د. زياد العوف - إسرائيل والاستيطان والمأزِق التاريخيّ...

ما يحدثُ في فلسطين الآن ليس وليد الساعة؛ إنّه النتيجة الحتمية لسياسة الاستيطان التي تمثّل أساس وجوهر الكيان الإسرائيليّ العنصري المرتكز على المقولة الكاذبة: "فلسطين أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض"
هذه الركيزة الأساسية التي يقوم عليها هذا الكيان تستتبع بالضرورة ركيزة أخرى لا بُدَّ من اللجوء إليها عندما يتعذَّرُ الحصول على الأرض عن طريق الضّمّ أو القضم أو الاستيلاء أو الشراء الاحتياليّ أو سنِّ القوانين والتشريعات الجائرة التي تبيح مصادرة أراضي الفلسطينيين تحت ذرائعَ وحججٍ واهية، هذه الركيزة هي الإبادة والاستئصال.
من هنا فإنّ محاولات الإبادة العنصرية ما تلبث أن تتصدّر المشهد السياسيّ للدولة الاستيطانية العبرية كلّما تصدّى أصحاب الأرض الأصليين لمحاولات الاستيلاء على أراضيهم.
هذا ما يحدث اليوم في ما أصبح يُعرَف بقضية ( حيّ الشيخ جرّاح ) في مدينة القدس.
على أنّ ما هو جديد الآن إنّما هو الأهمية التاريخية والدينية الخاصة لمدينة القدس التي يحاول الصهاينة بسط سيطرتهم عليها كاملةً، بوصفها العاصمة التاريخية لدولتهم المزعومة. وهو ما يواجَه بمقاومة باسلة من الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين.
إنّ العودة إلى المؤشّرات والمقدمات التاريخيّة الأولى لنشوء الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطانيّ يؤكّد ما ذهبنا إليه.
ها هو أحد أوائل زعماء اليهود ( إدوارد ميتفورد ) يدعو بشكل واضح لا لَبس فيه منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى إعداد (فلسطين) لاستقبال القادمين الجدُد من اليهود على أن تسبق ذلك " عملية طرد للسكّان المسلمين إلى المناطق الشاسعة في آسيا" *
هكذا، إذاً، نشأتْ نظرية الإبادة والاستئصال في أذهان زعماء اليهود، ما يتطلّب تجاهل، بل إنكار وجود سكان فلسطين من العرب، تمهيداً لطردهم وإبادتهم. وكذا إحياء الخرافات التلمودية لتعزيز النزعة العصبية الدينية عند اليهود لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين " أرض الميعاد " بدل توجّههم إلى استراليا أو كندا أو غيرها من الدول.
إنّ تجدّد دورات الطّرد والإبادة المقنّعة تمثّل دون ريب مأزقاً تاريخيّاً متجدّداً للكيان العبريّ الاستيطانيّ وللفكر العنصريّ الصهيونيّ الذي يقوم عليه، بخاصة في ظلّ وجود شعب فلسطينيّ واعٍ وشجاع وأبيّ ومستعدّ للتضحية بالغالي والنفيس دفاعاً عن حقّه التاريخيّ في أرض فلسطين السليبة.
ومن الواضح أنّ هذا المأزق التاريخي لن ينتهي ولن يزول إلّا بانتهاء الاحتلال وزوال المحتلّين وانتصار أصحاب الحقّ، ولو بعد حين.
هذا ما تؤكّده حقائق الجغرافيا، ودروس التاريخ، وآفاق المستقبل غير البعيد.


*- يُنظر: المجتمع العربي والقضية الفلسطينية، مجموعة من المؤلفين، بيروت، دار النهضة العربية، ١٩٧١م،ص.ص، ٢٧٥-٣٠٢


دكتور زياد العوف


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى