عمر قنديل - في فشل الماركسية العربية!

✍
قد يُفاجئُ البعض إذا ما رؤوا صورة كارل ماركس مُجاورةً لصورةِ أفلاطون ويفصل بينهما هيغل ويشرعون بالسؤالِ: ما دخل مثالية أفلاطون وماورائيته بمادية ماركس؟

إن السؤال هنا نفسه يحوي الإجابة فالمثالية لا تنطبق مع المادية وهذا لا لبس فيه لكن الإجماع بينهم كان بأنّهم الثلاثة ماركس وهيغل وأفلاطون رواد الجدلية؛ فأفلاطون كان الرائد الأول إذ حاجج السفسطائين الفكرة بالفكرة وأنشأ الجدل معهم وكان أوّل من اكتشف هذا المفهوم وصاغه بعصره، ومن جدلية أفلاطون انبثقت أفكار تلميذه أرسطو ورغم أنّ أرسطو لم يستخدم المجادلة بذات الأُسلوب الأفلاطوني إلاّ أنّه جادل فلسفة معلمه بتفسير أفكاره بواقعٍ أقرب للمادية، ومن هناك كانت بدايةُ العلمِ الجدلي فلم يتوقف الفلاسفةُ من مجادلة أفكارِ بعضهم راسمين بذلك تطور المجتمعات بل وإن القول بأنّ تطور علاقاتِ الإنتاج في كلِّ مرحلةٍ ناشئٌ من المجادلة بين طريقةِ تفكيرٍ قديمةٍ في الإنتاج مع أفكارٍ جديدة مُنتجةً للبشريةِ تركيباً أرقى من العلاقات الإنتاجية.

والجدلية نفسها كانت سبب ظهور الماركسية فقد جادل ماركس بأفكار هيجل وقلب فلسفته رأسًا على عقب موصلاً إلينا تركيبًا جديدًا من الأفكار نشأ من جُرأته على مجادلةِ الفكرةِ بالفكرة مستعيناً بسنينٍ طوال قضاها في مكتبة لندن ليدرس أدبياتٍ سابقة ويكامل العلم في كُتبه ليصل لمّا نُعرِّفه اليوم بـِ“المادية الجدلية“، والماديةُ الجدليةُ هنا كانت سابقة للمصطلح فماركس نفسه لم يستخدم مصطلح المادية الجدلية أو مُرادف الجدليةِ اليوناني "الديالكتيك“ بالطريقة التي نعرفها اليوم ويبقى تركيب المصطلح في العصر الحديث يعود للفيلسوف الإشتراكي جوزيف ديتزجين. اليوم يُلقي هذا المُصطلح بظلاله على حركات الماركسية العالمية عموماً والعربية بشكلٍ خاص؛ فكلُّ هذا الإرث من العلم والحكمة لم يعني لأحزاب اليسار شيئًا ولم يأخذوا من تاريخِ ماركس إلاّ إسمه وبدل أن يُتابعوا ما قام ماركس بتطويره في الجدلية فقد اتخذوا موقفاً إثنياً من مادية ماركس واكتفوا بعبادة جدليته وبذلك توقف الجدل ومعه توقف العلم، فتجدهم اليوم مُتشرذمين بين من قررّ عبادة ماركس ومن تربى على عبادة لينين، ومن رآى في تروتسكي إلهاً آخر. وهنا ليس القصدُ التقليل من أهمية هذه القامات التي غيرت البشرية، بل الغاية هي الدفاعُ عن الجدلية، فكما جادل أفلاطون الفكرة بالفكرة مع السفسطائين، جادله أرسطو حتى وصلنا لماركس، ليُجادل هيغل، ويُجادل كلاسيكيي الإقتصاد. وهكذا فإن توقف الجدلية عند شخصٍ واحد هو إغلاقٌ للتاريخ بعد موته؛ ولذا تجد اليوم الحركات الشيوعية العربية تُناجي الموتى في كلِّ أزمة، عاجزةٌ عن مجادلة أفكار العصر.


عمر قنديل ( سوريا )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى