سعيد العليمى - الحذلقة فى الحلقات الثورية ف. ا. لينين

تتسم فترات الثورة المضادة من ضمن ماتتسم به من اشياء اخرى ، بانتشار الافكار المناهضة للثورة ، ليس فى شكلها المباشر والفظ فقط ، وانما فى اشكال اكثر حذقا ، اى ، نمو مشاعر التحذلق فى اوساط الاحزاب الثورية . يطبق الرفيق مارتوف فى كراسه الاخير الموسوم الاحزاب الثورية فى روسيا مصطلح الاحزاب الثورية على كل من الحزبين الاشتراكى الديموقراطى والاشتراكى الثورى . ونأمل ان نعود فى وقت آخر لكراس مارتوف المثير الذى ينتقد فيه الكاديت بصدق ودقة غير مألوفة فى الادب المنشفى ، ولكنه ، يقدم تصنيفا زائفا غير ماركسى كلية لأحزابنا السياسية ويكرر الاخطاء الجوهرية للمنشفية بتصنيف الاحزاب من النمط الاوكتوبرى مع احزاب " الوسط " .
نقول هذا عرضا . اننا مهتمون الآن فحسب ببعض الملامح الجديدة لمنشورات الاشتراكية الديموقراطية والاشتراكية الثورية وننوى ان نلاحظ اشد التعابير سطوعا ، وبالأحرى انعكاسات الأمزجة المناهضة للثورة فى هذه الحلقات . كان اشد التعابير وضوحا عن المشاعر المناهضة للثورة بعد هزيمة انتفاضة ديسمبر فى اوساط الديموقراطيين هو التغير المفاجئ للكاديت الذين طرحوا جانبا شعار الجمعية التأسيسية فى اعمدة جريدة بليارنايا زفزدا والمطبوعات المشابهة اساءوا وحطوا من قدر من شاركوا فى الانتفاضة المسلحة وايديولوجييها . بعد حل الدوما واخفاق الحركات الشعبية فى يوليو ، طرأ شئ جديد على المشاعر المناهضة للثورة فى اوساط الديموقراطين وهو الانفصال المحدد للجناح اليمينى للاشتراكيين الثوريين ، وتشكيل حزب " اشتراكى شعبى " مشابه للكاديت . بعد المد الاول الكبير فى اكتوبر – ديسمبر تساقط وابتعد الكاديت من مراتب الديموقراطيين المناضلين المقاتلين . وبعد المد الثانى الاصغر فى مايو – يونيو بدأ الاشتراكيون الشعبيون ينسحبون .
لقد لخصنا فى العدد الرابع من جريدة بروليتارى الملامح الاساسية الايديولوجية والسياسية لهؤلاء الاشتراكيون الشعبيون . ( 1 ) منذ ذلك الحين تمكنوا من ان يظهروا رسميا لحد بعيد ، وقد طبعوا يرنامج حزبهم "الترودوفيك ( الاشتراكى الشعبى ) – مغيرين البرنامج الاشتراكى الثورى من كونه برنامجا ثوريا بتحويله الى برنامج شرعى انتهازى بورجوازى صغير ، وقد نشروا اسماء اعضاء اللجنة المنظمة ( السادة . اننسكى ، يلباتيفسكى ، مياكوتين ، بيشيخونوف وآخرين ) وهناك عضو واحد سابق فى الدوما من " مجموعة الترودوفيك " ، السيد كريكوف وهو مدرس ثانوى وناشر . لايضم مؤسسي حزب الكادحين الجديد اسما واحدا كبيرا من " الترودوفيك " الحقيقيين ! وليس من المدهش ان بعض الناس يسمون الاشتراكيين الشعبيين الترودوفيكيين المدعين . وليس من المدهش ان تظهر فى الصحافة بالفعل انباء عن احزاب ترودوفيكية اخرى . افادت جريدة تافاريش ان السيد سيديلنيكوف ، وهو بالطبع ، " ترودوفيكى " اكثر شهرة لحد بعيد ومعروف اكثر لدى الجمهور بسبب انشطته فى الدوما من المجهول السيد كريكوف ، يشكل حزبا شعبيا ترودوفيكيا . وقد افادت جريدة تافاريش انه فى اجتماع كبير دافع السيد سيديلينكوف يوضوح وصراحة عن افكاره ، ولم يزعم انه اشتراكى ويرفع مستوى " الديموقراطية الملكية " . ووفقا لنفس التقرير فإن استقامة وصراحة هذا الترودوفيكى القادم من صفوف الشعب قد اثارت الحنق الشديد للصحفى الترودوفيكى ، السيد مياكوتين ، حيث عظم فى اجابته نظرات الاشتراكيين الشعبيين .
لاتعنينا تفاصيل هذا الشجار العائلى . الشئ الهام الذى يتعين علينا ان نلاحظه هو التعابير المتنوعة للاتجاهات الانتهازية فى صفوف الاشتراكيين الثوريين السابقين وبعض " الترودوفيك " . وفى هذا الصدد يحقق السيد بيشيخونوف " تقدما " اكثر من اى احد آخر ( وفى اوساط الاشتراكيين الثوريين هناك " مبدعون تقدميون " اكثر مما بيننا ) . وفى عدد سبتمبر من جريدة روسكايه بوجاتستفا يمضى ابعد فأبعد فى طريقه منتقلا من صفوف الثوريين الى الكاديت . وهو يحاول ان يمحو الفارق بين " الأخذ" الثورى و"تلقى " الكاديت . بعد "البرهنة" فى اغسطس انه من المستحيل اخذ الحرية الكاملة او كل الارض ، " يبرهن " الآن على انه من المستحيل " اخذ الحرية من اسفل " . ليست هذه سوى المرة الاولى التى تقترب ، اوكما نقول فى روسيا ، لابد من شرب الكأس الاولى غصبا ، اما الثانية فتبتلع ، اما البقية فتنسل كجدول مبهج . وعلى اعمدة دورية مطبوعة بشكل شرعى يحشد هذا الكاديتى الجديد ( الناشر ) ضد فكرة الانتفاضة المسلحة ، وفكرة الحكومة الثورية المؤقتة ، بدون تسمية الاشياء بأسماءها ، بالطبع ، ودون ان يقتبس بشكل كامل بيان الاحزاب الثورية الذى " يدحضه " . وهو يشوه ويبتذل فى الصحافة الحرة افكار هؤلاء الذين يتبنون فى الصحافة غير الشرعية فكرة الانتفاضة ، وفكرة حكومة ثورية مؤقته . وبالفعل لم يجعل الاشتراكيون الشعبيون حزبهم شرعيا من اجل لاشئ ! ويمكن ان نسلم بأنهم لم يجعلوا الحزب شرعيا للدفاع عن فكرة الانتفاضة وانما للهجوم عليها !
وهناك شئ مهم جديد فيما يتعلق بانعكاس الامزجة المناهضة للثورة فى الادب الاشتراكى الديموقراطى يتجلى فى نشر الاسبوعية الصادرة فى موسكو ناشه ديلو ( 4 ) لقد اصمت الصحافة الكاديتية بالفعل كل واحد بطبولها حول هذا " التقدم " الهام الجديد للمناشفة : فهم يتقدمون كما نعلم من مواقع الثوريين نحو الكاديت . لقد نشرت جريدة ريش مقالا ترحيبيا خاصا ، وكررت جريدة تافاريش بحبور الافكار الاساسية التى التى احتوتها مجلة ناشا ديلو ، وكررت ريش آراء جريدة تافاريش ، وعززت جريدة تافاريش آراءها الخاصة باقتباسها من جريدة ريش ، باختصار ، الصحبة المستنيرة من الخونة المتعلمين للثورة الروسية فى حالة استثنائية من الاستثارة المنتشية . بل ان جريدة ريش قد سمعت حتى من بعض المصادر ان ان ناشا ديلو يحررها مناشفة مرموقون ، السادة ماسلوف ، شيريفانين ، جرومان وانتينوف .
نحن لانعرف ماإذا كانت معلومات ريش صائبة ام لا ، رغم انها تطرح عادة مزاعم كبرى حول المامها الجيد بأحوال المناشفة كلها . ولكننا نعرف مقالة شيريفانين الافتتاحية فى جريدة ناشا ديلو ، رقم 1 . ومما يستحق العناء اقتباس المقطع الذى سر الكاديت لهذا الحد .
" سوف يكون من العبث والجنون ان تحاول البروليتاريا ، كما يقترح البعض ، القتال من خلال تحالف مع الفلاحين ضد الحكومة والبورجوازية من اجل جمعية تأسيسية قومية ذات سلطات كاملة " ( ص 4 ) " لابد ان نصر على انعقاد دوما جديد " ولابد ان تشكل الحكومة من اغلبية الدوما " وحيث ان الفلاحين غير منظمين تماما ، وجهلة بفظاعة كما هو حالهم فى الوقت الحاضر ، فمن الصعب ان نتوقع اكثر " ( ص 6 ) وكما ترون ، فإنها الصراحة ... الصراحة الملائكية . ومضى الرفيق شيريفانين وتوغل نحو اليمين كثيرا ، بينما بقى فى صفوف حزب ثورى ، اكثر من السيد بيشيخونوف الذى شكل " حزبا شرعيا "جديدا . لم يهجر السيد بيشيخونوف بعد شعار الجمعية التأسيسية ومايزال ينتقد مطلب وزارة دوما بوصفه غير ملائم .
ونظرا لأننا لانرغب فى اهانة ذكاء قراءنا ، فلن نحاول ان نثبت ، بالطبع ، زيف موقف شيريفانين فقد اصبح اسمه مثلا بين الاشتراكيين الديموقراطيين بغض النظر عن الانتماء الحزبى . ولكننا ندعو قراءنا للتأمل بأعمق جدية فى اسباب هذا التحول السهل غير المعقول لمنشفى مسؤول وبارز الى ليبرالى . ليس من الصعب ان ندين ونرفض "تطرفا " "مفرطا" من الانتهازية الساطعة بوضوح . ومن الاكثر اهمية ان نكشف ونعرى مصدر هذه الاخطاء التى تجعل الاشتراكيين الديموقراطيين يحمرون خجلا . نحن ندعو قراءنا الى ان يتأملوا حول مااذا كان هناك بالفعل اى اختلاف اعظم بين شيريفانين ولجنتنا المركزية اكثر مما هو بين سيدلنيكوف وبيشيخونوف .
ان الدوافع الكامنة وراء كل هذه " المعزوفة " هى نفسها . الاناس المتحذلقون من الطراز البورجوازى الصغير ضجرون من الثورة . وانه وان كانت الشرعية السلمية قذرة قليلا ، وذات طابع تسولى ، الا انهم يفضلونها على التغيرات العاصفة للانفجارات الثورية والسعار المناهض للثورة . يجرى التعبير داخل الاحزاب الثورية عن هذا الاتجاه من خلال رغبة فى اصلاح هذه الاحزاب . دعوا المتحذلق يصبح نواة الحزب : " لابد ان يصبح الحزب حزبا جماهيريا " . فليسقط العمل غير الشرعى ، فلتسقط السرية ، التى تعوق " التقدم " الدستورى ! لابد للاحزاب الثورية القديمة ان تقنن وضعها . ويستلزم هذا اصلاحا راديكاليا لبرامجها فى اتجاهين : سياسي واقتصادى . لابد ان نستبعد مطلب الجمهورية ومصادرة الارض ، ولابد ان ننبذ عرضنا المحدد الملموس والقاطع بلا مساومة للهدف الاشتراكى ونطرح الاشتراكية بوصفها " منظورا بعيدا " ، كما عبر عن ذلك السيد بشيخونوف بامتياز لايضاهى .
هذه هى التوجهات التى يعبر عنها ممثلوا "المعزوفة " المتباينون على اسس مختلفة واشكال مختلفة . ملكية سيديلنيكوف الديموقراطية ،" التقدم" من الترودوفيك الى الكاديت فى الحزب " الاشتراكى الشعبى " ، رفض شيريفانين النضال الثورى من اجل جمعية تأسيسية ، المؤتمر العمالى المطروح من اكسلرود وبليخانوف ، شعار لجنتنا المركزية " من اجل الدوما " البراهين فى رقم 1 من جريدة سوتسيال ديموقراط ، التى نشرتها نفس اللجنة المركزية ، حول النزعة المحافظة للتنظيم السرى والانشطة الخفية ، وتقدمية ان نتجه الى " الثورة البورجوازية على النطاق القومى " – كل هذه تجليات توجه جوهرى واحد ، كلها تتشكل من تيار واحد من الحذلقة االتى تتجلى وسط الاحزاب الثورية .
من وجهة نظر تقنين وضع الحزب ، " لجعله اقرب " الى الجماهير ، وللوصول الى اتفاق مع الكاديت ، وللارتباط بالثورة البورجوازية على النطاق القومى ، اعلن شيريفانين بشكل منطقى تماما ان النضال من اجل جمعية تأسيسية هو " عبث وجنون " . وقد اشرنا مسبقا فى جريدة بروليتارى عدد رقم 1 ( 2 ) ان لجنتنا المركزية تناقض نفسها بجلاء حين تروج فى "رسائل الى منظمات الحزب " الشهيرة ( العددان 4 ،5 ) تحالفا مع البورجوازية المتوسطة ، الضباط ، الخ ، وفى نفس الوقت تطرح شعار الجمعية التأسيسية ، وهو الشعار غير المقبول لديهم . ويجادل شيريفانين على نحو اكثر اتساقا واشد صوابا ، او اكثر امانة وصراحة من انصار بيشيخونوف او من لجنتنا المركزية . وتحاول جريدة الاخيرة سوتسيال ديموقراط اما ان تكون بارعة او انها تعرض افتقارا للفكر يلفت الانظار حين تنفجر بعنف من ناحية ضد " الطرق التى ابتعدت بالبروليتاريا عن الحركة على النطاق القومى " قاضية عليها بالعزلة السياسية " ، ومن ناحية اخرى تتبنى شعار الجمعية التأسيسية وتقول " من الضرورى الاعداد لانتفاضة " .
خذوا المؤتمر العمالى ، حديثا ( 6 اكتوبر ) سربت جريدة الكاديت تافاريش اخيرا سر هذا المؤتمر . ووفقا لتقرير هذه الجريدة ، فقد قيل مايلى من قبل " واحد من القادة الاشتراكيين الديموقراطيين القدامى ، الذى طرح مسألة مؤتمر عمالى " وفى محاضرة القاها منذ بضعة ايام : " يمكنهم ( اعضاء " المؤتمر العمالى " ) ان يتبنوا كامل البرنامج الاشتراكى الديموقراطى ، ربما ، ببضع تعديلات ، وسوف يخرج الحزب من اطار وجوده السرى " . الوضع غاية فى الوضوح . ان القادة القدامى خجولين ان يقولوا صراحة انهم يريدون تغيير برنامج الحزب حتى يمكنه ان يحظى بالوجود العلنى الشرعى . حسنا افترض اننا نقول : تخلصوا من شعار الجمهورية ، والجمعية التأسيسية وذكر ديكتاتورية البروليتاريا ، وان على الحزب ان يخوض نضالاته بوسائل شرعية فقط ( كما قيل فى برنامج الاشتراكيين الديموقراطيين الالمان قبل صدور القانون المناهض للاشتراكيين " 5 " ) الخ " سوف يخرج الحزب من وجوده السرى – هكذا يتخيل " القادة القدامى " – وسوف يتم انجاز المرور من " اللاشرعية المحافظة " ، النزعة الثورية ، والوجود السرى الى الشرعية الدستورية " التقدمية " . هذا هو الجوهر المخفى بحياء للمؤتمر العمالى . ان المؤتمر العمالى هو كلوروفورم ( مخدر) يصفه القادة القدامى للاشتراكيين الديموقراطيين " المحافظين " من اجل ان يجروا لهم العملية على نحو اقل ايلاما تماثل التى يقوم بها انصار بيشيخونوف للحزب الاشتراكى الثورى . الاختلاف الوحيد هو ان انصار بيشيخونوف هم رجال اعمال عمليون ، ويعرفون اين سيذهبون ، بينما من غير الانصاف ان نقول نفس الشئ عن قادتنا القدامى . انهم لايفهمون انه فى الوضع السياسي الراهن فإن المؤتمر العمالى هو بمثابة حديث تافه حين يتغير هذا الوضع السياسي باتجاه نشوء حركة ثورية صاعدة ، وليس من الحتمى ان يأتى المؤتمر العمالى معه بانتصار الشرعية الهادئة المتحذلقة ، اذا لم يكن توسع الحزب الاشتراكى الديموقراطى الثورى فى هذا الوقت لم يجعل هذا المؤتمر العمالى نافلا ، واذا ماتغير الوضع الحالى فى اتجاه نصر كامل ومستمر ، فإن المؤتمر العمالى سوف يكون قادرا حينئذ على ان يختزل البرنامج الاشتراكى الديموقراطى الى حد سوف يفزع حتى اكسلرود .
يمكننا ان نتفهم تماما ان تعطى صحافة الكاديت اقصى الدعم لفكرة مؤتمر عمالى لأن لها ميلا للتعلق بالاتجاهات المتحذلقة والانتهازية فى هذا المخطط . وليس بدون سبب ان يغتبط السيد بولجاكوف – وهو كاديتى يعتبر نفسه اشتراكيا غير حزبى – ب " الموقف الحكيم " لاكسلرود ، متمسكا بكلمته المزدرية عن الحزب بوصفه " حلقة تنظيمية " ( حلقة لديها 100000 – 150000 عضو ، اى ، بالمعايير الاوروبية يمكن ان يكون له من واحد الى واحد ونصف مليون صوت فى الانتخابات ! ) ويسال مصطنعا الاهمية " هل الطبقة من اجل الحزب ام الحزب من اجل الطبقة ؟ " دعونا نجيب على هذا السؤال الحكيم بسؤال آخر موجه للكتاب البورجوازيين : هل الرأس من اجل المعدة ام المعدة من اجل الرأس ؟
اخيرا دعونا نتناول حجج سوتسيال ديموقراط المعبرة عن اللجنة المركزية . تمسك السيد بورتوجالوف نفسه بدقة بجوهرها حينما اقتبس مقطعا لايقل جدارة بالشهرة عن تصريحات شيريفانين . " لقد حاول ( الاتجاه المنشفى ) ان يلتقى فى منتصف الطريق بالتحول الحتمى لنضال الانتلجنسيا الثورى السرى ، الذين يرتكزون على الاقسام المتقدمة من البروليتاريا ، باتجاه ثورة قومية بورجوازية " . ويعلق السيد بورتوجالوف " لم يمض زمن طويل حين كانت هذه التهديدات ( ؟ خطأ طباعى ؟ افكار كهذه ؟ ) تعلن على الدوام بوصفها هرطقة ذات اصل بورجوازى ديموقراطى . لم يعد لدى " الديموقراطيون البورجوازيون " مايضيفونه لهذه الملاحظات " .
السيد بورتوجالوف على صواب . لم يحدث فقط فى الماضى القريب ان اعلنت حجة الكاتب القائد فى جريدة سوتسيال ديموقراط بوصفها ثمرة للافكار الديموقراطية البورجوازية وانما اعلنت بوصفها كذلك الآن ، وسوف تعلن هكذا ايضا فى المستقبل . فقط تأملوا ، بالفعل ، فى هذه الحجة . من الممكن لصراع سرى ان يتحول الى أمر علنى ، ولصراع للانتليجنسيا ان يتحول الى صراع شعبى او جماهيرى . وان يتحول صراع الاقسام القائدة من الطبقة الى صراع الطبقة كلها ، لكن تحول النضال الثورى السرى الى ثورة بورجوازية قومية هو هذيان محض . ان مغزى هذه الحجة الحقيقى هو احلال وجهة نظر الديموقراطية البورجوازية محل وجهة نظر البروليتاريا .
" اثمر عامان من الحرب الاهلية ثورة قومية فى البلاد . هذه حقيقة ، ... " هذا مايقوله الكاتب القائد فى جريدة سوتسيال ديموقراط . هذه ليست حقيقة وانما جملة . ان الحرب الاهلية فى روسيا ، اذا ماتناولنا هذا الامر بجدية ، ليست دائرة لمدة عامين . فى سبتمبر 1904 لم تكن هناك حرب اهلية . ان مط مفهوم الحرب الاهلية فى عدم تناسب سوف يكون ميزة فقط لهؤلاء الذين يتجاهلون المهام الخاصة لحزب العمال فى فترة الحرب الاهلية الفعلية . ان الثورة الروسية كانت اكثر قومية قبل 17 اكتوبر ، 1905 ، منها اليوم . ويكفى ان نشير الى فرار ملاك الارض الى المعسكر الرجعى . ويكفى ان نتذكر تكوين الاحزاب المضادة للثورة من النمط " الاوكتوبرى" ، وللابراز الذى لاجدال فيه للسمات المناهضة للثورة فى اوساط الكاديت فى صيف 1905 . منذ عام مضى لم يتكلم ولم يستطع ان يتكلم انصار جريدة اسفوبوجدينيه عن وقف الثورة ، فقد اتخذ ستروفه جانب الثورة . اما الآن فيقول الكاديت على المكشوف ان هدفهم هو ايقاف الثورة .
الى اى شئ يرقى هذا التحول من النضال الثورى السرى الى الثورة البورجوازية القومية فى الممارسة العملية ؟ الى تجاهل ، او التعتيم على التناقضات الطبقية التى كشفها بالفعل مسار الثورة الروسية . الى تحويل البروليتاريا من طليعة مقاتلة ، تتابع سياسة ثورية مستقلة ، الى ذيل لذلك القسم من الديموقراطيين البورجوازيين الذى يبدو اكثر فى ضوء المسرح ، والذى يطرح اشد الادعاءات حول تمثيله " المطامح " القومية . لذا من الواضح لم كان على البورجوازية الليبرالية ان تقول : ليس لدينا مانضيفه الى هذا ، فنحن نوافق عليه تماما ، فنحن نتطلع الى تحويل النضال البروليتارى الى نضال قومى . ولتحويله الى نضال على النطاق القومى ( او ، وهو نفس الشئ ، ثورة قومية ) يعنى ان تأخذ ماهو مشترك بالنسبة للكاديت والاحزاب الاخرى واقرب لليسار ونعلن انه ملزم ، مستبعدين اية اشياء اخرى بوصفها " تؤدى بالبروليتاريا الى العزلة السياسية " . بمعنى آخر هذا يعنى ، الاشتراك فى مطالب الكاديت ، لأن اية مطالب اخرى لن تكون " قومية " . وعلى ذلك فمن الطبيعى ان تكون هناك شعارات الانتهازية الاشتراكية الديموقراطية الفاترة : " من اجل دوما كأداة للسلطة التى سوف تعقد الجمعية التأسيسية " او من اجل الدوما بوصفها " رافعة لنيل الجمعية التأسيسية " ( جريدة سوتسيال ديموقراط ، العدد رقم 1 ) وعلى ذلك فإن شعار الانتهازية الاشتراكية الديموقراطية المتسقة : انه من العبث والجنون ان تقاتل من اجل جمعية تأسيسية ، من اجل مطلب جمعية تأسيسية الذى " يؤدى بالبروليتاريا الى العزلة السياسية "، ويتجاوز حدود " ثورة بورجوازية قومية " الخ .
لابد للاشتراكيين الديموقراطيين الثوريين ان يجادلوا بشكل مختلف . بدلا من التمتمة بجمل عن " ثورة بورجوازية قومية " وهى جمل غاية فى العمومية ومااسهل ان تسلم نفسها للتشوه البورجوازى ، لابد ان نحلل الوضع العينى لطبقات ولأحزاب معينة فى لحظات متباينة من الثورة . فى 1900 و1901 تحدثت الايسكرا القديمة وزاريا ( 6 ) عن صواب تام عن الاشتراكية الديموقراطية بوصفها حاملا لأفكار الانعتاق القومى ، بوصفها الطليعة المقاتلة التى سعت الى ان تكسب الى جانبها كل العناصر بمن فيهم حتى الماريشالات الليبراليون من صفوف النبلاء . كان هذا صائبا فى ذلك الوقت ، لأنه ، وحتى الان ، لم يكن هناك شئ فى سياسة الحكومة يمكن ان يرضى حتى الليبرالية البورجوازية الاشد اعتدالا . وقد اثبت الاضراب الروسى العام فى اكتوبر ان هذا كان صائبا ، لأن النضال البروليتارى اصبح آنذاك مركز جذب لكل انواع البورجوازيين الليبراليين ، حتى الاكثر اعتدالا .
تغيرت الاشياء بعد 17 اكتوبر ، وكان عليها ان تتغير . كان على البورجوازية الليبرالية الملكية ( يخطئ الرفيق مارتوف اذ يسميها " بورجوازية ليبرالية ديموقراطية " ) ان تنهض دفاعا عن الملكية وملكية ملاك الارض ، وسيان ان يفعلوا هذا مباشرة ( الاكتوبريين ) او بشكل غير مباشر (الكاديت ) لأن الانتصارات التالية للثورة كانت ستصبح تهديدا جادا مباشرا لهاتين المؤسستين الجذابتين . ان هؤلاء الذين ينسون أنه مع تقدم الثورة ونمو مهامها يحدث تغير فى تركيب الطبقات وعناصر الشعب الجديرة بالاسهام فى الصراع من اجل تحقيق هذه الاهداف يرتكبون خطأ فادحا . تتجه البروليتاريا من خلال الثورة البورجوازية نحو الاشتراكية . وعلى ذلك ففى مجرى الثورة البورجوازية يتعين عليها ان ترفع وتجند للنضال الثورى فئات ثورية اكثر فأكثر من الشعب . انهضت البروليتاريا فى عام 1901 ليبراليى الزيمستفو . الان ، وبسبب الظروف الموضوعية ، فإن مهمتها الرئيسية ان تنهض ، وتعلم وتحرك من اجل النضال الفلاحين الثوريين ، وان تحررهم ليس من الوصاية الايديولوجية والسياسية البسيطة المحضة التى يمارسها الكاديت فقط وانما ايضا ممارسة الترودوفيك من نمط بيشيخونوف . اذا قدر للثورة ان تنتصر فسوف تنجز ذلك فقط كنتاج للتحالف بين البروليتاريا والفلاحين الثوريين فعلا لا الانتهازيين . ومن ثم ، اذا قلنا بجدية اننا نقف مع الثورة ( وليس فقط مع دستور ) اذا ماكنا نتحدث بجدية عن " مد ثورى جديد " فيجب ان نكافح بحماس كل محاولات نبذ شعار الجمعية التأسيسية او اضعافه من خلال ربطه بالدوما ( الدوما كجهاز سلطة مخول بأن يعقد الجمعية التأسيسية ) ، او الدوما كرافعة من اجل كسب جمعية تأسيسية ، الخ ) او بتشذيب مهام البروليتاريا وقسرها على الانضواء فى حدود الكاديت او الثورة البورجوازية القومية المزعومة . من جمهور الفلاحين عامة ، الاثرياء والفلاحين المتوسطين سوف يصبحون بشكل حتمى انتهازيين ، وبعد ذلك حتى رجعيين . ولكن هؤلاء يؤلفون اقلية الفلاحين . ان الفلاحين الفقراء والبروليتاريا معا يشكلون الاغلبية الساحقة من الشعب ، الأمة . يمكن لهذه الاغلبية ان تنتصر ، وسوف تنتصر تماما ، فى الثورة البورجوازية ، اى ، يمكن الظفر بالحرية الكاملة وكل الارض واحراز اكبر قدر ممكن من الازدهار للعمال والفلاحين فى مجتمع رأسمالى . يمكنك ، اذا مااردت ، ان تسمى ثورة اغلبية الامة كهذه ثورة بورجوازية قومية ، ولكن يمكن لأى واحد ان يرى ان المعنى العادى لهذه الكلمات مختلف تماما . وان معناها الفعلى فى الوقت الراهن هو معنى كاديتى .
نحن اشتراكيون ديموقراطيون " محافظون " بمعنى اننا نتبنى التاكتيكات الثورية القديمة . " لابد ان تستكمل البروليتاريا الثورة الديموقراطية حتى النهاية ، متحالفة مع جمهور الفلاحين حتى تسحق مقاومة الاوتوقراطية بالقوة وتشل تردد البورجوازية " ( كراس خطتا ) ( 3 ) . كتب هذا فى صيف 1905 . اما الآن فالرهانات اعلى ، والمهمة اصعب ، والمعركة وشيكة الحدوث ستكون اكثر حدة . ولابد ان نشل تردد كل البورجوازية بمن فيهم بورجوازية المثقفين والفلاحين . ولابد من حشد فقراء الفلاحين حول البروليتاريا ، وهى جديرة بشن نضال ثورى حازم . سوف تضع الشروط الموضوعية لا رغباتنا امام " المد الثورى الجديد " تحديدا هذه المهام النبيلة . وعلى البروليتاريا الواعية ان تقوم بواجبها حتى النهاية تماما .

ملاحظة – كانت هذه المقالة قد ارسلت بالفعل للطباعة حين قرأنا رسالة الرفيق مارتوف الى جريدة تافاريش . ل . مارتوف يميز نفسه عن شيريفانين بشأن مسألة تشكيل كتلة مع الكاديت . جيد جدا . ومن المدهش ومما يبعث على الاسي لاقصى حد ان ل . مارتوف لايميز نفسه عن اكتشاف شيريفانين : " عبث وجنون القتال من اجل جمعية تأسيسية " رغم انه لابد وعلم عن الاكتشاف من جريدة تافاريش رقم 73 الذى يقتبس منه . هل " تقدم " مارتوف ايضا بالفعل بعيدا مثل شيريفانين ؟

1 – انظر ص ص 197 – 206 من هذا المجلد – المحرر .
3 – انظر الطبعة الحالية ، المجلد 9 ، ص 100 – المحرر
4 – ناشا ديلو ( قضيتنا ) – مجلة اسبوعية اصدرها المناشفة – نشرت فى موسكو من سبتمبر الى نوفمبر 1906 وقد ظهرت منها اجمالا عشرة اعداد . ن . فالنتينوف ( ن . ف فولسكى ) ، ب . ب . ماسلوف ، ن . شيريفانين ( ف . ا . ليبكين ) ومناشفة آخرون كانوا يسهمون مرارا فى المجلة . وقد حبذت الاتفاق مع الكاديت فى الانتخابات للدوما الثانية ، وروجت قكرة "مؤتمر عمالى " .
فى يناير – فبراير 1907 ، ظهرت مجلة ديلو جيزنى محل ناشا ديلو .
5 – سنت حكومة بسمارك فى 1878 فى المانيا القانون المناهض للاشتراكيين . وفى ظل هذا القانون تم حظر كل منظمات الطبقة العاملة الجماهيرية ، وصحف الطبقة العاملة الصادرة آنذاك . والتف افضل قسم فى الطبقة العاملة حول ا . بيبل ورفيقه و . ليبكنخت ، وقاموا بعمل فذ فى ظل الأوضاع غير الشرعية ، ولم ينقص تأثير الحزب فى اوساط الطبقة العاملة وانما تزايد بالفعل . وفى انتخابات الرايشستاج حصل الاشتراكيون الديموقراطيون على مليون ونصف مليون صوت . وفى نفس العام اضطرت الحكومة لسحب القانون المناهض للاشتراكيين .
6 – زاريا ( الفجر ) مجلة ماركسية نظرية وسياسية طبعت علنا فى شتوتجارت فى 1901 -02 من قبل هيئة تحرير الايسكرا . ظهر اربع اعداد ( ثلاث كتب ) من زاريا الاول فى ابريل 1901 ( لقد ظهر حقيقة فى 10 مارس (23 ) العددان الثانى والثالث فى ديسمبر 1901 والعدد الرابع فى اغسطس 1902 .



************
المصدر : لينين ، المجلد 11 ، ص ص 246 – 256 الاعمال الكاملة ، دار التقدم ، موسكو، 1965 . ( الطبعة الانجليزية )






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى