من رحم المحنة خرجنا، نحمل ملامحنا، يحف بنا الرفض والمجاهدة والفرادة، من رحم الغبش الشعباني وفجر اذار تجلت الرؤيا، لتكون لنا بمثابة هوية لا تحتل من خلالها مواقعنا في الانتفاضة العارمة والمتجانسة التي اندلعت اثر هزيمة النظام في حربه الثانية، من هنا بدأنا نسكب وضوحنا المهمش على بياض الاوراق، بدأنا نصوغ اسئلتنا حول الانسان، وهو المضمون المتعالي والجوهري في السؤال الوجودي الكبير، أبتدأنا بالتركيز على اقصى درجاته محاولين العثور على الكينونة التي تتشكل في الزمن الحرج، تلك الكينونة التي ستصبح فيما بعد مسار عقد من الابداع، عشنا من خلاله بمنأى عن الابتلاع والتجيير الذي تقوم به السلطة لصالحها. اصدرنا منجزنا الابداعي على شكل مجلات قصصية مستنسخة شبه سرية بعيدا عن الحلقات التي تحكمها الدوائر الرسمية.
من هنا شكلت الجماعة عبر اصداراتها المتتالية نوعا من انواع العصيان، رافضة ارتداء اقنعة المهادنة والامتثال والرضوخ، فمهمتنا كانت تتمثل بالتكامل ومنع الذبول والترهل الفكري والاخلاقي، وبقدر متفاوت كنا نبحث عن التجانس فيما بين رفضنا للسلطة واعمالنا القصصية كنا نسبغ على رؤانا طابعا تغييريا ومبدئيا انسانيا بالغ الدقة والوضوح، كنا في سياق تاريخي حرج مع السلطة التي لا تسمح بالتعارضات والتباين معها، لا تسمح باي شيء سوى المشاركة في الحروب وكرنفالات الدم. فما كان علينا الا ان نتخذ من المعاناة والتمرد والوضوح ثيمات لأعمالنا لأن ماينكسر في الخارج يرن داخله في تجارب تضخه من جديد وتضفي عليه هويته، فعملية اظهار التشوهات والانحرافات التي نتجت عن سياسات النظام وأظهارها يعد بمثابة شجب لها، فما قمنا به ليس مجرد تقاطع مع الواقع الثقافي السائد الذي راح يجتر منجزه من خطاب السلطة المقيت، بل تعداه الى ابعد المديات ليحول فوضى الحروب واضطراباتها الى فعل خالص ينأى به مبدعوه بعيدا عن تبريرات منظري الحروب وعرابيها، فبشيء من الجرأة وقوة القلب استطعنا ان نشيد صرح القصة العراقية المضادة برجولة فائقة ومنقطعة النظير غير آبهين بعمليات الاخصاء المعرفي والعقم الابداعي التي كانت تقوم بها مؤسسات السلطة. اجتزنا الانفاق المظلمة، انفاق الاقصاء والتهميش، اشتغلنا في مجال ملتهب، مجال المغايرة والوضوح، كتبنا قصة الحدث المرير، قصة الحرب برؤيتها المغيبة، قصة الحصار المزدوج السلطوي والدولي، قصة الموت الجماعي، قصة الترمل واليتم، قصة المنفى، كما كتبنا قصة الحب الشامل والكبير . رحنا نصوغ عبر نصوصنا ابعاد عالمنا، هذا العالم المعقد المفعم بالتناقضات والتمردات والاشجان والانتصارات والاخفاقات، كنا نتحرك في كل هذه المجالات، نطرح اسئلة ونتعاطى اجوبتها عبر مجابهة الزيف والتدمير القاسي للبراءة بالسلاح الذي تستحقه، بالمفارقة وعدم مشاركتنا برقصة الموت المجنونة وصخب الدم، هكذا عملنا عبر الموقف الصلب والتساؤل الذاتي العميق الذي ولدته قساوة السلطة. لم يزدنا اجهاض الانتفاضة عام 1991 بفعل التآمر العربي الرسمي ولعبة المصالح الدولية الا اصرارا، نسجنا أرديتنا الابداعية بعيدا عن نسيج الخطيئة والخيانة وتبرير السلوك الاجرامي الشامل الذي طال الانسان والبيئة والحيوان، كنا النساجين الامناء لما يجري من حولنا.
قد يجد المتتبع لتجربتنا تجربة البصرة اواخر القرن العشرين بعض الاقتضاب والعفوية في اللغة سيجد لغة المبدع المجهول المهمش حين يخفي يأسه ويعلن تمرده عندما يكتب، سيجد التجسيد المباشر للرؤيا الفلسفية عبر صيغ التحليل للواقع الراهن، وقد يستغرق في تتبعه بين الدلالات باحثا عن بذرة تمكنه من استخلاص شفرات نواتها، فالتورية هنا حصانة المعركة الابداعية، قد يرى في بعض القصص تقنيات نأت بمساراتها خارج ما هو متعارف عليه في الفن القصصي الا ان ثقل الوعي بالواقع الراهن المتشظي يغني بدوره الاسلوب ليصبح ذلك عنصرا مكملا وايجابيا داخل الفعل الابداعي لمنجز الجماعة. كان هدفنا من كل ذلك العمق وليس الامتداد، فالتمرد الذي مارسناه عبر اصداراتنا كان تمردا ضد شكل من اشكال القص الذي كرسه البعض ليبارك من خلاله فعل السلطة الاجرامي كيما ينال حظه من الغنيمة دونما حياء. فمعظم ثيمات نصوص جماعة البصرة اواخر القرن العشرين، ان لم يكن جميعها، تعد بمثابة شواهد حية وعلامات فارقة مفعمة بالمواقف الجريئة ازاء ما حدث وعلى مدى العقد الاخير من عمر السلطة حيث تجلى هذا من خلال قدرتها على رسم ملامح الواقع المرير واعادة وصفها للاحداث والمشكلات والملابسات والتشوهات لكن اعادة رسم هذا الواقع ليست مجرد تحويله الى ثيمة كيما تختفي داخل الشكل الذي تنتجه بوصفها انعكاسا للظرف الراهن، انها الحقيقة التي استطاعت ان تجعل من بعض اليقينيات الراسخة في اذهان البعض تهتز بفعل تجربتنا التي كانت بمثابة نوع من انواع العصيان المستمر وكل المحاولات التي كانت تريد اخضاع طبيعتها الرافضة باءت بالفشل (يمكن للادب ان يموت لكنه لن يكون ممتثلا ابدا) من هنا يستطيع الادب تحقيق شرطه في الديمومة والرسوخ ليكون شاهدا على العصر. اذ انه يسهم في الاكتمال الانساني ويحول دون تفشي الذبول الروحي والصمت السلبي، فمهمتنا كانت التحريض والاقلاق والازعاج لأن ماحدث عندنا من حروب وقمع وتجويع وتشريد وموت جماعي كان بمثابة اسباب حقيقية تجعلنا غير قابلين للامتثال لصناعها فما زال واقعنا المختلج يتمخض عنه الكثير الكثير من الاحداث والاحلام والشهادات والكوابيس والرؤى.
من هنا شكلت الجماعة عبر اصداراتها المتتالية نوعا من انواع العصيان، رافضة ارتداء اقنعة المهادنة والامتثال والرضوخ، فمهمتنا كانت تتمثل بالتكامل ومنع الذبول والترهل الفكري والاخلاقي، وبقدر متفاوت كنا نبحث عن التجانس فيما بين رفضنا للسلطة واعمالنا القصصية كنا نسبغ على رؤانا طابعا تغييريا ومبدئيا انسانيا بالغ الدقة والوضوح، كنا في سياق تاريخي حرج مع السلطة التي لا تسمح بالتعارضات والتباين معها، لا تسمح باي شيء سوى المشاركة في الحروب وكرنفالات الدم. فما كان علينا الا ان نتخذ من المعاناة والتمرد والوضوح ثيمات لأعمالنا لأن ماينكسر في الخارج يرن داخله في تجارب تضخه من جديد وتضفي عليه هويته، فعملية اظهار التشوهات والانحرافات التي نتجت عن سياسات النظام وأظهارها يعد بمثابة شجب لها، فما قمنا به ليس مجرد تقاطع مع الواقع الثقافي السائد الذي راح يجتر منجزه من خطاب السلطة المقيت، بل تعداه الى ابعد المديات ليحول فوضى الحروب واضطراباتها الى فعل خالص ينأى به مبدعوه بعيدا عن تبريرات منظري الحروب وعرابيها، فبشيء من الجرأة وقوة القلب استطعنا ان نشيد صرح القصة العراقية المضادة برجولة فائقة ومنقطعة النظير غير آبهين بعمليات الاخصاء المعرفي والعقم الابداعي التي كانت تقوم بها مؤسسات السلطة. اجتزنا الانفاق المظلمة، انفاق الاقصاء والتهميش، اشتغلنا في مجال ملتهب، مجال المغايرة والوضوح، كتبنا قصة الحدث المرير، قصة الحرب برؤيتها المغيبة، قصة الحصار المزدوج السلطوي والدولي، قصة الموت الجماعي، قصة الترمل واليتم، قصة المنفى، كما كتبنا قصة الحب الشامل والكبير . رحنا نصوغ عبر نصوصنا ابعاد عالمنا، هذا العالم المعقد المفعم بالتناقضات والتمردات والاشجان والانتصارات والاخفاقات، كنا نتحرك في كل هذه المجالات، نطرح اسئلة ونتعاطى اجوبتها عبر مجابهة الزيف والتدمير القاسي للبراءة بالسلاح الذي تستحقه، بالمفارقة وعدم مشاركتنا برقصة الموت المجنونة وصخب الدم، هكذا عملنا عبر الموقف الصلب والتساؤل الذاتي العميق الذي ولدته قساوة السلطة. لم يزدنا اجهاض الانتفاضة عام 1991 بفعل التآمر العربي الرسمي ولعبة المصالح الدولية الا اصرارا، نسجنا أرديتنا الابداعية بعيدا عن نسيج الخطيئة والخيانة وتبرير السلوك الاجرامي الشامل الذي طال الانسان والبيئة والحيوان، كنا النساجين الامناء لما يجري من حولنا.
قد يجد المتتبع لتجربتنا تجربة البصرة اواخر القرن العشرين بعض الاقتضاب والعفوية في اللغة سيجد لغة المبدع المجهول المهمش حين يخفي يأسه ويعلن تمرده عندما يكتب، سيجد التجسيد المباشر للرؤيا الفلسفية عبر صيغ التحليل للواقع الراهن، وقد يستغرق في تتبعه بين الدلالات باحثا عن بذرة تمكنه من استخلاص شفرات نواتها، فالتورية هنا حصانة المعركة الابداعية، قد يرى في بعض القصص تقنيات نأت بمساراتها خارج ما هو متعارف عليه في الفن القصصي الا ان ثقل الوعي بالواقع الراهن المتشظي يغني بدوره الاسلوب ليصبح ذلك عنصرا مكملا وايجابيا داخل الفعل الابداعي لمنجز الجماعة. كان هدفنا من كل ذلك العمق وليس الامتداد، فالتمرد الذي مارسناه عبر اصداراتنا كان تمردا ضد شكل من اشكال القص الذي كرسه البعض ليبارك من خلاله فعل السلطة الاجرامي كيما ينال حظه من الغنيمة دونما حياء. فمعظم ثيمات نصوص جماعة البصرة اواخر القرن العشرين، ان لم يكن جميعها، تعد بمثابة شواهد حية وعلامات فارقة مفعمة بالمواقف الجريئة ازاء ما حدث وعلى مدى العقد الاخير من عمر السلطة حيث تجلى هذا من خلال قدرتها على رسم ملامح الواقع المرير واعادة وصفها للاحداث والمشكلات والملابسات والتشوهات لكن اعادة رسم هذا الواقع ليست مجرد تحويله الى ثيمة كيما تختفي داخل الشكل الذي تنتجه بوصفها انعكاسا للظرف الراهن، انها الحقيقة التي استطاعت ان تجعل من بعض اليقينيات الراسخة في اذهان البعض تهتز بفعل تجربتنا التي كانت بمثابة نوع من انواع العصيان المستمر وكل المحاولات التي كانت تريد اخضاع طبيعتها الرافضة باءت بالفشل (يمكن للادب ان يموت لكنه لن يكون ممتثلا ابدا) من هنا يستطيع الادب تحقيق شرطه في الديمومة والرسوخ ليكون شاهدا على العصر. اذ انه يسهم في الاكتمال الانساني ويحول دون تفشي الذبول الروحي والصمت السلبي، فمهمتنا كانت التحريض والاقلاق والازعاج لأن ماحدث عندنا من حروب وقمع وتجويع وتشريد وموت جماعي كان بمثابة اسباب حقيقية تجعلنا غير قابلين للامتثال لصناعها فما زال واقعنا المختلج يتمخض عنه الكثير الكثير من الاحداث والاحلام والشهادات والكوابيس والرؤى.