..تلذذ مذاقها ..منذ زمن لم يتذوق نكهة الكافيين ...ترنّم على أنغام ام كلثوم ..بعيد عنك حياتي عذاب ..قهقهات الثملين ..حكاياتهم عن الكرة لم تعجبه ..أخذ رشفة كبيرة وغادر.
تناهى إلى سمعه وهو يفتح غرفته بالنزل صوت نسائي رخيم...تباطأ في وضع المفتاح بالقفل..أحدث صريرا بالمزلاج ..لغاية في نفسه ...لم يتأخر الرّد ...خرجت واحدة من الغرفة المجاورة في ملابس خفيفة ...بين شفتيها سيجارة ...افتعلت حوارا معه :هل معك كبريت ؟ عرف من كلامها إنها جزائرية ...نعم معي بالغرفة ..تفضلي ...قبلت عرضه أو هي كانت تنتظر هذا الرّد ...
في الصباح ..بحث في لافايات عن صديقه " الجنيور " قيل له انه انتقل للعمل في بنزرت .
يا للخسارة ..
تحركت قدماه في تثاقل نحو محطة باب الخضراء لسيارات الأجرة ...رأى وجها يعرفه ...سائق سيارة أجرة ابن قريته ...أخذته الغبطة ...فسحب نفسا طويلا من سيجارته ...