ب. لطفي منصور - ما قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ الْجَمِيل في الأُقْحُوانِ:

الأُقْحُوانُ واحِدَتُهُ أُقْحُوانَةٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَقاحٍ، نَباتٌ شِتْوِيٌّ يَنْبُتُ في الْبَراري، وخاصَّةً المَناطِقَ الرَّمْلِيَّةَ، زَهْرَتُهُ مَفَلَّجَةٌ بَيْضاءُ صَغيرَةٌ يَشَبِّهُونَ بِها الأَسْنانَ. وَهِيَ تُشْبِهُ زَهْرَةَ النَّرْجِسِ، إلّا أَنَّها أَصْغَرُ مِنْهَا وَأَقَلُّ طِيبًا. بالنَّرْجِسِ الذي يَنْبُتُ مِنْ بُصَيْلات تُشَبَّهُ الْعُيونُ، وَفي الأُقْحُوانِ تُشَبَّهُ ىالثُّغورُ وَالأَسْنانُ خاصَّةً.
تَتَوَسَّطُ زَهْرَةَ الأقْحُوانِ شَمْسَةٌ صَفْراءُ صَغيرَةٌ، تَقَعُ فيها مَياسِمُ التَّلْقيحِ، أمَّا في النَّرْجِسِ فتَتَوَسَّطُها كَأَسٌ صَفْراءُ جَميلَة فيها المياسِمُ، وَمِنْها تَخْرُجُ رائِحَةُ النَّرْجِسِ الْعَطِرَةُ.
مَلْحُوظَةٌ: اِنْقَرَضَ الأُقْحِوانُ مِنْ مِنطَقَتِنا وَنَدُرَ وُجودُهُ، فَخَسِرَتْ حُقولُنا أزهارًا جَميلَةً، وَحَلَّ مَحَلَّهُ "الصُّفِّير" بِكَثْرَةٍ مُلْفِتَةٍ. وَسَبَبُ فِقْدانِهِ فيما أَعْلَمُ الْمُبيداتُ الْجَشَرِيَّةُ وَالنَّباتِيَّةُ.
وَمِنَ الْجَديرِ بالذِّكْرِ أَنَّ الأُقْحُوانَ كانَ مَلْهاةً لَنا وَلُعْبَةً في أَيّامِ الطُّفلولَة والصِّبا، كُنَّا نَلْعَبُ فيهِ لُعْبَةً تُسَمَّى "صاج صَلَنْصاج عَجوز صَبِيَّة"، فَكُنَّا نُخْرِجُ الأوْراقَ البيضاءَ وَرَقَةً بَعْدَ أخْرَى حَسْبَ تَرْتِيِبْ اللُّعْبَة، فَإذا النتهَت الأَوراقُ بَصَبِيَّة فَرِحْنا، وَإذا انتهت بِعَجوز حَزِنَّا حتَّى الْبُكاءِ.
وَأَحْسَنُ ما قِيل في وَصْفِ الأُقْحُوانِ قَوْلُ الشّاعِرِ ظافرٌ الْحَدَّادُ، وهو شاعِرٌ مِصْرِيٌّ مِنْ أَهْلِ الإسكندَرِيَّةِ (ت 529هج): البسيط
وَالأُقْحُوانَةُ تَحْكِي ثَغْرَ غانِيَةٍ
تَبَسَّمَتْ مِنْهُ مِنْ عُجْبٍ وَمِنْ عَجَبِ
في الْقَدِّ وَالْبَرْدِ وَالرِّيقِ الشَّهِيِّ وَطِي م
بِ الرِّيحِ وَاللَّوْنِ وَالتَّفْليجِ والشَّنَبِ
(هذا وَصْفُ ثَغْرِ الغانِيَةِ وهي التي استَغْنَتْ بِجَمالِها الطَّبيعي، البَردُ: بُرودَةُ الأسنانِ، الرِّيحُ: الرّائَحَةُـ وَالتَّفَلُّجُ: الْفُروقُ البسيطَةُ بينَ الأَسْنانِ، الشَّنَبُ: ماءُ الأَسْنانِ)
كَشَمْسَةٍ مِنْ لُجَيْنٍ في زَبَرْجَدَةٍ
قَدْ شُرِّفَتْ حَوْلَ مِسْمارٍ مِنَ الذَّهَبِ
(الشَّمْسَةُ: القِطْعَةُ الصَّفْراءُ وَسْطَ الزَّهْرَةِ، شُرِّفَتْ: جَلَسَتْ عَلَى سُوَيْقٍ ذَهَبِيِّ اللَّوْنِ).
وَقالَ ظافِرٌ أَيْضًا: من الكامل
وَالأُقْحُوانَةُ في الرِّياضِ تَخالُها
ثَغْرًا يَعُضُّ عَلَى حُروفِ رُباعِي
(الْحُروفُ : الأَطْرافُ، الرُّباعِي: الثَّنِيَّاتُ الأَمامِيَّةُ مِنَ الأَسْنان).
وَلِمَجْهولٍ: من الكامل
يا رُبَّ رَبْعٍ مُقْفِرٍ مُوحِشٍ
خالٍ نَزَلْناهُ قُبَيْلَ الْعَشِي
كَأَنَّما نَورُ الأَقاحِيِّ بِهِ
ثَغْرُ فَمٍ عَضَّ عَلَى مِشْمِشِ
وَقالَ جَمالُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مَنْصور المِصْرِيُّ: منَ الكامل
اُنْظُرْ فَقَدْ أَبْدَى الأَقاحُ مَبَاسِمٍا
ضَحِكَتْ إلَيْنا في قُدُودِ زَبَرْجَدِ
كَفُصُوصِ دُرٍّ لَطُفَتْ أَجْرامُها
قَدْنُظِمَتْ مِنْ حَوْلِ شَمْسَةِ عَسْجَدِ
( الْفَصُّ: الْحَجَرُ الكريمُ الّذي يوضَعُ في الْخاتَمِ أوِ السِّوار، أَجْرامُها: أَحْجامُها، وَقَدْ حُذِفَتِ الْياءُ مِنَ الأَقاحي ضَرورَةً شِعْرِيَّةً)
وَقالَ آخَرُ : من الطَّويل
لَدَى إُقْحُواناتٍ يَطُفْنَ بِناضِرٍ
مِنَ الْوَرْدِ مُحْمَرِّ الثِّيابِ نَضِيدِ
إذا الرِّيحُ هَزَّتْها تَوَهَّمْتَ أَنَّها
ثُغُورٌ هَوَتْ قَصْدًا لِعَضِّ خُدُودِ
وَأَخْتَتِمُ بِبَيْتَيْنِ مِنَ الْمُضارِعِ:
كَأَنَّ نَوْرَ الأَقاحِي = إذْ لاحَ غِبَّ الْقَطْرِ
أَنامِلٌ مِنْ لُجَيْنٍ = أَكُفُّها مِنْ تِبْرِ


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى