فنون بصرية سعيد فرحاوي - وجه يعيد النظر في طبيعة هندستنا.

كلما اقتربت من الفن التشكيلي إلا وهربت مني الهندسات؛ كثرت الضبابيات؛ كلما غيرت وجهات نظري في اصل الوجود. ذاك مايريد الفنان بوجه خاص إرساله؛ عبر لغة اللون؛ وبلاغة الفضاء الذي يجعله ضيقا ؛ لنخرج فارغ اليدين؛ نكتب الغياب والعدم على ضفاف الرموز. صلتي بهذا العالم جاءت وحدها بدون تفكير؛ وبلا سابق معرفة؛ دخلت الى سيميولوجيا الاشارات التي يكتبها الرسام؛ الفنان؛ الاحمق الذي اسميه مبدعا تشكيليا لأبعثر معه جنونه؛ لعلني اقرأ السراب الذي دخله وحده بدون ان يترك لنا موقعا في ضحيجه. يتحرك بابتسامته الخفيفة وهو يمزق الالوان؛ يشتتها؛ يوزعها بإدراك عميق وهو يعبر المتاهات رافضا؛ احيانا ؛ متفقا احيانا اخرى؛
كل تمثلاته لا يتفق معنا في صور تشكلها ؛ لا يقبلنا ان نشاركه اسراره ؛ ولا يريد منا سوى ان نكون مافرضته مشيئة الصباغة ان يتبلور تجليا لمعنى الحوار الداخلي الذي منه يرانا؛ وفي تشتتها لا نراه؛ فقط لان الصياغات تعني عالم بلا خرائط؛ وبلا هندسات.
مقدمة فرضت علي ان اكون منطقبا وان اشرب قهوة هذا الصياح الذي يريده الفنان التشكيلي عامة ومنير دحان خاصة.. خرجت من ذاتي؛ اعدت النظر في اسئلتي؛ غيرت وةهتي ؛ وعدت افكر مع المبدع وهو يحبو في رحلة المنطلقات القادمة من عمق الفضاءات المفتوحة؛ وجدته يشتت جسدنا؛ يضع علامة مناسبة لكل عضو منا في منطقة خارج الحدود المتفق حولها. في كل مكان يزرع اللون بالهندسة الملائمة؛ لان من يريد ان يقرا اللوحة؛ حسب الجغرافية المتواضع عليها سابقا ستشرده الفلسفة العميقة العنيفة في رؤية الفنان؛ لهذا فالفن التشكيلي هو البحث عن الجنون بالجنون؛ لعلك تستطيع ان تفهم عقل الطبيعة الماكرة الماكرة والخائنة؛ لهذا فالفنان جاء ليعيد صياغة الفكرة بهندسة تلائم هذا المكر الذي كان مادة فتحول الى تجسيد باللون والاشارة والهندسة المغايرة مطلقا لكل الهندسات الرياضية؛ هذا الفهم ماجعل دحان منير يكتب افكارنا وفهمنا وكل التصورات الذي تعني الحمق البشري في مجال فوضوي بلا شروط ولا قياسات. فنان تركنا وعبر ماعبرنا عنه بخداع الافكار؛ ليحوله الى سراب وتيه؛ لهذا اخفى الوجه واكتفى بشكل هندسي مشوه يكتب عن المشوه في رؤيتنا؛ اكتفى بالوان قليلة جدا ليقول المثير؛ جاء بالأصفر الخفيف؛ واحيانا المغلق المندثر؛ فبعثره على جسدنا المبعثر؛ استحضر الاسود ليكون لغة العين؛ سعيا منه ان يقول بالرمز المختفي ان مانراه ليس سوى الرؤية السوداء التي لا تكشف عن الامل القادم؛ فجعل من الرؤية معطى أسود؛ زرعه في وجه مشوه. وهي كلها إشارات تدل على غياب الوضوح المؤدي الى الاطمئنان والارتياح.
إن تشوبه الجسد وعدم الإعلان عن ضوابط تشكله معناها تشوبه التصور ونقد الفلسفة البشرية ؛ كما عرت عن كل الملامح التي تجعل من التفكير البشري تفكيرا متخلى عنه ومرفوض. لهذا فالجسد المبعثر والوجه المشوه؛ والاجساد الصغرى المتناثرة والمتلاشية ؛ والالوان المشتتة ؛ كلها رموز بخلفيات تحيل على رفض تام لوجود لا يستحق الاحترام. لوحة جنونية عرت عنها رؤية تجريدية لفنان يكتب العبث بالوان خفيفة ؛ بصيغ جد متناسقة ؛ كلها إحالات على التبعثر والتشتت وتمزق الفكر البشري ؛ في حياة لم يعد فيها مايطمئن على استقرار مفيد؛ رؤية جعلت الفنان منير دحان ان يخرج من العادي البسيط ليمتطي الوجود الصعب الموزع في هندسة ملائمة لفلسفة تعري عن القبح والرديء؛ المختفي في وجدان هش ومشوه.
سيميائية تبعثر الوجه وتشكل المعنى وتمفصلها:
لوحة بعثرت اجزاء الجسد ؛ وغيرت ملامحه؛ بشكل تجريدي رسمت تمظهرات المعنى؛ فجاءت اجزاؤها على الشكل التالي: جسد إنسان بإيقون جد مبعثر؛ الراس بهندسة كاريكاتورية؛ موزع في جغرافية غير متناسقة؛ عين كبيرة اختار لها الاسود؛ وهي دلالة على الخشونة والتمرد والرفض؛ وعين اخرى في موضع غير متناسق مع العين الاخري؛ وهي دلالة على الرؤى المتفاوتة وغير متناسقة لكائن يرى بأعين متفاوتة؛ جعل من اللون الاصفر اكثر إلتصاقا بهذا المعمار غير المنظم؛ وهي تفيد بأن عالمنا تتحكم فيه فوضى؛ جعلت منه كائنا ابله؛ كلها إشارات تتشتت بهندسة واعية؛ تحكي بلغة الشفرات عن توزيع فوضوي غير متناسقة. زاد من تعميق الدلالة عندما وضع امام هذا الجسد اشكالا صغيرة مشتتة ومندثرة ؛ فيها يتموضع جسد طفل صغير؛ يتحرك بنفس الفوضى؛ كإشاراة ان الفوضى لا تلد سوى الفوضى؛ وبالتالي ان الجنون والحمق يتوالد ويستمر بشكل دائم وحتمي.
خلاصة عامة:
يمكننا القول ان لوحة منير دحان ترسم المتاهات والحمق الذي يعيشه إنسان هذا الزمن البليذ؛ كما يمكننا القول انها تنتقد السراب الذي يعيشه انسان عصرنا؛ وهو حمق وسراب يظل على طول الجغرافيات موزعا بفوضى عارمة؛ تستمر وتطول مادام الجنون مستمرا ومادام العبث لغة واختيارا لكائنات تفكر وحدها في معزل تام عن القيم التي من اجلها جاء الفنان ليعيد الصياغات؛ لعله يستطيع ان ينصف نفسه ويعيد النظر في كل الحسابات بتأمل و تفكير عمبق في كل مايدركه ويعرفه ويفهمه جبدا؛ فيخرجه من حساباته لعيد صياغته بالفهم الممكن السليم. بشكل آخر منير دحان اختار اللون الجمالي الذي ينتمي الى الفن الحديث الذي يشتغل على الحس الجمالي الذوقي الذي يخاطب الرؤى والروح والعمق الانساني؛ باختياره الوانا زاهرة جميلة كالاصفر الذي يريح النفس والازرق السماوي الخفيف الذي يعلو بالعين ويرفعها؛ كما يخاطب الروح ويزهرها.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى