محمد السلاموني - التاريخ والحكاية.. "سرد التذكر/ سرد النسيان"

[فخته وشيلنج وهيجل، وماركس، رأوا التاريخ بما هو خطة "الله" فى العالم...]
النظر إلى التاريخ باعتباره "حكاية العالم"، ليس حديثا تماما، فالمنظور الدينى هو الذى أتى إلى البشر بفكرة الزمن الخطى، المنقسم إلى "ماضى وحاضر ومستقبل"، عوضا عن التصورات القديمة المتمحورة غالبا حول "دائرية الزمن".
دائرية الزمن أو "عود على بدء"، ترتبط بالظواهر الطبيعية المتكررة؛ "الزمن الفلكى المتمفصل إلى فصول، وليل ونهار متعاقبين... إلخ"... ومع ظهور الأديان أمكن للبشر امتلاك رؤية أخرى للزمن، تتراوح بين الإنحدار من الجنة إلى الأرض ، والصعود منها إلى الفردوس الأرضى "بما هو صورة بشرية من الجنة السماوية"، أو العكس؛ فهناك من يرى أن الزمن يمضى بنا من انحدار لآخر...
جميع الرؤى المتعلقة بسيرورة وصيرورة الزمن، تتخذ من المنظور الدينى مرتكزا لها، بما فى ذلك تلك التى أعلنت القطيعة معه. ليس فقط لإتخاذها من "خطية الزمن" مرجعية لها، بل لأنها لم تفهم أن خطية الزمن "صعودا أو هبوطا"، بقدر ما تصنع من الزمن "حكاية- هى سلسلة من الأحداث المتتابعة"، فإنما تُخضِع الزمن لنسق بنائى ميتافيزيقى تهيمن به الحكاية عليه.
ـــــ النسق البنائى الحكائى يرتكز على منظومة محددة من آليات التفكير "أى على نوع من المنطق" ينبنى على [الثنائيات المتعارضة والترابط والإستمرارية والعِلِّية والوحدة المفهومية "أى المعنى"؛ بما هو الغاية النهائية...].
وهو ما يعنى أن هناك "غاية" ما قبلية هى التى حتَّمَت التفكير على هذا النحو.
فعلى سبيل المثال، فى المنطق الدياليكتيكى "الهيجلى"، صراع الأضداد "النقيضين"، الذى ينتهى بانتصار أحدهما، وسرعان ما ينبثق من الطرف المنتصر نقيضه الجديد ليصطرع معه أيضا، ليتجدد الصراع مرة أخرى، وهكذا، إلى أن يكتمل التاريخ، هذا المنطق لا يزيد عن سلسلة من الإستعارت المتوالية، المتوالدة من بعضها البعض/ و"الإستعارة أسطورة مصغَّرة"، كما يقول "باشلار"؛ والأسطورة حكاية.
السرد الحكائى- من المنظور الزمنى- يرتبط بـ "التَذَكُّر"، أى بالإستعادة اللغوية لما وقع فى الماضى من أحداث .
حين أتأمل هذه الخاصِّية الزمنية الملازمة للسرد الحكائى- على مرجعية ما ذكرت آنفا- أجدنى
ماثلا أمام "محاكاة" للنموذج البنائى الحكائى لقصة الخلق، كما أوردتها الأديان السماوية، "التى هى بدورها محاكاة للنموذج البنائى الأسطورى الأقدم عهدا- الذى يتمحور فى جانب منه حول قصة الخلق أيضا" .
السرود الدينية والأسطورية والتاريخية والأدبية والفنية "مسرح، سينما، دراما تليفزيونية"، كلها تمتثل لذلك النموذج البنائى الحكائى، هو نفسه- فيما عدا بعض السرود الأدبية المعاصرة، هذا على الرغم من أن أغلبها الأعم ظل محتفظا باللغة التمثيلية "التى تمثل الأشياء والبشر، محاوِلة صناعة صورة مطابقة لهما فى المخَيِّلة"- وكما نلاحظ ، فهذا النهج اللغوى السائد ، يسعى بدأب كبير لاستعادة الأشياء والبشر من "الذاكرة"/ وهو ما يعنى أن "سرد التذكر" يتضَمَّن بنية مترابطة ومتكاملة فى جميع عناصرها.
من هنا تتأتى الأهمية القصوى لـ "سرد النسيان" .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى