ذاتَ فجر، جرَّبتُ أن أكون شَبحاً. جلستُ في الشُرفة، أطفأت الأنوار فجاء لص يحومُ حول "حبلِ غَسيل"، عينه كانت على الأطراف المستسلمة لقميص ذي مربعاتٍ كبيرة ومتوهجة فوق الصدر، كنتُ أجلس في الشرفة المقابلة، لأدخِّن يأسَ رجل لا يريد أن ينتمي إلى هذا العالم، وخمنتُ خطته: يصعد فوق شجرة مائلة، ليخطف القميص ـ الذي كان شائعاً كالذباب ـ ويفر.. أراد أن يتأكّد أولاً أن لا أحد في هذه الشرفات النائمة يُمكن أن يراه، اختار ركناً هَشّاً من الجدار ثم خلع ملابسَه وأخذ يتلفت برأسه مبحلقاً في النوافذ والشرفات، جلس كأنَّه يتغوَّط، فلم أنطق بحرف، اطمأن، رفع البنطال ثم صعد بهمَّة فوق الشجرة، مَد أصابعَه فصرخت: "حرامي .. حرامي"، ارتبك اللصُ وألقى نفسه من أعلى الشجرة، حين هبط كادَ أحد كتفيه أن يُلامسَ الأرض، نهض مفزوعاً وبدأ يجري بسُرعة إلى أن اختفى بين البيوتِ، كأنني كنتُ شَبحاً يحرسُ غيبةَ نائمين، وكأنَّه كان شاعراً فشل في رؤية الأشباح التي تحكم العالم على أطرافِ المُدن