د. محمد عبدالله القواسمة - الحياة ليست للرجل وحده

في مسرحية" بيت الدمية" لهنريك إبسن Henrik Ibsen الكاتب المسرحي النرويجي(1828-1906م) تتمرد بطلة المسرحية نورا على الواقع الذي تعايشه مع زوجها؛ لأنه كان ينظر إليها كدمية، ويعاملها مثل طفلة صغيرة تحتاج إلى الدلال، وليس كإنسانة لها الحق في أن تخالط الناس، وتمارس الحياة بحرية وإرادة. وفي النهاية تسأم من أداء دورها في البيت، والتفاني في خدمة الزوج، وتحمّل الديْن من أجله، وتنتبه إلى ذاتها فتترك البيت والأولاد، وتصفق الباب وراءها.
كانت مسرحية" بيت الدمية" ثورة على المفاهيم السائدة في القرن التاسع عشر، التي تحدرت من تعاليم الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي كان يرى أن مهمة المرأة هي الإنجاب، وهي أقل شأنًا من الرجل، ولا تستحق أن تتمتع بما يتمتع به من حقوق، ولا تصلح للقيادة وتولي القضاء الذي يتطلب العقل لا الشعور؛ فهي سريعة الانفعال والتأثر، ورمز للجنس والخطيئة، وليس عليها إلا طاعة الزوج وخدمته والولاء له. لقد جلبت المسرحية المتاعب للمؤلف؛ حتى إنه اضطر أن يُغيّر في نهاية المسرحية فتعود نورا إلى البيت، كأن ما فعلته كان في لحظة غضب.
هل تحسن وضع المرأة سواء في الغرب أم في الشرق؟ هل تغيرت نظرة الرجل إليها؟ هل يتعامل المجتمع معها إنسانة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، أم أنه ما زال على النظرة الدونية إليها؟ بعبارة أخرى، هل ما زالت المرأة لعبة الرجل أو دميته كما صورها إبسن في مسرحيته؟
نلاحظ أنّ المرأة في الغرب، مع ما حققته من إنجازات علمية وأدبية، وما تبوأته من مناصب سياسية، ما زالت، في جوانب كثيرة من الحياة، يُنظر إليها بأنها مخلوق مادي جميل يصلح لترويج السلع في عالم التجارة والمال، ولا تخلو حياتها من النكد والعذاب، كالانتقاص من أجرها في العمل، والتعرض للعنف والاغتصاب، فعلى سبيل المثال، قتل عام 2015 في إسبانيا، كما تفيد البيانات الرسمية، 48 امرأة جراء العنف المنزلي. وفي فرنسا أظهرت بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية الفرنسية أن 134 امرأة قتلن بأيدي أزواجهن خلال عام 2014، كما تعرضت 164 ألف امرأة للعنف الجسدي، و33 ألف امرأة للعنف الجنسي، و26 ألفًا للعنفين: الجسدي والجنسي. هذه الدورة من العنف تُظهر أن فكرة المرأة الدمية في الغرب ما زالت تلاحق المرأة.
إذا كانت المرأة كذلك في الغرب فإنها في الشرق، وإن كانت في حالة أفضل مما كانت عليه في الماضي فأصبحت معلمة وطبيبة وممرضة وطالبة وتمارس بعض المهن، فما زالت تحت رحمة الرجل، وتُعامل في كثير من الأحيان انطلاقًا من التقاليد البالية كأنها عورة أو فتنة، أو في أحسن الحالات عبدة، كما يرى مفكر بوزن الإمام الغزالي في كتابه" إحياء علوم الدين" أن على المرأة إطاعة زوجها في كل ما يطلبه منها في نفسها بغير معصية الله؛ لأن النكاح نوع من الرق، وأن المرأة تبعًا لذلك رقيقة للرجل، وربما تبنّى الغزالي هذه الرؤية بتأثير تعاليم المعلم الأول أرسطو ونظرته للمرأة. لهذا بتنا نرى في أغلب البلاد العربية زيادة في جرائم القتل والتحرش بالمرأة، وسلبها الحقوق وبخاصة الميراث، واستخدام العنف لأتفه الأسباب، وقتلها بين أولادها وأهلها بحجة الدفاع عن الشرف.
إن الحالة التي وصلت إليها المرأة في بلادنا ليست من رواسب الماضي والتراث، وليس الرجل وحده المسؤول عن ذلك فحسب بل تتحمل المرأة نفسها بعض المسؤولية أيضًا؛ فهي التي اقتنعت بتحكم الرجل بمصيرها وجسدها، واستسلمت لفكرته عنها، كما فعلت نورًا في بداية مسرحية "بيت الدمية". وإذا كنت المرأة في الغرب يُنظر إليها كسلعة فهي في بلادنا لعبة. حتى إن المفكر العربي المصري سلامة موسى وضع كتابًا بعنوان" المرأة ليست لعبة الرجل" دعا فيه إلى ثورة النساء على ما هن عليه من أحوال متردية، والخروج للحياة مطالبة بحقوقها المسلوبة، ودرء النظرة المتخلفة عنها.
ما أردت أن أقوله في النهاية: إننا بني البشر إذا أردنا أن نعيش على هذا الكوكب بسعادة، وأن نمضي بهدوء إلى نهايتنا يحسن بنا الاعتراف بأن الحياة ليست للرجل وحده، فتوجد شريكة له، عليه أن يعترف بحقوقها، وأن يغيّر من نظرته إليها؛ فهي مخلوق حباه الله صفات الرقة والحنان؛ كي يعادل بها الوجه الآخر للحياة، بما فيه من جهامة وقسوة وخشونة. كما أن على المرأة أن تغيّر من نظرتها إلى ذاتها، وتتمرد على هذا الواقع الذي حشرها فيه الرجل؛ لتحقق إنسانيتها المهدورة، وتحيا بحرية وكرامة.


د. محمد عبدالله القواسمة


- مقال منشور في جريدة الدستور الملحق الثقافي الجمعة الماضية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى