كامل الدليمي - مقاصل الأدعياء في تعقب أخطاء الأدباء...!!!

شرعية حصول الخطأ في اي عمل أدبي خصوصاً تلك الأخطاء التي لا تثلم ثوابت اللغة من الأمور الطبيعية التي تحصل في كتابات مشاهير أدباء العالم ، ولسنا في ذلك مجتهدين ولا مدعين فمراجعة يسيرة لتاريخ الأدب نتعثر بكم هائل من الأخطاء وهي لا تنال من قيمة تلك الأعمال ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة حتى لا يبرر المتصيدين بالمياه الأسنة بعض الهفوات اليسيرة في أعمال أدبية مهمة.
أول المخطئين (غابريل غارسيا ماركيز) وقد صرح بأنه اخطأ لغوياً ، ثمة كتاب عرب منهم القاص الكبير ( يوسف ادريس ) ومجموعته القصصية ( ارخص ليالي) كذلك الرواية الكبيرة ( الخبز الحافي ) والتي قال فيما بعد أن الياء يجب ان تحذف نسبة للمعنى المراد ( الحاف) هو الخبز اليابس بلا مرق، الحافي الذي لم ينتعل في قدميه ما يقيه وشتان بين المعنيين.
وعلى هذا الأساس لابد من التميز بين حالتين من الأخطاء ( شكلية) جاءت نتيجة عدم التدقيق وانشغال الكاتب بإيصال الفكرة أكثر من اهتمامه بضبط نهايات المفردات وهذا غالبا ما يحصل ولا شك أن معظم الأدباء عانوا من هذا الفخّ اللغوي وكان من المفترض الا يخطئوا ، لكن تصيد مثل هذه الأخطاء مثلبة على المتصيد ذاته فهو غير معني بكليات العمل قدر انتهاز الخطأ للنيل من الاخر واسمحوا ليّ أن أطلق على هذه الحالة ( وضاعة) لأنها تنطلق من بعدين الأول مايحمل المتصيد من روح عدائية تجاه الآخر لاينفك يفتش عن تلك الهنات البسيطة لينال من قيمة العمل بكلياته، والبعد الثاني نتيجة عقدة نفسية لازمته وقت وجد نفسه قد نفد فلا جديد عنده سوى تعقب تلك الصغائر.
والحقيقة التي لابد أن نقرّ بها أن ماركيز حين اعترف في مواضع عديدة أنه اخطأ زاده ذلك رفعة وتلك سجية الكبار ثم أن اللغة العربية بحر متلاطم الموج كلما تعلمناه ربما قطرات من هذا البحر وهنا يأتي دور المختص باللغة الذي يقوم بدور المنقح والمصوب للخطأ ولكن معظم الأدباء يستعجل النشر مما يفسح المجال للمتصيدين.
ولا بد من الإقرار بأن الأخطاء التي نرتكبها فيما نكتب لا يمكن لها أن تستمر الى الأبد بالمران والدربة وطول الرحلة تتم السيطرة على اي خطأ وهذه سنة عتيقة ولا اجتهاد فيها ، ولا يمكن لأديب يسلم من الأخطاء فهو (إنسان ) أولا وأخيرا ومهما حاز الإنسان على رتب أدبية فهو عرضة لأن يخطئ.
إن هناك أخطاء كارثية وهي النوع الأخطر على المنتج الأدبي كأن ينصب المرفوع ويجزم المجرور بمعنى الأخطاء بثوابت اللغة هذا ما يشكل كارثة على الأديب ويقلل من أهمية منتجه الأدبي ويضعف الفكرة وإن كانت حجرية ويذروها مثل رماد.
لقد شكّلت التكنلوجيا الحديثة عاملا مساعدا على تعدد الأخطاء فما عاد الشاعر مثلا من أصحاب( الحوليات) وبفضل صفحات التواصل الاجتماعي يطمح المبدع لأن يعطي المزيد الأمر الذي اسهم في سعة حجم تلك الهفوات اللغوية.
وهنا لابد من الإشارة لما قاله العظيم لونجاينوس(( إن وجود بعض الأخطاء في الأعمال العظيمة أفضل بكثير من وجود أعمال متواضعة لكنها خالية من الأخطاء))للاستزادة ينظر :النظرية النقدية من أفلاطون إلى بوكاشو، مراجعة عيد عبد الله ،ص126.
ولو طرحنا سؤالا : هل من تعسف في إطلاق الأحكام النقدية المتسرعة ؟ لنجيب بالقول:
نعم النقد يقع في أخطاء كارثية في تقييم الأعمال الأدبية أنها لا تنجم دائماً عن الغيرة والحسد، آفة الثقافة والمثقفين، أو عن الاستسهال في إبداء الرأي، والتعسّف في التعبير، والضعف في المحاكمة، ولا حتى هشاشة الأدوات النقدية، وعدم توفر منهج واضح في مقاربة العمل الأدبي. بل بالرغم من توافر النقد والناقد، هناك أعمال أدبية نالتها انتقادات ظالمة، ولحقها غبن في التقييم. الأمر الجيد، أنّ من إيجابيات النقد إعادة النظر في ما ارتكب من أخطاء، ربما كانت عن تسرّع. فالنقد قابل للنقد، وأحكامه ليست نهائية. بعد سنواتٍ، مهما طالت، ينفض الغبار عن الكِتاب، وينقض الحكم الجائر، ويجري الاعتراف به، وتستقر مكانته في تاريخ الأدب، أو يبقى خاضعاً للأخذ والرد.
من هذا نجد أن لا ثوابت في النقد الموجه لأي جنس من الاجناس الادبية وقد يبني الناقد فكرته النقدية على بعض مايرد من الاخطاء المطبعية اليسيرة سواء كانت قصدية أم عفوية الامر الذي يعد تعسفاً كبيرا بحق جهد كبير بذله الكاتب مهما كان نوع الجنس الذي يكتب فيه.
إن الخيبة التي تعتري بعضهم والحسد من ثراء المنتج لشخص ما ، تتسبب بذلك ولعل ما يشير اليه الناقد في بعض الاحيان من أن ( الهمزة ) ليس في مكانها أو انها سقطت اثناء الطباعة أو أن (الكسرة غير واضحة) هذا منتهى التعسف واصطياد للموتى.
وهنا نسأل : هل لزاماً على المبدع اتقان علم النحو؟
وللاجابة نقول : يرى البعض أن الإبداع لا يستقيم من دون إلمام صاحبه بالقواعد النحوية، يرى آخرون أنه يمارس خارج القواعد والأطر، ومن ثم لا علاقة له بالنحو. كما أن الإلمام بالقواعد النحوية لا يعني بالضرورة الإلمام باللغة، وهي اللبنة الأساسية في بناء المُنتج الإبداعي، وإلا كان تمكَّن النُحاة من خَلْقِ أعمالٍ إبداعيةِ عظيمة، وهو ما لم يحدث.
ويبقى التساؤل حول ضرورة إلمام المُبْدِع بالقواعد النحوية من عدمه قائماً، كما تظلّ المسافة ما بين الكاتِب والمُصَحِّح اللغوي مثار جَدَل. ففي حين يرى بعض الكتَّاب أن الأخطاء اللغوية يُسأل عنها المُصَحّح اللغوي، فهي وظيفته التي يأخذ عليها مقابلاً مالياً، يرى بعض المُصَحّحين في أنفسهم شُركاء في العمل الأدبي.
ومع كل ماتقدم أقول( (هونوا عليكم فلا عمل بشري بلا اخطاء وافرزوا بين اليسير والفادح ولا تتحينوا الأخطاء وانظروا لقيمة العمل بكلياته))



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى