تضمر الأعضاء التي لا تستخدم ، و كذلك اللغة المهملة تندثر، قف متفرجاً لكي ترى.
مثل زهور الماء النادرة المستعدة دوماً للعطاء،يقف الجمال المخبأ في صفحات الكتب القديمة، ويقول هل من مُريد؟
وهي زهور غريبة الشكل، شديدة المرونة، تتميز بفتحات واسعة في ثناياها، تحفظ بداخلها الماء الرطب المعطر، تقف حاضرة -دائماً- و مستعدة لتعطي، فقط تنتظر من يميلها نحوه قليلاً، لتجود بمكنونها.
قادني البحث العفوي عن القبائل القديمة في انحاء العالم، لعدد من القصص المشوقة، التي تحث علي القراءة وتحبب السهر، فمنها الغريب، ومنها الطريف والعجيب ومنها المحزن ايضاً، وكنت كلما أجذب صفحة، تبللني بندي القصص وعبق المعرفة.
تختلف تلك القبائل عن (نديداتها) بالحقبة والتاريخ في بعض الملامح، وتتفق في اخرى.
وقبل ان يأخذني الدوران مع تلك المتشابكات المثيرة، أحببت ان أتعرف على بعض لغات تلك القبائل، وأحدث ما كتب عنها، ولا أغفل حتى تلك الهوامش والشروحات الوافية المصاحبة لها
لغات شديدة القدم مثل اللغة التاميلية، واللغة المصرية القديمة واللغة القبطية وغيرها، بعضها قد اندثر تماماً، وانتهى من خارطة الألسن، ولم يتم تدوينها على الورق لتبقى، والبعض الآخر وجد مدونا بكتابات واضحة كالكتابة المسمارية، ووسائل الحفظ الأخرى الموجودة على الأحجار و بواطن الكهوف.
ومع اجتهاد العلماء والمنقبين عادت الحياة لبعض حروفها وكلماتها ، وعكف اهل البحث والتوثيق على أبتكار اساليب جديدة ومواكبة، تبقي بعض تلك اللغات على مر العصور معززة منطوقة.
فالاندثار الذي حدث -مثلاً- للغة (النورن) التي كان يتحدثها الفايكنج، كان يمكن ان يحدث مع لغة الهوسة أو لغة الدينكا بجنوب السودان، لولا تمسك أهلها باستخدامها وإصرارهم على التواصل عبرها.
أما لغة (البو)، التي عاشت وانتشرت في إحدى جزر الهند،فقد حل بها أمر محزن جداً، عندما تم الإعلان عن انقراضها يوم وفاة آخر متحدثة بها على كوكب الأرض، عن 85 عاماً في العام 2010م.
اما اللغات التي توشك على الانقراض، فقد ادخلتني في ثنايا الخوف والوجل، على اللغات الأفريقية القديمة عامة، ولغات أهل السودان كما في الخريطة الموحدة خاصة.
كنت أستغرب جداً عندما اتعرف على صديقة نوبية، او (شرقاوية)، أو من أي المناطق التي يملك اهلها لغة تميزهم، وهي لا تعرف منها سوى ألفاظ السلام والوداع، وتبرر الأمر (لخرطومية) الوالد والجد وربما جد الجد.
البعض يعزي ذلك للنزوح المبكر نحو العاصمة، لأسباب أمنية واقتصادية في فترات الحروب والمجاعات التي ضربت السودان منذ أمد بعيد، أما انقطاع تواصل الأجيال بين الأصول والفروع ، في عملية قاسية، هي أشبه ما تكون باجتثاث عنيف لشجرة وارفة بعد تجذر قديم، فهو ما لم أتمكن من استيعابه حتى لحظة كتابة هذه السطور.
لن أقول لماذا نزحوا، فالسودان للجميع، وأنا أؤمن بحق الفرد في التجوال طولاً وعرضاً، والاستقرار حيثما يريد.
فلم لا تنظم مبادرات لتجمعات قومية جديدة في المراحل التعليمية ،على أسس تربوية رفيعة، تتبني فكرة التبادل المؤقت لمناطق السكن، بغرض التعرف على قرى ومدن جديدة، بعاداتها ولغاتها ولهجاتها وتقاليدها، مما ينمي هوى الأوطان في النفوس بفعل المعايشة الحقيقية، فبعض الشعارات التي لا تنبع من قناعات أصيلة، تذوب سريعاً عند التعرض لاختبارات صغيرة، مهما اجتهد المعلمون والمسؤولون في عمليات تضمينها لمناهج الدراسة الجافة.
وحتى لغات التواصل البسيط بين البشر بدأت تدخل حيز الاندثار، وسارت بخطوات جادة في دروب التلاشي.
كانت البدايات بين حواء وآدمها حميمة مشبعة بالتقارب الذي يغني عن اللغة وتعقيداتها،
ولا أظن أنهما كانا بحاجة للإيحاء والتورية و التشبيه والرمز، كما لم يحد اندفاع المشاعر الجارف بينهما حد بلاغة، او كناية او استعارة.
تداعى جمهور غفير ءات يوم، لحضور محاضرة لخبيرة في علم الاجتماع، بعنوان (الخرس الزوجي)، ولعل اكثرهم قد جذبه العنوان، وحضر متشوقاً لمعرفة معناه.
تحدثت الخبيرة عن فقدان التواصل بين الأزواج، على الرغم من وجود اللغة المشتركة بينهما تحدثاً وكتابة.
وليس الأزواج فقط، فكثير من العلاقات الإنسانية أصابها الخرس ، و قامت المشاغل بوضع خمسة أصابع على فمها، فحبست الدروب التي تخرج اللغة لحيز النطق.
وعلى صعيد لغات التحدث، او لغات التواصل، نجد ان الأمر خطير جداً إذا وقفنا (متفرجين) على ضعف استخدامها ومن ثم غيابها وعدم تداولها.
فعمليات التسليم والتسلم لراياتها يجب ان تتم بالتزام كامل من الكبار للصغار، بطرق مبسطة وجادة، تجعلهم يألفونها و يحبون التواصل عبرها.
وتجنباً لمخاوف انقراض اللغة واندثارها، فكرت في تعميم لغة الإشارة التي يتعامل بها أهلنا الصم، لتكون إلزامية في السلم التعليمي، إلى ان يلتفت الجميع بطريقة جادة لطرق المحافظة على لغاتنا المحلية.
تتحدث زهور الماء بلغة التواصل والرغبة في الرسوخ ، وهي لغة تزدهر بالري والاهتمام.
فماذا لو جذبها البعض وجعل رحيقها في متناول الجميع؟!
حتماً هو ممكن،
وعلى المتفرجين السلام.
مثل زهور الماء النادرة المستعدة دوماً للعطاء،يقف الجمال المخبأ في صفحات الكتب القديمة، ويقول هل من مُريد؟
وهي زهور غريبة الشكل، شديدة المرونة، تتميز بفتحات واسعة في ثناياها، تحفظ بداخلها الماء الرطب المعطر، تقف حاضرة -دائماً- و مستعدة لتعطي، فقط تنتظر من يميلها نحوه قليلاً، لتجود بمكنونها.
قادني البحث العفوي عن القبائل القديمة في انحاء العالم، لعدد من القصص المشوقة، التي تحث علي القراءة وتحبب السهر، فمنها الغريب، ومنها الطريف والعجيب ومنها المحزن ايضاً، وكنت كلما أجذب صفحة، تبللني بندي القصص وعبق المعرفة.
تختلف تلك القبائل عن (نديداتها) بالحقبة والتاريخ في بعض الملامح، وتتفق في اخرى.
وقبل ان يأخذني الدوران مع تلك المتشابكات المثيرة، أحببت ان أتعرف على بعض لغات تلك القبائل، وأحدث ما كتب عنها، ولا أغفل حتى تلك الهوامش والشروحات الوافية المصاحبة لها
لغات شديدة القدم مثل اللغة التاميلية، واللغة المصرية القديمة واللغة القبطية وغيرها، بعضها قد اندثر تماماً، وانتهى من خارطة الألسن، ولم يتم تدوينها على الورق لتبقى، والبعض الآخر وجد مدونا بكتابات واضحة كالكتابة المسمارية، ووسائل الحفظ الأخرى الموجودة على الأحجار و بواطن الكهوف.
ومع اجتهاد العلماء والمنقبين عادت الحياة لبعض حروفها وكلماتها ، وعكف اهل البحث والتوثيق على أبتكار اساليب جديدة ومواكبة، تبقي بعض تلك اللغات على مر العصور معززة منطوقة.
فالاندثار الذي حدث -مثلاً- للغة (النورن) التي كان يتحدثها الفايكنج، كان يمكن ان يحدث مع لغة الهوسة أو لغة الدينكا بجنوب السودان، لولا تمسك أهلها باستخدامها وإصرارهم على التواصل عبرها.
أما لغة (البو)، التي عاشت وانتشرت في إحدى جزر الهند،فقد حل بها أمر محزن جداً، عندما تم الإعلان عن انقراضها يوم وفاة آخر متحدثة بها على كوكب الأرض، عن 85 عاماً في العام 2010م.
اما اللغات التي توشك على الانقراض، فقد ادخلتني في ثنايا الخوف والوجل، على اللغات الأفريقية القديمة عامة، ولغات أهل السودان كما في الخريطة الموحدة خاصة.
كنت أستغرب جداً عندما اتعرف على صديقة نوبية، او (شرقاوية)، أو من أي المناطق التي يملك اهلها لغة تميزهم، وهي لا تعرف منها سوى ألفاظ السلام والوداع، وتبرر الأمر (لخرطومية) الوالد والجد وربما جد الجد.
البعض يعزي ذلك للنزوح المبكر نحو العاصمة، لأسباب أمنية واقتصادية في فترات الحروب والمجاعات التي ضربت السودان منذ أمد بعيد، أما انقطاع تواصل الأجيال بين الأصول والفروع ، في عملية قاسية، هي أشبه ما تكون باجتثاث عنيف لشجرة وارفة بعد تجذر قديم، فهو ما لم أتمكن من استيعابه حتى لحظة كتابة هذه السطور.
لن أقول لماذا نزحوا، فالسودان للجميع، وأنا أؤمن بحق الفرد في التجوال طولاً وعرضاً، والاستقرار حيثما يريد.
فلم لا تنظم مبادرات لتجمعات قومية جديدة في المراحل التعليمية ،على أسس تربوية رفيعة، تتبني فكرة التبادل المؤقت لمناطق السكن، بغرض التعرف على قرى ومدن جديدة، بعاداتها ولغاتها ولهجاتها وتقاليدها، مما ينمي هوى الأوطان في النفوس بفعل المعايشة الحقيقية، فبعض الشعارات التي لا تنبع من قناعات أصيلة، تذوب سريعاً عند التعرض لاختبارات صغيرة، مهما اجتهد المعلمون والمسؤولون في عمليات تضمينها لمناهج الدراسة الجافة.
وحتى لغات التواصل البسيط بين البشر بدأت تدخل حيز الاندثار، وسارت بخطوات جادة في دروب التلاشي.
كانت البدايات بين حواء وآدمها حميمة مشبعة بالتقارب الذي يغني عن اللغة وتعقيداتها،
ولا أظن أنهما كانا بحاجة للإيحاء والتورية و التشبيه والرمز، كما لم يحد اندفاع المشاعر الجارف بينهما حد بلاغة، او كناية او استعارة.
تداعى جمهور غفير ءات يوم، لحضور محاضرة لخبيرة في علم الاجتماع، بعنوان (الخرس الزوجي)، ولعل اكثرهم قد جذبه العنوان، وحضر متشوقاً لمعرفة معناه.
تحدثت الخبيرة عن فقدان التواصل بين الأزواج، على الرغم من وجود اللغة المشتركة بينهما تحدثاً وكتابة.
وليس الأزواج فقط، فكثير من العلاقات الإنسانية أصابها الخرس ، و قامت المشاغل بوضع خمسة أصابع على فمها، فحبست الدروب التي تخرج اللغة لحيز النطق.
وعلى صعيد لغات التحدث، او لغات التواصل، نجد ان الأمر خطير جداً إذا وقفنا (متفرجين) على ضعف استخدامها ومن ثم غيابها وعدم تداولها.
فعمليات التسليم والتسلم لراياتها يجب ان تتم بالتزام كامل من الكبار للصغار، بطرق مبسطة وجادة، تجعلهم يألفونها و يحبون التواصل عبرها.
وتجنباً لمخاوف انقراض اللغة واندثارها، فكرت في تعميم لغة الإشارة التي يتعامل بها أهلنا الصم، لتكون إلزامية في السلم التعليمي، إلى ان يلتفت الجميع بطريقة جادة لطرق المحافظة على لغاتنا المحلية.
تتحدث زهور الماء بلغة التواصل والرغبة في الرسوخ ، وهي لغة تزدهر بالري والاهتمام.
فماذا لو جذبها البعض وجعل رحيقها في متناول الجميع؟!
حتماً هو ممكن،
وعلى المتفرجين السلام.
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com