يعتقد البعض ان الثورة المصرية التى إنطلقت شرارتها فى 25 يناير عام 2011 بمظاهراتها وإعتصاماتها المليونية ظاهرة إستثنائية متفردة لاتضاهيها ثورة حتى وصفت بأنها قد " أبهرت" العالم ، وهى فى تفردها لاتخضع – من وجهة نظرهم - لأى قانون من قوانين الثورات التى سبقتها تاريخيا ، ومن ثم إفتقر هذ البعض القدرة على فهمها عند إستهلالها وأثناء إحتدامها ووعى مآلها عند إخفاقها فى تحقيق أهدافها حتى الآن ، وعلى الوصول لتفسير لوضعها الراهن ، ومن ثم لإجابة ثورية واقعية على سؤال ماالعمل ، الأمر الذى يجعل مسألة إتساق الوعى النظرى العلمى مع المنطق الموضوعى للتطور التاريخى لواقعنا الاجتماعى ضرورة لاغنى عنها خصوصا لمن يتصدون للقيادة الثورية حتى ينفلتوا من أسر النزعتين العقائدية اليمينية واليسارية .
إن أهمية إستخلاص الدروس من الثورات السابقة ومقارنتها بما أسفرت عنه وقائع الأحداث التى أعقبت ثورة 25 يناير تتجلى فى انها تكشف القوانين العامة بما فيها من اتجاهات ثابتة ، رغم تنوع الظواهر وتشابكها فى كل منها ، فتقربنا من معرفة ماهية العملية التاريخية التى جرت أمام أعيننا ، وهى تمثل الى هذا الحد او ذاك مفتاح المعرفة العلمية للعمليات الثورية الراهنة . ومن الهام ان نتذكر ملاحظات لينين المنهجية وأخصها أن " كل عام يتضمن كافة المواد الفردية بشكل تقريبي فقط " وأن كل قانون يعد ضيقا وناقصا وتقريبيا بالمقارنة مع الظاهرة التى هى أغنى منه .
واذا كان هناك فى صفوف مايدعى ب " اليسار " من إعتبر25 يناير مؤامرة إمبريالية ( اوروبية – أمريكية ) هيأها جين شارب لإرتباطها فى بداياتها الاولى بعناصر لها صلاتها بمنظمات ليست فوق مستوى الشبهات على الصعيد العالمى ، فقد نسي هؤلاء أن الملايين التى خرجت (الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وتضافر البطالة ، والإنفجار السكانى) قد تجاوزتهم بمطالبها السياسية ذات المضامين الاجتماعية ، ومن ثم كان هذا الطابع الثورى الشعبى لتحركاتها وأهدافها بينا ، وهو ماينبغى أن يكون معيار الحكم عليها بصفة أساسية ( فينبغى التمييز بين الدلالة التاريخية الموضوعية لنضال جماهيرى وبين شتى التيارات الأيديولوجية والسياسية التى تتوزعه .. كما ينبغى التمييز بين النضال الجماهيرى ، بين القوة الموضوعية الإجتماعية ، وبين مايدور فى رؤوس الناس ( تروتسكى ). لم تقف قوى الثورة الشعبية عند حد موقف " كنس الميدان" الليبرالى الأمر الذى إمتدحته البورجوازيات الإمبريالية العالمية ، وانما ناضلت على مدى ثلاث سنوات ونصف متعاقبة خائضة معارك دامية على المتاريس قدمت فيها شهداء وأسرى ومعاقين من اجل "عيش حرية كرامة انسانية عدالة اجتماعية " ومن أجل " الشعب يريد اسقاط النظام ". وعليه لاينبغى الحكم على طبيعة الثورة ، ولا إتخاذ موقف وفقا لما أراده متآمر ما منها ، أجنبيا كان - عربيا أم محليا ، أوتوخاه حزب ، أو جملة أحزاب ، أوعصبة أفراد أيا ما كانوا وأيا كانت أغراضهم ( كلنا خالد سعيد ، أو الجمعية الوطنية للتغيير ، أو حركة 6 أبريل مثلا ) ، ولاماذا توخت ، أو حققت بالفعل هذه القوى الإمبريالية ، وحتى الرجعية العربية اوتلك فى مؤامراتها فى نقل الثورة المضادة خارج حدودها ، حتى تحمى نظمها فى الداخل من آثار الحريق الثورى . يحكم على الثورة بالتحليل الموضوعى لطبيعة المرحلة التاريخية ، بقواها الإجتماعية الطبقية التى بدأت مسيرتها ثم توقفت عند حد معين أو واصلت ، والأهداف التى توختها ، أساليب وأشكال النضال التى إنتهجتها ، وطابعها الشعبى الملايينى سواء نجحت أو إنتهت إلى الإخفاق . بغير ذلك لابد من إعادة الحكم على ثورات 1848 فى اوروبا وعلى كومونة باريس 1871 وغيرها وبالأخص ثورة 1905 الروسية فقد قاد مظاهرة إطلاق شرارتها قس سجن سان بطرسبورج الأب جورجى جابون ، وكان عميلا لشرطة روسيا القيصرية السرية ( الأوخرانا ) وقد عمل فى السنوات السابقة على الثورة ليضمن سيطرة الشرطة والكنيسة على الحركة العمالية . مع إدراك الحزب البلشفى لذلك ، لم يتخل عن الانخراط والإسهام فيها ثم قيادتها لأنها بطابعها الملايينى الشعبى وبقواها المحركة وأهدافها قد تجاوزت الأب جابون ، كما تجاوزت الأطر التآمرية للأوخرانا القيصرية ، فمن أخص واجبات الحزب الثورى أن يقف على رأس أى حركة جماهيرية عفوية واسعة وألا ينعزل عنها محافظا على " نقاءه الثورى " .
من ناحية أخرى هناك من ينكرون صفة الثورة على 25 يناير لأنها لم تحقق أهدافها فى إسقاط النظام . والحال أن عدم تحقق الأهداف لاينزع عنها صفة الثورة . ففى تراثنا الماركسي – كما أشرت سابقا - هزمت الثورات الأوروبية فى أوروبا عام 1848 ، وهزمت كومونة باريس عام 1871 ، وهزمت ثورة 1905 فى روسيا , – كما هزمت الثورتين الالمانية والمجرية عام 1918 والثورة الاسبانية عام 1936 . وهزمت الثورة الصينية - قبل أن تنتصر عام 1949- عدة مرات التى ينسب لبعض قادتها القول عقب إحدى الهزائم : ( إنها مجرد الهزيمة السادسة عشر ! ) وقد إعتاد ف. إنجلز الثورى المقاتل الذى لم يعرف اليأس لروحه طريقا أن يقول عقب هزيمة ثورات 1848 : ( إذا هزمنا، آنئذ ، فليس أمامنا شئ آخر نفعله سوى أن نبتدئ مجددا ومنذ البداية ) .
سأحاول فيما يلى أن أستعين بكثافة بماورد فى واحد من الكتب السوفيتية الهامة وهو " العملية الثورية والوعى الثورى " الصادر فى سلسلة القضايا الراهنة للمادية التاريخية لمؤلفه يفجينى .ج. بليماك – موسكو عام 1986( 1 ) ، معلقا عليه مضيفا له فى نفس الآن ، مستبعدا منه آثار ايديولوجية البيروقراطية السوفيتية التى وسمته . فمن خلاله يمكن إدراك بعض ظواهر وقوانين ماأسمى ب " الربيع العربى " ومدى تشابهها مع ماجريات الثورات التاريخية . يبحث الكتاب بشكل أساسي المراحل الآتية : مرحلة مابين عامى 1789 – 1794( الثورة الفرنسية العظمى ) وعامى 1848 – 1849 ( الثورات الاوروبية ) ، ومرحلة عام 1871( كومونة باريس ) ومابين عامى 1905 – 1907 ، ومابين عامى 1917 – 1923( الثورة الروسية ) وذلك انطلاقا من علاقة النظرية بالممارسة أى بتحليل بعض أشكال الوعى الثورى فى رؤوس قادة ومفكرى الثورات بالدرجة الاولى ، وسيتعرض للوعى الثورى الجماهيرى بدرجة أقل .
********
لقد كانت مقولة هيجل حول واقعية العقلى وإمكان تحققه الفعلى فكرة ثورية ( كل ماهو عقلى واقعى ) وهى المقولة التى ترجمها ماركس بلغته فيما بعد بالقول بأن الفكرة تتحول إلى قوة مادية متى تبنتها الجماهير . وقد اشار لينين فى " دفاتر فلسفية " إلى أن " فكرة تحول المثالى الى واقعى فكرة عميقة : ومهمة جدا بالنسبة للتاريخ ". استنادا إلى هذا المعيار يعد تاريخ الثورات العالمية الكبرى ذو مغزى هام من هذا المنظور .
لقد اصبحت الثورات السياسية – الإجتماعية فى العصر الحديث هى الأداة الراديكالية لتحطيم العلاقات الإجتماعية العتيقة التى يساهم بها من يتبنون هدف التغيير الجذرى للعلاقات القائمة ، وإرساء أسس نظام إجتماعى جديد . والثورات الإجتماعية – تستغرق عادة حقبة تاريخية كاملة – وهى تتميز بصورة جذرية عن بعضها البعض بمضمونها الإجتماعى والاقتصادى والسياسي ، وكذلك بأشكال تحققها . وتعنى بالدرجة الأولى الانتقال من نظام اجتماعى قديم لآخر جديد على شكل قفزة نوعية تقطع التدريجية وتتسم بحلول طبقة جديدة محل القديمة . وعملية التمهيد للثورة الإجتماعية وتحققها يمكن أن تكون عملية تاريخية طويلة الأمد فهى قفزة دياليكتيكية لاتتصف بالمباغتة أو بقصر مدتها الزمنية ، بل بتحول التغيرات الكمية الى تغيرات نوعية جذرية بظهور التشكيلة الجديدة وتثبيتها . وتنحو الماركسية لدى مؤسسيها الى تفضيل استخدام مفهوم مرحلة الثورة الاجتماعية ، أى مفهوم حقبة كاملة من التطور التاريخى تصبح خلالها التشكيلة الجديدة شكلا للحياة الإجتماعية مسيطرا فى بلد واحد او فى عدة بلدان ...
ان الثورتين الاجتماعية والسياسية مرتبطتان عضويا ببعضهما البعض . فلاتوجد ثورة اجتماعية ليست مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بجملة من الثورات السياسية الموجهة ضد الأنظمة الاجتماعية الرجعية ، فكل ثورة سياسية لاتنفصل عن الثورة الاجتماعية والمهام التى تحلها . والأخيرة يربط بها عادة إسقاط الأنظمة الرجعية وتغيير شكل الحكم فى احد مظاهره بصفة عامة ، وتثبيت النظام الاجتماعى الجديد ، وهى بعكس الثورات الاجتماعية تتحقق فى فترات تاريخية أقصر بكثير . ( 2 ) ان كل ثورة تلغى المجتمع القديم وبهذا المعنى فهى ثورة اجتماعية ، وكل ثورة تلغى السلطة القديمة ولذلك فهى ثورة سياسية – على حد تعبير ماركس . اى ان مايميز الواحدة عن الاخرى – رغم عدم امكان فصلهما فى الواقع – ان الاولى تحل طبقة اجتماعية محل أخرى ، اما الثانية فقد تتضمن تبدلا بين اجنحة واتجاهات ذات الطبقة او تغيرا فى اجهزتها وأدواتها واشكال حكمها .
*مراحل التاريخ – خاتشيك مومجيان – الفصل الخامس – دار التقدم – موسكو – فرع طشقند – 1981 .
وقد إعتبر ماركس الثورات البورجوازية التى جرت من القرن السادس عشر حتى الثامن عشر حسب تعبيره الشهير " قاطرات التاريخ " مهما كانت أرديتها وأزياءها الخارجية ، دينية أم سياسية . وقد أسفرت هذه الثورات عن إحدى الحقائق التى تكررت فى شكل قانون ثابت ، وتجلت فى عدم تطابق النتيجة التاريخية الفعلية مع الهدف الأصلى الذى طرحه وتوخاه قادة الأحزاب الثورية عند إستهلال الحركة . بعبارة أخرى عدم توافق أهداف النضال مع نتائجه . وقد رصد ف . إنجلز هذا القانون فى كتابه حرب الفلاحين فى ألمانيا حين علق على أفكار توماس مونزر قائلا : بأن إبتكار الشيوعية فى الخيال قد تحول إلى إبتكار فعلى للعلاقات البورجوازية المعاصرة ، الأمر الذى ينطبق على التصورات التى حملتها بعض الإتجاهات الراديكالية فى الثورة البورجوازية الإنجليزية مثل " الحفارين " و " المساواتيين " أو طوباويات مفكرى التنوير الفرنسيين فى القرن الثامن عشر . ورغم أن النظام البورجوازى قوض النظم الإقطاعية العتيقة وكان من ثم تقدميا بالنسبة لها إلا أنه لم يتطابق مع التصور الأولى لدى مفكرى عصر الأنوار حول مملكة " العقل والعدالة والحرية " التى وعد المنورون البشرية بها عشية قيام الثورة ، فلم يتمكنوا من تجاوز الأطرالبورجوازية التى قيدهم بها زمانهم . لقد إنتهى ف . إنجلز إلى إستنتاج عميق مفاده أن ماحدث يعكس عملية تحول النظام إلى نقيضه ، وهو مايعنى فى التحليل الأخير الإنتهاء لنقطة مناقضة لنقطة الإنطلاق بصورة قطبية ، مما يشكل المآل الحتمى لكل الحركات التاريخية التى كون المشاركون فيها تصورا غامضا عن أسباب وشروط وجودهم ، لذا فقد رسموا لها أهدافا وهمية ولكن سخرية التاريخ – حسب تعبير إنجلز تدخل تصحيحاتها بلاهوادة ، بل ويمكن القول بلارحمة حين تسحق وهما بعد آخر سحقا ( وهو ماينطبق ايضا على أوهام امكانية انتصار ثورات اشتراكية فى القرن التاسع عشر- وقد إنتقد ماركس وإنجلز تلك الأوهام التى راودتهما حول هذا الإمكان آنذاك - والثورات الاشتراكية التى انتهت الى الاخفاق أو الإنحطاط فى القرن العشرين ). وقد ردد إنجلز هذه الفكرة عند تناول بعض ساسة العهد البورجوازى ، لكن ماتميزت به مراحل الثورة هو أن إحتمال عدم توافق أهداف النضال مع نتائجه قد تضاعف مئات المرات . وكان سان جوست القائد اليعقوبى الفرنسي قد إعترف قبلا بأن " قوة الأشياء تقودنا ، على مايبدو ، إلى نتائج لم تخطر فى بالنا " ويتجلى التباين بوضوح بين النظرية والممارسة فى عهد الثورة ، عندما يحين وقت تحقق المثل والشعارات بصورة عملية ، وعندما تتسع وتتعمق أشكال النشاط الطبقى الإجتماعى بشكل كيفى مباغت وبقفزات مفاجئة ويستوعب طبقات وفئات إجتماعية جديدة . وحين يبلغ الغليان الثورى مداه يتجلى نقص الوعى والاهداف والرؤى والنظريات والتصورات والزعامات والأحزاب وتتكشف طبيعتها الفعلية ومدى صلابتها او هشاشتها فى التعبير عما تدعيه . وفى ذرى الصدامات تولد قفزات عاصفة إلى الأمام كما تنشأ إرتدادات إلى الوراء يترافق معها مآس متنوعة ودرامات . إن التحولات التى تحدث للأفكار والأشخاص – قارن المتحولون لدينا فى مصر بعد 30 يونيو – حتى ليبدو وكأن الأخيرين قد إنشقوا إلى كائنين متغايرين لايعود لخداع فردى أو تلون عرضى وإنما تنتج عن واقع إصطدام هؤلاء بأحداث ومسارات الصراع الطبقى بتطوراته وتغيراته ومنعرجاته الحادة .
كما برهنت خبرة كل الثورات الإجتماعية العميقة – وماتبرهن عليه أنصاف وأرباع الثورات سلبا – على أن الإطاجة بالنظام القديم مرهونة بمركزة القوى الثورية والسلطة الثورية لأقصى حد خاصة فى ظروف الحرب الأهلية وبالقضاء المبرم على أعداء الثورة . وبالنسبة للثورة الفرنسية مثلا يتبين لنا أن الحق التاريخى كان فى جانب روبسبيير واليعاقبة وليس جانب خصومهم فى مسألة الإرهاب . وقد بات من البديهى أن ينظر إلى إستخدام إجراءات الإرهاب الثورى بوصفها أمرا محتما بالنسبة لأى حكومة ثورية تفرض عليها الثورة المضادة الحرب الأهلية . وقد ثبتت حقيقة الطابع التقدمى التاريخى لذلك العنف الذى مارسه اليعاقبة من خلال رصد التطورات الإقتصادية والإجتماعية للبلاد . كتب ماركس لقد محت الثورة بضربات مطرقتها الرهيبة " كالسحر وبصورة فورية ، كل آثار الإقطاع عن وجه فرنسا " . ومن ثم لايمكن تصور أية ثورة سياسية – إجتماعية دون إستخدام التدابير القمعية ، ِبهذه الصيغة أو تلك إزاء الطبقات التى أطيح بها وجردت من سلطتها. وكلما كانت هذه التدابير دقيقة وأكثر حزما وجذرية كلما تقوض ركام العلاقات الإجتماعية المتراكم عبر العصور .غير أن الإعتراف بالطابع التقدمى التاريخى للإرهاب اليعقوبى لم يدفع ماركس وانجلز ولينين إلى تبرير التعسفات التى رافقته والتى لم تميز أحيانا بين من ينتمون لمعسكرى الثورة والثورة المضادة . ولكن دعوا البروليتاريا للإستمرار بالتقاليد النضالية التى إتبعها اليعاقبة وتجلت فى الثبات المتفانى والبسالة والطاقة التى أنقذت فرنسا الجمهورية فى عام 1793 الحرج .
ان مرحلة الصراع المتفاقم داخل معسكر الثورة التى انتهت بسقوط حكومة اليعاقبة فى عام 1794 طرحت أمورا جديدة لم يتوقعها مفكرو عصر التنوير الذين هيأوا الشعب للإنقضاض على الحكم المطلق . لقد كانت آفاق النضال وتوزع القوى واضحين لحد بعيد بالنسبة للثوار . فقد انقسمت فرنسا لمعسكر الحرية ومعسكر الاستبداد . وكان يتزعمهما الجمعية الوطنية التى تعتمد على الشعب الثائر ، وحزب البلاط ، الذى اعتمد على دعم طغاة اوروبا . وبعد ان اصبح لويس السادس عشر ملكا للفرنسيين ، ليس" بمنة الهية " بل " بقوة الدستور" حاول كلا المعسكرين توظيفه خدمة لمصالحه الخاصة ، فقد حاول الوطنيون جعل الملك قائدا طوعيا للأمة ، اما الارستقراطيون فأرادوا ان يجعلوا منه مركزا لتوحيد القوى المضادة للثورة . وانتهى اليعاقبة بعد اكتشاف مؤامرات الملك والارستقراطية الى ان كل انواع التعسف ستبقى قائمة مادام الملك على قيد الحياة .
يتبع
سعيد العليمي
إن أهمية إستخلاص الدروس من الثورات السابقة ومقارنتها بما أسفرت عنه وقائع الأحداث التى أعقبت ثورة 25 يناير تتجلى فى انها تكشف القوانين العامة بما فيها من اتجاهات ثابتة ، رغم تنوع الظواهر وتشابكها فى كل منها ، فتقربنا من معرفة ماهية العملية التاريخية التى جرت أمام أعيننا ، وهى تمثل الى هذا الحد او ذاك مفتاح المعرفة العلمية للعمليات الثورية الراهنة . ومن الهام ان نتذكر ملاحظات لينين المنهجية وأخصها أن " كل عام يتضمن كافة المواد الفردية بشكل تقريبي فقط " وأن كل قانون يعد ضيقا وناقصا وتقريبيا بالمقارنة مع الظاهرة التى هى أغنى منه .
واذا كان هناك فى صفوف مايدعى ب " اليسار " من إعتبر25 يناير مؤامرة إمبريالية ( اوروبية – أمريكية ) هيأها جين شارب لإرتباطها فى بداياتها الاولى بعناصر لها صلاتها بمنظمات ليست فوق مستوى الشبهات على الصعيد العالمى ، فقد نسي هؤلاء أن الملايين التى خرجت (الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة وتضافر البطالة ، والإنفجار السكانى) قد تجاوزتهم بمطالبها السياسية ذات المضامين الاجتماعية ، ومن ثم كان هذا الطابع الثورى الشعبى لتحركاتها وأهدافها بينا ، وهو ماينبغى أن يكون معيار الحكم عليها بصفة أساسية ( فينبغى التمييز بين الدلالة التاريخية الموضوعية لنضال جماهيرى وبين شتى التيارات الأيديولوجية والسياسية التى تتوزعه .. كما ينبغى التمييز بين النضال الجماهيرى ، بين القوة الموضوعية الإجتماعية ، وبين مايدور فى رؤوس الناس ( تروتسكى ). لم تقف قوى الثورة الشعبية عند حد موقف " كنس الميدان" الليبرالى الأمر الذى إمتدحته البورجوازيات الإمبريالية العالمية ، وانما ناضلت على مدى ثلاث سنوات ونصف متعاقبة خائضة معارك دامية على المتاريس قدمت فيها شهداء وأسرى ومعاقين من اجل "عيش حرية كرامة انسانية عدالة اجتماعية " ومن أجل " الشعب يريد اسقاط النظام ". وعليه لاينبغى الحكم على طبيعة الثورة ، ولا إتخاذ موقف وفقا لما أراده متآمر ما منها ، أجنبيا كان - عربيا أم محليا ، أوتوخاه حزب ، أو جملة أحزاب ، أوعصبة أفراد أيا ما كانوا وأيا كانت أغراضهم ( كلنا خالد سعيد ، أو الجمعية الوطنية للتغيير ، أو حركة 6 أبريل مثلا ) ، ولاماذا توخت ، أو حققت بالفعل هذه القوى الإمبريالية ، وحتى الرجعية العربية اوتلك فى مؤامراتها فى نقل الثورة المضادة خارج حدودها ، حتى تحمى نظمها فى الداخل من آثار الحريق الثورى . يحكم على الثورة بالتحليل الموضوعى لطبيعة المرحلة التاريخية ، بقواها الإجتماعية الطبقية التى بدأت مسيرتها ثم توقفت عند حد معين أو واصلت ، والأهداف التى توختها ، أساليب وأشكال النضال التى إنتهجتها ، وطابعها الشعبى الملايينى سواء نجحت أو إنتهت إلى الإخفاق . بغير ذلك لابد من إعادة الحكم على ثورات 1848 فى اوروبا وعلى كومونة باريس 1871 وغيرها وبالأخص ثورة 1905 الروسية فقد قاد مظاهرة إطلاق شرارتها قس سجن سان بطرسبورج الأب جورجى جابون ، وكان عميلا لشرطة روسيا القيصرية السرية ( الأوخرانا ) وقد عمل فى السنوات السابقة على الثورة ليضمن سيطرة الشرطة والكنيسة على الحركة العمالية . مع إدراك الحزب البلشفى لذلك ، لم يتخل عن الانخراط والإسهام فيها ثم قيادتها لأنها بطابعها الملايينى الشعبى وبقواها المحركة وأهدافها قد تجاوزت الأب جابون ، كما تجاوزت الأطر التآمرية للأوخرانا القيصرية ، فمن أخص واجبات الحزب الثورى أن يقف على رأس أى حركة جماهيرية عفوية واسعة وألا ينعزل عنها محافظا على " نقاءه الثورى " .
من ناحية أخرى هناك من ينكرون صفة الثورة على 25 يناير لأنها لم تحقق أهدافها فى إسقاط النظام . والحال أن عدم تحقق الأهداف لاينزع عنها صفة الثورة . ففى تراثنا الماركسي – كما أشرت سابقا - هزمت الثورات الأوروبية فى أوروبا عام 1848 ، وهزمت كومونة باريس عام 1871 ، وهزمت ثورة 1905 فى روسيا , – كما هزمت الثورتين الالمانية والمجرية عام 1918 والثورة الاسبانية عام 1936 . وهزمت الثورة الصينية - قبل أن تنتصر عام 1949- عدة مرات التى ينسب لبعض قادتها القول عقب إحدى الهزائم : ( إنها مجرد الهزيمة السادسة عشر ! ) وقد إعتاد ف. إنجلز الثورى المقاتل الذى لم يعرف اليأس لروحه طريقا أن يقول عقب هزيمة ثورات 1848 : ( إذا هزمنا، آنئذ ، فليس أمامنا شئ آخر نفعله سوى أن نبتدئ مجددا ومنذ البداية ) .
سأحاول فيما يلى أن أستعين بكثافة بماورد فى واحد من الكتب السوفيتية الهامة وهو " العملية الثورية والوعى الثورى " الصادر فى سلسلة القضايا الراهنة للمادية التاريخية لمؤلفه يفجينى .ج. بليماك – موسكو عام 1986( 1 ) ، معلقا عليه مضيفا له فى نفس الآن ، مستبعدا منه آثار ايديولوجية البيروقراطية السوفيتية التى وسمته . فمن خلاله يمكن إدراك بعض ظواهر وقوانين ماأسمى ب " الربيع العربى " ومدى تشابهها مع ماجريات الثورات التاريخية . يبحث الكتاب بشكل أساسي المراحل الآتية : مرحلة مابين عامى 1789 – 1794( الثورة الفرنسية العظمى ) وعامى 1848 – 1849 ( الثورات الاوروبية ) ، ومرحلة عام 1871( كومونة باريس ) ومابين عامى 1905 – 1907 ، ومابين عامى 1917 – 1923( الثورة الروسية ) وذلك انطلاقا من علاقة النظرية بالممارسة أى بتحليل بعض أشكال الوعى الثورى فى رؤوس قادة ومفكرى الثورات بالدرجة الاولى ، وسيتعرض للوعى الثورى الجماهيرى بدرجة أقل .
********
لقد كانت مقولة هيجل حول واقعية العقلى وإمكان تحققه الفعلى فكرة ثورية ( كل ماهو عقلى واقعى ) وهى المقولة التى ترجمها ماركس بلغته فيما بعد بالقول بأن الفكرة تتحول إلى قوة مادية متى تبنتها الجماهير . وقد اشار لينين فى " دفاتر فلسفية " إلى أن " فكرة تحول المثالى الى واقعى فكرة عميقة : ومهمة جدا بالنسبة للتاريخ ". استنادا إلى هذا المعيار يعد تاريخ الثورات العالمية الكبرى ذو مغزى هام من هذا المنظور .
لقد اصبحت الثورات السياسية – الإجتماعية فى العصر الحديث هى الأداة الراديكالية لتحطيم العلاقات الإجتماعية العتيقة التى يساهم بها من يتبنون هدف التغيير الجذرى للعلاقات القائمة ، وإرساء أسس نظام إجتماعى جديد . والثورات الإجتماعية – تستغرق عادة حقبة تاريخية كاملة – وهى تتميز بصورة جذرية عن بعضها البعض بمضمونها الإجتماعى والاقتصادى والسياسي ، وكذلك بأشكال تحققها . وتعنى بالدرجة الأولى الانتقال من نظام اجتماعى قديم لآخر جديد على شكل قفزة نوعية تقطع التدريجية وتتسم بحلول طبقة جديدة محل القديمة . وعملية التمهيد للثورة الإجتماعية وتحققها يمكن أن تكون عملية تاريخية طويلة الأمد فهى قفزة دياليكتيكية لاتتصف بالمباغتة أو بقصر مدتها الزمنية ، بل بتحول التغيرات الكمية الى تغيرات نوعية جذرية بظهور التشكيلة الجديدة وتثبيتها . وتنحو الماركسية لدى مؤسسيها الى تفضيل استخدام مفهوم مرحلة الثورة الاجتماعية ، أى مفهوم حقبة كاملة من التطور التاريخى تصبح خلالها التشكيلة الجديدة شكلا للحياة الإجتماعية مسيطرا فى بلد واحد او فى عدة بلدان ...
ان الثورتين الاجتماعية والسياسية مرتبطتان عضويا ببعضهما البعض . فلاتوجد ثورة اجتماعية ليست مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بجملة من الثورات السياسية الموجهة ضد الأنظمة الاجتماعية الرجعية ، فكل ثورة سياسية لاتنفصل عن الثورة الاجتماعية والمهام التى تحلها . والأخيرة يربط بها عادة إسقاط الأنظمة الرجعية وتغيير شكل الحكم فى احد مظاهره بصفة عامة ، وتثبيت النظام الاجتماعى الجديد ، وهى بعكس الثورات الاجتماعية تتحقق فى فترات تاريخية أقصر بكثير . ( 2 ) ان كل ثورة تلغى المجتمع القديم وبهذا المعنى فهى ثورة اجتماعية ، وكل ثورة تلغى السلطة القديمة ولذلك فهى ثورة سياسية – على حد تعبير ماركس . اى ان مايميز الواحدة عن الاخرى – رغم عدم امكان فصلهما فى الواقع – ان الاولى تحل طبقة اجتماعية محل أخرى ، اما الثانية فقد تتضمن تبدلا بين اجنحة واتجاهات ذات الطبقة او تغيرا فى اجهزتها وأدواتها واشكال حكمها .
*مراحل التاريخ – خاتشيك مومجيان – الفصل الخامس – دار التقدم – موسكو – فرع طشقند – 1981 .
وقد إعتبر ماركس الثورات البورجوازية التى جرت من القرن السادس عشر حتى الثامن عشر حسب تعبيره الشهير " قاطرات التاريخ " مهما كانت أرديتها وأزياءها الخارجية ، دينية أم سياسية . وقد أسفرت هذه الثورات عن إحدى الحقائق التى تكررت فى شكل قانون ثابت ، وتجلت فى عدم تطابق النتيجة التاريخية الفعلية مع الهدف الأصلى الذى طرحه وتوخاه قادة الأحزاب الثورية عند إستهلال الحركة . بعبارة أخرى عدم توافق أهداف النضال مع نتائجه . وقد رصد ف . إنجلز هذا القانون فى كتابه حرب الفلاحين فى ألمانيا حين علق على أفكار توماس مونزر قائلا : بأن إبتكار الشيوعية فى الخيال قد تحول إلى إبتكار فعلى للعلاقات البورجوازية المعاصرة ، الأمر الذى ينطبق على التصورات التى حملتها بعض الإتجاهات الراديكالية فى الثورة البورجوازية الإنجليزية مثل " الحفارين " و " المساواتيين " أو طوباويات مفكرى التنوير الفرنسيين فى القرن الثامن عشر . ورغم أن النظام البورجوازى قوض النظم الإقطاعية العتيقة وكان من ثم تقدميا بالنسبة لها إلا أنه لم يتطابق مع التصور الأولى لدى مفكرى عصر الأنوار حول مملكة " العقل والعدالة والحرية " التى وعد المنورون البشرية بها عشية قيام الثورة ، فلم يتمكنوا من تجاوز الأطرالبورجوازية التى قيدهم بها زمانهم . لقد إنتهى ف . إنجلز إلى إستنتاج عميق مفاده أن ماحدث يعكس عملية تحول النظام إلى نقيضه ، وهو مايعنى فى التحليل الأخير الإنتهاء لنقطة مناقضة لنقطة الإنطلاق بصورة قطبية ، مما يشكل المآل الحتمى لكل الحركات التاريخية التى كون المشاركون فيها تصورا غامضا عن أسباب وشروط وجودهم ، لذا فقد رسموا لها أهدافا وهمية ولكن سخرية التاريخ – حسب تعبير إنجلز تدخل تصحيحاتها بلاهوادة ، بل ويمكن القول بلارحمة حين تسحق وهما بعد آخر سحقا ( وهو ماينطبق ايضا على أوهام امكانية انتصار ثورات اشتراكية فى القرن التاسع عشر- وقد إنتقد ماركس وإنجلز تلك الأوهام التى راودتهما حول هذا الإمكان آنذاك - والثورات الاشتراكية التى انتهت الى الاخفاق أو الإنحطاط فى القرن العشرين ). وقد ردد إنجلز هذه الفكرة عند تناول بعض ساسة العهد البورجوازى ، لكن ماتميزت به مراحل الثورة هو أن إحتمال عدم توافق أهداف النضال مع نتائجه قد تضاعف مئات المرات . وكان سان جوست القائد اليعقوبى الفرنسي قد إعترف قبلا بأن " قوة الأشياء تقودنا ، على مايبدو ، إلى نتائج لم تخطر فى بالنا " ويتجلى التباين بوضوح بين النظرية والممارسة فى عهد الثورة ، عندما يحين وقت تحقق المثل والشعارات بصورة عملية ، وعندما تتسع وتتعمق أشكال النشاط الطبقى الإجتماعى بشكل كيفى مباغت وبقفزات مفاجئة ويستوعب طبقات وفئات إجتماعية جديدة . وحين يبلغ الغليان الثورى مداه يتجلى نقص الوعى والاهداف والرؤى والنظريات والتصورات والزعامات والأحزاب وتتكشف طبيعتها الفعلية ومدى صلابتها او هشاشتها فى التعبير عما تدعيه . وفى ذرى الصدامات تولد قفزات عاصفة إلى الأمام كما تنشأ إرتدادات إلى الوراء يترافق معها مآس متنوعة ودرامات . إن التحولات التى تحدث للأفكار والأشخاص – قارن المتحولون لدينا فى مصر بعد 30 يونيو – حتى ليبدو وكأن الأخيرين قد إنشقوا إلى كائنين متغايرين لايعود لخداع فردى أو تلون عرضى وإنما تنتج عن واقع إصطدام هؤلاء بأحداث ومسارات الصراع الطبقى بتطوراته وتغيراته ومنعرجاته الحادة .
كما برهنت خبرة كل الثورات الإجتماعية العميقة – وماتبرهن عليه أنصاف وأرباع الثورات سلبا – على أن الإطاجة بالنظام القديم مرهونة بمركزة القوى الثورية والسلطة الثورية لأقصى حد خاصة فى ظروف الحرب الأهلية وبالقضاء المبرم على أعداء الثورة . وبالنسبة للثورة الفرنسية مثلا يتبين لنا أن الحق التاريخى كان فى جانب روبسبيير واليعاقبة وليس جانب خصومهم فى مسألة الإرهاب . وقد بات من البديهى أن ينظر إلى إستخدام إجراءات الإرهاب الثورى بوصفها أمرا محتما بالنسبة لأى حكومة ثورية تفرض عليها الثورة المضادة الحرب الأهلية . وقد ثبتت حقيقة الطابع التقدمى التاريخى لذلك العنف الذى مارسه اليعاقبة من خلال رصد التطورات الإقتصادية والإجتماعية للبلاد . كتب ماركس لقد محت الثورة بضربات مطرقتها الرهيبة " كالسحر وبصورة فورية ، كل آثار الإقطاع عن وجه فرنسا " . ومن ثم لايمكن تصور أية ثورة سياسية – إجتماعية دون إستخدام التدابير القمعية ، ِبهذه الصيغة أو تلك إزاء الطبقات التى أطيح بها وجردت من سلطتها. وكلما كانت هذه التدابير دقيقة وأكثر حزما وجذرية كلما تقوض ركام العلاقات الإجتماعية المتراكم عبر العصور .غير أن الإعتراف بالطابع التقدمى التاريخى للإرهاب اليعقوبى لم يدفع ماركس وانجلز ولينين إلى تبرير التعسفات التى رافقته والتى لم تميز أحيانا بين من ينتمون لمعسكرى الثورة والثورة المضادة . ولكن دعوا البروليتاريا للإستمرار بالتقاليد النضالية التى إتبعها اليعاقبة وتجلت فى الثبات المتفانى والبسالة والطاقة التى أنقذت فرنسا الجمهورية فى عام 1793 الحرج .
ان مرحلة الصراع المتفاقم داخل معسكر الثورة التى انتهت بسقوط حكومة اليعاقبة فى عام 1794 طرحت أمورا جديدة لم يتوقعها مفكرو عصر التنوير الذين هيأوا الشعب للإنقضاض على الحكم المطلق . لقد كانت آفاق النضال وتوزع القوى واضحين لحد بعيد بالنسبة للثوار . فقد انقسمت فرنسا لمعسكر الحرية ومعسكر الاستبداد . وكان يتزعمهما الجمعية الوطنية التى تعتمد على الشعب الثائر ، وحزب البلاط ، الذى اعتمد على دعم طغاة اوروبا . وبعد ان اصبح لويس السادس عشر ملكا للفرنسيين ، ليس" بمنة الهية " بل " بقوة الدستور" حاول كلا المعسكرين توظيفه خدمة لمصالحه الخاصة ، فقد حاول الوطنيون جعل الملك قائدا طوعيا للأمة ، اما الارستقراطيون فأرادوا ان يجعلوا منه مركزا لتوحيد القوى المضادة للثورة . وانتهى اليعاقبة بعد اكتشاف مؤامرات الملك والارستقراطية الى ان كل انواع التعسف ستبقى قائمة مادام الملك على قيد الحياة .
يتبع
سعيد العليمي
سعيد العليمى - الماركسية والتجربة التاريخية للثورات – ملاحظات عارضة -- 1
سعيد العليمى - الماركسية والتجربة التاريخية للثورات – ملاحظات عارضة -- 1
www.ahewar.org