أحمد منير (فاروق مواسي) - الرّبَــذي

أقول في نفسي: لا يمكن أن يكون هذا الشعر المتمكن الذي تنشره "الاتحاد" للربذي إلا لشاعر في مستوى سميح القاسم، إنه شعر مثقف ، تلميح ذلك من خلال كل مقطوعة ومقطوعة.

وبدءًا فالربذي نسبة إلى الربذة ، والربذة هي بلدة من قرى المدينة المنورة على بعد ثلاثة أيام باتجاه مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغِفاري (واسمه جُندَب بن جنادة -ت32 هــ 652م) وكان قد خرج إليها مغاضبًا لعثمان بن عفان إلى أن مات فيها. والسؤال المطروح أولا: هل ينسب (الربذي)* نفسه إلى الغفاري؟ وما هي علاقته به؟

والإجابة: أن الشاعر ينسب نفسه إلى الفعل، إلي النفي (الطوعي أو القسري)أكثر مما ينسب نفسه إلى تاريخ شخص له موقف فخابت آماله وأحلامه.

فهل الربذي هو سميح القاسم ؟

قد يكون إياه، خاصة وأن سميحًا يحسن هذه الأيام (أعترف أم لم يعترف) بخيبة أمل مما يجري مخالفًا لطموحاته السياسية، فأين حلم الوحدة العربية ؟ وأين أحلام الاشتراكية؟ وأين الحلم الفلسطيني-كما بدأ-؟

لذا فقد يكون مضمون الشعر سميحيًا قاسميًا في قوله:

وأرى مدناَ

في ثياب الحداد المزركشة الزاهية

مدنًا فوق أدمعها طافية

في ميادينها

خيمتي الخاوية

ولكنه لن يكون على نفس النفَس التلقائي الموحي في المستوى الشكلي .إنه باختصار ليس سميح القاسم كما نعرفه،رغم ما نجد من ملامح التجديد في الطرح الصوفي، وكذلك في طرح بعض الرؤية الدينية كما يتجلى على الأقل في هذه المقطوعة:

يظهر مرتين/في معطفي

ومرة في جبة الحسين/ويختفي

للمرة الأخيرة

مبتدئًا ظهوره

فإن كانت القصيدة(المطولة) هذه لسميح فإنني أدعوه لأنه يفصح عن أسمه المستعار،ويعنون قصيدته بعنوان"الربذي"،بدلا من كتاب المنفي"،وبذلك يكون قد أنطق بطل القصيدة الراوي بما يعتلج في نفسه وفي خاطره.

وان لم تكن القصيدة للشاعر سميح القاسم فتحية لصاحب القصيدة،لأنه ينحو منحى شاعر نفخر به،وتعتز به فلسطيننا شعرًا وفكرًا.

ويبقى سؤال آخر:

ترى هل يقصد الشاعر "الربذي أنه منسوب إلى(الربذة)بمعنى الشدة؟

أم انه قصد الانتساب إلى موسى بن عبيدة الربذي؟ والعجيب أن هذا الأخير ذكروا عنه أنه محدث،وقالو عنه:"وهو ضعيف الحديث جدًا وهو صدوق "(انظر مادة"ربذة"في معجم البلدان لياقوت الحموي).

وتحية حب رغم ذلك.

الاتحاد 15/11/1991

*أول من استعمل ( الربذي ) في القاموس الشعري مظفر النواب ( انظر : وتريات ليلية ، ص 77 ، 96 ) .




** أحمد منير (فاروق مواسي)
أعلى