عبدالله البقالي - مولاي الحسن ميرينو

لم يكن نجما و لا طمح في تحقيق شهرة . كما لم يعرف بنضال او ارتبط بقضية او حزب أو هيئة. و بالرغم من ذلك فقد شكل اغراء ومتابعة للمخبرين بكيفية ظلت مستعصية على الفهم و التفسير. فأن يكون الرجل منتميا لنخبة أو سليل أسرة عرفت بالنضال و الكفاح، فذلك قد يعد مبررا. أما أن يكون الرجل أميا و من حضيض المجتمع، فذلك ما ظل لغزا و سرا مغلقا.ربما شكله الذي يشبه رعاة البقر، و تلك الكلمات التي لا يعرف ما ان كانت اسبانية او برتغالية التي كان يتلفظها بشكله المرح المفعم بالاحتفالية ما كانت وراء تلك المتابعة.
في إحدى المرات استدعي الحسن ميرينو على عجل للمثول أمام الحاكم المحلي. الاخير اعتقد أنه سيكون أمام طينة من رجالات اشتهرت بهم المنطقة في زمن الكفاح ضد المستعمر و تبحث عن امتداد لها في الحاضر. وهو أمر استعد له جيدا عازما على احراز نصر سيعزز به مكانته لدى رؤسائه و يجعله يكسب نقطا. و لهذا فقد حدد مسبقا سير تطور الاستنطاق. و ربما ايضا حتى نبرة صوته في اي مستوى يجب ان تكون، اضافة لمظهره الذي يتوجب ان يوحي بالحزم و الصرامة.
حين وصل الحسن ميرينو الى مقر الحاكم، أدخل على الفور. الحاكم و في حركات مدروسة بدقة رفع رأسه و ظل يتأمله للحظات مع نظرات حادة مخيفة توحي بالخطر.
وهو يتأمله، بدت له هيأة الحسن ميرينو تشبه هيأة ثوار امريكا اللاتينية وهو ما دفع به للاعتقاد ان الحوار لن يكون سهلا. سأله: من تكون؟
أجاب الحسن بصوته الذي يوحي بالفوضى: الحسن ميرينو.
_ ماذا تشتغل؟
_ حفار القبور " فابور".
أعاد الحاكم السؤال وهو غير مصدق او مستوعب لما سمعه و اعاد السؤال: ماذا قلت؟
_ حفار القبور "فابور".
حدث الحاكم نفسه" لا شك أنه يقصد قبور الحكام"
قال الحاكم بصوت حاد و قد انتصب واقفا كالمارد: نحن لا نمزح هنا. أنا أسألك ماذا تشتغل؟ اي بماذا تعيش؟
رد الحسن دون ان يفقد شيئا من اتزانه و رشاقته: أنت سألت و أنا قد أجبت.
ضغط الحاكم على زر فظهر مخزني ضخم الجثة كجني. فأعاد طرح السؤال مرة اخرى، فكان أن سمع نفس الحواب، فسأل الحاكم لمخزني: هل ما يقوله صحيح؟
أومأ المخزني برأسه مشيرا إلى أن ما يقوله هو الصواب.
تغيرت نظرة الحاكم للحسن مورينو، و ربما أحس بالإشفاق عليه. و في الوقت نفسه اشتعل غضبا وهو يأمر بإحضار من كان وراء الإبلاغ.
لكن متاعب الحسن مورينو لم تتوقف. و يبدو و كأنه كتب عليه أن يكون أول ملف يشتغل عليه أي حاكم و هو بصدد بداية تجربته بالقرية. لكن الحاكم الجديد هذه المرة كان مختلفا. و اهتماماته بدا أنها تجاوزت حدود ما دأب القياد على الانكباب عليه. و امتدت لتشمل قضايا تتعدى سلوك الناس لتشمل أفكارهم. و قد بدا معتدا بنفسه ايما اعتداد حين مثل أمامه الحسن ميرينو إذ قال له: بلغني أن الناس ينادونك ب " مولاي الحسن" و أنت تجيبهم و تتفاعل معهم. صحيح؟
قال الحسن مزهوا: هذا يعني الناس و ليس أنا. ثم هز رأسه مبتسما و أضاف" المحبة".
ضرب الحاكم الطاولة بشدة وقال: هذا تطاول على ما ليس لك و ليس محبة. "ما كتعرفش آولد الكلبة أن هاذ البلاد فيها مولاي الحسن واحد"؟
أجاب مولاي الحسن دون أن يفقد شيئا من روحه المرحة: أنا يا سيدي" مولاي الحسن " غير من " ورزاغ" فما فوق." ثم إن الناس هم من ينادونني هكذا. وهم من يتوجب مساءلتهم.
انتصب القايد واقفا وقد اشتعل غضبا و صرخ فيه:" ما تجاوبهمش. و الله يا باباك و باقي تجاوبهم حتى نصيفطك ترشى فالحباسات ديال القنيطرة"
غادر الحسن مقر القيادة صامتا حزينا. و حين وصل مركز القرية، ارتفعت اصوات من هنا و هناك منادية إياه " مولاي الحسن" لكنه كان يدس ذقنه في أعلى قفصه الصدري، و يحرك إصبعه من وراء قفاه و يشير به " لا" أو كأنه يقول: لا. انا لست انا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى