إسلام العيوطي - تنقية الضمائر تعلي من شأن الخلائق

ما هو الضمير ؟

الضمير فى اللغة العربية :- (كلمة أو حرف ينوب مكان الاسم وهو أنواع منه للمتكلم والمخاطب والغائب ومنه المتصل ومنه المنفصل ) ..... وغير ذلك
أما الضمير إصطلاحا :- (وهو ما نحن بصدده فى هذا المقال
فهو يعني قوة باطنه تميز بين الخير والشر فتأمر وتنهى وتبعث على الرضا أو الندم والضمير أو مايسمى بالوجدان هو قدرة الإنسان على التمييز بين ما هو حق وما هو باطل ، فعندما تتعارض أفعال المرء مع قيمه الأخلاقية ينتابه شعور بالندم ، وعندما تتفق أفعاله مع قيمه الأخلاقية ينتابه شعور بالرضا ويختلف الأمر هنا بإختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل شخص على حده ) .
أما الفكر الإسلامي :- فيستخدم لفظ الضمير بالمعنى اللغوي فى الدرجة الأولى وقد سبق لنا توضيح ذلك سلفا
أما المعنى الإصطلاحي للضمير فيعبر عنه بلفظ النفس اللوامة وهو المصطلح القرآني المأخوذ من قوله تعالى :- ( ولا أقسم بالنفس اللوامة )سورة القيامة - الآية 2
وهى نفس لا تكف عن المعاتبة واللوم ودائما ما يشعر صاحبها بالتقصير وهذا ما يجعله ينشد الأفضل على الدوام فالقلوب التقية النقيه لا تتوقف عن العطاء ذلك لأنها تحيا فى مساحة لا يصل إليها إلا الأتقياء الأنقياء مثلها وإن وصل إليها خلاف ذلك ممن هم على غير شاكلتها فمهما حاول البعض كسرها وتشويهها فهى تجود دائما وأبدا بعطائها لأنها تبتغي بذلك وجه ربها فى جميع أمور حياتها .
فما من إنسان يحيا على ظهر الأرض إلا وله ضمير ،، فهناك من يوقظه ويحييه بصلته بالله عز وجل وهناك من يميته ويقصيه بأن يعطيه حبوب منومة من أجل غرض زائف ودنيا زائله ،، وعلينا أن نعلم علم اليقين أن الضمير إن لم يكن موصولا بالله ( فإنه سيأتي يوم ويباع هذا الضمير فى سوق الحياة ) وإذا بيع الضمير فى سوق الحياة أصبح الإنسان يعيش فى الحياة كالأنعام بل أضل سبيلا ،، ذلك لأن الأنعام غير مكلفة أما الإنسان سيسئل بين يدي خالقه
على( الفتيل والقطمير ) ،، وعن كل صغير وكبير فالمرء محاسب على ما يكتبه ومحاسب أيضا على ما يقوله أو يتلفظ به ودلالة ذلك ....

من القرآن الكريم :-

قال تعالى :- ( كل صغير وكبير مستطر )
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) سورة -ق/الآية 18
( يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ) سورة - المجادلة / الآية 6
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) سورة - الكهف / الآية 49
( وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ،، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) سورة-الإسراء /الآية 13 ، 14 صدق الله العظيم

ومن الحديث الشريف :-

قال رسول الله صل الله عليه وسلم :- ( ما من شيء فى الميزان أثقل من حسن الخلق ) رواه الترمذي وابن حبان
( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
( إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا )
( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم )
( اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) صدق رسول الله صل الله عليه وسلم

فنحن اليوم فى أشد الحاجة إلى إصلاح ضمائرنا وتنقيتها مما لحق بها من الشوائب حتى نستطيع أن نطبق شرع الله تعالى وهدي نبيه المصطفى صل الله عليه وسلم لنرتقي ويرتقي معنا المجتمع بأكمله ،، فلا تقوم حضارة بدون ضمير يقظ نقي يعرف ما عليه فيؤدية ويعرف ما له فلا يظلم أخيه ولا يهدر حق غيره كائنا من كان ليسود المجتمع الحب والإيخاء بدلا من الكره والبغضاء ....
فصاحب الضمير الحي /كالشجرة المثمرة وارفة الظلال مليئة بالخير يفيد نفسه وينفع غيره ،، وعلى النقيض
فصاحب الضمير الميت /كالشجرة المقفرة التى لا تثمر أبدا فلا ظل لها ولا ثمار فلا يفيد نفسه ولا ينفع غيره
فعندما يغرق القلب فى الظلمات والتكبر والغرور تعلو عنده الأنا والشهوات على صوت الضمير ،، فإذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب العطف على الصغير والإحساس بالشيخ الكبير والتصدق على المساكين والاستعداد ليوم الرحيل
وليس هناك ثمة خلاف بين الأخلاق والضمير فهما يعبران عن نفس المضمون ،،
فالخلق فى اللغة/ هو السجية والطبع والدين
والخلق فى الإصطلاح / هو ما يصدر عن النفس من إنعكاس للأفعال وقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:-
عن سعد بن هشام قال : يا أم المؤمنين حدثيني عن خلق رسول الله صل الله عليه وسلم ،، قالت :- ( الست تقرأ القرآن : فقد كان قرآنا يمشي على الأرض ) عليه افضل الصلاة وازكي السلام
فنحن فى أشد الحاجة إلى صحوة ضمائرنا ولا يتسنى لنا ذلك إلا بتطبيق ما ورد فى كتاب ربنا واتباع هدي نبينا محمد صل الله عليه وسلم والذى جعل الأمة الإسلامية تسود الأمم جمعاء فى حقبة زمنية لا ينكرها التاريخ ولا يغفلها كل ذي عقل رشيد ،،
وتكمن الخلاصة فيما ورد فى حديث وابصة ابن معبد عندما سأل الرسول صل الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له:-( يا وابصة ،، استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك المفتون ) رواه أحمد بإسناد حسن ،، وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم
ولا أجد غضاضة فى قول الإمام/ محمد عبده
عندما ذهب لمؤتمر فى باريس عام 1881م ثم عاد من هناك إلى مصر وقال قولته الشهيرة :- ( ذهبت للغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين ... ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلاما !! )
فحياة الغرب وفق نسق من القيم الأخلاقية الرفيعة فى العمل وفى الحياة بوجه عام لذلك نجد الحداثة والتكنولوچيا جعلتهم يتقدمون ،، أما المسلمون بعيدون كل البعد عن أخلاق دينهم الحنيف ! وهذا ما أدى إلى التردي فى شتى مناحي الحياة .
ومما لا شك فيه أن الأخلاق هى الدعامة الأساسية لبناء المجتمع والنهوض به ،، فالمقياس الحقيقي لحضارة الأمة وبناء مجتمعها على أسس سليمة على كافة المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية هو الأخلاق وكما قال أمير الشعراء / أحمد بك شوقي
(إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)
فهلمو بنا جميعا ننقي ونحيي ضمائرنا حتى نعيد مجد الأمة
فتنقية الضمائر تعلي من شأن الخلائق ،،

إسلام العيوطي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى