يوسف الشريف - من خفيف القول… البدايات

البداية هي البداية، بداية القلم لا تختلف عن بداية العمر وعن بداية الأسئلة وعن بداية المغامرة، قلة تجربة وضعف في الوعي والثقة المفرطة في النفس أحيانا...
نعرف كل هذا عندما نعود إلى طفولة الكتابة فنكتشف أنها الوجه الآخر لطفولة العمر، نتمنى حينها لو أننا لم نكتب ما كتبنا على الصورة التي كتبنا بها، وهذا بالضبط ما يتفاعل في عقلي وقلبي وأنا أعود لقراءة بداية تجربتي في كتابة القصة بعد أكثر من ستة عقود…
أسأل نفسي هل كان من المحتم أن أرتكب كل هذه الأخطاء، أجيب دون تردد أن طفولة الأشياء في حياة الإنسان تتميز بهذا لأنها في بداية المعرفة ولم تحط بعد بكل أسئلة حياتها، هذا سيقع بالتقسيط في سنوات حياتها المقررة لها، وهذا بالضبط ما أراه الآن وأنا أقدم للقارئ بداية تجربتي في كتابة القصة…
حدث ذلك عندما بدأت القراءة في الكتب وكانت القصة والرواية هي سلك الحرير الذي بدأت تجربتي تغزله في حياتي الأدبية، بدأت القراءة وعشقتها في سن مبكرة قبل الثامنة، قرأت في ما أنتجه العقل الإنساني من قصة ورواية كتبتها أو ترجمتها أقلام عربية، ثم رأيت نفسي جاهزا لكتابة مثل ما يكتبون، ولم يكن هذا صحيحا على الإطلاق لكن الطموح كان له شأن آخر…
نشرت قصتي الأولى سنة 1959 ولم تكن قصة بل كانت حكاية من حياة الناس في ونقة الباز، حكاية بأحكام النقد الأدبي الجارية الآن لكنها في ذلك الزمان كانت تعني شأنا آخر، استقبلتها الأقلام الأدبية بحماسة ظاهرة وستصفها هذه الأقلام في ما بعد بأنها من تباشير المدرسة الواقعية، بعد سنوات سأجمع هذه البدايات وأشترك بها في مسابقة كتابة القصة القصيرة وتنال الجائزة الثالثة، حينها تقبلت الترتيب بنفس راضية لأنني ارتكبت الخطأ الذي سأعيده في ما كتبت في القصة القصيرة، أي أنني لم أعول على الشكل قدر تعويلي على المضمون "كنت أسبقهم في المضمون وكانوا يسبقوني في الشكل”…
الحماس كان هو الخلفية، كنت منتميا لمعاناة الناس وقسوة الحياة عليهم بالدرجة الأولى وكنت أنتظر الفرصة لأعبر عن ما يعانون، كانوا يعيشون في قاع الحياة محرومون من كل أمل، كنت أحترق بسؤال ظل يرافقني طوال حياتي، ذلك هو: كيف نغير حياة الناس إلى الأفضل؟…
هذه عقيدتي حتى الآن، هنا لن أسقط في فخ المكابرة وأقول بالتقليل من الشكل الفني في العمل القصصي، هذا خطأ لن أرتكبه، رغم أني كنت أقول إن الإغراق في الشكلية يبعد عقل القارئ عن المضمون والذي عليه أن ينتبه إليه قبل الانتباه للشكل، دفاعي هذا لم يلق قبولا، خاصة وأن الإفراط في الانحياز للمضمون قد جعل بعض ما كتبت يبتعد عن المعمار القصص المطلوب، لذلك لم ينتشر إنتاجي القصصي في أوساط متعددة كما كنت أتوقع له خاصة أوساط القارئ العادي الذي تعود على طمأنينة الحكاية الواضحة في بدايتها ونهايتها وبساطتها…
هذه إشكالية كتب عنها كتاب ونقاد حيث تساءل كثير منهم حول حق القارئ في أن يكتب له الكاتب حسب رغبته وميوله أم على هذا القارئ أن يرتقي إلى مستوي يمكنه من فهم النص باعتباره شكل فني له شروطه التي تتجاوز شرط التسلية، وقد اتسعت هذه الأسئلة حتى ظهرت في الحياة الأدبية العربية مدرستان، الفن للحياة والفن للفن ولكل مدرسة روادها وقادتها، وخلال سنوات ليست بالقليلة احتدمت معارك أدبية وفكرية بين مؤيدي المدرستين، ولإن النظرية الاشتراكية كانت تنتشر في أوساط المثقفين والسياسيين العرب تحولت المعركة بين المدرستين إلى معركة مذهبية قادتها النظرية السياسية في كل من وشنطن وموسكو، هذا حديث نتجاوزه فقد أصبح كل شيئ من اختصاص الماضي البعيد…
يوسف الشريف


1627063988381.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

أعلى