إلى أمي إليزابيت
بلدة سانس ،26 يناير 1862
جدِّي العزيز،
ستصلكَ رفقة هذه الرسالة رسالة أخرى جادة من طرف أمي،تتضمن نتيجة نقاش البارحة مع مدير الثانوية.شخص لم أضمر له تقديرا خلال فترة دراستي في الثانوية،وقد أبدى حقيقة اهتماما كبيرا بشؤوني مع أني لم أكن من جماعته.
يتبنى تماما وجهة نظري،مؤكدا قناعته التامة بأني قادر على الولوج إلى الكلية بفضل هذا العمل – يظل انكبابي على فصوله مجرد تسلية – فقليل من أساتذة اللغات الأجنبية الذين كان في وسعهم الحصول على درجة الدكتوراه ولم يشرئبوا قط نحو الأعلى،بقوا عند مستوى الأستاذية في الثانوية.
بخصوص المدرسة العليا للمعلمين،إن ظل الأساسي بالنسبة للطالب تطلّعه نحو منصب أستاذ للآداب وليس اللغات الأجنبية،فسعيه الأخير لايقل تميزا.لقد أخبرني مدير الثانوية بأن أمامي مستقبل أفضل،وأصدقه بهذا الخصوص،أولا وأخيرا.
هذا مايقترح القيام به.
أن أدْرس هنا في بلدة سانس،اللغة الانجليزية لمدة سنة بتأطير من طرف أستاذ،ثم أسافر خلال السنة الموالية إلى انجلترا كأستاذ للغة الفرنسية.الإشارة إلى هذه الإقامة طيلة سنة انتزعت قليلا ابتسامتي،في حين يعتبرها المدير جوهرية،مضيفا بأنها تمثل إحدى الشروط الأولى للاختبار.إذا اتضحت لي جليا مدى كفاءة قدراتي،يمكنني حينها اجتياز الامتحان خلال شهر غشت 1863،أو سنة 1864 .
تجمع المدير مع الشخص الذي يشرف على الاختبار صلة وطيدة لذلك سيبذل مافي وسعه قصد تزكيتي،أكثر من ذلك،استدعائي للتدريس سواء في بلدة سانس، أو داخل فصول مؤسسة أخرى أرقى.
حينما أصبح أستاذا،سأعمل على تحضير شهادة الإجازة وأمتلك لذلك جل حظوظ النجاح .توخي الحصول على الإجازة، ليس هدفا في حد ذاته لكنه ببساطة يمنحني إمكانية مناقشة أطروحة الدكتوراه، فلا ينتظرني في هذا الإطار عمل شاق بل يعكس أساسا انطلاقة وجهة المستقبل.
أفهم،جدِّي العزيز،مدى مشروعية الرغبة التي تنتابكَ وأنت تراني مقتفيا خطوات مسار تعتبره جديرا بي.لكن ألا يحق لي استثمار كل مؤهلاتي من أجل سبيل ثان يوفر امتياز الحصول على ألفي فرنك خلال سنتين،بينما لن يتجاوز دخل الوظيفة الحالية ألف وخمسمائة فرنك طيلة خمس سنوات. يجب مراعاة هذا المعطى منذ الآن فصاعدا لأن أبي المسكين سيحال على التقاعد.
إلى اللقاء، جدِّي العزيز، أقبِّلك من كل قلبي ومعك جدَّتي الغالية،التي أوجه لها بدورها هذه الرسالة،وأنتظر منها جوابا حاسما.
حفيدكَ الذي تعشقكَ حواسه جميعها.
ستيفان مالارميه.
كل ثَنَائي لهؤلاء النسوة،خالاتي.
==========
إلى أمي إليزابيت
بلدة سانس ،27 يناير 1862
جدِّي العزيز،
وصلتني منذ قليل رسالتكَ الجميلة والرائعة.يبدو جليا الآن اطلاعكَ على رسائلي السابقة.لقد استبقت مضامين أجوبتها،دون أن تدري جانبا من اعتراضاتك.اسمح لي بهذا الخصوص مناقشتكَ قليلا مرة أخرى.
أؤكد بأني لاأحتقر قط إدارة السجلات،فقط أعتبرها فضاء لايتناسب كفاية مع مؤهلاتي مقارنة مع التواجد داخل أسوار الجامعة.
لقد أخبرنا مدير الثانوية بأن أساتذة اللغات الحية الذين تمكنوا من اجتياز الامتحان ينتسبون إلى الجامعة.إن اتفقنا وسلمنا بعدم صحة تقديره :بمجرد الظفر بمنصب أستاذ للغات،يمكنني حينها اجتياز مستوى الإجازة.تحقق سعي كهذا،يجعلني تحديدا عند ذات موقع زملائي،وليس موقعا تاليا.
أشار حديثك إلى مدرسة المعلمين وكذا أستاذية الآداب.أعتقد،بهذا الخصوص أن مستقبلي سيضيِّع كثيرا من آفاقه قياسا لمستوى الطموح الذي يسكنني: هذا مايراه أيضا مدير الثانوية.
نادرا،يضيف،بل يستحيل،بالنسبة لأستاذ يدرِّس اللغات،مثقف،بوسعه الكتابة أو التكلم،وحائزا على درجة الدكتوراه عدم توفر إمكانية انتسابه إلى الجسم الأستاذي لكلية معينة.غير أن الأصعب بالنسبة إلي،قبل ذلك،يتمثل في شهادة الإجازة،وسأتمكن بفضل الاجتهاد من تحقيق هذا الانجاز،ثم تحت حافز يتماهى أكثر مع ذوقي قياسا ببقائي في إدارة السجلات،شيء من السحر ينبغي لذهن جاد امتلاكه.
لذلك،حسب تصوري إن لم تكن الأستاذية في الكلية أكثر اعتبارية فهي على الأقل أكثر إشعاعا من المكوث داخل مكتب إداري :أود القول أكثر إشعاعا بالنسبة إلي.
أما عن الجانب الصحي،فالعديد من أصدقائي الأساتذة يؤدون حصصهم داخل الفصل الدراسي دون صراخ ولايبذلون مجهودا يشعرهم بالتعب،مع ذلك يبدو عليهم الإرهاق، بالتالي،لاأتوخى أن أكون سواء قويا جبارا لأقصى حد،ولاأيضا في غاية الضعف .
حدثتني عن شخص اسمه السيد ”لويس”،”لاو” أو ”لان”(1)؟لاأعرف قط أحدا معينا بهذا الاسم. ذلك أن صديقي،وهو أيضا أستاذ في مدرسة سان سير العسكرية لاينحدر من لندن بل مدينة أوكسير،إنه فرنسي كما الشأن معي بحيث يبرهن اسمه على ذلك. للإشارة، ليس ارتقاؤه السريع،تجلت مراحله داخل بلدة سانس نفسها، من ألهمني هذا الطريق.
لاتجد أمي الوقت للكتابة إليكما :بدوري،لاأغادر مكتبي سوى في حدود الساعة الخامسة،ولايبقى امامي سوى حيز قصير للانكباب على تدوين أفكار وتأملات منصبة على ماجرى خلال اليوم،لأن المنصب في نهاية المطاف سينقضي أجله.
إلى اللقاء جدِّي العزيز،أقبلك وجدَّتي بمجموع قلبي،وأقدم لكما وعدا بإسعادكما من خلال نجاحاتي المهنية،لكن شريطة أن تفسحوا لي مجال انتشال ذاتي مما أرغب في مغادرته مؤمنا بعدم قدرتي في خضم السياق الحالي على تقديم الأفضل.
ستيفان.
--------------------------------------
(1)يتعلق الأمر تحديدا باسم ”لان” ( Lane).فقد بادرت السيدة ديسمولانس إلى مراسلة أستاذ اللغة الانجليزية في سان سير العسكرية بهدف تجميعها لمختلف المعطيات حول المسار الجامعي،انطلاقا من اعتقادها بأنه الشخص الذي ألمح إليه ستيفان مالارميه في رسالته ليوم 17يناير.
*المصدر : رسائل مالارميه،غاليمار،1995
ترجمة: سعيد بوخليط
بلدة سانس ،26 يناير 1862
جدِّي العزيز،
ستصلكَ رفقة هذه الرسالة رسالة أخرى جادة من طرف أمي،تتضمن نتيجة نقاش البارحة مع مدير الثانوية.شخص لم أضمر له تقديرا خلال فترة دراستي في الثانوية،وقد أبدى حقيقة اهتماما كبيرا بشؤوني مع أني لم أكن من جماعته.
يتبنى تماما وجهة نظري،مؤكدا قناعته التامة بأني قادر على الولوج إلى الكلية بفضل هذا العمل – يظل انكبابي على فصوله مجرد تسلية – فقليل من أساتذة اللغات الأجنبية الذين كان في وسعهم الحصول على درجة الدكتوراه ولم يشرئبوا قط نحو الأعلى،بقوا عند مستوى الأستاذية في الثانوية.
بخصوص المدرسة العليا للمعلمين،إن ظل الأساسي بالنسبة للطالب تطلّعه نحو منصب أستاذ للآداب وليس اللغات الأجنبية،فسعيه الأخير لايقل تميزا.لقد أخبرني مدير الثانوية بأن أمامي مستقبل أفضل،وأصدقه بهذا الخصوص،أولا وأخيرا.
هذا مايقترح القيام به.
أن أدْرس هنا في بلدة سانس،اللغة الانجليزية لمدة سنة بتأطير من طرف أستاذ،ثم أسافر خلال السنة الموالية إلى انجلترا كأستاذ للغة الفرنسية.الإشارة إلى هذه الإقامة طيلة سنة انتزعت قليلا ابتسامتي،في حين يعتبرها المدير جوهرية،مضيفا بأنها تمثل إحدى الشروط الأولى للاختبار.إذا اتضحت لي جليا مدى كفاءة قدراتي،يمكنني حينها اجتياز الامتحان خلال شهر غشت 1863،أو سنة 1864 .
تجمع المدير مع الشخص الذي يشرف على الاختبار صلة وطيدة لذلك سيبذل مافي وسعه قصد تزكيتي،أكثر من ذلك،استدعائي للتدريس سواء في بلدة سانس، أو داخل فصول مؤسسة أخرى أرقى.
حينما أصبح أستاذا،سأعمل على تحضير شهادة الإجازة وأمتلك لذلك جل حظوظ النجاح .توخي الحصول على الإجازة، ليس هدفا في حد ذاته لكنه ببساطة يمنحني إمكانية مناقشة أطروحة الدكتوراه، فلا ينتظرني في هذا الإطار عمل شاق بل يعكس أساسا انطلاقة وجهة المستقبل.
أفهم،جدِّي العزيز،مدى مشروعية الرغبة التي تنتابكَ وأنت تراني مقتفيا خطوات مسار تعتبره جديرا بي.لكن ألا يحق لي استثمار كل مؤهلاتي من أجل سبيل ثان يوفر امتياز الحصول على ألفي فرنك خلال سنتين،بينما لن يتجاوز دخل الوظيفة الحالية ألف وخمسمائة فرنك طيلة خمس سنوات. يجب مراعاة هذا المعطى منذ الآن فصاعدا لأن أبي المسكين سيحال على التقاعد.
إلى اللقاء، جدِّي العزيز، أقبِّلك من كل قلبي ومعك جدَّتي الغالية،التي أوجه لها بدورها هذه الرسالة،وأنتظر منها جوابا حاسما.
حفيدكَ الذي تعشقكَ حواسه جميعها.
ستيفان مالارميه.
كل ثَنَائي لهؤلاء النسوة،خالاتي.
==========
إلى أمي إليزابيت
بلدة سانس ،27 يناير 1862
جدِّي العزيز،
وصلتني منذ قليل رسالتكَ الجميلة والرائعة.يبدو جليا الآن اطلاعكَ على رسائلي السابقة.لقد استبقت مضامين أجوبتها،دون أن تدري جانبا من اعتراضاتك.اسمح لي بهذا الخصوص مناقشتكَ قليلا مرة أخرى.
أؤكد بأني لاأحتقر قط إدارة السجلات،فقط أعتبرها فضاء لايتناسب كفاية مع مؤهلاتي مقارنة مع التواجد داخل أسوار الجامعة.
لقد أخبرنا مدير الثانوية بأن أساتذة اللغات الحية الذين تمكنوا من اجتياز الامتحان ينتسبون إلى الجامعة.إن اتفقنا وسلمنا بعدم صحة تقديره :بمجرد الظفر بمنصب أستاذ للغات،يمكنني حينها اجتياز مستوى الإجازة.تحقق سعي كهذا،يجعلني تحديدا عند ذات موقع زملائي،وليس موقعا تاليا.
أشار حديثك إلى مدرسة المعلمين وكذا أستاذية الآداب.أعتقد،بهذا الخصوص أن مستقبلي سيضيِّع كثيرا من آفاقه قياسا لمستوى الطموح الذي يسكنني: هذا مايراه أيضا مدير الثانوية.
نادرا،يضيف،بل يستحيل،بالنسبة لأستاذ يدرِّس اللغات،مثقف،بوسعه الكتابة أو التكلم،وحائزا على درجة الدكتوراه عدم توفر إمكانية انتسابه إلى الجسم الأستاذي لكلية معينة.غير أن الأصعب بالنسبة إلي،قبل ذلك،يتمثل في شهادة الإجازة،وسأتمكن بفضل الاجتهاد من تحقيق هذا الانجاز،ثم تحت حافز يتماهى أكثر مع ذوقي قياسا ببقائي في إدارة السجلات،شيء من السحر ينبغي لذهن جاد امتلاكه.
لذلك،حسب تصوري إن لم تكن الأستاذية في الكلية أكثر اعتبارية فهي على الأقل أكثر إشعاعا من المكوث داخل مكتب إداري :أود القول أكثر إشعاعا بالنسبة إلي.
أما عن الجانب الصحي،فالعديد من أصدقائي الأساتذة يؤدون حصصهم داخل الفصل الدراسي دون صراخ ولايبذلون مجهودا يشعرهم بالتعب،مع ذلك يبدو عليهم الإرهاق، بالتالي،لاأتوخى أن أكون سواء قويا جبارا لأقصى حد،ولاأيضا في غاية الضعف .
حدثتني عن شخص اسمه السيد ”لويس”،”لاو” أو ”لان”(1)؟لاأعرف قط أحدا معينا بهذا الاسم. ذلك أن صديقي،وهو أيضا أستاذ في مدرسة سان سير العسكرية لاينحدر من لندن بل مدينة أوكسير،إنه فرنسي كما الشأن معي بحيث يبرهن اسمه على ذلك. للإشارة، ليس ارتقاؤه السريع،تجلت مراحله داخل بلدة سانس نفسها، من ألهمني هذا الطريق.
لاتجد أمي الوقت للكتابة إليكما :بدوري،لاأغادر مكتبي سوى في حدود الساعة الخامسة،ولايبقى امامي سوى حيز قصير للانكباب على تدوين أفكار وتأملات منصبة على ماجرى خلال اليوم،لأن المنصب في نهاية المطاف سينقضي أجله.
إلى اللقاء جدِّي العزيز،أقبلك وجدَّتي بمجموع قلبي،وأقدم لكما وعدا بإسعادكما من خلال نجاحاتي المهنية،لكن شريطة أن تفسحوا لي مجال انتشال ذاتي مما أرغب في مغادرته مؤمنا بعدم قدرتي في خضم السياق الحالي على تقديم الأفضل.
ستيفان.
--------------------------------------
(1)يتعلق الأمر تحديدا باسم ”لان” ( Lane).فقد بادرت السيدة ديسمولانس إلى مراسلة أستاذ اللغة الانجليزية في سان سير العسكرية بهدف تجميعها لمختلف المعطيات حول المسار الجامعي،انطلاقا من اعتقادها بأنه الشخص الذي ألمح إليه ستيفان مالارميه في رسالته ليوم 17يناير.
*المصدر : رسائل مالارميه،غاليمار،1995
ترجمة: سعيد بوخليط