أَمن تذكر جيران بذي سلم
نَحرت قَلبك بَين الضال وَالعلم
وَحين خيلت عَيشاً قَد مَضى بمنى
مزجت دَماً جَرى مِن مُقلة بدم
أَم هَبت الريح مِن تلقاء كاظمة
فَبت وَالطَرف ساهي العَين لَم يَنَم
ينهل إِن سرت النَكباء في سحر
وَأَومض البَرق في الظلماء مِن إِضم
فَما لعينيك إِن قُلت اكففا همتا
كَعارض سح أَو غاد مِن الديم
وَما لنارِك إِن أَطفأتها اشتعلت
وَما لقلبك إِن قُلت استفق يهم
أَيَحسَب الصب أن الحُب مُنكَتم
تاللَه ما حبه عَنا بمنكتم
فَكَيفَ يَخفى وَقَد أَضحت حشاشته
ما بَينَ منسجم مِنهُ وَمضطرم
لَولا الهَوى لَم ترق دَمعاً عَلى طلل
وَلا سهرت وَلا أَصبحت في لمم
وَلا سقيت الثرى مِن مَدمع خضل
وَلا أرقت لذكر البان وَالعلم
فَكَيفَ تنكر حباً بَعدَما شَهدت
عَيناك نور محيا بِالجَمال سمي
وكَيفَ تكتم شَوقاً طالَ ما نَطقت
بِهِ عَلَيك عدول الدَمع وَالسقم
وَأثبت الوَجد خطى عبرة وَضنى
أودى بجسمك مِن رَأس إِلى قَدَم
لَقَد رَأَيتهُما عِندَ الوَداع ضحى
مثل البهار عَلى خديك وَالعنم
نعم سَرى طَيف مَن أَهوى فَأَرقني
وَباتَ قَلبي بِنيران الغَرام حمي
سَرى فَأَضحكني وَالشَوق أَقلَقَني
وَالحُب يَعترض اللذات بِالألم
يا لائِمي في الهَوى العُذري مَعذرة
فَأنتَ عَن حال مثلي في الغَرام عَمي
دَع عَنكَ لَومي فَقَد أَبديت معذرتي
مني إِلَيك وَلَو أنصفت لَم تلم
عدتك حالي لا سري بمستتر
وَلا لِساني عَن عذري بِمنعجم
وَلا اشتياقي وَلا حُبي بمنكتم
عَن الوشاة وَلا دائي بِمنحسم
محضتني النصح لَكن لَستُ أسمعه
وَكَيفَ أَسمع قَولاً غَير مُنتظم
هَيهات لا يسمع العذال ذو شجن
إِن المحب عَن العذال في صمم
إِني اتهمت نصيح الشَيب في عذل
وَطالما جَد في حلف وَفي قسم
فَلم أطعه وَلَم أَبرح مخالفه
وَالشَيب أَبعد في نصح عَن التُهم
فَإِن أَمَّارتني بِالسوء ما اتعظت
عَن فعلها بِالَّذي قَد جاءَ مِن حكم
وَإِن لوامتي بِالذَنب ما ارتدعت
عَن جهلها بنذير الشَيب وَالهرم
وَلا عدت مِن الفعل الجَميل تَرى
ما حَل في حاجبي قَسراً وَفي لممي
وَلَم تهيئ لِهَذا الضَيف مكرمة
ضيف ألم بِرَأسي غَير محتشم
لَو كُنت أعلم أَني ما أوقره
وَلَم أَصنه عَن الفَحشاء وا نَدَمي
وَلم أبرئه عَن عَيب وَعَن دَنس
كَتمت سراً بَدا لي مِنهُ بِالكتم
مَن لي برد جماح من غوايتها
وَحفظها دائِماً عَن زلة القَدَم
وَكفها عَن فعال غَير لائِقة
كَما يرد جِماح الخَيل بِاللجم
فَلا ترم بِالمَعاصي كسر شهوتها
فَإنها نقم في صورة النعم
وَلا تسمها بملبوس وَأَطعمة
إِن الطعام يُقوي شهوة النهم
وَالنفس كَالطفل إن تهمله شب عَلى
شر الخصائل مِن فعل وَمِن همم
وَإِن أُبيحت لَهُ الثديان عاشَ عَلى
حُب الرضاع وَإِن تفطمه يَنفطم
فاصرف هَواها وَحاذر أن توليه
فصرفها عَن هَواها خَير مغتنم
وَخالف كُل ما تَهواه مِن عرض
إِن الهَوى ما تولى يصم أَو يصم
وراعها وَهيَ في الأَعمال سائِمة
فَإنَّها العُروة الوثقى لملتزم
وَإِن تَولت فجرعها بِها سحراً
وَإِن هِيَ استحلت المَرعى فلا تسم
كَم حسنت لذة للمرء قاتلة
وَأوقعت غصة للعاقل الفهم
وَأَظهرت نصحه مكراً وَمخدعة
مِن حَيث لَم يَدر ان السم في الدسم
وَاخش الدسائس مِن جوع وَمِن شبع
فَفي التَوسط فضل غَير منخرم
وَالجوع من عبث لا تَرتضيه لَها
فَرب مخمصة شر مِن التخم
وَاستفرغ الدمع مِن عَين قَد امتَلأت
مِن نَظرة السوء للعورات وَالحرم
وَاضرع إِلى اللَه مِن نَفس لَقَد شعبت
مِن المَحارم وَالزم حمية الندَم
وَخالف النَفس وَالشيطان وَاعصهما
هما اللذا يوقعان المرء في العدم
وَكُن بسنة خَير الخَلق معتصماً
وَإِن هُما محضاك النصح فاتهم
وَلا تطع مِنهما خَصماً وَلا حَكَماً
تَباً لمحتكم من ذا وَمختصم
وَلا تمل أَبداً يَوماً لِقولهما
فأنتَ تَعرف كَيد الخَصم وَالحكم
استغفر اللَه مِن قَول بِلا عَمَل
وَمِن جَميع دَواعي السوء وَاللمم
استغفر اللَه مِن دَعوى بِلا سَبب
لَقَد نَسبت بِهِ نَسلاً لِذي عقم
أَمرتك الخَير لَكن ما ائتمرت بِهِ
وَما امتثلت لما يلقي إِليك فَمي
وَما أَقمت عَلى الخيرات محتسباً
وَما استقمت فَما قَولي لَك استقم
وَلا تَزودت قَبل المَوت نافلة
وَلا مَشيت إِلى الطاعات في الظلم
وَلا كففت عَن العصيان في وَجَل
وَلَم أصل سِوى فَرض وَلَم أَصم
ظلمت سنة من أَحيا الظَلام إِلى
أَن نالَ مرتبة شَماء كالعلم
وَلَم يَزَل قائِماً جنح الظَلام إِلى
أَن اشتَكَت قَدماه الضر مِن ورم
وَشد مِن سغب أَحشاءه وطَوى
أَديم جوف بحبل اللَه معتصم
وَرض في غَزوة الأَحزاب عَن ثقة
تَحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وراودته الجِبال الشم مِن ذَهَب
فَصد عَنها بوجه غَير مبتسم
وَراجعته لكي يُبدي لَها شغفاً
عَن نَفسهِ فَأَراها أيما شمم
وَأَكدت زهده فيها ضرورته
لِكَونه في المَعالي راسخ القدم
وَشيدت في مَقام الزُهد عصمته
إِن الضرورة لا تَعدو عَلى العصم
وَكَيفَ تَدعو إِلى الدُنيا ضَرورة من
جبريل أَضحى لَه مِن جملة الخَدَم
مُحَمد سيد الكَونين وَالثقلين
وَالقبيلين في حل وَفي حرم
وَسَيد ساد في الدارين وَالحرمين
وَالفريقين مِن عرب وَمِن عَجَم
نَبينا الآمر الناهي فَلا أَحد
مِن الخَلائق إِلا في حماه حمي
إِمامنا المُرشد الهادي فَلا بشر
أَبر في قَول لا مِنهُ وَلا نعم
هُوَ الحَبيب الَّذي تُرجى شَفاعته
يَوم القيامة للعاصين مِن قدم
وَالمُرتجى للوَرى وَالخَلق قاطبة
لكل هَول مِن الأَهوال مُقتحم
دَعا إِلى الله فَالمستمسكون بِهِ
مؤيدون مِن الأَعداء وَالنقم
وَلَيسَ يخشى عَلَيهم في المعاد وَهُم
مُستمسكون بحبل غَير منفصم
فاقَ النَبيين في خلق وفي خلق
وَفي كَمال وَفي فَضل وَفي همم
فَلَم يقاربه إِنسان وَلا ملك
وَلَم يدانوه في علم وَلا كَرَم
وَكلهم مِن رَسول اللَه مُلتمس
وَهم وَأتباعهم مِن سائر الأُمم
مُستمطرون مِن المختار قَد غرفوا
غَرفاً مِن اليم أَو رَشفاً مِن الديم
وَواقفون لَدَيهِ عِندَ حدهم
وَيَستمدون مِن كَف لَديه همي
قَد روجت بِالهَوى أَرواحهم وَروت
مِن نقطة العلم أَو من شكلة الحكم
فَهوَ الَّذي تَم مَعناه وَصورته
فَكانَ ما بَين مَعشوق وَمُحترم
حماه مَولاه مِن رجس وَمِن خبث
ثُم اصطفاه حَبيباً بارئ النسم
مُنزه عَن شَريك في مَحاسنه
لِذاكَ قيمته زادَت عَلى القيم
إِن رُمت قسمة حسن حل جَوهرة
فَجَوهر الحسن فيهِ غَير مُنقسم
دَع ما ادعته النَصارى في نَبيهم
مَع اليَهود فيا تَباً لِرَأيهم
وَاثبت لَهُ كُل نعت في الوجود نَما
وَاحكم بِما شئت مَدحاً فيهِ وَاحتكم
وَانسب إِلى ذاتِهِ ما شئت مِن شَرَف
وَانسب إِلى كَفهِ ما شئت مِن كَرَم
وَانسب إِلى قَلبه ما شئت مِن حكم
وَانسب إِلى قَدره ما شئت مِن عظم
فَإِن فَضل رَسول اللَه لَيسَ لَه
عد فيحصر في الأَوراق بِالقَلَم
وَما لَهُ جل رب العَرش خالقه
حد فيعرب عَنهُ ناطق بِفَم
لَو ناسبت قدره آياته عظماً
لَكانَ مِن آيه إبصار كُل عمي
وَإِن ذكرت اسمهُ للميت في جدث
أَحيا اسمهُ حينَ يدعى دارس الرمم
لَم يَمتحنا بِما تعيي العُقول بِه
خَوفاً عَلَينا مِن الإيقاع في الوَهَم
بَل جاءَنا مِنهُ بِالنور المُبين ضحى
حرصاً عَلَينا فَلَم نرتب وَلَم نَهم
أعيا الوَرى فَهم مَعناه فَليسَ يرى
في وَصفِهِ غَير مُحتار وَمنعجم
وَلَن تَرى في جَميع الكَون مِن أَحَد
في القُرب وَالبُعد فيهِ غَير منفحم
كَالشَمس تَظهر للعينين مِن بعد
وَتَملأ الكَون مِن واد وَمِن أَكَم
فَاعجب لَها كَيفَ تَبدو وَهيَ مُشرِقة
صَغيرة وَتكل الطَرف مِن أمم
وَكَيفَ يُدرك في الدُنيا حَقيقته
قَوم نَسوا العَهد يَومَ الذر مِن قدم
وَهَل يُحيط بِذات المُصطفى أَبَداً
قَوم نِيام تَسلوا عَنهُ بالحلم
فَمبلغ العلم فيهِ أَنه بشر
وَأنهُ مَصدر الأَفضال وَالنعم
وَأَنَّهُ السَيد المُختار مِن مضر
وَأَنَّهُ خَير خَلق اللَه كُلهم
وَكُل آي أتى الرسل الكرام بِها
وَمُعجِزات مشيرات لصدقهم
مَع العُلوم الَّتي خَصوا بِها وَحَظوا
فإنما اتصلت مِن نوره بِهم
فَإِنَّهُ شَمس فَضل هم كَواكبها
تضيء للناس في أَيامها الدهم
وَصحبه بعده يا صاح أنجمها
يظهرن أَنوارها للناس في الظلم
أَكرم بخلق نبي زانَهُ خلق
وَمنظر هان لي فيه انسفاك دَمي
وَقالب لرضاء الحَق مُنقلب
بالحسن مشتمل بالبر متسم
كَالزَهر في تَرف وَالبدر في شَرَف
إِن شبهت ذاته وَالوَجه مِن قدم
وَالمسك في رَشح وَالغَيث في منح
وَالبَحر في كَرَم وَالدَهر في همم
كَأَنَّهُ وَهوَ فَرد في جَلالته
مع الوَقار وَطول الصَمت وَالعظم
لَيث إِذا ما بَدا مِن غيلة وَأَتى
في عَسكر حين تَلقاه وَفي حشم
كَأَنَّما اللؤلؤ المَكنون في صَدف
مِن رشحه حينَ يَأتي الوَحي بالحكم
وَالدر وَالجَوهر المَنظوم مُنتثر
مِن مَعدني مَنطق فيهِ وَمبتسم
لا طيب يَعدل ترباً ضَم أَعظمه
روحي الفِداء لترب مِنهُ محترم
فَالمسك في كُل ناد لا يُقاربه
طوبى لمنتشق مِنهُ وَملتثم
أَبان مَولده عَن طيب عنصره
وَحسن فطرته وَالمنظر الوسم
كَأَن مَبدأه مِن عَين مختمه
يا طيب مبتدأ مِنهُ وُمختتم
يَوم تفرس فيهِ الفرس أَنهم
باؤوا بكل وبال في ديارهم
وَحينَ أَيقنت الأَتراك أنهم
قَد أَنذروا بحلول البُؤس وَالنقم
وَباتَ إيوان كسرى وَهوَ مُنصدع
يَشكو فُؤاداً بِأَنواع البلاء رمي
وَهَل سمعت بشمل في الوجود غَدا
كَشمل أَصحاب كسرى غَير ملتئم
وَالنار خامدة الأَنفاس مِن أَسف
عَلى بناء بدار الفُرس منفصم
وَالأَرض باكية الأَجفان مِن لَهف
عَلَيهِ وَالنَهر ساهي العَين مِن سدم
وَساءَ ساوة أَن غاضت بحيرتها
مِن بَعد ما طفحت كَالوابل السجم
أَمست مَواردها تَحكي حجارتها
وَرد واردها بالغيظ حينَ ظمي
كَأَن بِالنار ما بِالماء مِن بَلل
وَذاكَ في طَبعها ضَرب مِن القَسَم
لأَن ما نالَها قَد كانَ مِن أَسَف
حُزناً وَبِالماء ما بِالنار مِن ضرم
وَالجن تَهتف وَالأَنوار ساطعة
وَالكَون مُبتسم عَن خَير مُبتسم
وَالدين أَصبح مَسروراً بِمَولده
وَالحَق يظهر مِن مَعنى وَمِن كلم
عموا وَصموا فاعلان البَشائر لَم
تفد أُناساً غَدوا مِن جملة النعم
قُلوبهم ختمت عَن درك ذاكَ فَلَم
تَسمع وَبارقة الانذار لَم تشم
مِن بَعد ما أخبر الأَقوام كاهنهم
ببعث أَحمد بالقُرآن وَالحكم
وَبَعد ما أنذر الأَحلاف عالمهم
بِأَن دينهم المعوج لَم يَقم
وَبَعد ما عاينوا في الأُفق مِن شهب
خرت كَما خَر طَير الباز وَالرخم
أعجب لَها مِن نُجوم مِن مواقعها
منقضة وفق ما في الأَرض مِن صنم
حَتّى غَدا مِن طَريق الوَحي مُنهزم
مِن نارها باءَ بِالإِحراق وَالضرم
وَكُل منذعر الإدراك منخلع
مِن الشَياطين يَقفو إِثرَ منهزم
كَأَنهُم هَربا أَبطال ابرهة
لَما أَتى طَيرهم بِالبُؤس وَالنقم
أَو جَيش بدر أَمام الرُسل فرقه
أَو عَسكر بِالحَصى مِن راحَتيهِ رمي
نبذاً بِه بَعدَ تَسبيح بِبطنهما
رَمي البَنادق في جَمع مِن البهم
حكت برميتها جَيش العَدو ضحى
نَبذ المسبح مِن أَحشاء ملتقم
جاءَت لدعوته الأَشجار ساجدة
مُطيعة لنبي العرب وَالعَجم
لا بدع إن أَسرَعت طَوعاً لَه وَأَتَت
تَمشي إِلَيهِ عَلى ساق بِلا قَدَم
كَأَنَّما سطرت سَطراً لما كتبت
عُروقها في الثَرى سَطراً بِلا قَلَم
أَجل ما فعلت في المَشي ما رَسَمت
فُروعها مِن بَديع الخَط في اللقم
مثل الغَمامة أَنى سار سائره
عَلَيهِ قَد ظَلَلت في الحل وَالحرم
إِن سارَ سارَت وَاما واقفاً وَقفت
تَقيهِ حر وَطيس للهجير حمي
أَقسمت بِالقَمر المُنشق إِن لَهُ
سراً عَجيباً وَعلماً صارَ كالعلم
ما انشق نصفين إِلا حَيث كانَ لَهُ
مِن قَلبه نسبة مَبروره القسم
وَما حَوى الغار مِن خَير وَمِن كَرَم
وَمِن عَفاف وَمِن جود وَمِن عظم
إِذا طرف جبريل يَرعاه وَيرمقه
وَكُل طَرف مِن الكُفار عَنهُ عمي
فَالصدق في الغار وَالصَديق لَم ير ما
حاشاهما اللَه مِن سوء وَمِن نقم
وَردت الفئة الأَرجاس خائبة
وَهُم يَقولون ما بالغار مِن أرم
ظَنوا الحمام وَظَنوا العَنكبوت عَلى
مُحمد وَأَخيه الصدق لَم تخم
وَأَيقنوا أَنَّهُ لَو كانَ داخله
خَير البَرية لَم تنسج وَلَم تحم
وقاية اللَه أَغنت عَن مُضاعفة
مِن الكَتائب وَالفُرسان وَالحشم
وَحيطة اللَه تَحميه وَتحفظه
مِن الدُروع وَعَن عال مِن الأَطم
ما سامَني الدَهر ضَيماً وَاستجرت بِهِ
وَصرت أَدعو بِهِ في حندس الظلم
وَلذت مِن عظم إشفاقي بحضرته
إِلا وَنلت جواراً مِنهُ لَم يضم
وَلا التمست غنى الدارين مِن يده
إِلا وَأَصبَحت في بَحر مِن النعم
وَلا استلمت جَناباً عَزَ صاحبه
إِلا استَلَمت النَدى مِن خَير مُستلم
لا تُنكر الوَحي مِن رُؤياه إِن لَهُ
سراً عَجيباً وَقَدراً في الكَمال سَمي
وَكُل ما قَد رَأى حق لأَن لَه
قَلباً مَتى نامت العَينان لَم ينم
وَذاكَ حينَ بُلوغ مِن نبوته
إِذ جاءَ جبريل بِالناموس وَالحكم
وَحينَ إِذ طهر الرَحمَن جملته
فَكَيفَ يُنكر فيهِ حال مُحتلم
تَبارك اللَه ما وَحي بمكتسب
بَل إنما هُوَ عَن حَظ وَعَن قسم
وَلا رَسول لما يَأتيه مُخترع
وَلا نَبي عَلى غَيب بمتهم
كَم أَبرَأت وَصباً بِاللَمس راحته
وأقصدت جَحفلاً كَالبَحر في العظم
وَكَم رَوَت عَسكراً مِن فَيض راحتها
وَأطلقت أرباً مِن ربقة اللمم
وَأحيت السنة الشَهباء دَعوته
وَأَخرجت أَهلها مِن سورة العدم
وَضوء نيرها مِن نور جَبهته
حَتّى حَكَت غرة في الأَعصر الدهم
يعارض جاد أَو خلت البطاح بها
طوفان نوح وَلَكن بِالنَوال همي
كَأَن وابلها في كُل ناحية
سيب مِن التم أَو سَيل مِن العرم
دَعني وَوَصفي آيات لَهُ ظَهَرَت
عَلى الوَرى وَغَدَت للناس كَالنعم
اللَهُ بَعد خفاء مِنهُ أظهرها
ظُهور نار القرى لَيلا عَلى علم
فَالدر يَزداد حُسناً وَهوَ مُنتَظم
في سلكه وَيرى في أَحسن القِيَم
وَلَيسَ يعدم حسناً وَهوَ مُنتَثر
وَلَيسَ يَنقص قَدراً غَير مُنتَظم
فَما تَطاول آمال المَديح إِلى
كَماله وَعلاه الوافر العمم
وَكَيفَ تَستوعب المداح قاطبة
ما فيهِ مِن كَرَم الأَخلاق وَالشيَم
آيات حَق مِن الرَحمن محدثة
قَد بينت خبر الماضي مِن الأُمم
وَإنَّها عِندَ أَهل الحَق كُلهم
قَديمة صفة المَوصوف بِالقدم
لَم تقترن بزمان وَهيَ تخبرنا
عَن الغُيوب وَعما كانَ مِن هرم
جاءَت إِلَينا مِن الباري لتنبئنا
عَن المعاد وَعَن عاد وَعَن إِرم
دامَت لَدَينا فَفاقَت كَل معجزة
جاءَت بها الرُسل مِن باد وَمكتتم
وَاستوعبت كل إرهاص وَمكرمة
مِن النَبيين إِذا جاءَت وَلَم تَدُم
مُحكمات فَما يَبقين مِن شبه
وَمحكمات فَما غادرنَ مِن سقم
لَم تبق ريبا وَلا شَكا فَواصلها
لذي شقاق وَلا يَبغين مِن حكم
ما حوربت قَط إِلا عاد من حَرب
عَدوها وَهوَ في خزي وَفي نقم
وَكَم غَدا حيثما سلت صَوارمها
أَعدى الأَعادي إِلَيها ملقي السلم
رَدت بَلاغتها دَعوى معارضها
عَلى فَظاظَتها مَنكوسة العلم
ترد مَن جاءَها يَبغي الهَوان بِها
رَد الغيور يَد الجاني عَن الحرم
نَحرت قَلبك بَين الضال وَالعلم
وَحين خيلت عَيشاً قَد مَضى بمنى
مزجت دَماً جَرى مِن مُقلة بدم
أَم هَبت الريح مِن تلقاء كاظمة
فَبت وَالطَرف ساهي العَين لَم يَنَم
ينهل إِن سرت النَكباء في سحر
وَأَومض البَرق في الظلماء مِن إِضم
فَما لعينيك إِن قُلت اكففا همتا
كَعارض سح أَو غاد مِن الديم
وَما لنارِك إِن أَطفأتها اشتعلت
وَما لقلبك إِن قُلت استفق يهم
أَيَحسَب الصب أن الحُب مُنكَتم
تاللَه ما حبه عَنا بمنكتم
فَكَيفَ يَخفى وَقَد أَضحت حشاشته
ما بَينَ منسجم مِنهُ وَمضطرم
لَولا الهَوى لَم ترق دَمعاً عَلى طلل
وَلا سهرت وَلا أَصبحت في لمم
وَلا سقيت الثرى مِن مَدمع خضل
وَلا أرقت لذكر البان وَالعلم
فَكَيفَ تنكر حباً بَعدَما شَهدت
عَيناك نور محيا بِالجَمال سمي
وكَيفَ تكتم شَوقاً طالَ ما نَطقت
بِهِ عَلَيك عدول الدَمع وَالسقم
وَأثبت الوَجد خطى عبرة وَضنى
أودى بجسمك مِن رَأس إِلى قَدَم
لَقَد رَأَيتهُما عِندَ الوَداع ضحى
مثل البهار عَلى خديك وَالعنم
نعم سَرى طَيف مَن أَهوى فَأَرقني
وَباتَ قَلبي بِنيران الغَرام حمي
سَرى فَأَضحكني وَالشَوق أَقلَقَني
وَالحُب يَعترض اللذات بِالألم
يا لائِمي في الهَوى العُذري مَعذرة
فَأنتَ عَن حال مثلي في الغَرام عَمي
دَع عَنكَ لَومي فَقَد أَبديت معذرتي
مني إِلَيك وَلَو أنصفت لَم تلم
عدتك حالي لا سري بمستتر
وَلا لِساني عَن عذري بِمنعجم
وَلا اشتياقي وَلا حُبي بمنكتم
عَن الوشاة وَلا دائي بِمنحسم
محضتني النصح لَكن لَستُ أسمعه
وَكَيفَ أَسمع قَولاً غَير مُنتظم
هَيهات لا يسمع العذال ذو شجن
إِن المحب عَن العذال في صمم
إِني اتهمت نصيح الشَيب في عذل
وَطالما جَد في حلف وَفي قسم
فَلم أطعه وَلَم أَبرح مخالفه
وَالشَيب أَبعد في نصح عَن التُهم
فَإِن أَمَّارتني بِالسوء ما اتعظت
عَن فعلها بِالَّذي قَد جاءَ مِن حكم
وَإِن لوامتي بِالذَنب ما ارتدعت
عَن جهلها بنذير الشَيب وَالهرم
وَلا عدت مِن الفعل الجَميل تَرى
ما حَل في حاجبي قَسراً وَفي لممي
وَلَم تهيئ لِهَذا الضَيف مكرمة
ضيف ألم بِرَأسي غَير محتشم
لَو كُنت أعلم أَني ما أوقره
وَلَم أَصنه عَن الفَحشاء وا نَدَمي
وَلم أبرئه عَن عَيب وَعَن دَنس
كَتمت سراً بَدا لي مِنهُ بِالكتم
مَن لي برد جماح من غوايتها
وَحفظها دائِماً عَن زلة القَدَم
وَكفها عَن فعال غَير لائِقة
كَما يرد جِماح الخَيل بِاللجم
فَلا ترم بِالمَعاصي كسر شهوتها
فَإنها نقم في صورة النعم
وَلا تسمها بملبوس وَأَطعمة
إِن الطعام يُقوي شهوة النهم
وَالنفس كَالطفل إن تهمله شب عَلى
شر الخصائل مِن فعل وَمِن همم
وَإِن أُبيحت لَهُ الثديان عاشَ عَلى
حُب الرضاع وَإِن تفطمه يَنفطم
فاصرف هَواها وَحاذر أن توليه
فصرفها عَن هَواها خَير مغتنم
وَخالف كُل ما تَهواه مِن عرض
إِن الهَوى ما تولى يصم أَو يصم
وراعها وَهيَ في الأَعمال سائِمة
فَإنَّها العُروة الوثقى لملتزم
وَإِن تَولت فجرعها بِها سحراً
وَإِن هِيَ استحلت المَرعى فلا تسم
كَم حسنت لذة للمرء قاتلة
وَأوقعت غصة للعاقل الفهم
وَأَظهرت نصحه مكراً وَمخدعة
مِن حَيث لَم يَدر ان السم في الدسم
وَاخش الدسائس مِن جوع وَمِن شبع
فَفي التَوسط فضل غَير منخرم
وَالجوع من عبث لا تَرتضيه لَها
فَرب مخمصة شر مِن التخم
وَاستفرغ الدمع مِن عَين قَد امتَلأت
مِن نَظرة السوء للعورات وَالحرم
وَاضرع إِلى اللَه مِن نَفس لَقَد شعبت
مِن المَحارم وَالزم حمية الندَم
وَخالف النَفس وَالشيطان وَاعصهما
هما اللذا يوقعان المرء في العدم
وَكُن بسنة خَير الخَلق معتصماً
وَإِن هُما محضاك النصح فاتهم
وَلا تطع مِنهما خَصماً وَلا حَكَماً
تَباً لمحتكم من ذا وَمختصم
وَلا تمل أَبداً يَوماً لِقولهما
فأنتَ تَعرف كَيد الخَصم وَالحكم
استغفر اللَه مِن قَول بِلا عَمَل
وَمِن جَميع دَواعي السوء وَاللمم
استغفر اللَه مِن دَعوى بِلا سَبب
لَقَد نَسبت بِهِ نَسلاً لِذي عقم
أَمرتك الخَير لَكن ما ائتمرت بِهِ
وَما امتثلت لما يلقي إِليك فَمي
وَما أَقمت عَلى الخيرات محتسباً
وَما استقمت فَما قَولي لَك استقم
وَلا تَزودت قَبل المَوت نافلة
وَلا مَشيت إِلى الطاعات في الظلم
وَلا كففت عَن العصيان في وَجَل
وَلَم أصل سِوى فَرض وَلَم أَصم
ظلمت سنة من أَحيا الظَلام إِلى
أَن نالَ مرتبة شَماء كالعلم
وَلَم يَزَل قائِماً جنح الظَلام إِلى
أَن اشتَكَت قَدماه الضر مِن ورم
وَشد مِن سغب أَحشاءه وطَوى
أَديم جوف بحبل اللَه معتصم
وَرض في غَزوة الأَحزاب عَن ثقة
تَحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وراودته الجِبال الشم مِن ذَهَب
فَصد عَنها بوجه غَير مبتسم
وَراجعته لكي يُبدي لَها شغفاً
عَن نَفسهِ فَأَراها أيما شمم
وَأَكدت زهده فيها ضرورته
لِكَونه في المَعالي راسخ القدم
وَشيدت في مَقام الزُهد عصمته
إِن الضرورة لا تَعدو عَلى العصم
وَكَيفَ تَدعو إِلى الدُنيا ضَرورة من
جبريل أَضحى لَه مِن جملة الخَدَم
مُحَمد سيد الكَونين وَالثقلين
وَالقبيلين في حل وَفي حرم
وَسَيد ساد في الدارين وَالحرمين
وَالفريقين مِن عرب وَمِن عَجَم
نَبينا الآمر الناهي فَلا أَحد
مِن الخَلائق إِلا في حماه حمي
إِمامنا المُرشد الهادي فَلا بشر
أَبر في قَول لا مِنهُ وَلا نعم
هُوَ الحَبيب الَّذي تُرجى شَفاعته
يَوم القيامة للعاصين مِن قدم
وَالمُرتجى للوَرى وَالخَلق قاطبة
لكل هَول مِن الأَهوال مُقتحم
دَعا إِلى الله فَالمستمسكون بِهِ
مؤيدون مِن الأَعداء وَالنقم
وَلَيسَ يخشى عَلَيهم في المعاد وَهُم
مُستمسكون بحبل غَير منفصم
فاقَ النَبيين في خلق وفي خلق
وَفي كَمال وَفي فَضل وَفي همم
فَلَم يقاربه إِنسان وَلا ملك
وَلَم يدانوه في علم وَلا كَرَم
وَكلهم مِن رَسول اللَه مُلتمس
وَهم وَأتباعهم مِن سائر الأُمم
مُستمطرون مِن المختار قَد غرفوا
غَرفاً مِن اليم أَو رَشفاً مِن الديم
وَواقفون لَدَيهِ عِندَ حدهم
وَيَستمدون مِن كَف لَديه همي
قَد روجت بِالهَوى أَرواحهم وَروت
مِن نقطة العلم أَو من شكلة الحكم
فَهوَ الَّذي تَم مَعناه وَصورته
فَكانَ ما بَين مَعشوق وَمُحترم
حماه مَولاه مِن رجس وَمِن خبث
ثُم اصطفاه حَبيباً بارئ النسم
مُنزه عَن شَريك في مَحاسنه
لِذاكَ قيمته زادَت عَلى القيم
إِن رُمت قسمة حسن حل جَوهرة
فَجَوهر الحسن فيهِ غَير مُنقسم
دَع ما ادعته النَصارى في نَبيهم
مَع اليَهود فيا تَباً لِرَأيهم
وَاثبت لَهُ كُل نعت في الوجود نَما
وَاحكم بِما شئت مَدحاً فيهِ وَاحتكم
وَانسب إِلى ذاتِهِ ما شئت مِن شَرَف
وَانسب إِلى كَفهِ ما شئت مِن كَرَم
وَانسب إِلى قَلبه ما شئت مِن حكم
وَانسب إِلى قَدره ما شئت مِن عظم
فَإِن فَضل رَسول اللَه لَيسَ لَه
عد فيحصر في الأَوراق بِالقَلَم
وَما لَهُ جل رب العَرش خالقه
حد فيعرب عَنهُ ناطق بِفَم
لَو ناسبت قدره آياته عظماً
لَكانَ مِن آيه إبصار كُل عمي
وَإِن ذكرت اسمهُ للميت في جدث
أَحيا اسمهُ حينَ يدعى دارس الرمم
لَم يَمتحنا بِما تعيي العُقول بِه
خَوفاً عَلَينا مِن الإيقاع في الوَهَم
بَل جاءَنا مِنهُ بِالنور المُبين ضحى
حرصاً عَلَينا فَلَم نرتب وَلَم نَهم
أعيا الوَرى فَهم مَعناه فَليسَ يرى
في وَصفِهِ غَير مُحتار وَمنعجم
وَلَن تَرى في جَميع الكَون مِن أَحَد
في القُرب وَالبُعد فيهِ غَير منفحم
كَالشَمس تَظهر للعينين مِن بعد
وَتَملأ الكَون مِن واد وَمِن أَكَم
فَاعجب لَها كَيفَ تَبدو وَهيَ مُشرِقة
صَغيرة وَتكل الطَرف مِن أمم
وَكَيفَ يُدرك في الدُنيا حَقيقته
قَوم نَسوا العَهد يَومَ الذر مِن قدم
وَهَل يُحيط بِذات المُصطفى أَبَداً
قَوم نِيام تَسلوا عَنهُ بالحلم
فَمبلغ العلم فيهِ أَنه بشر
وَأنهُ مَصدر الأَفضال وَالنعم
وَأَنَّهُ السَيد المُختار مِن مضر
وَأَنَّهُ خَير خَلق اللَه كُلهم
وَكُل آي أتى الرسل الكرام بِها
وَمُعجِزات مشيرات لصدقهم
مَع العُلوم الَّتي خَصوا بِها وَحَظوا
فإنما اتصلت مِن نوره بِهم
فَإِنَّهُ شَمس فَضل هم كَواكبها
تضيء للناس في أَيامها الدهم
وَصحبه بعده يا صاح أنجمها
يظهرن أَنوارها للناس في الظلم
أَكرم بخلق نبي زانَهُ خلق
وَمنظر هان لي فيه انسفاك دَمي
وَقالب لرضاء الحَق مُنقلب
بالحسن مشتمل بالبر متسم
كَالزَهر في تَرف وَالبدر في شَرَف
إِن شبهت ذاته وَالوَجه مِن قدم
وَالمسك في رَشح وَالغَيث في منح
وَالبَحر في كَرَم وَالدَهر في همم
كَأَنَّهُ وَهوَ فَرد في جَلالته
مع الوَقار وَطول الصَمت وَالعظم
لَيث إِذا ما بَدا مِن غيلة وَأَتى
في عَسكر حين تَلقاه وَفي حشم
كَأَنَّما اللؤلؤ المَكنون في صَدف
مِن رشحه حينَ يَأتي الوَحي بالحكم
وَالدر وَالجَوهر المَنظوم مُنتثر
مِن مَعدني مَنطق فيهِ وَمبتسم
لا طيب يَعدل ترباً ضَم أَعظمه
روحي الفِداء لترب مِنهُ محترم
فَالمسك في كُل ناد لا يُقاربه
طوبى لمنتشق مِنهُ وَملتثم
أَبان مَولده عَن طيب عنصره
وَحسن فطرته وَالمنظر الوسم
كَأَن مَبدأه مِن عَين مختمه
يا طيب مبتدأ مِنهُ وُمختتم
يَوم تفرس فيهِ الفرس أَنهم
باؤوا بكل وبال في ديارهم
وَحينَ أَيقنت الأَتراك أنهم
قَد أَنذروا بحلول البُؤس وَالنقم
وَباتَ إيوان كسرى وَهوَ مُنصدع
يَشكو فُؤاداً بِأَنواع البلاء رمي
وَهَل سمعت بشمل في الوجود غَدا
كَشمل أَصحاب كسرى غَير ملتئم
وَالنار خامدة الأَنفاس مِن أَسف
عَلى بناء بدار الفُرس منفصم
وَالأَرض باكية الأَجفان مِن لَهف
عَلَيهِ وَالنَهر ساهي العَين مِن سدم
وَساءَ ساوة أَن غاضت بحيرتها
مِن بَعد ما طفحت كَالوابل السجم
أَمست مَواردها تَحكي حجارتها
وَرد واردها بالغيظ حينَ ظمي
كَأَن بِالنار ما بِالماء مِن بَلل
وَذاكَ في طَبعها ضَرب مِن القَسَم
لأَن ما نالَها قَد كانَ مِن أَسَف
حُزناً وَبِالماء ما بِالنار مِن ضرم
وَالجن تَهتف وَالأَنوار ساطعة
وَالكَون مُبتسم عَن خَير مُبتسم
وَالدين أَصبح مَسروراً بِمَولده
وَالحَق يظهر مِن مَعنى وَمِن كلم
عموا وَصموا فاعلان البَشائر لَم
تفد أُناساً غَدوا مِن جملة النعم
قُلوبهم ختمت عَن درك ذاكَ فَلَم
تَسمع وَبارقة الانذار لَم تشم
مِن بَعد ما أخبر الأَقوام كاهنهم
ببعث أَحمد بالقُرآن وَالحكم
وَبَعد ما أنذر الأَحلاف عالمهم
بِأَن دينهم المعوج لَم يَقم
وَبَعد ما عاينوا في الأُفق مِن شهب
خرت كَما خَر طَير الباز وَالرخم
أعجب لَها مِن نُجوم مِن مواقعها
منقضة وفق ما في الأَرض مِن صنم
حَتّى غَدا مِن طَريق الوَحي مُنهزم
مِن نارها باءَ بِالإِحراق وَالضرم
وَكُل منذعر الإدراك منخلع
مِن الشَياطين يَقفو إِثرَ منهزم
كَأَنهُم هَربا أَبطال ابرهة
لَما أَتى طَيرهم بِالبُؤس وَالنقم
أَو جَيش بدر أَمام الرُسل فرقه
أَو عَسكر بِالحَصى مِن راحَتيهِ رمي
نبذاً بِه بَعدَ تَسبيح بِبطنهما
رَمي البَنادق في جَمع مِن البهم
حكت برميتها جَيش العَدو ضحى
نَبذ المسبح مِن أَحشاء ملتقم
جاءَت لدعوته الأَشجار ساجدة
مُطيعة لنبي العرب وَالعَجم
لا بدع إن أَسرَعت طَوعاً لَه وَأَتَت
تَمشي إِلَيهِ عَلى ساق بِلا قَدَم
كَأَنَّما سطرت سَطراً لما كتبت
عُروقها في الثَرى سَطراً بِلا قَلَم
أَجل ما فعلت في المَشي ما رَسَمت
فُروعها مِن بَديع الخَط في اللقم
مثل الغَمامة أَنى سار سائره
عَلَيهِ قَد ظَلَلت في الحل وَالحرم
إِن سارَ سارَت وَاما واقفاً وَقفت
تَقيهِ حر وَطيس للهجير حمي
أَقسمت بِالقَمر المُنشق إِن لَهُ
سراً عَجيباً وَعلماً صارَ كالعلم
ما انشق نصفين إِلا حَيث كانَ لَهُ
مِن قَلبه نسبة مَبروره القسم
وَما حَوى الغار مِن خَير وَمِن كَرَم
وَمِن عَفاف وَمِن جود وَمِن عظم
إِذا طرف جبريل يَرعاه وَيرمقه
وَكُل طَرف مِن الكُفار عَنهُ عمي
فَالصدق في الغار وَالصَديق لَم ير ما
حاشاهما اللَه مِن سوء وَمِن نقم
وَردت الفئة الأَرجاس خائبة
وَهُم يَقولون ما بالغار مِن أرم
ظَنوا الحمام وَظَنوا العَنكبوت عَلى
مُحمد وَأَخيه الصدق لَم تخم
وَأَيقنوا أَنَّهُ لَو كانَ داخله
خَير البَرية لَم تنسج وَلَم تحم
وقاية اللَه أَغنت عَن مُضاعفة
مِن الكَتائب وَالفُرسان وَالحشم
وَحيطة اللَه تَحميه وَتحفظه
مِن الدُروع وَعَن عال مِن الأَطم
ما سامَني الدَهر ضَيماً وَاستجرت بِهِ
وَصرت أَدعو بِهِ في حندس الظلم
وَلذت مِن عظم إشفاقي بحضرته
إِلا وَنلت جواراً مِنهُ لَم يضم
وَلا التمست غنى الدارين مِن يده
إِلا وَأَصبَحت في بَحر مِن النعم
وَلا استلمت جَناباً عَزَ صاحبه
إِلا استَلَمت النَدى مِن خَير مُستلم
لا تُنكر الوَحي مِن رُؤياه إِن لَهُ
سراً عَجيباً وَقَدراً في الكَمال سَمي
وَكُل ما قَد رَأى حق لأَن لَه
قَلباً مَتى نامت العَينان لَم ينم
وَذاكَ حينَ بُلوغ مِن نبوته
إِذ جاءَ جبريل بِالناموس وَالحكم
وَحينَ إِذ طهر الرَحمَن جملته
فَكَيفَ يُنكر فيهِ حال مُحتلم
تَبارك اللَه ما وَحي بمكتسب
بَل إنما هُوَ عَن حَظ وَعَن قسم
وَلا رَسول لما يَأتيه مُخترع
وَلا نَبي عَلى غَيب بمتهم
كَم أَبرَأت وَصباً بِاللَمس راحته
وأقصدت جَحفلاً كَالبَحر في العظم
وَكَم رَوَت عَسكراً مِن فَيض راحتها
وَأطلقت أرباً مِن ربقة اللمم
وَأحيت السنة الشَهباء دَعوته
وَأَخرجت أَهلها مِن سورة العدم
وَضوء نيرها مِن نور جَبهته
حَتّى حَكَت غرة في الأَعصر الدهم
يعارض جاد أَو خلت البطاح بها
طوفان نوح وَلَكن بِالنَوال همي
كَأَن وابلها في كُل ناحية
سيب مِن التم أَو سَيل مِن العرم
دَعني وَوَصفي آيات لَهُ ظَهَرَت
عَلى الوَرى وَغَدَت للناس كَالنعم
اللَهُ بَعد خفاء مِنهُ أظهرها
ظُهور نار القرى لَيلا عَلى علم
فَالدر يَزداد حُسناً وَهوَ مُنتَظم
في سلكه وَيرى في أَحسن القِيَم
وَلَيسَ يعدم حسناً وَهوَ مُنتَثر
وَلَيسَ يَنقص قَدراً غَير مُنتَظم
فَما تَطاول آمال المَديح إِلى
كَماله وَعلاه الوافر العمم
وَكَيفَ تَستوعب المداح قاطبة
ما فيهِ مِن كَرَم الأَخلاق وَالشيَم
آيات حَق مِن الرَحمن محدثة
قَد بينت خبر الماضي مِن الأُمم
وَإنَّها عِندَ أَهل الحَق كُلهم
قَديمة صفة المَوصوف بِالقدم
لَم تقترن بزمان وَهيَ تخبرنا
عَن الغُيوب وَعما كانَ مِن هرم
جاءَت إِلَينا مِن الباري لتنبئنا
عَن المعاد وَعَن عاد وَعَن إِرم
دامَت لَدَينا فَفاقَت كَل معجزة
جاءَت بها الرُسل مِن باد وَمكتتم
وَاستوعبت كل إرهاص وَمكرمة
مِن النَبيين إِذا جاءَت وَلَم تَدُم
مُحكمات فَما يَبقين مِن شبه
وَمحكمات فَما غادرنَ مِن سقم
لَم تبق ريبا وَلا شَكا فَواصلها
لذي شقاق وَلا يَبغين مِن حكم
ما حوربت قَط إِلا عاد من حَرب
عَدوها وَهوَ في خزي وَفي نقم
وَكَم غَدا حيثما سلت صَوارمها
أَعدى الأَعادي إِلَيها ملقي السلم
رَدت بَلاغتها دَعوى معارضها
عَلى فَظاظَتها مَنكوسة العلم
ترد مَن جاءَها يَبغي الهَوان بِها
رَد الغيور يَد الجاني عَن الحرم