عبد السلام الرجواني - دفاعا عن قيم اليسار

ليس كل من ادعى انه ينتمي لليسار هو فعلا يساري، بل ان كثيرا من يحسبون أنفسهم من عتاة اليسار لا علاقة لهم بالفكر اليساري وبقيم النضال اليساري كما أسس لها كبار المنظرين الاشتراكيين وجسدتها الأحزاب اليسارية عبر تاريخ نضالي مجيد مفعم بقيم إنسانية نبيلة من قبيل التضامن والتسامح و السمو بالإنسان وحفظ كرامته.

حتى الأحزاب الماركسية في نسخها المختلفة ( لينينية وماوية وستالينية) التي تبنت مقولة الصراع الطبقي وديكتاتورية البروليتاريا ونهجت طريق الثورة الشعببة او اختارت الكغاح المسلح، كانت ضد الفوضوية وكل النزعات الداعية إلى تخريب الممتلكات والاعتداء على المواطنين بدعوى العنف الثوري المفترى عليه من قبل ثوريي اخر زمان الذين حولوا الجامعة المغربية إلى مسرح للجريمة المنظمة.
من المؤسف حقا والمؤلم جدا أن تمارس بعض " الفصائل الطلابية" جرائم موصوفة باسم اليسار وباسم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ممارساتهم هذه أساءة لليسار المغربي بكل اطيافه وخيانة للمبادئ والقيم التي ضحى من اجلها المهدي وعمر وزروال وسعيدة وكل الشهداء، بقدر ما هي تنكر للتراث الفكري للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي اسس لمدرسة عريقة في الديمقراطية القائمة على الاعتراف بالاختلاف والتعدد وعلى الحوار والجدل الفكري.
لم أتخيل يوما،أنا المنتمي ل: أ.و.ط.م وفي نفس الوقت لمنظمة 23 مارس زمن السبعينات، أن تؤول أوضاع ساحات جامعاتنا إلى ما هي عليه الان من تشرذم وتطرف واقتتال وعنف غير مبرر إلى جانب ضحالة فكرية وهزال معرفي. كنا نحلم ونكافح من اجل ان تكون الجامعة منارة للفكر ومعينا للكفاءات ومدرسة للتكوين السياسي الملتزم بقضايا الوطن الكبرى. واجهنا القمع بكل صنوفه بالكلمة القوية والموقف الثابت والوفاء للمبدأ دون أن تمتد أيادينا يوما ولو لمخبر معلوم او جلاد مشهور. ناضلنا ضد نظام استبدادي من أجل الحرية والديمقراطية،وناصرنا الثورة الفلسطينية وحركات التحرر في العالم، ونددنا بزيارة بيريز وبالتدخل المغربي في الزايير... تلك هي القضايا التي نذر اليسار الاصيل والجدير بالانتماء لفكر اليسار نفسه للدفاع عنها. نعم حسمت قضايا، وطرحت قضايا جديدة، في سياقات وطنية ودولية مختلفة، تطلبت من اليسار الديمقراطي تجديد طروحاته ومواقفه واستراتيجية نضاله، بما يخدم تقدم المجتمع نحو الديمقراطية الحقة والتنمية العادلة. غير ان تيار العدمية الوطنية واليسار الطفولي لم يملك الوعي التاريخي الضروري لتطوير وعي مطابق للصيرورة التاريخية فبقي أسير لحظة الولادة. والأدهى أن هذا "اليسار" لم يزدد مع الزمن إلا تياسرا وعدمية ومغامرة. ولذلك فإن لجوء دعاة الثورة إلى العنف المجاني والاعتداء الجسدي على فتاة كادحة دليل على إفلاس سياسي وأخلاقي لفصيل انحرف منذ زمان عن المبادئ المؤسسة ل: أ.و.ط.م، وما أعتقد أن زعماءه فهموا شيئا مما اطلعوا عليه من أدبيات اليسار وفلسفة اليسار التقليدي والجديد. وبالمناسبة نقول للاسلامويين الذين وجدوا في جريمة مكناس ضالتهم للتشهير باليساريين دون تمييز على نحو مغرض وخبيث، بأن عنف اليسراويين الجدد ليس إلا الوجه الآخر لعنف بعض الفصائل الاسلاموية التي دشنت تراجيديا الدم والقتل منذ اقتحامها للحرم الجامعي مدججة بالسواطير وحناجر " مجاهديها" تردد : خيبر خيبر يايهود، جيش محمد سيعود".

عبد السلام الرجواني
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 05 - 2016


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى