حفيظة مسلك - "الـشــين و الــزيـــن"

لا يروق لي الإحساس بالذنب مثلما لا أستسلم لحظة رؤية إلتهاب أصابع قدمي اليسرى في كل شتاء بسبب ضعف تدفق الدم إليها ، مما يعني مراقبة المهترئ و السليم في جسدي على حد سواء ، متعة شاهقة لكنها متعبة ، و أي خيار من الخيارين أكاد أعرف أني كاذبة في جعل أكاذيب معاناتي تهدأ ، فتتخلى عني لتشعرني أني الحية الحامدة والشاكرة لربها على مد العمر ، ولتمدني بفرصة العبث قليلا مثل بعض الرجال عندما يصرخون فيسبون ما بهم من وجع بطريقتهم ، و قد يلتقطون جمادا فيحطمونه وفق قانون الغضب لديهم ، ليس شتما كما تظنون و لكنه المسكوت عنه عندما يضغطون على شفاههم فيدعون أنهم بخير فيستسلم بعضهم لسيجارة بنشوة كما لو حصل على أجمل إمرأة في العالم ، يختبرون قوة تحملهم الشبيه ببرودة ألاسكا رغم إحساسهم بالقرف و الغبن و كدولة "ناورو" الجزيرة الصامدة والواقعة في المحيط الهادي و التي لا تملك عاصمة لحد الآن...إنه الإختيار و الإختبار الصعب!

ما الذي أفعله...! ليست البداية التي أردتها ، بالصيغة الأنثوية لا أرتب الأشياء كما يجب ، فوضوية نعم ، متمردة ربما ، قلقة من سرد الأحداث.. ممكن جدا ! أتذكر أستاذتي سعاد عندما قالت لي يوما " يا حفيظة عندما تختنقين من السرد تتحولين إلى الشعر و النثر و الخاطرة .. " ربما هي على صواب و ربما لا ، نفس الإحساس تملكني لأول مرة عندما سمعت المغنية "سيلين ديون " وهي تغني مع مجموعة البوب الأوبرالي "إيل ديفو" أغنية I believe in you ، فلاحظت تفوقها رغم الأصوات المرافقة لها كأنها الإستثناء ، تأتي من بعيد لتحدث فارقا و رسالة للآخر بالإنسحاب الذي يفرز غيرة نفعية فيجهر الآخر بصوت مخالف للطبيعة من أجل البقاء ، في حين تصبح الخسارة أو العمل على تجنب الأسوء بتعديل لا يسمح بعد الأنفاس حينئذ و إلا اختلطت الأمور حبا في الرخيص !
الآن لست مختنقة ولكن منزعجة من أمر سمعته إثر إطلالتي لدقائق عبر نافذتي أو عالمي الخارجي الوحيد الذي يجعلني في أفق الإختلاط بالبشر مثلي أو يختلفون عني بمشيتهم جيئة و ذهابا ، في لهجتنا الوجدية نطلق على الشي القبيح " شِين أو شينة " و إذا بي أسمعها تخاطب أخرى أن فلانة أصيبت بفيروس كورونا قائلة :
- ياك فلانة قاسها المرض الشين؟
- ترد الثانية : واه ... بعديها وخا تبرا متمشيش لعندها!
هنا تذكرت بطلة التزلج الفني الأمريكية "تونيا هاردينج" وهي متزلجة بارعة سنوات التسعينات ، أثارت الجدل من خلال علاقتها بقضية الإعتداء على منافستها " نانسي كريجان " فخضعت للمحاكمة وأصبحت أكثر شخصية مكروهة لدى الجماهير ، تم تشخيص مسارها عبر فيلم " أنا تونيا - I Tonya" و الذي بني على أساس الحقيقة نسبية ، قصة تونيا لا تختلف عن قصة " فلانة " فأنا أعرف عنها تلك المرضية التي أفنت جمالها و شبابها لرعاية والدتها المقعدة حتى توفيت و ربت إخوتها و رفضت الزواج فتحملت الكثير من أجل الآخر... ! ما يميزها أنها لا تتحدث كثيرا مع الآخرين ، في حين يعتبرونه تكبرا ، معايشة أحدهم جحيم الحياة لا يعني بتاتا انه سيء أو جيد بقدر معرفة كيف أصبح مثاليا أو مجنونا خارج الحدود و لكنه في نفس الوقت مزبلة لشخصية ذخيلة تسكنه ، وروائح الجرم ما هي إلا بداية شهر من أوله إفلاس و عذاب و تكهن بارتكاب حماقات كثيرة.
و ماذا بعد !
كلمة " الشين " تحمل جملة من المتناقضات أهمها : حصيلة من الهزائم و الإنتصارات و العنف و الطيبة و النضج و الجنون و الطبقية و العدالة ، كلها مسميات تحلينا إلى مفهوم الشخص و الهوية و علاقته بالآخر في إطار إنساني و عقلاني و تراتبي و نفسي محض...!
كيف ذلك ...!؟ أرى أن الإنسان لا يخلو من العنف و لا حاجة للشهادة على أن الرواية نفسها تخضع القارئ لعنف قرائتها حتى النهاية عندما تجذبه و تلهمه ما لا يوجد فيه ، مثلما تخطط لمصافحة شخص من المعارف لكن لحظتها تجد نفسك تقبل يده فتنتفض محرجا من هول الواقعة فتقنع ذاكرتك أن ترحمك من التذكر فتتجنب استفزازها و إلا أذلتك بإعادة المشهد !
ما نفع الشين ما دام من المخالطين !
مـا نـفــع الــزين مـــا دام حــيــا !

حفيظة مسلك .

1628272393496.png



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى