شريف محيي الدين إبراهيم - انشقاق القمر

وقعت هذه المعجزة قبل هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة؛ عندما طلب كفّار مكّة من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- معجزة، تدلّ على صدق دعوته ونبوته؛ كما جاء في الحديث النبويّ الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه:
(أنَّ أهلَ مكَّةَ سألُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُريَهُم آيَةً، فأراهُمُ القمَرَ شِقَّينِ، حتى رأوْا حِراءً بَينهُما)
و هذه المعجزة تعد إحدى علامات الساعة وفقا للحديث النبوي :
(خمسٌ قد مَضَيْنَ: الدخانُ، والقمرُ، والرومُ، والبطشةُ، واللِّزَامُ، فسوف يكون لزاما)
وفي القرآن الكريم :
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)،
، وقد أوضح القرآن حال الكفار، قبل هذه الواقعة المعجزة،وتحديهم للرسول ص :
(بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ* مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)
بعد أن استجاب الله لرسوله، وأيده بهذه المعجزة ، المذهلة، و انشق القمر نصفين، فإن الكفار، اتبعوا شيطانهم وظلوا على عنادهم، بل واتهموا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم، بالسحر.
قال ابن كثير :
(إنّ فيما اعترض به المشركون على رسول الله ـصلّى الله عليه وسلّم- وما تعنتوا له في أسئلتهم إياه أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه طلب الهدى والرشاد)
***
العلم الحديث وحادثة انشقاق القمر:
أظهرت الدراسات العلمية الحديثة ، أنّه يوجد على سطح القمر شبكة عنكبوتيّةٌ من الصدوع والشقوق والشروخ....!!!
وأنّه في فترةٍ لاحقةٍ من الزمن أغرقت الحمم البركانية مناطق منخفضةً في الجزء الخارجي لسطح القمر، وقامت بتغطية تلك (الشقوق ) .
***
مثبت تاريخيا:
أن المَلِكٍ (جاكرواني فرماس) شاهد تلك الواقعة.
وقد ذكر في المخطوطة الهندية، التاريخية على لسان صاحبها:
شاهد ملك ماجبار "مالابار" بالهند (جاكرواني فرماس) انشقاق القمر، الذي وقع لمحمّدٍ _يقصد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وقد قرر هذا الملك، التوجه إلى شبه الجزيرة العربية، وترك ابنه كخليفةً له على الهند.
حتى قابل الرسول ص ، وأسلم بين يديه، وكان سببا في دخول الملايين، من الهنود للإسلام.
***.
كما يرى بعض علماء المسلمين ، أن المقصود في القرآن الكريم بانشقاق القمر، هو انفصال القمر وانشقاقه عن الأرض، أي أنهم يرجعون الأمر كله إلى النظرية الأساسية لتكوين القمر.
و علميا فإن القمر في الأساس هو جزء من كتلة الكرة الأرضية،وكان هذا الجزء قد انشق عن الأرض، وانطلق إلى السماء، إلا أن جاذبية الأرض منعته من مواصلة الانطلاق في الفضاء السحيق و جعلته، يدور حول الأرض كقمر تابع لها .
***.
وقد وقعت بلا شك العديد من المعجزات الحسية للرسول ص بخلاف المعجزة العقلية الكبرى الأساسية وهي القرآن الكريم ،ومن يكذب بهذه المعجزات يزداد حيرةً وضلالاً.
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}
هذا وقد زعم البعض أنه لا توجد معجزات حسيَّة ثابتة للنبي، وفي هذا يقول أحدهم:
(المعجزات السابقة كانت مناسبة لظروف النبي وقومه، أي كانت حسيَّة محلِّيَّة تنتهي بنهاية القوم الذين يطلبونها من الرسول، ثم يُصاحبها إهلاك القوم ومجئ رسول آخر؛ تتجدَّد معه نفس القصة إلى أن خُتِمَت النبوة بالنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام؛ والرسول في النهاية هو إنسان محكوم عليه بالموت، ولأن رسالته يجب أن تبقى فلا بُدَّ أن تكون معجزته على نفس المستوى، أي معجزة عقليَّة عالميَّة مستمرَّة إلى قيام الساعة.
وهكذا فعالم الخوارق والمعجزات الحسيَّة قد انتهى بإنزال القرآن كمعجزة عقليَّة يتحدَّى بها الله تعالى كل عصر بخصائصه، تحدى به العرب بالفصاحة، ويتحدى به القرن العشرين بعلمه ومكتشفاته، وفي النهاية فإن المعجزات قد انتهى عصرها بالنبي الخاتم حيث دخلت البشريَّة في عهد جديد ارتقى فيه العقل البشري)
وقد استدل هؤلاء بقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}
ولكن الواضح أنه ليس في الآية حجة على نفي المعجزات الحسيَّة؛ يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيرها:
"يقول تعالى :
وما مَنَعَنَا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك إلاَّ أنَّ مَنْ كان قبلهم من الأمم المكذِّبة سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما أتاهم ما سألوا عنه كذَّبوا رسلهم، فلم يُصَدِّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا، فلم نُرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليهم فكذَّبوا بها سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلهم".
ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قوله:
"سأل أهل مكة النبي أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا.
والواضح أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أنه إذا طلب القوم معجزة بعينها على سبيل التحدي للرسول، ثم التكذيب والانكار بعد حدوثها، فإن هذا يوجب للهلاك لهم.
أي أن الاستجابة بحدوث المعجزة التي اقترحوها هم بأنفسهم لو أعقبها عدم تصديق للمعجزة وإنكارها أو عدم أيمانهم بعدها بالرسالة المحمدية، كان سيعقبه الهلاك من الله تعالى كما حدث مع السابقين الذين شاهدوا بأعينهم تحقق ما طلبوا من معجزات ولم يؤمنوا.
أما حدوث معجزات حسية للرسول فكانت تأتي كتكريم للرسول، وبدون تحدي من الكفار له ، فهي تمثل منحة ربانية للرسول صلى الله عليه وسلم.
كما استدلَّ الذين ينفون المعجزات الحسيَّة بحديث الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال:
"مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
يقول ابن حجر في معنى قول النبي :
"وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ"
"أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها هي الوحيُ الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن؛ لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه.
بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه".
وقد زادت معجزات الرسول الحسية على ألف معجزة.
يقول ابن حجر: "وَذَكَرَ النَّوويُّ في مقدِّمة شرح مُسْلِم أَنَّ مُعْجِزَات النَّبِي تَزِيد على ألف ومائتين، وقال البيهقيُّ في (المدخل): بلغت ألفًا.
وَقَالَ الزَّاهديُّ من الحنفيَّة: ظهر على يديه ألف معجزة.
وقيل: ثلاثة آلاف.
وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمَّة، كأبي نُعَيْم والبيهقيِّ وغيرهما
يقول البيهقي: "ودلائل النبوَّة كثيرة، والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة، ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى؛ لأن كل شيء منها مُشَاكِل لصاحبه في أنه أمر معجز للخواطر، ناقض للعادات
.. ويقول ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالَّة على نبوته
كما قال ابن القيم بعد أن عدَّد معجزات موسى وعيسى عليهما السلام:
"وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتُّت شمل أُمَّتَيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظنُّ بنبوة محمد , ومعجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونَقْلُها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن.
فلقد أيَّد الله نبيَّه محمدًا بالمعجزات الحسيَّة الكثيرة.
وهناك معجزات غيبية كثيرة، بعضها وقعت في حياة الرسول ، وبعضها بعد وفاته، فعن حذيفة قال:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ.
ولقد كان من هذا القبيل نعيه النجاشي وهو في الحبشة؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
يقول النووي: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله، لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه.
وكان منه أيضًا إخباره بفتح بلاد اليمن، وبُصرى، وفارس، وإخباره بفتح القسطنطينية.
وأن المدينة ستغزى ويفتح خيبر على يد عليٍّ في غد يومه.
وما يفتح الله على أُمَّته من الدنيا ويؤْتَوْنَ من زهرتها، وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر.
وكذلك قوله لعمَّار: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ".
وقوله عن الحسن: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
***
حنين جذع النخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
روى جابر -رضي الله عنه- قال: «كان جِذْعٌ يقُومُ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم -يعني في الخُطْبَة- فلمَّا وُضِعَ المِنْبرُ، سَمِعْنا للجِذْع مثلَ صوت العِشَار [جمع عشراء، وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر] ، حتى نزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوَضَعَ يدَهُ عليه فسَكَنَ!. قال: بَكَتْ على ما كانت تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرَ».(رواه البخاري).
***
طاعة الجمادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمها عليه
يحكي ابن عباس -رضي الله عنه- عن رجل من بني عامر: «جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده نخل وشجر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عِرقًا منها، فأقبل إليه وهو يسجد ويرفع ويسجد حتى انتهى (أي وصل إليه)»، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: «ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ» فرجع إلى مكانه، فقال الرجل: «والله لا أكذِّبُكَ بشيء تقوله بعدها أبدا!». (رواه الطبراني وابن حبان والبيهقي).
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرا بمكّة كان يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْل أنْ أُبْعث، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» (رواه مسلم). قال عبد الله بن مسعود: «كنتُ أمشي في مكة فأرى حجرًا أعرفه، ما مرَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلا وسمعتُه بأذني يقول: السلام عليكَ يا رسولَ الله».
***
تسبيح الطعام والحصى في يد الرسول صلى الله عليه وسلم
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَاءُوا بإِنِاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ»(رواه البخاري).
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «إِنِّي لَشَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ فِي حَلْقَةٍ وَفِي يَدِهِ حَصًى فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، وَفِينَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فَسَمِعَ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ» (رواه الطبراني والبزار).
***
تكثير الطعام والشراب ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن ذلك قصعة الثريد يأكل منها مئات، فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: «بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَدَاوَلُونَهَا إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الظُّهْرِ، يَأْكُلُ كُلُّ قَوْمٍ ثُمَّ يَقُومُونَ، وَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَتَعَاقَبُونَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ بِطَعَامٍ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ الْأَرْضِ فَلَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ» (رواه أحمد).
وأثناء حفر الخندق رأى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في النبيّ صلى الله عليه وسلم جوعًا شديدًا، فاستأذن وذهب إلى بيته فذبح بهيمة، وطَحَنت امرأتُه صاعًا من شعير، ثمّ عاد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأسرَّ له بالأمر، وطلب منه أن يأتي في نَفَرٍ من أصحابه.
لكن هل يأكل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه جياع؟!
.. «فنادى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جميع أهل الخندق، وكانوا حوالي ألْف، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الطعام وبارك، فأكلوا جميعًا من ذلك الطعام وشبعوا، وأطعموا من حولهم من الجيران، وبقي أصل الطعام كما هو». (صحيح البخاري: كتاب المغازي).
وفي غزوة تبوك قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه- : «ثمّ غرَفَ (أي الرسول صلى الله عليه وسلم ) من العَيْن (عين تبوك) قليلًا قليلًا، حتى اجتمع الوَشْلُ (القليل من ماء النبع)، ثمّ غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويده، ثمّ أعاده فيها، فجرت العينُ بماء كثير، فاستقى الناس. ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِك يا مُعاذُ، إنْ طالَتْ بكَ حياةٌ أن ترى ما هَاهُنا قد مُلئ جِنَانًا» (رواه مسلم). وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ولقد رأيتُ الماءَ ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (رواه البخاري).
***
شفاء المرضى بنفث الرسول وريقه صلى الله عليه وسلم
ففي يوم خيبر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن علي -رضي الله عنه- فقال: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ»، فَلَمَّا جَاءَ تفل فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ»!!
(رواه البخاري). ثم حكى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد ذلك فقال: «ما رَمدْتُ -أي ما أصابَهُ الرمدُ- منذ تَفِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عيني». (رواه أحمد).
وورد عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه تفل على جرح الصحابي الحارث بن أوس فبرأ، وذلك يوم قَتَلَ كَعْبَ بن الأشرف النضري، وهو من أشدّ اليهود خطرًا على الإسلام، وبعد أن شَبَّبَ بنساء المسلمين، وتهجّم على مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم». (صحيح البخاري: كتاب المغازي).
وهذا عبد الله بن عَتِيك -رضي الله عنه- يحكي لنا وقد أصيب يوم خيبر بكَسْرٍ في رجْلِه فقال صلى الله عليه وسلم: «ابسُط رِجْلَكَ» فبسطتُ رجلي، فمسحها فكأنّما لم أشتَكِها». (رواه البخاري).
***
ما ظهر في كفِّه الشريف صلى الله عليه وسلم من الآيات
عن أبي زيد بن أخطب -رضي الله عنه- قال: «مَسَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِي وَدَعَا لِي». قال عزرة: «إِنَّه عَاشَ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا شُعَيْرَاتٌ بِيضٌ» (رواه الترمذي).
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: «كَانَ الصِّبْيَانُ يَمُرُّونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْسَحُ خَدَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْسَحُ خَدَّيْهِ، فَمَرَرْتُ بِهِ فَمَسَحَ خَدِّي؛ فَكَانَ الخَدُّ الَّذِي مَسَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِنَ الخَدِّ الْآخَرِ» (رواه الطبراني).
***
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات
ومن ذلك أن الجمل البطيء صار سريعًا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه جمل سيدنا جابر-رضي الله عنه- كان بطيئًا فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم فصار سابق الجمال. ويُحدثنا عن هذا جابر -رضي الله عنه- فيقول: «خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأبطأ جملي وأعياني، فأتى عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنك؟ قلتُ: أبطأ جملي وأعياني وتخلف. فحَجَنَه بمِحْجَنِه -أي ضربه- ثم قال: اركب، فركبت، فلقد رأيتني أكفُّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أي من شدة السرعة]» (رواه البخاري).
كما أن الجمل بكى وشكا له صلى الله عليه وسلم: وذلك لما دخل يومًا حائطًا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فلما رأى رسول الله حنّ وذرفت عيناه فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن.
فقال: «مَنْ صَاحِبُ الْجَمَــلِ؟» فجاء فتى من الأنصار، قال: هو لي يا رسول الله، فقال: «أَمَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي ملَّكَكَها اللهُ لَكَ، إِنَّهُ شَكَا إِلىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ [أي: تتعبه بكثرة ما تستعمله]» (رواه مسلم).
ومن ذلك أيضًا أن طائرًا جاء يشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ فَأَخَذْنَاهُمَا، قَالَ: فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَصِيحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخَيْهَا؟
قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: فَرُدُّوهُمَا»(رواه الحاكم والطبراني).
ومن ذلك أيضًا: أن ذراع الشاة المسمومة كلَّم النبي صلى الله عليه وسلم وحذره أنه مسموم.
وذلك حينما أهدت زينب بنت الحارث اليهودية رسولَ الله شاة مشوية قد سمّتها، وسألت: أي اللحم أحب إليه؟ فقالوا: الذراع فأكثرت من السم في الذراع، فلما انتهش من ذراعها، أخبره الذراع بأنه مسموم، فلَفِظ الأكلة ثم قــال: «اجْمَعُوا لِي مَنْ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ»، فجمعوا له... فقال لهم: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قالوا: نعم، قال: «أَجَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟» قالوا: نعم، قال: «فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟» قالوا: «أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيح مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ».
(رواه البخاري).
***
بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في الطب أثبتها العلم الحديث
ومن ذلك ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم حين أرشدنا إلى الأسلوب العلمي الرفيع في الاحتراز من الآنية والمياه التي يردها الكلاب خوفًا من نقلها مرض الكلب (الريبس) الخطير وعدة أمراض أخرى، فيقول صلى الله عليه وسلم: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» (رواه مسلم)
وفي رواية: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ» (رواه مسلم).
وقد بيَّن الأطباء السرَّ في استعمال التراب دون غيره ففي مقال (للصحة العامة) جاء فيه: «الحكمة في الغسل سبع مرات أولاهن بالتراب: أن فيروس الكلب دقيق ومتناهٍ في الصغر.
ومن المعروف أنه كلما صغر حجم الميكروب زادت فعالية سطحه للتعلق بجدار الإناء والتصاقه به، ولعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل، ودور التراب هنا هو امتصاص الميكروب -بالالتصاق السطحي- من الإناء على سطح دقائقه» .
كما أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى التعامل العلمي الأمثل عند وقوع الذباب في الإناء، فيقول صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعَ الذبابُ في إناءِ أحدِكم فَلْيغمِسْهُ كُلَّه ثم لِيَطْرَحه؛ فإن في إحدى جناحيه داء، وفي الآخر دواء» (رواه البخاري).
وفي رواية: «إذا وقعَ الذبابُ في إناء أحدكم فَلْيغمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعَهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ وَفِي الآخَرِ شِفَاءٌ، وأنه يُقدِّمُ السُّمَّ ويُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» (رواه أحمد).
وقد توصَّلَتْ نتائجُ الأبحاث والتجارب في العصر الحديث إلى صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث:
ففي عام 1949م تمكن العالمان الإنكليزيان كومسي وفارمر والسويسريون جرمان وروث وإثلنجر وبلانتز من عزل صادة (مضادة حيوية) أخرى من فطر ينتمي إلى فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب، سموها أنياتين، ولها أثر شديد في جراثيم (غرام سلبي، وغرام إيجابي) كالتيفود والكوليرا والزحار وغيرها.
فالحديث يقرر ما لم تعرفه الأجيال السابقة عن دور الذباب كناقل رئيسي للأمراض آية شاهدة على الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، فمن الذي علَّم النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟! .. إنه الله رب العالمين.
رغم أميته صلى الله عليه وسلم إلا أنه أخبر في زمانه ببعض الحقائق العلمية والطبية التي أثبتها العلم الحديث.
فقد كان من معجزاته الطبية أيضًا إبراء المرضى وذوي العاهات، ومما جاء في ذلك أنه أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردَّها ، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما.
قال قتادة: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَوْسٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِنَّتِهَا، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ أَلْقَى السِّهَامَ بِوَجْهِي، كُلَّمَا مَالَ سَهْمٌ مِنْهَا إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ مَيَّلْتُ رَأْسِي لأَقِيَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ بِلا رَمْيٍ أَرْمِيَهِ، فَكَانَ آخِرُهَا سَهْمًا بَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا فِي كَفِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي كَفِّي دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ قَتَادَةَ قَدْ أَوْجَهَ نَبِيَّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ، وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا". فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا.
ومن هذا القبيل أيضًا: مسُّ رأس أبي زيد الأنصاري فلم يخالطه شيب،
وإبراء الطِّفْلِ الذي كان لا يفيق منذ ولد، وردُّ بصر الأعمى بدعاء علَّمه إيَّاه...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى