هل نستطيع تقدير مساحة الابداع التي حققها اصدار البصرة أواخر القرن العشرين في جسد السردية العراقية ؟ بالتأكيد يتمحور السؤال حول الحضور اللافت للنظر في الانجاز ، والمتعلق أما بحداثة موضوعات وتقنيات النصوص المنشورة ، أو له علاقة وطيدة بالشرط التاريخي الذي أنتج في ظله الاصدار . اذا أردنا الإجابة بمصارحة شديدة للذات ، نجد أن القصص المنشورة في العدد الاول لم تستجب لشرطها التاريخي ابداعيا ، وإنما استعانت بخزين الذاكرة وهو على قدر كبير من الأهمية ، لكنها كفعل ثقافي جاء نتيجة لما حدث من حيث الرؤية والعمل ، مؤسسا رؤاه خارج اشتراطات المؤسسة الثقافية المهيمنة آنذاك ، هذا التجاوز لسياق الانتاج أعطى للإصدار أهمية كبرى ، كونه جاء في زمن مازال الوسط الثقافي يعيش حالة من الاضطراب والفوضى على مستوى التفكير والعمل ، فكان أول فعل ثقافي يظهر متجاوزا الخراب والدمار الذي حدث في بنية المجتمع وخارج السياقات المعتادة في الانتاج والتوزيع . أقف عند هذه النقطة كإجابة ناقصة لغرض البحث عن الآلية المتبعة في اصدار العمل . استطيع القول وبكل صراحة ، كان معيارنا الوحيد هو العفوية ، وأقصد بها ، مفاتحة الاصدقاء الراغبين الانتماء للجماعة ثم جمع النصوص وطبعها . استخدام هذا الاسلوب ترك أثره في النظر للعمل بكليته بوصفه عملا جماعيا، لكنه لم يكتب على وفق تصورات ورؤى مشتركة بل كان لكل كاتب حريته في التناول مما خلق تفاوتا في النصوص اخفتها النظرة العامة للعمل . لم تكتف الجماعة بحدود الداخل لضيق متاحات الحرية فآثرت انفتاح التجربة الى الخارج لترسيخها وتطوير آلياتها . لا يخفى على المتابعين لنشاط الجماعة استمرار النهج ذاته طيلة سنوات اصدارها . كما خلت التجربة من المراجعة والتقويم للعمل ، لكنها بشكل عام كانت نشاطا حقق حضورا لها كتجربة وللمسهمين فيها .
كامل فرعون : جماعة البصرة أواخر القرن العشرين (رؤية خاصة) (ملف/1)
كامل فرعون : جماعة البصرة أواخر القرن العشرين (رؤية خاصة) (ملف/1)