د. رمضان المصراتي - مشاعر مكتوبة

المشاعر المكتومة لا تموت آبدا انها مدفونة وهى على قيد الحياة وستظهر لاحقا بطرق بشعة.
سيغموند فرويد.


سنوات فائتة وليست اعوام مضت حفرت ذكريات فى مخيلتى تبناها عقلى الباطن كبتت كما يكبت الوجع فى قلوب المساكين وكأنها حمم بركانية يكتمها بركان صامت .
غير لوى على شئ اتيمم الطرقات المبتورة فى مدينة سميت ايقونة ولكنها تغرق فى الظلام وركام المبانى المدمرة اهمال وتقصير وعبث المرموقين. شعورا ينتابنى كأنى اضيع وسط هذا العالم المقيت واحساس بالجرح الذى يكاد ان يندمل حتى يلوث من جديد كغريبين يجمعنا هذا الزمان انا ومدينتى التى يسكنها الوجع ويتدحرج فى داخلها وكأنه مولود يرفض الخروج الى هذا العالم الضائع فضلا عن ذلك الازدحام الذى يسكنها ولا تسكنه يهجرها الزمن وتتوقف عقارب الساعة رغم تحول تلك الفراغات المكانية التى فى اطرافها الى مبانى صامتة كوشاح الحزن المقذوف فوق محياها تتسلل بكثرة فى الأيام الأخيرة وكأنها تستبدل معالم المدينة الحقيقية كالبسطاردى المنتحل لشخصية احد ما .
الألفة حينما تتبع القسوة تؤدى الى حنين من ذلك النوع الذى يفضى الى الوجع تتسلل المشاعر المكتومة الى عقلى الواعى على شكل خواطر نسجت مع ابطال وشخصيات روايات قراءتها ذات مرات احدى تلك المشاعر هو شعور ذلك الطفل المبعد مع عائلته عن العيش بالقرب من ضفة النهر وفقد دميته المقربة الى نفسه ثم يتجسد كافكا عابرا ليقول له بصوته المنخفض الحانى الهادئ لا عليك سوف تعود دميتك ولقد حملتنى رسالة اليك تسئل عنك وتبعث لك كثيرا من الود والحب والأشواق ثم تغادر تلك الصورة الجميلة لتزورنى صورة اخرى ولكن هذه المرة لكوازيمودو وهو يعاوده القلق ذلك الغجرى احدب نوتردام الذى سجنه القاضى كلود فورلو فى البرج بعد ان حبس والديه رغبة فى تطهير باريس من الغجر برهة من الزمن ثم اتلفت وأتيمم الطرقات يمينا ويسارا وسط تلكم الفوضى باحثا عن ازميرالدا لكى تنقذنى كما انقذت كوازيمودو الغير مكتمل ليلة نزوله من برج نوتردام الى مهرجان الحمقى عندما رأوه اناس لأول مرة اعتقدوا انه متخفى فى زى رجل بشع الخلقة وبمجرد ان اكتشف القاضى فورلو امره انزل سخطه عليه لأنه عصى امره فى المكوث فى البرج سجينا ليس له سوى ان يراقب الناس من هناك .
يقول كوازيمودو يا الله كم ضربت يومها وكم كانت الحبال التى اوثقونى بها مؤلمة إلا انت يا ازميرالدا لقد اطلقت سراحى واعتقلتنى بحبك الأبدى.
مشاعر مكبوتة ربما كان اولها حزن عميق لرؤية اول ميت كان والدى وأول عروس تبكى ونساء صغيرات يودعنها بغناء حزين كانت أختى.
اسندت جسدى الى جدار وبى شعورا مبهم للبكاء احسست فى تلكم اللحظة كأننى اثنين واحدا من ضئيل يتسلق جسد الكبير الى ان دخل فمه ثم راح يتسلق حبالا الى ان وصل الى غرفة فيها اناس وبلاد وسماء وفيها اسرار كثيرة رغبات وكبوات وبكاء وضحك.
لا ادرى كيف تولد أحاسيسنا وتصبح كعشب ينمو على حجر مهمل .
فى مواسم العمى حين يخيم الظلام الدامس ويسدل ظلمته وتكون العتمة هى سيدة الموقف المولج لذلك الظلام المفتعل وكأنها فى موعد غرامى مع بوم اعمى يراقصها رقصة المذبوح وتتباهى غربان فى ظهور اعلامى تحاول ان تقلد الحمائم ويتطفل وطواط سدت الكهوف فى وجهه عنوة يتحدث عن المدنية عندها تتجسد النكتوفوبيا او الخوف من الظلام الدامس شاء من شاء وأبى من ابى.
ولكنه موسم العمى وليس موسم الهجرة الى الشمال الذى اطل بطله مصطفى سعيد حيث عرف من خلال الهجرة الى الشمال ان الانجليز لا يعرفون عن العرب سوى البشرة السمراء وركوب الجمال وشغفهم بالنساء كان ضربا من العبث لو راح مصطفى سعيد يحاول تبديل تلك الصورة النمطية لأنه من المستحيل ان تبدل صورة نقشها الجلاد للضحية التى اختارها ولو جدلهم بمفاهيم الذى هاجر هربا منهم لوقع فى فخ التفسير والمقارنة فحتى الجنة الموعودة بخمرها ونسائها وعسلها وغلمانها واخضرارها لا تشبع الا غليل من عاش فى الصحارى المقفرة فى حرمان من اللذات فهم لا تعنيهم الجنة الحسية وقد تكون هناك جنان مخصصة لهم واخشى ان يكونون هم المحضوضون ايضا انذاك.
ما يحدث فى العالم يجعلك تفكر ان تعتزل الحياة كما يعتزل عازف شهير فى اوج نبوغه لخلل يستشعره قادم لا محالة لأصابعه .
اى عالم هذا الذى يعرى بقسوة جهلنا بمن حولنا ويثير بنا رغبة البكاء على ما فات من العمر .
العالم يتبدل وهل سنصبح بخير؟!! يبدو اننا نسير الى الهاوية لقد كثرت الوحوش وكثرت ضحاياهم. العالم يسير على نحو مجنون ومرعب لكن ستاتى لحظة سينهار فيها كل شئ ويبدو الأمر بعدها مثل وردة تنمو بين الركام وردة تطرح بذرا ستحول المكان الذى حولها الى حقل.
نحن فى عتبة الدخول الى عالم مواز لهذا العالم الذى نعيش فيه بل ربما سيصبح العالم الجديد ذات يوم هو العالم الوحيد الذى نعيش قيه عالم سنتحول فيه الى ارقام ورقمنه سنكون حينها مجرد كائنات رقمية توجهنا كما الأغنام فى المراعى أياد لا نعرف الى من تعود.
العالم يتغير على نحو يغير البلاد والعباد ونحن على مقربة من ان نرقمن ليضمن عدد محدود من لا نراهم ان يسيرونا فى طريق واحدة قد اختطوها لنا.
كلما كثر صمتك زاد حزنك.
الفساد كبير واللصوص كثر فهل نحن فى حاجة الى المزيد منهم وهل سنحظى بقاضى مثل أنطونيو دى بيترو مؤسس الجمهورية الثانية فى ايطاليا ام الى شخصية مثل شخصية سكوبار الذى استخدم اللاوعى الجمعى مع مريديه فجعلهم يكيلون له بالولاء كمنقذ وبطل وينتمون الى تنظيم يتنازلون فيه عن قيمهم فى حالة اللاوعى لمريدهم البطل الملهم سكوبار الذى رفع شعار الحرب ضد الهيمنة والفساد ياستخدام الجريمة المنظمة فى المكسيك وعبر الى راس الفساد فى امريكا فتجسدت الخطيئة نتاج للعهر البشرى.
اللص يختبئ فى عقول الجميع والأوطان لا يهدمها المحتلون فقط انما يحدث ان يهدمها محبوها ايضا. مثل هذه المشاعر المكبوتة وغيرها كأنها قطع زجاج منتثرة فى عقلى لا تكاد تتوقف عن العبث بي . لكننا اثر كل ذلك هل سننجو ونكون بخير ولكنها هى الحياة لا تعطيك بدون مقابل . فالخوف يصور لك ما هو غير موجود.
مشاعر مكتوبة وليست مكبوتة
تحياتى لكم

د. رمضان المصراتى
فى بنغازى



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى