خالد محمد مندور - معضلات الديمقراطية الليبرالية.. كلما طار طير وارتفع كما طار وقع!

هذه قصة الديمقراطية الليبرالية في البلدان الأقل تطورا ، ليس لان سكان هذه البلدان مصابون بالعته ولكن لأسباب أخرى وطيدة العلاقة مع مستوى نضج الطبقات الاجتماعية .
فشكل الحكم الليبرالي على النمط الغربي هو نتاج لعملية طويلة من التطور الاجتماعي تم خلال قرون كاملة ، أي انه لم يولد جاهزا كما نراه الان ، بل مر بعملية تطور كبيرة دفع خلالها خسائر فادحة من حياة البشر بالحروب والتمييز وحتى اعدام العمالة الزائدة بتهمة التشرد !
وبرغم كل ذلك الا ان هذا التطور الذى نستطيع ان نصفة بالدموي قد انتج تطورا مماثلا في المعتقدات الإنسانية العامة .
ولكن يبقى ان هذه الديمقراطية وليدة أوضاع اجتماعية عامة ومستوى معين من التبلور الطبقي بحيث أصبحت ضرورة حياة لهذه المجتمعات للحفاظ على أوضاعها السائدة ، ولا يجب ان نقع في وهم ديمومة هذا النوع من شكل الحكم ، فاذا اقتضت مصلحة الطبقات السائدة التخلي عنة او تعديله فستقوم بذلك ، وهو ما قدمة بشكل دراماتيكي جاك لندن في قصته الشهيرة " العقب الحديدية " وهو ما شعرت به في الإجراءات المؤقتة للحكومة الامريكية في اعقاب 11 سبتمبر.
ولعل احد أسباب تخلفنا الاجتماعي والثقافي هو تبعيتنا الثقافية والفكرية ، فنحن نستورد الأفكار والمعتقدات ولا ننظر اليها بنظرة نقدية ويصل الامر أحيانا الى تبنيها بشكل كامل بحيث يبدو الامر مثيرا للسخرية ، الامر الذى يعمق من الانفصال الفعلي بين حركة المثقفين وبين جماهير الشعب ، وهى خسارة فادحة لكلاهما.
والمصيبة الكبرى ان هذه التبعية الفكرية والثقافية قد امتدت ، أيضا ، الى المجال السياسي ، فنجد تيارات سياسية تتبنى توجهات من نتاج مجتمعات في مرحلة مختلفة من التطور ، والكثير من هذه التوجهات السياسية لا تستطيع ان تجد تجسدها في السلوك الفعلي لهذه التيارات ، بحيث يبدو الامر وكانه شخص يرتدى الجبة والقفطان ويتعمم بالكاسكيت .
الامر باختصار ان المبادئ الإنسانية العامة قد تطورت تطورا كبيرا وهو ما يجب التمسك به وحتى الدفاع عنة في مواجهة قوى اجتماعية معادية لها ، ولكن استيراد شكل معين للحكم ناتج عن مجتمعات في مرحلة مختلفة من التطور لن يؤدى الا الى " كلما طار طير وارتفع كما طار وقع ".
ولعل التجارب في البلدان التي يقترب واقعها الاجتماعي من واقعنا بالغة الدلالة في ذلك ، فتجارب بلدان أمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان واضحة لمن يريد ان ينظر خارج الصندوق .
ويبقى السؤال الأكبر الذى يجب الإجابة علية ، هل نستطع التخلص من الجبة والكاسكيت ونجد ما يلائم مرحلتنا من التطور ؟


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى