درعا والطريق الى داكوتا
"آلة قمع بغطاء دولي و ميليشيات بائدة في وجه شعب أدمن الحرية.. "
- نحات السلطة القذر ، صانع تمثال القائد الخافت الذي لا يكل ولا يمل أن يصب ذات الهيكلية الطينية خالية من أيّة روح لتُزرع في قلب درعا البلد مجدداً و ليعود أهالي المدينة ليحطموا تلك الأصنام بلا ملل تعبيراً يتجدد كل صباح عن رفض تلك الطغمة التي تجثم بسطوتها على الأحلام و المخيلات و الأجساد.
يتجاوز الهاجس في مقاومة السلطة المفروضة تلك الرغبة في فرض الذات الجمعية إلى سلوك يومي ملزِم للبقاء في ظل وضع معيشي يدنو إلى انتحار جماعي في سبيل الحفاظ على تراتبية الهرم السلطوي الغير قابلة للكسر نتيجة تماسك استراتيجيات السلطة الرئاسية باستغلالها الفئات المستفيدة و قبض النظام على مثلث وجوده و عوامل بقاءه ،بالإضافة إلى التحالفات العسكرية مع "أصدقاء السوريين " ذوي النيّة الاستعمارية الذين يتغذون على ما تبقى من لحم و شغف و آمال الحل الوطني السوري الحقيقي.
*
يتابع أهالي درعا من ٢٠١١ حتى اليوم معادلات الخيارات المتاحة و الاحتمالات المطروحة نصب أعينهم العيش بكرامة و حرية بأي وسيلة ممكنة كحل وحيد لأزمة وجود لا مساومة عليه أو غياب مشرف تحت قصف تتار القرن الواحد و العشرين.
تتطور اللحظة الشعورية من تظاهر تعبيراً عن استياء ما إلى سلوك يومي في محاولة نفض التبعية الفوقية إلى حالات عصيان مدني و عسكري و كما شهدنا إلى حروب دموية يمكن لها ببساطة أن تنجر لتكون حروب كونية ذي خلفية مذهبية و تقسيمات و مفاوضات و تسوية أوضاع على الأرض ، لكن هل انتهت أسباب المرحلة ؟ و هل حُسم الصراع اليوم؟
إن صيرورة الوعي الثوري عند الأحرار الذين لم يتم ترويضهم و توسيخهم في شباك السلطة و الهوة القائمة بين عمق التجارب الفردية و الجمعية في الشتات و استراتيجيات النظام المتدنية المستوى هو ما يعول عليه في بناء الأمة لاحقاً و إحلال الثقل في الفراغ السلطوي على الصعيد العربي و الدولي، في تعبير عن رفض مدى ارتباط سايكلوجيا الإنسان السوري بشخصية القائد الإلهية الممنهجة تاريخياً و حزبياً و إعلامياً على مدى قرون وتخليص اللاوعي السوري من سطوة تلك الشعارات والأصنام البالية
إن سوء الأحوال المالية و المعيشة تنعكس بوضوح و تتجلى بقيمة أوراق مالية منقوشة بإتقان لإقناعك بثمن ما تملك ، اليوم يمكن لك أن تحمل رزمة كاملة من صور مُلاك سوريا الأب و الأبن لتشتري حذاء مثلاً .. في تعبير واضح عن القيمة الحقيقية و تأكيد مبدأي على رفض الإنسان السوري لثقل القائد لا الوطن في دمشق المحتلة وباقي المناطق السورية.
*
إن تخاذل المجتمع الدولي المدعي حماية المدنيين العزل و ابتعاد الدول الغربية عن الغوص في المستنقع السوري كحسابات اقتصادية خاسرة و عدم الممانعة في مشاهدة تدني أوضاع بلد لطالما شكّل سيناريو تخيل صعوده تحدي سياسي في عملية ترتيب الأوراق في لعبة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط و الكثير من الأسباب الأخرى التي دفعت إلى شكل الحروب و الهجمات التي نشهدها اليوم في المنطقة لكن لعبة النوايا هي من يمنعنا حتى من أن نتخيل مستقبل أنجع اقتصادياً و سياسياً أو نمط حياة يومي يخلو من البنادق و القصف أو أزمات المعيشة الخانقة التي تطال جميع من يتشاركون تلك الهوية التي لم تُصنع و لم تتبلور بالشكل الذي يسمح لنا باحترامها أو يسمح لها باحترامنا.
-أَكَادُ أصير بصّارة بدوية كانت تزور جدتي لتبادل الكثي بالحبوب و قراءة الكف و الفنجان ، يتراءى لي عند استحضار درعا في ذاكرتي جنوب داكوتا المعروفة ب south dekota آخر معاقل قبائل الهنود الحمر، كانت تقاوم آنذاك ضد البسط الجديد لغزو الأمريكيين-الأوروبيين الذين ما انكفوا عن عمليات الاستيطان و بسط الممارسة اللاإنسانية البيضاء بكافة أشكالها على كل ما وجد أو قُدِّر له ذلك ، من استعباد إلى تطويق إلى تصفية حتى الدمار الآخير لكل ما هو أصيل و متواجد ، صيرورة تاريخية كاملة تمً محوها .
*
لا يمكن الحديث عن المشاكل النفسية و السلوكية التي يعاني منها الأفراد و نمط العقلية التي يعاني منها المجتمع ككل و حتمية الخيار الديني كعادة وعود مُرجَع إلى الثوابت التي يمكنك الوثوق بها في ظل التكالب الأمني و الخطط التي تم وسم المحافظات السورية بشباكها منذ عقود ، كل حالة -مدينة أو مجمع قرى على حدى تحت وطأة منهجية فكرية قائمة على تبني وصفة الجنرال و التحالف مع مستشارين عسكرين ذي طابع مؤدلج ، و أسلحة روسية تتبنى سياسة المحرقة المفتوحة .
انحسار سياسة المصالحات و التسويات و استراتيجية الهدنة في التفكير بمصلحة الكيان باعتباره مؤسسات شللية عائلية ذات تحالفات واسعة و منتشرة داعمة لإبقاء السلطة القائمة على مزرعة الوطن و التي يستحيل عليها توسيع دائرة التسامح و التعايش لكي يشمل الشتات الفكري للمواطنين في الداخل المهمش و بعض المناطق ذي الخصوصية (كإدلب و مناطق قسد و مناطق الجنوب) و في دول الجوار إلى الشتات على الكوكب التي أنتجت الأوضاع الجغرافية و الاجتماعية و الديموغرافية السورية الراهنة.
*
هذا النضج الذي يكهل الإنسان السوري نتيجة لضرورة فهمه لكل ما يجري و مداراة ردود الفعل و السلوكيات حتى اللاواعية منها في حفاظه على ذاته كوحدة قادرة على النجاة والبقاء و التأقلم في ظل ما يجري ، هذا الإدراك و النضج ذاته يتحول إلى برود خانق في الأجواء الاجتماعية و تبعياتها على طبيعة العلاقات البشرية القائمة ففي تشابك المحسوس و الداخل إلى هذه الوحدة الإنسانية و الخارج منها نرى صدع نفسي و اجتماعي يتوسع تعبيراً عن عدم عدالة و منطقية معادلات الواقع ليكون ثمن التواجد صمت جاحف وخانق -بسبب الخوف والاعتبارات الخارجية- بديلاً عن صرخة مدميّة ستدمر بضجيجها التناقض الأخلاقي الذي نعيشه على هذه الكرة متدنية الأصالة ومزدوجة المعايير و المليئة بالتناقضات الأخلاقية ليكون بطل الإنسان اليوم كائن سفيق، وضيع، باحث عن المصلحة الشخصية دون أدنى اتحاد و تماهي مع أبناء جنسه أو الكائنات الأخرى أو حتى الطبيعة من حولنا .
*
إن واقع الثورة السورية و إفرازاتها و تداعيات مرحلة ما بعد تمديد الديكتاتورية هي مرحلة متقدمة من درجات الثورة في صيرورة كاملة من عملية بناء الإنسان السوري بالدرجة الأولى يلحقها بناء الدولة و مؤوسساتها و إرساء قواعد السلطة التشريعية و القضائية بما يحقق مصلحة الكائن السوري ، وأهداف أخرى مرحلية مغيبة ترسي الطابع الضبابي على مستقبلنا كأمة تاهت عن خطها التطوري .
*
تاريخ حوران الذي يقتصر على التناقل الشفوي قد يقلل من أثر الكوارث في عيون المستشرقين و مسؤولي اليونيسيف و دعاة حقوق الإنسان لكن ستبقى في حلقنا قصص تُروى إلى يوم التحرير (تحرير الإنسان السوري من نفسه ومن كل عوامل التقييد و الاستعباد) ، إلى يوم الاستقلال الحقيقي - عن الديكتاتورية المحلية و الدولية - القادم لامحالة .
"آلة قمع بغطاء دولي و ميليشيات بائدة في وجه شعب أدمن الحرية.. "
- نحات السلطة القذر ، صانع تمثال القائد الخافت الذي لا يكل ولا يمل أن يصب ذات الهيكلية الطينية خالية من أيّة روح لتُزرع في قلب درعا البلد مجدداً و ليعود أهالي المدينة ليحطموا تلك الأصنام بلا ملل تعبيراً يتجدد كل صباح عن رفض تلك الطغمة التي تجثم بسطوتها على الأحلام و المخيلات و الأجساد.
يتجاوز الهاجس في مقاومة السلطة المفروضة تلك الرغبة في فرض الذات الجمعية إلى سلوك يومي ملزِم للبقاء في ظل وضع معيشي يدنو إلى انتحار جماعي في سبيل الحفاظ على تراتبية الهرم السلطوي الغير قابلة للكسر نتيجة تماسك استراتيجيات السلطة الرئاسية باستغلالها الفئات المستفيدة و قبض النظام على مثلث وجوده و عوامل بقاءه ،بالإضافة إلى التحالفات العسكرية مع "أصدقاء السوريين " ذوي النيّة الاستعمارية الذين يتغذون على ما تبقى من لحم و شغف و آمال الحل الوطني السوري الحقيقي.
*
يتابع أهالي درعا من ٢٠١١ حتى اليوم معادلات الخيارات المتاحة و الاحتمالات المطروحة نصب أعينهم العيش بكرامة و حرية بأي وسيلة ممكنة كحل وحيد لأزمة وجود لا مساومة عليه أو غياب مشرف تحت قصف تتار القرن الواحد و العشرين.
تتطور اللحظة الشعورية من تظاهر تعبيراً عن استياء ما إلى سلوك يومي في محاولة نفض التبعية الفوقية إلى حالات عصيان مدني و عسكري و كما شهدنا إلى حروب دموية يمكن لها ببساطة أن تنجر لتكون حروب كونية ذي خلفية مذهبية و تقسيمات و مفاوضات و تسوية أوضاع على الأرض ، لكن هل انتهت أسباب المرحلة ؟ و هل حُسم الصراع اليوم؟
إن صيرورة الوعي الثوري عند الأحرار الذين لم يتم ترويضهم و توسيخهم في شباك السلطة و الهوة القائمة بين عمق التجارب الفردية و الجمعية في الشتات و استراتيجيات النظام المتدنية المستوى هو ما يعول عليه في بناء الأمة لاحقاً و إحلال الثقل في الفراغ السلطوي على الصعيد العربي و الدولي، في تعبير عن رفض مدى ارتباط سايكلوجيا الإنسان السوري بشخصية القائد الإلهية الممنهجة تاريخياً و حزبياً و إعلامياً على مدى قرون وتخليص اللاوعي السوري من سطوة تلك الشعارات والأصنام البالية
إن سوء الأحوال المالية و المعيشة تنعكس بوضوح و تتجلى بقيمة أوراق مالية منقوشة بإتقان لإقناعك بثمن ما تملك ، اليوم يمكن لك أن تحمل رزمة كاملة من صور مُلاك سوريا الأب و الأبن لتشتري حذاء مثلاً .. في تعبير واضح عن القيمة الحقيقية و تأكيد مبدأي على رفض الإنسان السوري لثقل القائد لا الوطن في دمشق المحتلة وباقي المناطق السورية.
*
إن تخاذل المجتمع الدولي المدعي حماية المدنيين العزل و ابتعاد الدول الغربية عن الغوص في المستنقع السوري كحسابات اقتصادية خاسرة و عدم الممانعة في مشاهدة تدني أوضاع بلد لطالما شكّل سيناريو تخيل صعوده تحدي سياسي في عملية ترتيب الأوراق في لعبة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط و الكثير من الأسباب الأخرى التي دفعت إلى شكل الحروب و الهجمات التي نشهدها اليوم في المنطقة لكن لعبة النوايا هي من يمنعنا حتى من أن نتخيل مستقبل أنجع اقتصادياً و سياسياً أو نمط حياة يومي يخلو من البنادق و القصف أو أزمات المعيشة الخانقة التي تطال جميع من يتشاركون تلك الهوية التي لم تُصنع و لم تتبلور بالشكل الذي يسمح لنا باحترامها أو يسمح لها باحترامنا.
-أَكَادُ أصير بصّارة بدوية كانت تزور جدتي لتبادل الكثي بالحبوب و قراءة الكف و الفنجان ، يتراءى لي عند استحضار درعا في ذاكرتي جنوب داكوتا المعروفة ب south dekota آخر معاقل قبائل الهنود الحمر، كانت تقاوم آنذاك ضد البسط الجديد لغزو الأمريكيين-الأوروبيين الذين ما انكفوا عن عمليات الاستيطان و بسط الممارسة اللاإنسانية البيضاء بكافة أشكالها على كل ما وجد أو قُدِّر له ذلك ، من استعباد إلى تطويق إلى تصفية حتى الدمار الآخير لكل ما هو أصيل و متواجد ، صيرورة تاريخية كاملة تمً محوها .
*
لا يمكن الحديث عن المشاكل النفسية و السلوكية التي يعاني منها الأفراد و نمط العقلية التي يعاني منها المجتمع ككل و حتمية الخيار الديني كعادة وعود مُرجَع إلى الثوابت التي يمكنك الوثوق بها في ظل التكالب الأمني و الخطط التي تم وسم المحافظات السورية بشباكها منذ عقود ، كل حالة -مدينة أو مجمع قرى على حدى تحت وطأة منهجية فكرية قائمة على تبني وصفة الجنرال و التحالف مع مستشارين عسكرين ذي طابع مؤدلج ، و أسلحة روسية تتبنى سياسة المحرقة المفتوحة .
انحسار سياسة المصالحات و التسويات و استراتيجية الهدنة في التفكير بمصلحة الكيان باعتباره مؤسسات شللية عائلية ذات تحالفات واسعة و منتشرة داعمة لإبقاء السلطة القائمة على مزرعة الوطن و التي يستحيل عليها توسيع دائرة التسامح و التعايش لكي يشمل الشتات الفكري للمواطنين في الداخل المهمش و بعض المناطق ذي الخصوصية (كإدلب و مناطق قسد و مناطق الجنوب) و في دول الجوار إلى الشتات على الكوكب التي أنتجت الأوضاع الجغرافية و الاجتماعية و الديموغرافية السورية الراهنة.
*
هذا النضج الذي يكهل الإنسان السوري نتيجة لضرورة فهمه لكل ما يجري و مداراة ردود الفعل و السلوكيات حتى اللاواعية منها في حفاظه على ذاته كوحدة قادرة على النجاة والبقاء و التأقلم في ظل ما يجري ، هذا الإدراك و النضج ذاته يتحول إلى برود خانق في الأجواء الاجتماعية و تبعياتها على طبيعة العلاقات البشرية القائمة ففي تشابك المحسوس و الداخل إلى هذه الوحدة الإنسانية و الخارج منها نرى صدع نفسي و اجتماعي يتوسع تعبيراً عن عدم عدالة و منطقية معادلات الواقع ليكون ثمن التواجد صمت جاحف وخانق -بسبب الخوف والاعتبارات الخارجية- بديلاً عن صرخة مدميّة ستدمر بضجيجها التناقض الأخلاقي الذي نعيشه على هذه الكرة متدنية الأصالة ومزدوجة المعايير و المليئة بالتناقضات الأخلاقية ليكون بطل الإنسان اليوم كائن سفيق، وضيع، باحث عن المصلحة الشخصية دون أدنى اتحاد و تماهي مع أبناء جنسه أو الكائنات الأخرى أو حتى الطبيعة من حولنا .
*
إن واقع الثورة السورية و إفرازاتها و تداعيات مرحلة ما بعد تمديد الديكتاتورية هي مرحلة متقدمة من درجات الثورة في صيرورة كاملة من عملية بناء الإنسان السوري بالدرجة الأولى يلحقها بناء الدولة و مؤوسساتها و إرساء قواعد السلطة التشريعية و القضائية بما يحقق مصلحة الكائن السوري ، وأهداف أخرى مرحلية مغيبة ترسي الطابع الضبابي على مستقبلنا كأمة تاهت عن خطها التطوري .
*
تاريخ حوران الذي يقتصر على التناقل الشفوي قد يقلل من أثر الكوارث في عيون المستشرقين و مسؤولي اليونيسيف و دعاة حقوق الإنسان لكن ستبقى في حلقنا قصص تُروى إلى يوم التحرير (تحرير الإنسان السوري من نفسه ومن كل عوامل التقييد و الاستعباد) ، إلى يوم الاستقلال الحقيقي - عن الديكتاتورية المحلية و الدولية - القادم لامحالة .