مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - يوم سبح الكون كله

من كتاب رحلة إلى شاطئ النار والنور


" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين "
هكذا كان يسبح النبي يونس ،ويسبح معه الكون كله بكلمات عظيمة، هي في أولها توحيد وأوسطها تعظيم وأخرها إقرار بالذنب .
حينما غضب سيدنا يونس عليه السلام، وغادر قومه بعد أن أيقن أنه لا فائدة ترجي معهم،وأنهم حسب ظنه لا محالة من أصحاب السعير.
كان قراره هذا راجعا لنفسه، وقد أغواه الشيطان وزين له فعله، وجعل القنوط يملأ قلبه، فلم يراجع نفسه، أو يرجع إلى ربه، فكان عقاب القدير له، أن يمكث في بطن الحوت إلى ما شاء الله....
ظل سيدنا يونس يدعو قومه لسنوات طويلة، ولكنهم لم يصدقوا نبوته، فكذبوه وظلوا على كفرهم وفسقهم يعمهون ، مما أصاب يونس بالإحباط، والقنوط الشديد...
حتي أنه غضب وعزم علي مغادرتهم ،وفي تلك اللحظة علم بوجود سفينة كبيرة تحمل مجموعة من الناس، الذين كانوا يستعدون لمغادرة البلدة، فقرر السفر معهم والتخلي عن مهمته كنبي مكلف من الله للدعوة لعبادته وحده، وحين وصلت السفينة إلى أعماق البحار تعرضت لرياح وأمواج عاتية فكادت تغرق بكل ما عليها.
عندئذ قرر قبطان السفينة التقليل من حمولتها، وأمر بإلقاء البضائع والمتاع في البحر، إلا أن الأمر لم يختلف كثيرا، بل إن البحر زادت ثورته، فقرر القبطان إلقاء أحد راكبي السفينة اتقاء لغضب البحر وثورته العارمة، وتم إجراء قرعة بكتابة أسماء جميع راكبي السفينة، لاختيار الفرد الذي سيتخلصون منه، وللأسف أسفرت القرعة عن ظهور اسم سيدنا يونس.
في تلك اللحظة حزن جميع الركاب وطالبوا القبطان بإعادة القرعة، وجعلوا يصيحون : كيف نلقي به في البحر، إنه رجل طيب صالح ؟!
فتمت إعادة القرعة ثلاث مرات، وفي كل مرة يظهر اسمه، حتى علم الجميع أن إلقاء النبي يونس من على ظهر السفينة، هو أمر قدري ، كي يهدأ البحر، وتسلم سفينتهم.
وبمجرد أن ألقى يونس في البحر، التقمه حوت عظيم.
***
وبهذا يكون يونس عبرة لكل من يتخلى عن مسؤليته تجاه ما يكلف به من السماء، فهو عقاب شديد ، لنبي عظيم ، تخلي عن مهام نبوته .
العبرة هنا كانت للبشر جميعا،
ولكن العبرة الأكبر كانت للرسل والأنبياء: أن لا تقنطوا أبدا من رحمة الله، وأن لا تتقاعسوا أو تحبطوا من جراء العناد والتكبر البشري.
ولأن يونس، أدرك خطأه، فجعل يسبح لله ويستغفره وهو في الظلمات، و لم يفعل مثلما فعل إبليس الذي، ظل على عناده وكبره مع الله، بل تاب ورجع متخذا من أبيه آدم القدوة في التوبة والندم ، حين أنصت للشيطان الذي غواه وجعله يأكل من الشجرة المحرمة .
جعل يونس وهو في ظلمات أعماق البحر وبطن الحوت، يسبح الله، و يسبح معه السمك والحصي في الأعماق ، وكأن العالم كله يسبح معه.
وعندما سألت الملائكة عن هذا التسبيح الذي يملأ أرجاء الكون ،والذي لا يعلمون من أين يأتي، أعلمهم الله أنه تسبيح يونس في بطن الحوت.
سألت الملائكة رب العزة أن يسامحه،
فغفر الرحمن له وأخرجه من بطن الحوت.
و كانت المفاجأة الكبرى ليونس حين رجع إلى بلدته !!
فوجد بني قومه _وكانوا أكثر من مائة ألف نسمة _ قد آمنوا جميعا، بعد أن رأوا بوادر عذاب الله وقد أوشكت أن تحل بهم.
***
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)
سورة يونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى