محمد على عزب - الحروف الاٍضافية وتدوين الشعر العامى العربى المعاصر* مع الاستشهاد بنموذجين من الشعر العامى المغربى والعراقى

اٍن حرف القاف الأصلى فى الكلمة يُكْتَب كما هو فى تدوين شعر العامية المعاصر فى البلاد العربية فيما العراق وبعض مناطق من المغرب, وينطقه كل قارئ حسب عاميتة, أمّا لو كُتب وفقا لطريقة النطق فى بلد ما فسيُحْدِث ذلك لبسا عند القارئ وخاصة اٍذا كان من بلد آخر, فمثلا كلمة "قمر" لو كُتِبَت "أَمَرْ" وفقا لنُطق البلاد التى تنطق "القاف" "همزة قطع", فالقارئ يمكن أن يعتقد أنها تعنى فعل "أَمَرْ" من الأمْر, والعرب عرفوا تدوين الشعر العامى فى العصور الوسطى اتفقوا على رسم حرف "القاف" كما هو وكل قارئ ينطقه حسب عاميته, وقد تَرَسَّخ ذلك لدى قُرَّاء الشعر العامى قديما وحديثا, وهناك زجَّالون فى العصور الوسطى انتشرت أعمالهم خارج الأقطار التى عاشوا فيها, مثل ابن قزمان القرطبى وصفى الدبن الحلى العراقى وعلى بن سودون المصرى وفى عصرنا الحالى هناك شعراء عامية عُرِفَت أشعارهم فى بلاد عربية أخرى غير البلاد التى عاشوا فيها, مثل بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وطلال حيدر وقصائد مُظَّفَّر النواب العامية .

ومنذ منتصف القرن العشرين أدخل العرب حروفا اٍضافية للأبجدية تُعَبِّر عن أصوات ينطقها العرب ولم يكن لها رسم أبجدى يدل عليها, وتُستخدم هذه الحروف فى كتابة الكلمات الأجنبية باللغة العربية, وهذه الحروف هى "ڤ" الفاء المثلثة ذات الثلاث نقاط وتنطق "v", والباء المثلثة "پ" وتنطق "p", وهناك حرف اختلفت حول رسمه الدول التى تنطق الجيم مُعَطّشة دائما, وهذا الحرف يعادل نطق الجيم القاهرية غير المعطشة geem, مع التأكيد على أن العرب جميعا ملتزمين بالجيم القرشية فى قراءة القرأن الكريم, وهى جيم معطشة مُقَلْقَلَة لها نبرة قوية, واٍن كان بعض اللغوبين يرون أن الجيم القاهرية غير قصيحة فاٍن هناك لُغَوِيون آخرون يرون أنها فصيحة كالجيم القرشية, حيث اعتبر ابن دريد الأزدى أنها من الحروف الزائدة على الأبجدية, والتى لا يتكلمون بها اٍلاّ لضرورة واٍذا اضطروا اٍليها حولوها اٍلى أقرب الحروف من مخارجها, حيث قال : ( ومثل الحرف الذى بين الجيم والكاف وهي لغة سائرة في اليمن مثل جمل إذا اضـطروا قالوا : كمل بين الجيم والكاف )1, ويقول محمد داود التنير : ( الجيم كما تُنطق فى مصر غير معطّشة, ولاسيّما فى الكلام, لا غبار على فصاحتها, فهى لغة لقبائل يمنيّة, ويبدو أن غلبة من أتوا وسكنوا الفسطاط, وتعلّم منهم أهلها, كانوا من اليمن )2, ويرى د. كمال بشر أن الجيم القاهرية هى أصل الجيم فى اللغة العربية, ويدلل على ذلك بأن الجيم غير المعطشة هى أصل نُطْق الجيم فى مجموعة اللغات السامية, التى تُعَدّ اللغة العربية واحدة منها حيث يقول : ( نعرف أن نطق هذا الحرف الأصلي كان جيما قاهريا، وكما كان ويكون في اللغات السامية الباقيه. مثلاً كلمة "جمل" العبرية "GAMOL". وفي السريانية "GAMALA" وفي الحبشية "جومال" "GOMAL" وهذه اللغات هى أقدم فى الزمن من اللغة العربية )3 .

ولأن رسم الجيم الموجود فى الأبجدية يرمز عند المصريين واليمنيين والعمانيين للجيم القرشية والجيم القاهرية معا فاٍنهم يكتبون حرف "g" بالعربية "ج" كما فى كلمة "google" "جوجل", أمّا باقى البلاد العربية فقد اختلفت فيما بينها بخصوص رسم المعادل العربى لمنطوق حرف "g", ففى دول الخليج وليبيا والسودان والأردن يكتبون حرف "g" بالعربية "قاف" كما فى "groub" " "قروب", وفى الشام يكتبون حرف "g" بالعربية "غين" كما فى "guardain" "غارديان", وفى فلسطين يكتبون حرف "g" بالعربية جيم مثلثة "ﭺ" باِضافة نقطتين للجيم كما فى "golden" "ﭼِولدن", والجيم المثلثة فى مصر تعبر عن نطق حرف "j" الاٍنجليزى الذى يشبه صوت الجيم المعطشة, وكانت تستخدم فى كتابة الكلمات الأجنبية مثل "jaky" "ﭼِاكى", ولم يستخدم المصريون الجيم المثلثة "ﭺ" كثيرا فى كتابة الكلمات الأجنبية واكتفوا بالرسم الأبجدى للجيم العربية "ج" الذى يشير عندهم اٍلى نُطق الجيم المُعَطَشَّة وغير المُعَطَّشَة, وفى تونس والجزائر يكتبون "g" بالعربية قاف مثلثة بثلاث نقاط "ڤ" كما فى parking "باركنڤ", وهذه القاف المثلثة هى نفسها الفاء المثلثة التى تنطقها باقى البلاد العربية v, وفى المغرب وموريتانيا يكتبون "g" كاف مثلثة "ڭ" فوقها ثلاث نقاط كما فى "boodygaurd" "بودى ڭـارد", وفى العراق يكتبون حرف "g" بالعربية كاف معقودة وهى كاف فوقها خط مستقيم "گ" كما فى "gool" "گول", والعرب بحاجة اٍلى اتفاق على هذه الحروف الخاصة بكتابة الكلمات الأجنبية .

وبخصوص تدوين الشعر العامى العربى فاٍن هذه الحروف تُسْتَعْمل كما فى الفصحى لكتابة الكلمات الأجنبية بحروف عربية, وكما أشرت سابقا فأن بعض شعراء العامية الذين ينتمون لمناطق فى المغرب تنطق "القاف" gaf يستخدمون "الكاف المثلثة" بديلا عن "القاف" وبعضهم يكتب حرف القاف كما هو, ولا يشكل ذلك ظاهرة فى تدوين الشعر العامى المغربى, حيث أن معظم سكان المغرب ينطقون القاف كما فى النطق الفصيح, واستعمال "الكاف المثلثة" بدلا من "القاف" يقتصر على بعض الشعراء الذين ينتمون لمناطق جغرافية تنطق "القاف" "gaf" . كما فى هذا المقطع من قصيدة "أشواك العبيد" للشاعر المغربى المبدع محمد صابلا :
ضْرَبْتْ السَّنْتِيرْ / طَلْعُوا نَغْمَاتْ
حَطِّيتْ الْمَجْمَرْ
الزْغَارِيدْ بْدَاتْ
نْزَلْ السَّاكَنْ
القْرَاقَبْ دْوَاتْ
شَوَّكْ رَاسِي / شْعُورِي وَڭْفَاتْ
الَمْحَلَّة حَضْرَتْ / العْوَافِي شَعْلَاتْ
مِيمُونَة جَذْبَتْ / مَرْجَانَة ازْڭَاتْ
بْخُورِي جَاوِي / مْلُوكِي كَتْبَاتْ
اتْفَكَّرْتْ الْمَاضِي / طَاحُوا دَمْعَاتْ
فِى سُوقْ النْخَاسَة / الَعْبيدْ سَرَّاتْ )4
السنتير هى آلة السَّنتورى وهى آلة موسيقية وترية كان يعزف عليها "زوربا" اليونانى, وكلمة "قراقب" يكتبها وينطقها جميع أهل المغرب بالقاف, وتعنى بالعربية الفصحى "صناجات" وفى العاميات المشارقية "صاجات", والمحلة فى التراث الشعبى المغربى تعنى حفلة من حفلات موسيقى الڭْناوة "بالجيم القاهرية" أو القناوة وهى موسيقى صاخبة لها آلات ورقصات خاصة كانت تخص العبيد الأفارقة الذين جُلِبوا للمغرب فى القرن السابع عشر ثم امتزج فيها التراث العربى والأمازيغى بالاٍفريقى, والشاعر فى هذا المقطع استخدم الكاف المثلثة التى تنطق gaf بدلا من القاف فى قوله " شْعُورِي وَڭْفَاتْ" وتعنى "شعورى وقفات" أن شعر رأسة وقف, وكذلك فى قوله "ميمونة ازْڭَاتْ" وأزقات أصلها "زَقَتَ" وهى كلمة عربية فصيحة تعنى صاحت أو صرخت, وفى وسط الرقص والغناء ورائحة يتذكر هذا العازف تاريخه فى العبودية, فتبكى عيناه ويتذكر فجعيته عندما قام سيده باٍخصائه لكى يُجلسه بين الجوارى والراقصات فى ليالى الأنس دون أن يشكل خطورة عليهن, فيقول الشاعر على لسان هذا العازف المملوك "اخصانى سيدى / لجلسة البنات", واستخدام الكاف المثلثة بدلا من القاف سيُحدث لبسا عند القارئ غير المغربى والأفضل أن تكتب القاف كما هى وينطقها كل قارئ حسب عاميته, مع استخدام علامات التشكيل وعمل هامش للقصيدة لتوضيح معانى الكلمات الخاصة بالبيئة المحلية المغربية مثل قراقب وسنتير ومحلة, وسيعمل ذلك على تذليل الصعوبات التى تواجه القارئ أثناء قراءة النصّ .

أمّا بالنسبة لشعر العامية العراقى المعاصر فاٍنه يختلف فى تدوينه عن شعر العامية فى البلاد العربية الأخرى, وذلك من ناحية رسم حرفى "القاف" و"الكاف", فحرف"القاف" يُنطق فى العامية العراقية "gaf" جيم قاهرية, ويُستبدل حرف القاف فى تدوين شعر العامية العراقى المعاصر بالكاف المعقودة أو الكاف المشروطة التى يوضع فوقها خط مستقيم لتكون بهذا الشكل "گ" وتُنطق "gaf", أمّا حرف "الكاف" فى العامية العراقية فينطق "تش" ويستبدل فى تدوين شعر العامية العراقى المعاصر بالجيم المثلثة (ﭺ) التى تُنطق "تش", وحرف الجيم المثلثة باٍضافة نقطتين للجيم لا يوجد فى الرسم العربى للحروف, ويوجد فى الأبجدية الفارسية والكُردية والأوردية, وظاهرة اٍبدال حرف "الكاف" "شين" أو"تش" كانت موجودة فى اللغة العربية الفصحى عند بعض القبائل العربية فى نجد والحجاز قبل الاٍسلام ( فاٍبدال الكاف شينا يكون فى الشنشنة أمّا اٍبدال الكاف صوتا مزجيا متكونا من تاء وشين "تش" يكون فى الكشكشة )5, ومازالت الشنشنة والكشكشة موجودة للأن فى بعض مناطق الخليج واليمن والشام, والعرب الأقدمون الذين كان لديهم الكشكشة والشنشنة فى نطقهم كانوا يكتبون "الكاف" "شين", والعراقيون عندما يكتبون بالعربية الفصحى فاٍنهم يكتبون "الكاف" كما هى "كافا", وفى العامية العراقية يكتبون الكاف وينطقونها كما هى "كافا" فى كلمتى "ماكو" بمعنى لا يوجد و"أكو" بمعنى يوجد وهما كلمتين من اللغة الأشورية "العراقية القديمة" .
ومن أمثلة استخدام الكاف المعقودة "گ" التى تُنطق "gaf" بدلا من "القاف", والجيم المثلثة "چ" بدلا من الكاف فى تدوين شعر العامية العراقى المعاصر قول الشاعر العراقى الكبير مظفر النواب فى مقطع من قصيدة "مُو حُزِن .. لاﭼِن حزين" :
مو حُزِنْ .. لاﭼِنْ حزين
مِثِلْ ما تنْـكِطِعْ
جُوّه المطر شَدّة يَاسَمِين
مِثِلْ صَنْدُوك العُرِسْ
ينباع خُرْدِة عِشِـكْ
من تمضي السنين
أنا كَاتْلَّچ مو حزن
لاﭼِن حزين
مِثِل بلبل كَعَدْ متأخر
لَكَى البستان ﭼُلُّهْ بِلايَّة تيِنْ
مو حزن
لاﭼِن أحَبَّچْ
من ﭼُِنِت يا اسَمْر جنين )6
لو استبدلنا كل حروف "الكاف المعقودة" بالقاف, واستبدلنا كل حروف الجيم المثلثة بالكاف كما فى كلمة " كَاتْلَّچ" والتى تعنى "قَاتْلَكْ" سيستطيع القارئ العربى أن يتواصل مع هذا المقطع الشعرى الشفيف, القائم على ثنائية ضدية وهى نفى وجود الحزن وفى نفس الوقت اٍثبات وتأكيد أن الشاعر حزين, ولو ربطنا بين قول الشاعر أكثر من مرة "مُو حُزِن لكن حزين", وبين قوله فى نهاية هذا المقطع بشكل مدهش, ومفاجئ يكسر أفُق تَوَقُّع القارئ "مو حزن / لكن أحبك من كُنْت يا اسمر جنين" سنجد أن هناك حزنين حزن جنائزى كابوسى وحزن شعرى ذاتى مرادف للحب, يدور بينهما صراع المحو والاٍثبات الذى جسدته الثنائية الضدية "مو حزن لكن حزين" فالشاعر مظفر النواب أراد أن يثبت ويُدَعِّم وجود حالة الحزن الذاتى المرادفة للحب والحلم واٍعادة تشكيل الحياة, وفى نفس الوقت أراد الشاعر أن يكسر صور الحزن الجنائزى, التى رسمتها يد الموت لزهور الياسمين وهى تتمزق تحت المطر, وصندوق العُرس الذى يباع خردة عشق, والبلبل الذى وجد "لَقَى" البستان كله خراب بلا أى تِين, و"بِلايَّة" بالعامية العراقية تعنى "بِلا أَىّ" .


محمد علي عزب



الهوامش والاٍحالات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مقتطف من الفصل الثلث من كتابى النقدى "الشعر العامى العربى .. وقضايا الشكل والتاريخ والتدوين" ـ قيد الكتابة
1ـ ابن دريد ـ جمهرة اللغة ـ تحقيق د. رمزي منير بعلبكي ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ط أولى1987 ج1 ص 142
2ـ د. محمد داود التنير ـ ألفاظ عامية فصيحة ـ تقديم د. شوقى ضيف ـ دار الشروق ـ القاهرة ط1 1987م
3ـ د. كمال بشر ـ علم الأصوات ـ دار غريب للنشر ـ القاهرة 2000م ص 162 ـ 163
4ـ من موقع (أنطولجبا السرد العربي) على شبكة الاٍنترنت
5ـ سلمان بن سالم السحيمى ـ اٍبدال الحروف فى اللهجات العربية ـ مكتبة الغرباء الأثرية ـ المدينة النبوية ـ 1995 ط5 م ص233

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
ديوان الملحون والزجل والشعر العامي - ملف
المشاهدات
1,286
آخر تحديث
أعلى