د. أحمد إبراهيم الباسوسي - في البدء كانت الانثى

قد لا يتوقف الجدل حول فكرة نشأة الكون وخلق الانسان تحديدا، لكن تظل فكرة اعمار الكون وتجديده مركزية وخارج نطاق هذا الجدل المستمر. ان الانسان هذا الكائن المتطور بشقيه الذكر والأنثى تمكن عبر الآف السنين من ان يحدث نقلة نوعية في بيئته مكنته من الحفاظ على وجوده واستمرار تواجده على الأرض، وتجديد وتنشيط حيوته داخلها على الرغم من الصراعات الدائمة التي اما ان يكون طرفا فيها ضد الكائنات الأخرى التي تعيش معه، أو ضد الظروف المناخية بكافة صنووفها، وكذلك ضد الظروف الطبيعية الأرضية على شاكلة البراكين والزلازل والثورات. وعلى الرغم أيضا من صراعاته مع نظرائه من البشر على مصادر الثروة والغذاء والسيطرة. ان فكرة خلق الانسان من أجل اعمار الكون فكرة جذابة، وتكشف عن الأثر الحيوي لفكرة التكاثر وذلك اللقاء الجنسي بين الذكر والانثى حيث يتحقق لهما أقصى درجات المتعة الانسانية الطبيعية من داخل جسديهما قبل ان تكون النتيجة الحتمية هذا المولود أو الكائن الجديد الذي يأخذ دوره في استكمال مسيرة اعمار الكون وتنشيطه وتجديده. واذا تركنا خيالنا يسبح بعيدا في فرضية عبارة عن تساؤل بسيط هل يمكن ان يستمر الكون في التداول والدوران اذا اصاب العقم جميع نساء الأرض؟. قد لا أعتقد ذلك، لأن الكون سوف يفقد زخمه وتجدده ونشاطه وحيويته، وسوف يرحل المتواجدين على سطحه ولا يبقى شيء سوى الخراب، هذا بالضبط ما اشارت له النصوص المقدسة القديمة بيوم القيامة. وربما يخرج صوت محتجا على اجابتي على الفرضية السؤال بقوله ان العلوم الحديثة وتقنياتها الدقيقة توصلت الى نتائج مبهرة تتعلق بامكانية الانجاب بدون الحاجة للعلاقة الجسدية بين الذكر والانثى، بل وبدون الحاجة الى الانثى من أصله، فقط جزء منها عن طريقه يمكن انتاج مواليد جدد، وذلك عن طريق تقنية الخلايا الجذعية التي يتم سحبها من كلا النوعين دون الحاجة الى التناسل وتلك العلاقات الحميمية الرومانسية، قد يكون هذا الأمر يمثل واقع حقيقي لتجارب علمية شديدة الخصوصية والنوعية، لكنه واقع محدود للغاية، لايمكن التعويل عليه في انتاج ملايين البشر يوميا، ربما يصلح فقط لو ترسخت اساليبه ونجحت في معالجة من لديه، أو لديها مشكلات تتعلق بعدم القدرة على الانجاب، كما انه حتى لحظة كتابة هذا المقال لم يحقق النتائج المرجوة منه ابدا.
ان مبتدأ الكون كما تشير الحفريات والآثار القديمة والبرديات المصرية القديمة ظهر مع تأليه المرأة الأنثى، نصبوها اله وعبدوها ردحا من الزمان قبل ان يتحول الأمر الى عبادة الالاه الرجل الذكر ويستمر الدوران في فلك عبادة الآلة في مختلف البلدان والثقافات.
ان الانثى بحكم طبيعة خلقتها البيولوجية /النفسية كائن رقيق، ناعم، لديها جاذبية بدنية قوية للرجل، وقادرة على احتوائه بدرجة مدهشة، كما انها قادرة بامتياز على خوض صراعاتها والتحكم في المواقف والأحداث، وضبط الايقاع حينما تنفلت المشاعر أو السلوكيات أو حتى الأفكار وتخرج عن السيطرة. بالطبع سوف يحتج الكثير من الرجال على هذه الاوصاف، لكن ادعوك ياصديقي الى القاء نظرة متعمقة من نافذة منزلك المعلقة في الطابق الثامن مثلا والحملقة بصفاء على الآف البنايات التي تظهر امامك وحولك، سوف تكتشف ان وراء كل نافذة وشرفة تصطدم بها عيناك انثى امرأة لاتهدأ، تربي الأولاد، تذهب بهم الى المدرسة في الصباح، وتكافح للوصول الى عملها، وتعود لتجهز الطعام وتنظف المنزل، وتشرح للاطفال دروسهم، ثم تذهب بهم الى النادي في المساء، وزوج ينتظر للشجار.
د.احمد الباسوسي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى