عبد الكريم العامري - 22 سبتمبر كشف حساب!

ثلاثة وستون عاما كأنها لم تكن، محطات كثيرة شاهدتها، منها ما كانت مضيئة، وكثيرات مظلمات، تذوقت عسلها، وتجرعت حنظلها، التقيت بوجوه مختلفة، منها ما بقي عالقاً في الذاكرة، وأخرى لم أستطع الاحتفاظ بملامحها، احداث كنت يومها يائساً بسببها لكنها اصبحت اليوم مجرد حكايات، تضحكني، تشعرني بالحسرة، تؤلمني.. أفنيت تلك السنوات بين كتاب وكتابة، أقرأ أكثر مما أنام، واكتب أكثر مما آكل، القلق رفيقي منذ ان فتح الله لي باباً للشعر، وآخر للمسرح، وثالث للرواية. انشغلت بهموم الناس في عملي الصحافي، حرصت على أن لا أزوّق ما أراه. مع الفقراء، الذين يشبهونني، قضيت معظم وقتي. اعترف أني ظلمت نفسي كثيراً، وأخطأت باختيار كثير من الناس كأصدقاء، لكن عزائي، أن ثلة منهم كانوا صادقين معي، مثلما أنا، فقدت أحبة بقدر ما يترك في الروح ثلمة، للآن يسكنون بداخلي، وللآن صدى أصواتهم، وحرارة أنفاسهم استشعر بها. أبي وأمي لم يتركا ثلمة في روحي بل شرخاها، آلمني رحيلهما في وقت كنت فيه محتاجاً اليهما. ربما هو الأمر الذي جعلني أن أحرص على أن لا أرحل مبكراً كي لا أترك شرخاً في أرواح عيالي. ومع مضي الأيام، والسنوات، وجدتني أحصي ما فات من العمر، وما ضاع منه، وما تركته خلفي، وما بقي. أعرف أنه لم يبقَ منه الا نزر من الأيام، وربما أقل.
ثلاثة وستون من السنوات، شجرة كانت مورقة تنتعش بربيعها، لما تزل أوراقها ثابتة، وأغصانها تمتد، وجذورها متأصلة في تربة طيبة، بدأ الخريف بأوانه، وهو أمر طبيعي، وحان كشف حساب الرحلة، وأنا مؤمن أن الأبدية لله وحده، وأن البقاء بجواره أفضل من عيش نهايته معروفة.
شكراً لكل من وقف بجانبي، وأشعرني أن الخير ما زال موجوداً في الأرض.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى