في القرن الـ14 الميلادي، كتب أقدم نص، بلغ عصرنا، بالدارجة المغربية، هو ملعبة الشاعر الكفيف الزرهوني، التي حققها وعلق عليها الأكاديمي الراحل محمد بنشريفة، الذي ارتبطت بعطائه البحثي والتعليمي صفة عميد الأدب الأندلسي.
وتحكي هذه “الملحمة الشعرية” بالدارجة حملة السلطان أبي الحسن المريني على تونس، وينتقد ناظمها هذا الفعل الذي كان له أثره في تاريخ المغرب والمنطقة المغاربية.
ومن بين ما يقرؤه القارئ في مطلع “ملعبة الكفيف الزرهوني”: “سبح مالك خواطر الأمرا.. ونواصيها كل حين وزمان / ان طعناه عطفم لنا نصرا .. وان عصيناه قضى بكل هوان”، إلى أن يكتب “أمولاي بالحسن خطينا الباب.. في قضيَّت سيرنا الى تونس / في غنى كنا عن الجريد والزاب .. وشلك بعْرَب فْريقية الغوبس”، وآخر أبياتها: “فجعني صيحة النجيب بكرا .. حين رحلو ركائب الغزلان / وامست من بعدم الديار قفرا.. ما فيهم لا انس ولا عمران”.
وكتب بنشريفة أن نص الكفيف الزرهوني “أقدم وثيقة تاريخية حول حدث بارز، هز كيان المغرب الكبير في وقته، ألا وهو “الحركة” التي قام بها السلطان الكبير أبو الحسن المريني، من المغرب الأقصى إلى المغرب الأدنى لتوحيد المغارب في مغرب كبير من أجل مصلحة الدنيا والدين”.
كما أن قصيدة الكفيف الزرهوني “وثيقة كبيرة الفائدة، في الدلالة على طبيعة العامية المغربية في عصر بني مرين”، ودليل على “أصالة السرد القصصي والنفَس الملحمي في القريحة الشعرية العربية على العموم، والشعبية على الخصوص”.
وكتب ابن خلدون عن هذه القصيدة، التي كان يحفظها، وأسماها “المَلْعبَة”، وتحدث عن فحول هذا الفن؛ ومنهم، وفق ما نقله محمد بن شريفة، الكفيف الزرهوني الذي كتب عنه ابن خلدون: “وكان لهذه العصور القريبة، من فحولهم بزرهون من نواحي مكناسة، رجل يعرف بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن. ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن وبني مرين إلى إفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان، ويعزيهم عنها، ويُؤَسّيهم بما وقع لغيرهم، بعد أن عيبهم على غَزاتهم إلى إفريقية”.
ويرجح محقق القصيدة أن كاتبها قد نظمها عقب الحادثة التي تؤرخ لها مباشرة، أو خلالها، أي في منتصف القرن الثامن الهجري، في تاريخ كان فيه الطاعون الجارف الذي قضى على كثير من الناس.
واستمد الشاعر بعض تشبيهاته، وفق دراسة بن شريفة، من مواقع غير بعيدة عن صاريوه (مدشر يقع بين صفرو والمنزل) وزرهون؛ فقد “شبه قرقورة ضخمة بجبل تيزران الذي خصه الحسن الوزان بمادة قصيرة، وثمة تشبيه آخر قد يدل على مصارعة الأسود التي كانت معروفة في بلاط المرينيين بفاس، وكان يقوم بها أهل زرهون، ومن أسماء الأماكن التي لها صلة بمجاله الجغرافي، وذكرها في قصيدته: أزغار (منطقة الغرب)، سبو، ردات، ردوم، بهت، خولان”.
كما سجل الأكاديمي المغربي أنه “بالإضافة إلى لهجة جبالة العربية الواضحة في القصيدة فإن الشاعر يستعمل كلمات بربرية تمثل تجاور اللهجات أو ازدواجيتها في المنطقة”.
وذكر المحقق أن الشاعر الزرهوني كان “معجبا بالسلطان أبي الحسن، متعلقا بشخصه، متحسرا على ما نزل به، موبخا لمن خانه، ولو أنه انتقد حركته أو حملته على إفريقية”.
ومع إيراد بن شريفة أن ملعبة الكفيف تستعمل لغة الزجل الأندلسي وتشتمل على ألفاظ معروفة في تلك اللغة، كتب: “لعلها كانت من الألفاظ المشتركة بين عامية الأندلس وعامية المغرب، فقد ذكر بعضها ابن هشام اللغوي الإشبيلي السبتي في كتابه لحسن العامة”.
وزاد المحقق: “إن هذا التماثل بين ملعبة الكفيف الزرهوني وبين النصوص الأندلسية من حيث الاستعمال يمكن تفسيره بما يلي: تأثر الزجال المغربي القديم بمحفوظه من الأزجال الأندلسية، واشتراك لهجتي الأندلس والمغرب في عدد كبير من الألفاظ التي تعتبر ألفاظا مغربية بالمعنى الواسع، وتأثر لهجة منطقة جبالة التي ينتمي إليها الكفيف باللهجة الأندلسية بحكم القرب والجوار، ولأن أهل جبالة أو غمارة كانوا يقومون دائما بفرض الجهاد في الأندلس (…) ثم إن عددا كبيرا من الأندلسيين استقروا بمنطقة جبالة في أفواج متعاقبة”.
ومع حديث عميد الأدب الأندلسي عن وجود مؤثرات أندلسية في ملعبة الزرهوني، سجل أنها “تحتفظ بخصائص محلية، هي خصائص لهجة جبالة”؛ وهي المنطقة التي ذكر أنها تمتد “في شكل هلال من طنجة إلى تازا، وهي محفوفة بحزام من المدن هي النكور، وبادس، وتيجساس، وتطوان، وسبتة، والقصر الصغير، وطنجة، وأصيلة، والقصر الكبير، والبصرة، واسجن، وبني تاودة، ووليلي، وفاس”.
هذه المنطقة انتشرت اللغة العربية فيها، وفق المصدر نفسه، بفضل “قربها من هذه المراكز الحضرية، وارتباطها بالمسالك التجارية، وانتشار المدارس القرآنية وغيرها، وساعد في تعريبها أيضا مجاورتها للأندلس وصلتها بها، وقيام إمارات إدريسية وغيرها فيها”.
كما تطرق الدارس إلى المستوى اللغوي الآخر في ملعبة الكفيف الزرهوني “وهو المستوى الفصيح”، الذي “يتجلى في طائفة كبيرة من الألفاظ المعجمية؛ مثل الران، الزرق، القطعان، الشعراء، المعجر، الصافنات، وغيرها. كما يتجلى في التراكيب العربية التي لا ينقصها إلا الإعراب”.
وفي مؤلفه الصادر عن المطبعة الملكية بالرباط بعنوان “ملعبة الكفيف الزرهوني”، شرح المحقق محمد بن شريفة مجموعة من كلمات “الملعبة”، ويسر استيعاب معانيها، ووثق إشاراتها التاريخية، مرفقا إياها بأصول تاريخية؛ من “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” لعبد الرحمن ابن خلدون، والمسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن لمحمد ابن مرزوق التلمساني المالكي المعروف بالحفيد، قاصدا بذلك إخراج “هذا النص الشعبي القيم من صورته الغامضة كما هي في المجموع الخطي رقم 184 بخزانة ابن يوسف بمراكش إلى هذه الصورة الواضحة (…) مقتديا بابن خلدون، شيخ المؤرخين المغاربة الذي نوه بالملعبة وصاحبها.
وتحكي هذه “الملحمة الشعرية” بالدارجة حملة السلطان أبي الحسن المريني على تونس، وينتقد ناظمها هذا الفعل الذي كان له أثره في تاريخ المغرب والمنطقة المغاربية.
ومن بين ما يقرؤه القارئ في مطلع “ملعبة الكفيف الزرهوني”: “سبح مالك خواطر الأمرا.. ونواصيها كل حين وزمان / ان طعناه عطفم لنا نصرا .. وان عصيناه قضى بكل هوان”، إلى أن يكتب “أمولاي بالحسن خطينا الباب.. في قضيَّت سيرنا الى تونس / في غنى كنا عن الجريد والزاب .. وشلك بعْرَب فْريقية الغوبس”، وآخر أبياتها: “فجعني صيحة النجيب بكرا .. حين رحلو ركائب الغزلان / وامست من بعدم الديار قفرا.. ما فيهم لا انس ولا عمران”.
وكتب بنشريفة أن نص الكفيف الزرهوني “أقدم وثيقة تاريخية حول حدث بارز، هز كيان المغرب الكبير في وقته، ألا وهو “الحركة” التي قام بها السلطان الكبير أبو الحسن المريني، من المغرب الأقصى إلى المغرب الأدنى لتوحيد المغارب في مغرب كبير من أجل مصلحة الدنيا والدين”.
كما أن قصيدة الكفيف الزرهوني “وثيقة كبيرة الفائدة، في الدلالة على طبيعة العامية المغربية في عصر بني مرين”، ودليل على “أصالة السرد القصصي والنفَس الملحمي في القريحة الشعرية العربية على العموم، والشعبية على الخصوص”.
وكتب ابن خلدون عن هذه القصيدة، التي كان يحفظها، وأسماها “المَلْعبَة”، وتحدث عن فحول هذا الفن؛ ومنهم، وفق ما نقله محمد بن شريفة، الكفيف الزرهوني الذي كتب عنه ابن خلدون: “وكان لهذه العصور القريبة، من فحولهم بزرهون من نواحي مكناسة، رجل يعرف بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن. ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن وبني مرين إلى إفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان، ويعزيهم عنها، ويُؤَسّيهم بما وقع لغيرهم، بعد أن عيبهم على غَزاتهم إلى إفريقية”.
ويرجح محقق القصيدة أن كاتبها قد نظمها عقب الحادثة التي تؤرخ لها مباشرة، أو خلالها، أي في منتصف القرن الثامن الهجري، في تاريخ كان فيه الطاعون الجارف الذي قضى على كثير من الناس.
واستمد الشاعر بعض تشبيهاته، وفق دراسة بن شريفة، من مواقع غير بعيدة عن صاريوه (مدشر يقع بين صفرو والمنزل) وزرهون؛ فقد “شبه قرقورة ضخمة بجبل تيزران الذي خصه الحسن الوزان بمادة قصيرة، وثمة تشبيه آخر قد يدل على مصارعة الأسود التي كانت معروفة في بلاط المرينيين بفاس، وكان يقوم بها أهل زرهون، ومن أسماء الأماكن التي لها صلة بمجاله الجغرافي، وذكرها في قصيدته: أزغار (منطقة الغرب)، سبو، ردات، ردوم، بهت، خولان”.
كما سجل الأكاديمي المغربي أنه “بالإضافة إلى لهجة جبالة العربية الواضحة في القصيدة فإن الشاعر يستعمل كلمات بربرية تمثل تجاور اللهجات أو ازدواجيتها في المنطقة”.
وذكر المحقق أن الشاعر الزرهوني كان “معجبا بالسلطان أبي الحسن، متعلقا بشخصه، متحسرا على ما نزل به، موبخا لمن خانه، ولو أنه انتقد حركته أو حملته على إفريقية”.
ومع إيراد بن شريفة أن ملعبة الكفيف تستعمل لغة الزجل الأندلسي وتشتمل على ألفاظ معروفة في تلك اللغة، كتب: “لعلها كانت من الألفاظ المشتركة بين عامية الأندلس وعامية المغرب، فقد ذكر بعضها ابن هشام اللغوي الإشبيلي السبتي في كتابه لحسن العامة”.
وزاد المحقق: “إن هذا التماثل بين ملعبة الكفيف الزرهوني وبين النصوص الأندلسية من حيث الاستعمال يمكن تفسيره بما يلي: تأثر الزجال المغربي القديم بمحفوظه من الأزجال الأندلسية، واشتراك لهجتي الأندلس والمغرب في عدد كبير من الألفاظ التي تعتبر ألفاظا مغربية بالمعنى الواسع، وتأثر لهجة منطقة جبالة التي ينتمي إليها الكفيف باللهجة الأندلسية بحكم القرب والجوار، ولأن أهل جبالة أو غمارة كانوا يقومون دائما بفرض الجهاد في الأندلس (…) ثم إن عددا كبيرا من الأندلسيين استقروا بمنطقة جبالة في أفواج متعاقبة”.
ومع حديث عميد الأدب الأندلسي عن وجود مؤثرات أندلسية في ملعبة الزرهوني، سجل أنها “تحتفظ بخصائص محلية، هي خصائص لهجة جبالة”؛ وهي المنطقة التي ذكر أنها تمتد “في شكل هلال من طنجة إلى تازا، وهي محفوفة بحزام من المدن هي النكور، وبادس، وتيجساس، وتطوان، وسبتة، والقصر الصغير، وطنجة، وأصيلة، والقصر الكبير، والبصرة، واسجن، وبني تاودة، ووليلي، وفاس”.
هذه المنطقة انتشرت اللغة العربية فيها، وفق المصدر نفسه، بفضل “قربها من هذه المراكز الحضرية، وارتباطها بالمسالك التجارية، وانتشار المدارس القرآنية وغيرها، وساعد في تعريبها أيضا مجاورتها للأندلس وصلتها بها، وقيام إمارات إدريسية وغيرها فيها”.
كما تطرق الدارس إلى المستوى اللغوي الآخر في ملعبة الكفيف الزرهوني “وهو المستوى الفصيح”، الذي “يتجلى في طائفة كبيرة من الألفاظ المعجمية؛ مثل الران، الزرق، القطعان، الشعراء، المعجر، الصافنات، وغيرها. كما يتجلى في التراكيب العربية التي لا ينقصها إلا الإعراب”.
وفي مؤلفه الصادر عن المطبعة الملكية بالرباط بعنوان “ملعبة الكفيف الزرهوني”، شرح المحقق محمد بن شريفة مجموعة من كلمات “الملعبة”، ويسر استيعاب معانيها، ووثق إشاراتها التاريخية، مرفقا إياها بأصول تاريخية؛ من “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” لعبد الرحمن ابن خلدون، والمسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن لمحمد ابن مرزوق التلمساني المالكي المعروف بالحفيد، قاصدا بذلك إخراج “هذا النص الشعبي القيم من صورته الغامضة كما هي في المجموع الخطي رقم 184 بخزانة ابن يوسف بمراكش إلى هذه الصورة الواضحة (…) مقتديا بابن خلدون، شيخ المؤرخين المغاربة الذي نوه بالملعبة وصاحبها.