محمد عارف مشّه - تعب الكتابة

الكتابة فعل إنساني راق ، يقوم على فعل ثقافي إبداعي ، يهدف من خلال هذا الفعل إلى نقل مشاعره ومشاعره من حوله ، للوصول إلى حل مرض يقبله العقل ، في جو من تسوده العدالة الإجتماعية ، والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع شرائح المجتمع الانساني ، بغض النظر عن الجنس واللون والمكان ، فالناس سواسية أمام الحياة .
يعيش الكاتب في حالة قلق مستمر . فإذا كتب شعر بالرضى المؤقت ، سرعان ما ينتابه القلق من جديد . وإن لم يكتب وجافاه فلمه ، شعر بالقلق أيضا . فيسرع إلى ملاذه ، قراءة واطلاعا وتثقيفا لنفسه . وقد يعود له حرفه متألقا مبدعا من جديد ، فيشعر بالرضى المؤقت ، وقد لا ينتشي بنشوة الكتابة ، وانتصاره على جفوة الكتابة ، فيصاب بشيء من الاكتئاب ، وعدم الرضى عن النفس ، وهذا شيء طبيعي في حياة كل كاتب .
وليست هذه المشكلة فقط ، بل المشكلة الحقيقية التي يعاني منها الكاتب الحقيقي، هو عدم رضاه الكامل عمّا يكتب حتى لو مدحه كل نقاد العالم ، فتسري في عقله، وتسيطر على حواسه ومشاعره مقولة : ليتني أكتب ما بداخلي . فهل يستطيع الكاتب كتابة كل ما بداخله بصدق ، دون خوف من السلطة السياسية والمجتمعية ، وغيرها من السلطات التي تشهر السيف أمام الكاتب ، وتلوّح به كلما حاول الكاتب الاقتراب من مصالح السلطات ، والإضرار بمصالحها ، أو بجزء منها ؟ بل السؤال هل يعرف الكاتب حقيقة ما بداخله فعلا ، كي يكتبه و يعيش حالة من الرضى ؟. البعض لا يعرف ، والبعض الاخر يعرف ويصمت ، فيعيش الكاتب في صراعين ما بين لا يعرف ولا يبحث عن الحقيقة ، أو أنه يعرف ويصمت ، أو يتم إجباره على الصمت ، فإن صمت نجا ، وإن لم يصمت طاردته دبابير السلطة وزبانيتها في لقمة عيشه ، واغتياله جسديا أو معنويا ، وفي الحالتين موت الكاتب صمتا وقهرا وفقرا وتهميشا .
وعلى المستوى الفردي ، لا يعني أن ما يكتبه المبدع ، لا يفي بالغرض أو أنه أقل مستوى ، بل يشعر دائما أن القادم سيكون أفضل ، عما كتب في السابق . فينتابه الشعور بالقلق من جديد ويسأل نفسه ذات السؤال : ترى هل هناك ما هو قادم جديد أجمل ، هل ما أكتبه يستحق أم الهدف إرضاء الذوق العام والنقاد ، والسلامة من كل أثم أمام السلطات القامعة له ؟ .
يظل السؤال محيرا ، يضج في رأس الكاتب كزنين النحل ودبيب النمل ـ إلى أن تجيئه حالة المخاض من جديد . فيفرح كأم بجنينها الأول . ويركض لغرفة ولادته ، يغلّق على نفسه ابواب مكتبه ، ويهمس للحرف هيئت لك . فيجي الحرف منسابا سلسا كشلال يتذوق الكاتب ماءه بنشوة وضحكة .
يعيد قراءة ما كتبه أكثر من مرة . ويجيء إليه الرضى عما كتب لنفسه متجليا للحظات مقتنعا بنفسه . يرى إعجاب الاخرين والنقاد الجادّين في مخيلته بما كتب قبل أن يتم نشره مقالته أو ما كتب في القصة والشعر وغيرها من صنوف الإبداع . لحظات أو سويعات سرعان ما يقتحم القلق عالمه من جديد ، هل كتبت كل ما أريد قوله فعلا ، أم كتبت ما تريده سلطة الناقد وسلطة القاريء وسلطة الحاكم والمجتمع و كل السلطات القامعة ، فيعمل على تجميل ما كتب تقشيبا ، حذفا وقصا وزيادة في التجميل حتى ينال الرضى والمباركة من سيد ما ؟ . فيصاب الكاتب الحقيقي بالإحباط من جديد منتظرا عملا إبداعيا جديدا . ألم أقل لكم لا تكتبوا ، فإن الكتابة متعبة ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى