ذات يوم.. 17 مارس 1965..
استمرت السهرة فى منزل الكاتب إحسان عبدالقدوس، حتى تجاوزت منتصف الليل، والمناقشات السياسية مع المناضل العالمى «جيفارا» لا تنقطع حتى على مائدة الطعام.
حسبما يذكر الكاتب الصحفى، موسى صبرى، فى مقاله «جيفارا فى سهرة سياسية»، المنشور فى مجلة «آخر ساعة»، يوم 17 مارس، مثل هذا اليوم، 1965.
كان «جيفارا»، أرجنتينى الأصل، فى زيارة إلى مصر قادما من الجزائر يوم 2 مارس 1965، كان بلا مناصب رسمية فى كوبا بعد أن كان من قيادات ثورتها مع فيدل كاسترو عام 1959، وبعد نجاح الثورة منحه كاسترو الجنسية الكوبية، وشغل عدة مناصب أبرزها وزير الصناعة، ثم تخلى عن مناصبه عام 1965 ليذهب إلى الكونغو فى محاولة فاشلة منه لإشعال الثورة فيها، ثم حاول نفس الأمر بشن حرب عصابات فى بوليفيا، لكن تم القبض عليه وإعدامه يوم 8 أكتوبر 1967.
أثناء زيارته إلى مصر، التقى جمال عبدالناصر، ودعاه إحسان عبد القدوس إلى العشاء فى منزله، بحضور العديد من كبار الصحفيين والمثقفين والفنانين، أبرزهم خالد محيى الدين وزوجته، وأحمد بهاء الدين وزوجته، وأحمد حمروش وزوجته، وموسى صبرى وزوجته، والفنانة فاتن حمامة، والدكتور عبدالعظيم أنيس، وفؤاد الركابى وزير الشؤون البلدية العراقى، يذكر موسى صبرى: «التف الضيوف حول هذا الثائر «36 سنة»، وسيم القسمات، الذى يطلق شعر رأسه ولحيته، فيبدو كقراصنة البحار».
كان العالم وقتها منقسما إلى كتلتين، إحداهما «اشتراكية» بزعامة الاتحاد السوفيتى، والأخرى «رأسمالية» بزعامة أمريكا، وبطبيعة الحال انعكس ذلك على المناقشات، خاصة أن مصر كانت تطبق الاشتراكية، ويذكر عبدالعظيم أنيس قصة هذا اللقاء فى كتابه «ذكريات من حياتى»، مشيرا إلى أنه شهد تجمع السيدات حول فاتن حمامة يناقشنها فى فيلمها الجديد آنذاك «الحرام»، قصة يوسف إدريس، وكان لكثير منهن ملاحظات نقدية على الفيلم، وعلى بعض مشاهده وبعض تقنيات إخراجه، يؤكد «أنيس»: «مع أنى لا أتذكر تفاصيل هذه المناقشات، إلا أننى ما زلت أذكر الدفاع الحار لفاتن حمامة عن الفيلم، وسخونة الحوار بينها وبين عدد من سيدات الحفل».انتقل معظم الرجال بعد العشاء إلى غرفة مكتب إحسان، حسبما يذكر «أنيس»، مؤكدا أنه أبدى رغبته فى إجراء حوار مع «جيفارا» حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية، ورحب على الفور، وكان جيفارا يتحدث بالفرنسية التى يجيدها، وأنيس يتحدث بالإنجليزية، وقام السفير الكوبى، وأحيانا أحمد بهاء الدين، بالترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية، والعربية، أو العكس.
استمر النقاش حتى الثانية صباحا، يؤكد «أنيس»: «فتحت موضوعات كثيرة، وإن لم تقفل كلها برأى نهائى أو باتفاق على وجهات النظر، وكانت القضية الأساسية التى تشغلنى آنذاك، هى: كيف تستطيع دولة صغيرة، ذات موارد محدودة مثل كوبا، أن تتبنى الاشتراكية؟ وما هى المصاعب التى تواجهها فى البناء الاشتراكى؟ وكيف تواجه كوبا مشاكل الإنتاج والاستهلاك؟ ثم قضية معونات الدول الاشتراكية التى كانت محل نقده فى خطابه فى مؤتمر القارات الثلاث بالجزائر قبل قدومه إلى القاهرة»، يضيف «أنيس»، أن القضية الثانية التى كانت تشغله وطرحها، هى، موضوع المواجهة بين أمريكا وكوبا التى لا تبعد عن شواطئ أمريكا بأكثر من تسعين ميلا».
يذكر «أنيس»، أن «جيفارا» استفاض فى ردوده على كل الأسئلة، قال عن قضية التطبيق الاشتراكى لدولة صغيرة مثل كوبا، إنها مشكلة حقا، وإنهم فى حماسهم للحل الاشتراكى اندفعوا إلى بناء المصانع وتغيير نمط الزراعة الكوبية دون تفكير وتخطيط صحيح طويل المدى، وأنهم وضعوا خطتهم الأولى على أساس أن تكون لمشروعات الإنتاج 70% ولمشروعات الخدمات 30% من الاستثمارات، وبعد ثلاث سنوات اكتشفوا أنهم نفذوا 70% من مشروعات الخدمات، و30% من مشروعات الإنتاج، وتلك مشكلة كبيرة لشعوب الدول النامية التى فى أمس الحاجة إلى الخدمات بعد حرمان طويل، وقال «جيفارا» إنهم كانوا يحاكون تجربة «تشيكوسلوفاكيا» فى بناء الاشتراكية، وعندما سئل: لماذا تشيكوسلوفاكيا بالذات؟ قال إنه ليس هناك سبب محدد سوى أن هذا البلد أرسل لنا تفصيلات عن تجربته، وكنا فى لهفة على العمل الجاد، فبدأنا نعمل دون تخطيط سليم، ثم أخذنا بعد سنوات نصحح أخطاءنا».
يؤكد «أنيس»، أنه كان من رأى «جيفارا» أنه لا بد من إعادة النظر فى مفهوم الربح فى النظام الاشتراكى، وفكرة الحافز، وعديد من المفاهيم الأخرى، وقال إنه لا يزعم أن لديه حلولا للمشاكل والأسئلة التى يثيرها، وإن كان يريد أن يقول إنه لا بد من دراسة عميقة تواجه مشاكل التطبيق الاشتراكى فى الدول المتخلفة.
استمرت السهرة فى منزل الكاتب إحسان عبدالقدوس، حتى تجاوزت منتصف الليل، والمناقشات السياسية مع المناضل العالمى «جيفارا» لا تنقطع حتى على مائدة الطعام.
حسبما يذكر الكاتب الصحفى، موسى صبرى، فى مقاله «جيفارا فى سهرة سياسية»، المنشور فى مجلة «آخر ساعة»، يوم 17 مارس، مثل هذا اليوم، 1965.
كان «جيفارا»، أرجنتينى الأصل، فى زيارة إلى مصر قادما من الجزائر يوم 2 مارس 1965، كان بلا مناصب رسمية فى كوبا بعد أن كان من قيادات ثورتها مع فيدل كاسترو عام 1959، وبعد نجاح الثورة منحه كاسترو الجنسية الكوبية، وشغل عدة مناصب أبرزها وزير الصناعة، ثم تخلى عن مناصبه عام 1965 ليذهب إلى الكونغو فى محاولة فاشلة منه لإشعال الثورة فيها، ثم حاول نفس الأمر بشن حرب عصابات فى بوليفيا، لكن تم القبض عليه وإعدامه يوم 8 أكتوبر 1967.
أثناء زيارته إلى مصر، التقى جمال عبدالناصر، ودعاه إحسان عبد القدوس إلى العشاء فى منزله، بحضور العديد من كبار الصحفيين والمثقفين والفنانين، أبرزهم خالد محيى الدين وزوجته، وأحمد بهاء الدين وزوجته، وأحمد حمروش وزوجته، وموسى صبرى وزوجته، والفنانة فاتن حمامة، والدكتور عبدالعظيم أنيس، وفؤاد الركابى وزير الشؤون البلدية العراقى، يذكر موسى صبرى: «التف الضيوف حول هذا الثائر «36 سنة»، وسيم القسمات، الذى يطلق شعر رأسه ولحيته، فيبدو كقراصنة البحار».
كان العالم وقتها منقسما إلى كتلتين، إحداهما «اشتراكية» بزعامة الاتحاد السوفيتى، والأخرى «رأسمالية» بزعامة أمريكا، وبطبيعة الحال انعكس ذلك على المناقشات، خاصة أن مصر كانت تطبق الاشتراكية، ويذكر عبدالعظيم أنيس قصة هذا اللقاء فى كتابه «ذكريات من حياتى»، مشيرا إلى أنه شهد تجمع السيدات حول فاتن حمامة يناقشنها فى فيلمها الجديد آنذاك «الحرام»، قصة يوسف إدريس، وكان لكثير منهن ملاحظات نقدية على الفيلم، وعلى بعض مشاهده وبعض تقنيات إخراجه، يؤكد «أنيس»: «مع أنى لا أتذكر تفاصيل هذه المناقشات، إلا أننى ما زلت أذكر الدفاع الحار لفاتن حمامة عن الفيلم، وسخونة الحوار بينها وبين عدد من سيدات الحفل».انتقل معظم الرجال بعد العشاء إلى غرفة مكتب إحسان، حسبما يذكر «أنيس»، مؤكدا أنه أبدى رغبته فى إجراء حوار مع «جيفارا» حول عدد من القضايا السياسية والاقتصادية، ورحب على الفور، وكان جيفارا يتحدث بالفرنسية التى يجيدها، وأنيس يتحدث بالإنجليزية، وقام السفير الكوبى، وأحيانا أحمد بهاء الدين، بالترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية، والعربية، أو العكس.
استمر النقاش حتى الثانية صباحا، يؤكد «أنيس»: «فتحت موضوعات كثيرة، وإن لم تقفل كلها برأى نهائى أو باتفاق على وجهات النظر، وكانت القضية الأساسية التى تشغلنى آنذاك، هى: كيف تستطيع دولة صغيرة، ذات موارد محدودة مثل كوبا، أن تتبنى الاشتراكية؟ وما هى المصاعب التى تواجهها فى البناء الاشتراكى؟ وكيف تواجه كوبا مشاكل الإنتاج والاستهلاك؟ ثم قضية معونات الدول الاشتراكية التى كانت محل نقده فى خطابه فى مؤتمر القارات الثلاث بالجزائر قبل قدومه إلى القاهرة»، يضيف «أنيس»، أن القضية الثانية التى كانت تشغله وطرحها، هى، موضوع المواجهة بين أمريكا وكوبا التى لا تبعد عن شواطئ أمريكا بأكثر من تسعين ميلا».
يذكر «أنيس»، أن «جيفارا» استفاض فى ردوده على كل الأسئلة، قال عن قضية التطبيق الاشتراكى لدولة صغيرة مثل كوبا، إنها مشكلة حقا، وإنهم فى حماسهم للحل الاشتراكى اندفعوا إلى بناء المصانع وتغيير نمط الزراعة الكوبية دون تفكير وتخطيط صحيح طويل المدى، وأنهم وضعوا خطتهم الأولى على أساس أن تكون لمشروعات الإنتاج 70% ولمشروعات الخدمات 30% من الاستثمارات، وبعد ثلاث سنوات اكتشفوا أنهم نفذوا 70% من مشروعات الخدمات، و30% من مشروعات الإنتاج، وتلك مشكلة كبيرة لشعوب الدول النامية التى فى أمس الحاجة إلى الخدمات بعد حرمان طويل، وقال «جيفارا» إنهم كانوا يحاكون تجربة «تشيكوسلوفاكيا» فى بناء الاشتراكية، وعندما سئل: لماذا تشيكوسلوفاكيا بالذات؟ قال إنه ليس هناك سبب محدد سوى أن هذا البلد أرسل لنا تفصيلات عن تجربته، وكنا فى لهفة على العمل الجاد، فبدأنا نعمل دون تخطيط سليم، ثم أخذنا بعد سنوات نصحح أخطاءنا».
يؤكد «أنيس»، أنه كان من رأى «جيفارا» أنه لا بد من إعادة النظر فى مفهوم الربح فى النظام الاشتراكى، وفكرة الحافز، وعديد من المفاهيم الأخرى، وقال إنه لا يزعم أن لديه حلولا للمشاكل والأسئلة التى يثيرها، وإن كان يريد أن يقول إنه لا بد من دراسة عميقة تواجه مشاكل التطبيق الاشتراكى فى الدول المتخلفة.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 17 مارس 1965.. جيفارا فى سهرة حتى الساعة الثانية صباحا بمنزل إحسان عبدالقدوس بحضور عدد من كبار الصحفيين والمثقفين والفنانة فاتن حمامة - اليوم السابع
استمرت السهرة فى منزل الكاتب إحسان عبدالقدوس، حتى تجاوزت منتصف الليل، والمناقشات السياسية مع المناضل العالمى «جيفارا» لا تنقطع حتى على مائدة الطعام.
www.youm7.com