كُنْتِ سَفراً يُغادِرُهُ، ناراً تَسكنُهُ، قُدرةً غريبةً تُرقِّصُ أَمْكِنةً ساكِنةً فيهِ، تَمُرِّينَ صاْمِتةً كأسْئلةْ. تُؤجِلينَ ظلالَ تحيَّةٍ. كُنْتِ وجْهاً عصيّاً على الحقائقْ.
صعْباً كانَ، غامضاً، منْسيّاً كحرفٍ سَقَطْ. تَخْتبرُهُ الليالي في بلادٍ تَشْتعلُ بِمُكْرٍ. لمْ يُوحِّد عيناهُ في عينيكِ الساحرتين، الحزنُ كانَ مسْألةَ حياةٍ تهذي في طقوسٍ تودِّعُ طَعْماً مألوفاً أدركَهُ.
رأيتِ شامةً، تمتَّعتِ مُداعبةً فكرةً جميلةً أُضيئتْ في مساءٍ مُنْفَعِلْ. قهقهتِ. تكهْربَ جسدُهُ، ركضَتْ في دمِهِ غزلانٌ ظمآنةْ، اتْسعتْ غابةٌ على نهرٍ للهفةٍ فَتَّتتْ صمتاً سكنَهُ، كأنَّهُ احْتلالٌ قاتلَ، كأنَّكِ سماءٌ أَرْعدتِ، كنتِ بحراً، لمْ يكنْ نبيّاً ذا عصا، كانَ السحرُ موسيقىً تُشكِّلُ كلَّ ما اشْتهاهْ، تُهْتِ في اللحظةْ، وجهكِ طلَّ _ بعرقٍ ينزُّ _ عليه، ارْتَبكتِ كاتبةً جسدَهُ طفْلاً يتراقصُ في رحمِ أغنيةْ. كانَ يستمعُ، يُقاومُ بكاءً ونُعاسْ.
جِئتِ حتى شرقَ قصبٍ مبْحوحْ، ضعتِ فيهِ كضبعٍ عاشقٍ مجروحْ، كانَ يرعى قطيعَ نيرانٍ تُنيرُ قلباً كَفَّ عنْ صَمتِهِ، رأيتِ المدنَ مِنْ على غيمةٍ تتأرجحُ ولا تبوحْ، انْخفضَ قلبُكِ كراحةٍ لا بدَّ منْها عندَ ارتفاعٍ للرُّوحْ على بابِ لذَّةٍ في سريرٍ من حريرٍ وزيوتْ.
تأنَّيتِ قليلاً مُعرِّيةً مِزاجَهُ. مَزجتِ سبعَ ألوانٍ على خارطةٍ تخطو نحوَ شفتيكِ اللتين تعلوهما شامةٌ أُخرى. هبَّ كنسيمٍ مُشبَّعٍ بشهوةِ التفاصيلْ. فصّلَكِ مارّاً على تاريخٍ رخيمْ.
شعرتِ به نقْشاً على نحاسٍ، كانَ إحساسُ النقشِ فيهِ يفردُ كبرياءهُ. أمسكتِ رسوماً تئنُّ على كفِّ مدىً بينَ رئتيهْ، وجدتِ ضلعاً ضائعاً في عرقهِ، في عمقهِ حُلُمانِ يُشكِّلانِ نبضَ غيابٍ تهتزُّ أعلاهُ كثافةُ غيومٍ تواصلُ إضاءتها. كانَ لطيفاً كوحشٍ يتزحلقُ على هياكلٍ من نهارٍ ونارْ. تصفَّحتِ صمتَ أصابعهِ مِراراً بِمرارةٍ. مرَّرتِ نجْمتينِ على شُبَّاكهِ. غَنَّيتِ حتى غفا.
قمرٌ مغرورٌ باغتَ ليلَهُ الواسعْ. سمعتِ وشوشةَ عصفورين يتعاركانِ عشقاً ورقصاً من طيرانٍ وارتحالْ. ارتَشفتِِ نبيذَ صورةٍ قلَّبتْ ازدحامَ الطريقِ في رفيقٍ بدا حنيناً يأتي من بعيدٍ قُربَ نافورةٍ تختنقُ من زائرينَ كُثُرْ. أغمضتِ صوتكِ حتى لا يرى رأساً من صُراخٍ يُشبهُ روحهُ التي من رخامْ.
مددتِ يداً ماسحةً مساحةَ تعبٍ تسلَّلتْ إلى باقةِ ثَلجْ. كانَ دائخاً على ناقةِ وَهجْ في غرفةٍ لا تُفكِّر. فرطَ من الضحكْ، احتكَّ بريحٍ تلْبسُ أُنشودةً رطْبةً، اشْتدَّ فارداً أيامَهُ، انْتصرَ لحيادِهِ الذي من ورقٍ ولغةْ، انْدهشَ أمامَ وجهِ فرقٍ دونَ ظلٍّ يُبلِّلُ قلباً هشّْ.
اتْسعتِ مدينةً، تُعبَّئُ جسدَهُ في عباءةٍ، تُقرِّبُ بُعدَ موتٍ يجيءُ في لحظةٍ ساجدةٍ، تحتَ صدرِ محرابِكِ الذي من ورودٍ وبخورٍ، في قلبِهِ. حينَ أسْميتِ الكلامَ في ظلالِ الرُّوحِ المُورقةْ، لمْ ينْتبهْ، سبقتْهُ أيدي الريحْ، أقصتْهُ نحوَ سحابٍ سَحبَ منهُ مساءَ حُلُمٍ يتسكَّعُ على جسرِ الغناء. رقصَ.. رسمَ.. كتبَ.. شرِبَ.. داعبَ وقتَهُ.. لاعبَ صورَهُ..بكى.
[ كلُّ
بكاءٍ يُجدِّدُ فاعلهُ]
.. هكذا سمعتِ!!
يوسف القدرة
من مجموعة (لعلّكِ)
عن الثقافة والفكر الحر 2007
صعْباً كانَ، غامضاً، منْسيّاً كحرفٍ سَقَطْ. تَخْتبرُهُ الليالي في بلادٍ تَشْتعلُ بِمُكْرٍ. لمْ يُوحِّد عيناهُ في عينيكِ الساحرتين، الحزنُ كانَ مسْألةَ حياةٍ تهذي في طقوسٍ تودِّعُ طَعْماً مألوفاً أدركَهُ.
رأيتِ شامةً، تمتَّعتِ مُداعبةً فكرةً جميلةً أُضيئتْ في مساءٍ مُنْفَعِلْ. قهقهتِ. تكهْربَ جسدُهُ، ركضَتْ في دمِهِ غزلانٌ ظمآنةْ، اتْسعتْ غابةٌ على نهرٍ للهفةٍ فَتَّتتْ صمتاً سكنَهُ، كأنَّهُ احْتلالٌ قاتلَ، كأنَّكِ سماءٌ أَرْعدتِ، كنتِ بحراً، لمْ يكنْ نبيّاً ذا عصا، كانَ السحرُ موسيقىً تُشكِّلُ كلَّ ما اشْتهاهْ، تُهْتِ في اللحظةْ، وجهكِ طلَّ _ بعرقٍ ينزُّ _ عليه، ارْتَبكتِ كاتبةً جسدَهُ طفْلاً يتراقصُ في رحمِ أغنيةْ. كانَ يستمعُ، يُقاومُ بكاءً ونُعاسْ.
جِئتِ حتى شرقَ قصبٍ مبْحوحْ، ضعتِ فيهِ كضبعٍ عاشقٍ مجروحْ، كانَ يرعى قطيعَ نيرانٍ تُنيرُ قلباً كَفَّ عنْ صَمتِهِ، رأيتِ المدنَ مِنْ على غيمةٍ تتأرجحُ ولا تبوحْ، انْخفضَ قلبُكِ كراحةٍ لا بدَّ منْها عندَ ارتفاعٍ للرُّوحْ على بابِ لذَّةٍ في سريرٍ من حريرٍ وزيوتْ.
تأنَّيتِ قليلاً مُعرِّيةً مِزاجَهُ. مَزجتِ سبعَ ألوانٍ على خارطةٍ تخطو نحوَ شفتيكِ اللتين تعلوهما شامةٌ أُخرى. هبَّ كنسيمٍ مُشبَّعٍ بشهوةِ التفاصيلْ. فصّلَكِ مارّاً على تاريخٍ رخيمْ.
شعرتِ به نقْشاً على نحاسٍ، كانَ إحساسُ النقشِ فيهِ يفردُ كبرياءهُ. أمسكتِ رسوماً تئنُّ على كفِّ مدىً بينَ رئتيهْ، وجدتِ ضلعاً ضائعاً في عرقهِ، في عمقهِ حُلُمانِ يُشكِّلانِ نبضَ غيابٍ تهتزُّ أعلاهُ كثافةُ غيومٍ تواصلُ إضاءتها. كانَ لطيفاً كوحشٍ يتزحلقُ على هياكلٍ من نهارٍ ونارْ. تصفَّحتِ صمتَ أصابعهِ مِراراً بِمرارةٍ. مرَّرتِ نجْمتينِ على شُبَّاكهِ. غَنَّيتِ حتى غفا.
قمرٌ مغرورٌ باغتَ ليلَهُ الواسعْ. سمعتِ وشوشةَ عصفورين يتعاركانِ عشقاً ورقصاً من طيرانٍ وارتحالْ. ارتَشفتِِ نبيذَ صورةٍ قلَّبتْ ازدحامَ الطريقِ في رفيقٍ بدا حنيناً يأتي من بعيدٍ قُربَ نافورةٍ تختنقُ من زائرينَ كُثُرْ. أغمضتِ صوتكِ حتى لا يرى رأساً من صُراخٍ يُشبهُ روحهُ التي من رخامْ.
مددتِ يداً ماسحةً مساحةَ تعبٍ تسلَّلتْ إلى باقةِ ثَلجْ. كانَ دائخاً على ناقةِ وَهجْ في غرفةٍ لا تُفكِّر. فرطَ من الضحكْ، احتكَّ بريحٍ تلْبسُ أُنشودةً رطْبةً، اشْتدَّ فارداً أيامَهُ، انْتصرَ لحيادِهِ الذي من ورقٍ ولغةْ، انْدهشَ أمامَ وجهِ فرقٍ دونَ ظلٍّ يُبلِّلُ قلباً هشّْ.
اتْسعتِ مدينةً، تُعبَّئُ جسدَهُ في عباءةٍ، تُقرِّبُ بُعدَ موتٍ يجيءُ في لحظةٍ ساجدةٍ، تحتَ صدرِ محرابِكِ الذي من ورودٍ وبخورٍ، في قلبِهِ. حينَ أسْميتِ الكلامَ في ظلالِ الرُّوحِ المُورقةْ، لمْ ينْتبهْ، سبقتْهُ أيدي الريحْ، أقصتْهُ نحوَ سحابٍ سَحبَ منهُ مساءَ حُلُمٍ يتسكَّعُ على جسرِ الغناء. رقصَ.. رسمَ.. كتبَ.. شرِبَ.. داعبَ وقتَهُ.. لاعبَ صورَهُ..بكى.
[ كلُّ
بكاءٍ يُجدِّدُ فاعلهُ]
.. هكذا سمعتِ!!
يوسف القدرة
من مجموعة (لعلّكِ)
عن الثقافة والفكر الحر 2007