منذر عبد الحر - شعراء "المدينة"... همس الطيبة والنخل والماء

سأعود إلى لهفتي الأولى وغنائي الأول وشهقتي الأولى بوجه الحياة , إلى الرئة التي تنفّستُ عبرها عبق الجنوب بكامل عنفوانه وسحره وغوره في عمق التاريخ , سأعود إلى قضاء المدينة شمال البصرة , حيث ولدتُ , وحيث ظل حنيني مزمنا لهذه البقعة الغالية عندي , وإذ أفصح عن عودةٍ , فهي تعني تلك العودة المعلنة المكشوفة , لأنني في حقيقة الأمر لم أغادرها لحظة واحدة .
أشعر حين أقرأ نشاطا لشعراء هذه البقعة الطرية في وجداني , برفيف في القلب , وهتاف في الروح , ودمعة تختلط فيها المشاعر , فأرفع يدي مشاعري كلّها ملوّحا للشعراء فيها وبالذات ممن أطلقوا سحر إبداعهم في رابطة مصطفى جمال الدين الأدبية وهم الشاعر سجاد السلمي و الشاعر عبد الله المنصوري والشاعر اسماعيل اللامي والشاعر اياد الشاوي والشاعر ياسين عقيل الشاوي والشاعر جبرائيل السامر...
ربما التقيت بعضهم لقاء عابراً في مناسبة ثقافية معينة , لكنني لم أتعمق بالتعامل معهم, رغم شغفي وتوقي لهذا التعامل فهم من أهلي , وهم أبناء حكايات الطيب وعذوبة ونقاء الحب وجمال التعبير عنه , ففي المدينة , للذي لا يعرفها أصوات في الشعر فطرت على الماء والطبيعة وحكاياتها , رغم عدم تسليط الضوء عليهم , لكنهم عاشوا في وجدان الناس , وصارت أسماؤهم علامات فارقة في هذه البقعة المحاطة بطراوة الحياة وأسرار الماء , ولستُ هنا باحثا في تاريخ رموز هذه المدينة , لكن ما يفرحني أن روايتي الجديدة " غناء سرّي " أخذت منها كل سحر الجنوب , وغنائه وأساطيره أيضا .
شعراء المدينة , الذين توفرت لي فرصة الاطلاع على نصوص بعضهم , وبالذات الشاعر المرهف الراقي جبرائيل السامر , وجدتُ في قصائده توق التفرّد في الابداع , والسعي وراء الأصيل المتجدد في أداء القصيدة , وتلمستُ فيه , مع عدد من زملائه , حراكا أسعدني حقا , لأنه يمثل نشاطا حيويّا كم تمنيته أن يخرج للضوء , وهاهو على أكبر وأهم المنابر الثقافية , يبرز بقوة , ليثبت أن في هذه البقعة الغافية على الفرات , تتقد إبداعا جديرا بأن يحتفى به , وهذا ما حصل في اتحاد أدباء وكتّاب البصرة , الرائد التوّاق للاحتفاء بكل فعل إبداعيّ جدير باطلاقه بقوة , حيث احتفى بأدباء المدينة , وسلّط عليهم ضوءه النقي الباهر , وكذلك فعل ملتقى مصطفى جمال الدين الأدبي في مبادرة رائعة فخصص جلسة احتفاء بهم , ونتمنى على اتحادنا في المركز العام أن يخصص جلسة لهم في بغداد .
إن الإصغاء إلى أصوات شعراء يقدمون عطاءهم الثر , في مدينة تقع شمال البصرة على خدّ الفرات , وكذلك الإصغاء إلى كل الشعراء الذين يتواصلون في الجمال الشعري , في كل قرى العراق وضواحيه , هو إكمال لجذوة التألق الإبداعي في عموم البلاد , ولا نكتفي بمركز يعدّ ما عداه هوامش , ولا أعني هنا اتحاد الأدباء في المركز العام في بغداد , فإن له مبادراته التي أذابت كل هذه الحواجز , وإني هنا أدعوه بمحبة لاستضافة أدباء المدينة , لينشدوا إبداعاتهم في مقر الاتحاد , كما أتمنى أن تكون هناك جلسات دورية للأدباء الذين يتواصلون وهم يسكنون في الأقضية والنواحي في شرق البلاد وغربه وشماله وجنوبه , فالأدب الوطني الحقيقي يكتمل بكل مدياته الجغرافية مهما نأى بعضها .
لا أجد هنا إلا أن أحيي أصدقائي المبدعين الرائعين في أحب بقعة إلى روحي" وأعني المدينة "
متمنيا لهم دوام التألق والعطاء .

منذر عبد الحر


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى