إيمان فجر السيد - رؤية نقدية لنص القصة القصيرة (يشبهني هذا الليل) للقاص: ياسر جمعة

ياسر جمعة

(يشبهني هذا الليل)

أمشي بغرض التريض والتخفِّف من الحزن، أمشي وأنا أعرف أنه أكبر من كلِّ أسبابه، أعرف أنه أكبر من كلِّ الطرق التي أعبرها، الطرق التي تدوس على قلبي فيزداد الحزن، الحزن الذي تفرُّ منه الأعين ما إن يلمسها من نظراتي، أمشي وأنا أُلملم نظراتي كي لا تؤذي العابرين، فتتمرَّد عليَّ، بتحريضٍ من الحزن الذي يتعاظم، وتصبُّ نيرانها في الأعين، فيتوقَّف أصحابها للحظةٍ، فقط لحظةً، وما يلبثون أن يتَّبعوني.

نمشي في الطرقات التي نعرف أنها تتضاءل أمام الحزن مع كلِّ خطوةٍ، الحزن الذي يسبقنا، الذي يملؤنا ويلفُّنا من كلِّ جانبٍ، نمشي وكأنَّنا واحدٌ، واحدٌ يغوص في ليلٍ سميكٍ.. لزجٍ.. قاسٍ.

نمشي.. نمشي ولا نتوقَّف، ولا يعود كلٌّ منَّا إلى ذاته، إلا عندما تطلُّ عينان من زمنٍ يعزلني عنه أعوامٌ وموتٌ وفقدٌ واجعٌ، كنت قد عشت في براح نظرتها لحظةً.. أدرك الآن أنها كانت لحظة أكبر من كلِّ الأزمان، أكبر من كلِّ الطرقات، أكبر من كلِّ الحزن، أكبر من روحي.. روحي التي تتقافز الآن، وتوزٍّع من بهجتها الوليدة، المتزايدة، عبر عينيَّ، لكلِّ من أقابل.



............



رؤيتي النقدية

الجميل في السارد في هذا النص محاولته الدؤوب جذب الأرواح الشبيهة لروحه الحزينة عبر أناس الطريق مشاركًا إياهم حزنهم الذي قد يجهل أسبابه لتعدد الحزن ( ربما) وربما لتعاظم الحزن من ألم الفقد في الماضي والخوف من تكراره في الحاضر!

(نمشي وكأننا واحدٌ يغوص في ليلٍ سميكٍ، لزجٍ وقاسٍ)

ورغم الشعور الثقيل بالاغتراب
يحاول السارد جاهدًا بثَّ روحٍ من الود والحميمية بينه وبين الذين يصادفهم في طريقه وخلق حالةٍ من التآلف والتعايش علَّه يجد المفقود الذي يبحث عنه، أو يرى السعادة التي يحاول زرعها في العيون الحزينة محاولةً منه للتمرد على لون السواد الذي أسقطه على الليل وشبهه بنفسه في عنوان النص :

(هذا الليل يشبهني)

مجسداً ما يعتلج بها من حزنٍ وأسىً، فاتخذ الحداد شكلًا ولونًا رغبةً بالانعتاق من حزنه وتحرير الآخرين كذلك :

(روحي التي تتقافز الآن وتوزع من بهجتها الوليدة، المتزايدة، عبر عينَي، لكل من أقابل)

وهكذا نلاحظ أن أحداث هذا النص كلها حدثت في الطريق أبطالها أناس غريبو القرابة تجمعهم وحدة الحال حدّثنا السارد عنهم ببراعة من خلال لغته ورصد حالته بدوره من خلال عيونهم ورغم شدة التحايل على واقع الحال ونجاحه في ذلك
تبقى المرايا مشعورة والأرواح تائهة لا عن الطريق فقط بل عن ذاتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى