محمد مجدلاوي - نقد رواية "راكين" وهاجس الإنسان المسكون بالقلق.

أنهيتُ بالأمس قراءة رواية " راكين " للدكتورة الناقدة والروائيّة نهال عقيل
الرواية صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام ٢٠٢٠م وهي نتاجها الروائي الأول.
مع أنني لستُ ناقداً ولكنني سأُسجِّل رؤيتي الانطباعيّة البسيطة عن الرواية.
تدور أحداث الرواية بين الكرك وعمان. تضيء البقع المعتمة لكي يرى الأخر البعيد كيف يعيش الناس هنا في هذه الأمكنة البعيدة حيواتهم المختلفة، القاسية والموجعة بالهموم، المسكونة بالقلق، وتكشف عن الوجع الذي يسكن ذات الإنسان، الرواية غنية بدلالات رمزية تترك للقارئ أن يحلق في فضاء التأويل.

الرواية تعكس ثقافة الكاتبة الواسعة، فقد تطرقت إلى قضايا كثيرة تشغل بال المواطن في الجنوب بل وفي كل جهات الوطن مثل الفساد، والفقر المدقع الذي يحيط بهم، والبطالة. تقرأ دواخل الناس وتنفذ إلى أسرارهم فتعبّر عمّا يجولُ بخاطرهم بلُغةٍ سرديّةٍ متماسكة، تستخدم اللهجة المحكيّة في الجنوب وكأنّها واحدة من أهل تلك القرى، راكين، مؤاب، الطيبة، عيّ، المزار والكرك. إلمامها بحقيقة الواقع الذي يعيشه الجنوب، جعلها تنجح في تصوير الحدث بعين الروائيّة اللماحة التي ترصد كُل حركة وتصوغها بطريقةٍ ذكيةٍ ليكون وقعها على القارىء أكثر تأثيراً، فيعيش الحدث ليس بعين المراقب فحسب، بل وكأنَّه جزءًا من الحدث، فهي تستخدم منافذ الحواس لتدخل منها الصوت والمشهد وحتى الروائح العطرية
فيغدو القارئ وكأنه يعيش المشهد بواقعيته
يرى ويسمعُ ويشتمُّ ويلمس.
ومثال ذلك ولو كان بسيطاً

"الحياة حفلةٌ راقصة ومدهشة."
هذا الاستهلال للفصل السابع الذي يضع القارئ في مخيالٍ من الصخب يؤرجحه بين جنون الرقص وسحر الدهشة.
ثم يقودنا السرد إلى سوق المدينة بروائح الأعشاب والمأكولات والخبز الطازج ..
وليس أكثر استثارة لرغبات النفس من الرائحة، العطر،العبق، رائحةالخبز، رائحة الزعتر، عطر الياسمين، عبق التراب عندما يببلله مطر الخريف. ثم يقودنا السرد بكل طواعية الى سوق البالة الذي يرتاده الفقراء ليستروا عريهم ويهزموا سطوة البرد عن أجسادهم ثم صورة المطر والبرد والسحلب الذي نطلبه وقت البرد والمطر ومقهى الرواي حيث يقف المرتادون امام طاولة السحلب ينتظرون ما يطلبون .
فعلا هي الحياة حفلة راقصة ومدهشة ولكن ليس كل الذين يرقصون يرقصون فرحاً، فقد يرقص الكثير من شدة الألم.
أعترف أنني لم أعطِّ الرواية حقها من النقد الوافي الذي يضيء كل جوانبها، غير أنها رواية تستحق القراءة وتستحق الدراسة الأكاديميّة الموضوعيّة.
محمد مجدلاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى