من كتاب رحلة إلى شاطئ النار والنور
هي قصة عجيبة، فنحن بصدد قصة الصبر ذاته ، فاذا قيل الصبر، قيل أيوب...
إنها قصة النبي الكريم أيوب عليه السلام،
وقد كانت بعثته بين موسى ، ويوسف عليهما السلام .
• نبي الله أيوب يعد المثال، والنموذج الأكبر،على مر الأزمان، الذي يضرب به المثل في الصبر على جميع أنواع الابتلاءات والمصائب الدنيوية....
و البلاء من صفات الأنبياء، والصالحين، فقد كان لكل نبي بلاء، فصبر ، واحتسب ، وفوض أمره لله.
• وقد روى سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أنّه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً ، قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ) ، وذلك فأن البلاء من صفات المؤمنين ، ولا يبتلى الله – عز وجل – أحداً إلا أن كان يحبه .
• نبي الله أيوب عليه السلام – هو نبي طاهر كريم من نسل أنبياء كرام،ومن ذرية خليل الله إبراهيم عليه السلام.
• ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
• ، منح الله أيوب في الجزء الأول من حياته نعما هائلة، فقد
كان يمتلك مساحات شاسعة من أراضي الشام، و العديد من المزارع، وقطعان الماشية، كما منحه الله البنين والبنات، وكان على أتم عافية وصحة...
وقد ظل الله تعالى منعم على أيوب -عليه السلام- بالخير الوفير،لأكثر من سبعين عاما، كان فيها مؤديًا لحق الله تعالى شاكرًا حامدا، عظيم التقوى، يدعو الناس إلى عبادة الله ويحسن إليهم، يكفل اليتيم ويكرم الضيف، لا يقبل أن ينام شبعانًا وفي الأنحاء من هو جائع، ولا أن يكون بخير وغيره في الأنحاء يعاني من ضائقة مادية،
حتى وسوس الشيطان إلى بعض الناس من حوله قائلا لهم : وكيف لا يعبد الله حق عبادته، وهو لديه كل هذا المال!!
فأخذ الله منه كل أمواله، فاحترقت مزارعه وماتت مواشيه، وضاعت أرضه ، حتي تبدل حاله تماما من الغني الشديد إلى الفقر المدقع.
وتأمل الناس حال أيوب فوجدوه حامدا شاكرا لله، لم تنقطع عبادته او صلاته، بل ربما زادت.
ولما قال من حوله ونعم الرجل الصالح، تدخل الشيطان وقال لهم :
صحيح لقد ضاعت أمواله، ولكن لديه عزوة من الأبناء الأقوياء الصالحين، فكيف لا يحمد الله ويشكره عليهم.
وما هي إلا بضعة أيام ويسقط سقف البيت على جميع أبنائه فيموتون جميعا، وهنا لم يفقد أيوب إيمانه بل تقبل ما أصابه من مصائب بنفس راضية بقضاء الله .
وقبل أن يمدح الناس قوة إيمانه وصبره، تدخل الشيطان للمرة الثالثة وقال لهم :
ألا ترون ما يتمتع به من صحة ووجاهة، كيف لا يصبر على قضاء الله وهو في عنفوان صحته، ووسامته؟!
بعد فترة قصيرة أصاب الوهن والضعف أيوب، وتبدل حاله وأصيب بمرض خطير، يقال أن الديدان كانت ترعى في جسده، وأن لحمه كان يتساقط منه....
ولم يهتز إيمان أيوب بالله، بل ظل حامدا شاكرا، حتى عندما طلبت زوجته منه بأن يدعو ربه ليكشف البلاء، أخبرها بأنَّ الله أُنعم عليهم مدة طويلة من الزمن، فكيف لا يصبر على ما أصيبوا به من محن،.
• وعن الصحابي الجليل ابن عباس قال: "قالت امرأة أيوب لأيوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك، فقال: كنا في النعماء سبعين سنة، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة. "
فما كان منها إلا الصبر والمواساة لزوجها، والقيام بوفير جهدها لمساعدة زوجها، والإنفاق على بيتها، دون أن تنحرف عن طريق الحق.
• وظل على صبره وتحمله الفريد، هذا وقد مدحه الله تعالى في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}،
استمر ابتلاء أيوب أكثر من ثمانية عشرة عام، ووصل الحال به إلى أن
انصرف الناس جميعهم عنه، بعد أن ابتلاه الله تعالى، فبقي وحيدًا، ولم يبق معه أحدٌ إلا زوجته، وكانت لشدة حرصها على شفائه تلتمس له الدواء قدر ما تستطيع، وروي أنها كانت تعمل عند الناس حتى تستطيع أن تدبر أمرها هي وزوجها وحتى تستطيع علاجه، حتى وصل الأمر في الابتلاء أنَّ رفض الناس العمل معها، خوفًا من أن تكون سببًا في نقل العدوى لهم.
• ولما يأس الشيطان منه سلك مسلكا آخر إذ بدأ يشيع بين الناس أن ما بأيوب ليس إلا غضبا عليه من الله.
تحمل أيوب كلمات الناس الجارحة وظل على حاله شاكرا حامدا عبادا لله،
يقال أنه لما لم يجد الشيطان طريق آخر سوى زوجته فذهب إليها وطلب منها أن تقنع زوجها أن يتوقف عن عبادة الله وأن يطلب منه هو أن يرفع عنه ما به من ابتلاء، وأنه ساعتها سيرد عليه صحته وأمواله وسيمنحه نعيم الدنيا، ولما ذهبت زوجة سيدنا أيوب إليه بما أوحى لها الشيطان، غضب أيوب عليها غضبا عظيما وأقسم ليجلدنها مئة جلدة حين يشفي.
• لم ييأس الشيطان ولم تنفد حيله بعد، إذ تتفق ذهنه أخيرا على أن يشيع بين الناس أن أيوب ليس بنبي لله، وإذا كان بالفعل هو نبيا لله فكيف يتركه ربه في هذه الحال، بل ووصل به الأمر أن يشكك الناس في رب أيوب نفسه.
• روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال: أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين.
قال له صاحبه: وما ذاك؟
قال: من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق.
• ولما وصل إلى أيوب ما يدور بين الناس من فتنة، ورأى زوجته، وقد باعت ضفيرتي شعرها كي تطعمه، بعد أن رفض الناس أن يوفروا لها أي سبيل كي تسترزق منه، هنا دعا ربه.
• (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ)
، والضر يشار به إلى جميع أنواع البلاء التي يمكن أن تصيب الإنسان طوال حياته.
وقد استجاب الله – عز وجل – لنبيه وكشف عنه الضر في عبرة وعظة لنا أن لا منقذ لنا إلا الله – عز وجل ، عندما قال ربي اني مسني الضر وانت ارحم الرحمين .
فقال الله تعالى له :
• {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}
أيوب تحمل وصبر ما لا يتحمله بشر، ولم يدع الله تعالى ليكشف عنه البلاء،إلا بعد أن خاف على الناس من الفتنة في دينها، بعد أن شكوا في صحة نبوته، وفي رب العزة ذاته.
وبتيسير وتقدير الله دعا أيوب ، إذ قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين}،
• وقال تعالى في موضع آخر: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}،
حيثُ يظهر فيه أدب أيوب -عليه السلام- في دعائه لربه تعالى، في نسبة الضرر إلى الشيطان.
• فرفع الله عنه وعن زوجته الكرب و البلاء ، قال تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}،
أمره تعالى بأن يضرب رجله بالأرض، لينبع نبع من الماء فيغتسل منه ويتعافى من أي بلاء كان قد أصاب جسده، وضرب برجله في موضع آخر فنبع ماء، فأمره تعالى بأن يشرب منه، وبهذا تكاملت العافية فيه عليه السلام.
• لما شفي أيوب لم تعرفه زوجته حين أقبل عليها، وقد أذهب الله ما به من البلاء، وصار على أحسن حال .
فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك، إذ كان صحيحاً.
قال أيوب : فإني أنا هو.
و كان أيوب قد أقسم في مرضه أن يضرب زوجته، فقال الله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ) ، ومعنى الآيات أن خذ حزمة من العيدان الصغيرة ، وأضرب بها يد زوجتك ، حتى لا يحنث اليمين ، أي يسقط دون أن يفي به.
• وكوفئ أيوب على صبره بفقد الولد بأن أعاد الله له أهله ومثلهم معهم، حيثُ قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
، واختلف العلماء بطريقة إعادة أهله فمنهم من قال : أنهم أُحيوا بأعيانهم، ورزقه الله -تعالى- مثلهم في الحياة الدنيا.
ومنهم من قال : إنه خُيِّر ما بين إحضار أولاده بذواتهم، أو تركهم في الجنة، على أن يؤتى له بأمثالهم، فاختار أن يبقوا في الجنة، وان يؤتى بمثلهم في الحياة الدنيا.
ومع اختلاف الآراء، كان الاتفاق على أنه كوفئ بالمضاعفة من نعم الله تعالى المادية والمعنوية، على ما قدَّمه من صبر واحتساب في المدة التي ابتلاه الله بها، وأمَّا زوجته فقد أعيدت إلى مرحلة الشباب .
هي قصة عجيبة، فنحن بصدد قصة الصبر ذاته ، فاذا قيل الصبر، قيل أيوب...
إنها قصة النبي الكريم أيوب عليه السلام،
وقد كانت بعثته بين موسى ، ويوسف عليهما السلام .
• نبي الله أيوب يعد المثال، والنموذج الأكبر،على مر الأزمان، الذي يضرب به المثل في الصبر على جميع أنواع الابتلاءات والمصائب الدنيوية....
و البلاء من صفات الأنبياء، والصالحين، فقد كان لكل نبي بلاء، فصبر ، واحتسب ، وفوض أمره لله.
• وقد روى سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أنّه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً ، قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ) ، وذلك فأن البلاء من صفات المؤمنين ، ولا يبتلى الله – عز وجل – أحداً إلا أن كان يحبه .
• نبي الله أيوب عليه السلام – هو نبي طاهر كريم من نسل أنبياء كرام،ومن ذرية خليل الله إبراهيم عليه السلام.
• ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)
• ، منح الله أيوب في الجزء الأول من حياته نعما هائلة، فقد
كان يمتلك مساحات شاسعة من أراضي الشام، و العديد من المزارع، وقطعان الماشية، كما منحه الله البنين والبنات، وكان على أتم عافية وصحة...
وقد ظل الله تعالى منعم على أيوب -عليه السلام- بالخير الوفير،لأكثر من سبعين عاما، كان فيها مؤديًا لحق الله تعالى شاكرًا حامدا، عظيم التقوى، يدعو الناس إلى عبادة الله ويحسن إليهم، يكفل اليتيم ويكرم الضيف، لا يقبل أن ينام شبعانًا وفي الأنحاء من هو جائع، ولا أن يكون بخير وغيره في الأنحاء يعاني من ضائقة مادية،
حتى وسوس الشيطان إلى بعض الناس من حوله قائلا لهم : وكيف لا يعبد الله حق عبادته، وهو لديه كل هذا المال!!
فأخذ الله منه كل أمواله، فاحترقت مزارعه وماتت مواشيه، وضاعت أرضه ، حتي تبدل حاله تماما من الغني الشديد إلى الفقر المدقع.
وتأمل الناس حال أيوب فوجدوه حامدا شاكرا لله، لم تنقطع عبادته او صلاته، بل ربما زادت.
ولما قال من حوله ونعم الرجل الصالح، تدخل الشيطان وقال لهم :
صحيح لقد ضاعت أمواله، ولكن لديه عزوة من الأبناء الأقوياء الصالحين، فكيف لا يحمد الله ويشكره عليهم.
وما هي إلا بضعة أيام ويسقط سقف البيت على جميع أبنائه فيموتون جميعا، وهنا لم يفقد أيوب إيمانه بل تقبل ما أصابه من مصائب بنفس راضية بقضاء الله .
وقبل أن يمدح الناس قوة إيمانه وصبره، تدخل الشيطان للمرة الثالثة وقال لهم :
ألا ترون ما يتمتع به من صحة ووجاهة، كيف لا يصبر على قضاء الله وهو في عنفوان صحته، ووسامته؟!
بعد فترة قصيرة أصاب الوهن والضعف أيوب، وتبدل حاله وأصيب بمرض خطير، يقال أن الديدان كانت ترعى في جسده، وأن لحمه كان يتساقط منه....
ولم يهتز إيمان أيوب بالله، بل ظل حامدا شاكرا، حتى عندما طلبت زوجته منه بأن يدعو ربه ليكشف البلاء، أخبرها بأنَّ الله أُنعم عليهم مدة طويلة من الزمن، فكيف لا يصبر على ما أصيبوا به من محن،.
• وعن الصحابي الجليل ابن عباس قال: "قالت امرأة أيوب لأيوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك، فقال: كنا في النعماء سبعين سنة، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة. "
فما كان منها إلا الصبر والمواساة لزوجها، والقيام بوفير جهدها لمساعدة زوجها، والإنفاق على بيتها، دون أن تنحرف عن طريق الحق.
• وظل على صبره وتحمله الفريد، هذا وقد مدحه الله تعالى في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}،
استمر ابتلاء أيوب أكثر من ثمانية عشرة عام، ووصل الحال به إلى أن
انصرف الناس جميعهم عنه، بعد أن ابتلاه الله تعالى، فبقي وحيدًا، ولم يبق معه أحدٌ إلا زوجته، وكانت لشدة حرصها على شفائه تلتمس له الدواء قدر ما تستطيع، وروي أنها كانت تعمل عند الناس حتى تستطيع أن تدبر أمرها هي وزوجها وحتى تستطيع علاجه، حتى وصل الأمر في الابتلاء أنَّ رفض الناس العمل معها، خوفًا من أن تكون سببًا في نقل العدوى لهم.
• ولما يأس الشيطان منه سلك مسلكا آخر إذ بدأ يشيع بين الناس أن ما بأيوب ليس إلا غضبا عليه من الله.
تحمل أيوب كلمات الناس الجارحة وظل على حاله شاكرا حامدا عبادا لله،
يقال أنه لما لم يجد الشيطان طريق آخر سوى زوجته فذهب إليها وطلب منها أن تقنع زوجها أن يتوقف عن عبادة الله وأن يطلب منه هو أن يرفع عنه ما به من ابتلاء، وأنه ساعتها سيرد عليه صحته وأمواله وسيمنحه نعيم الدنيا، ولما ذهبت زوجة سيدنا أيوب إليه بما أوحى لها الشيطان، غضب أيوب عليها غضبا عظيما وأقسم ليجلدنها مئة جلدة حين يشفي.
• لم ييأس الشيطان ولم تنفد حيله بعد، إذ تتفق ذهنه أخيرا على أن يشيع بين الناس أن أيوب ليس بنبي لله، وإذا كان بالفعل هو نبيا لله فكيف يتركه ربه في هذه الحال، بل ووصل به الأمر أن يشكك الناس في رب أيوب نفسه.
• روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال: أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين.
قال له صاحبه: وما ذاك؟
قال: من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق.
• ولما وصل إلى أيوب ما يدور بين الناس من فتنة، ورأى زوجته، وقد باعت ضفيرتي شعرها كي تطعمه، بعد أن رفض الناس أن يوفروا لها أي سبيل كي تسترزق منه، هنا دعا ربه.
• (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ)
، والضر يشار به إلى جميع أنواع البلاء التي يمكن أن تصيب الإنسان طوال حياته.
وقد استجاب الله – عز وجل – لنبيه وكشف عنه الضر في عبرة وعظة لنا أن لا منقذ لنا إلا الله – عز وجل ، عندما قال ربي اني مسني الضر وانت ارحم الرحمين .
فقال الله تعالى له :
• {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}
أيوب تحمل وصبر ما لا يتحمله بشر، ولم يدع الله تعالى ليكشف عنه البلاء،إلا بعد أن خاف على الناس من الفتنة في دينها، بعد أن شكوا في صحة نبوته، وفي رب العزة ذاته.
وبتيسير وتقدير الله دعا أيوب ، إذ قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين}،
• وقال تعالى في موضع آخر: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}،
حيثُ يظهر فيه أدب أيوب -عليه السلام- في دعائه لربه تعالى، في نسبة الضرر إلى الشيطان.
• فرفع الله عنه وعن زوجته الكرب و البلاء ، قال تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}،
أمره تعالى بأن يضرب رجله بالأرض، لينبع نبع من الماء فيغتسل منه ويتعافى من أي بلاء كان قد أصاب جسده، وضرب برجله في موضع آخر فنبع ماء، فأمره تعالى بأن يشرب منه، وبهذا تكاملت العافية فيه عليه السلام.
• لما شفي أيوب لم تعرفه زوجته حين أقبل عليها، وقد أذهب الله ما به من البلاء، وصار على أحسن حال .
فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك، إذ كان صحيحاً.
قال أيوب : فإني أنا هو.
و كان أيوب قد أقسم في مرضه أن يضرب زوجته، فقال الله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ) ، ومعنى الآيات أن خذ حزمة من العيدان الصغيرة ، وأضرب بها يد زوجتك ، حتى لا يحنث اليمين ، أي يسقط دون أن يفي به.
• وكوفئ أيوب على صبره بفقد الولد بأن أعاد الله له أهله ومثلهم معهم، حيثُ قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
، واختلف العلماء بطريقة إعادة أهله فمنهم من قال : أنهم أُحيوا بأعيانهم، ورزقه الله -تعالى- مثلهم في الحياة الدنيا.
ومنهم من قال : إنه خُيِّر ما بين إحضار أولاده بذواتهم، أو تركهم في الجنة، على أن يؤتى له بأمثالهم، فاختار أن يبقوا في الجنة، وان يؤتى بمثلهم في الحياة الدنيا.
ومع اختلاف الآراء، كان الاتفاق على أنه كوفئ بالمضاعفة من نعم الله تعالى المادية والمعنوية، على ما قدَّمه من صبر واحتساب في المدة التي ابتلاه الله بها، وأمَّا زوجته فقد أعيدت إلى مرحلة الشباب .