Si la pièce jointe contient des images, elles ne s'afficheront pas. Télécharger la pièce jointe d'origine
كيف نظر تيري ايغلتون ل: نظرية الأدب؟
المقدمة:
إن الجذور الأولى لنظرية الأدب تعود إلى فلسفة اليونان القديمة خاصة في كتاب "فن الشعر" لأرسطو طاليس، دون أن نغفل بعض المحاولات النقدية والبلاغية العربية للتراث القديم الذي كان يعنى بوضع تعريف للشعر وتأصيل قواعده وتبيان وظيفته وأسباب نظمه... ولم يتحول التنظير الأدبي إلى دراسة أكاديمية مستقلة لها مناهجها إلا في منتصف القرن العشرين.
لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن نظرية الأدب ليست هي الدراسة الأدبية وليست هي مناهج النقد الأدبي ولا هي استقراء لتاريخ الأدب...إنما هي تشكيل للخلفية النظرية لتلك المناهج: المنهج التاريخي – المنهج الاجتماعي – المنهج النفسي... لتكون بالتالي "نظرية الأدب هي مجموعة من الآراء والأفكار المتسقة والعميقة والمترابطة والمستندة إلى نظرية في المعرفة أو فلسفة محددة والتي تهتم بالبحث في نشأة الأدب وطبيعته ووظيفته، وهي تدرس الظاهرة الأدبية انطلاقا من هذه الزوايا في سبيل استنباط وتأصيل مفاهيم عامة تبين حقيقة الأدب وآثاره".1
من المعلوم أن نظرية الأدب تثير مجموعة من الأسئلة المهمة مثل: ما هو الأدب؟ هل هو تقليد لنصوص أخرى أم تقليد للطبيعة في نظرية المحاكاة؟ (La théorie de la simulation) ، ما أبعاد الأدب؟ وما خصوصياته؟ ولماذا الأدب؟ ما نوع رسالته؟ نفسية – فنية – تربوية – تاريخية – لغوية...؟ وما الأثر الذي يحدثه الأدب؟ هل الأدب سبر لأغوار النفس الإنسانية كما تقول بذلك نظرية التحليل النفسي؟ من أين تستمد مادة الأدب؟ من اللغة؟ كما تقول بذلك النظرية البنيوية (La structuralisme) أم أن الأدب صورة للواقع الاجتماعي والاقتصادي؟ كما تقول بذلك النظرية الاجتماعية/ الماركسية للأدب...كيف يكون الأدب صورة للمجتمع؟ كيف يفسر الأدب ويؤول؟ ما هي قواعد تأويله؟ تجيب عن ذلك الهيرمينوطيقيا (نظرية التأويل) ...
كل هذه الأسئلة والأفكار وغيرها - التي يتم استحضارها حين يكون الحديث عن نظرية الأدب - سنحاول الوقوف على إجابات لها من خلال وجهة نظر "تيري إيغلتون" ضمن كتابه هذا "نظرية الأدب".
لأننا عندما نقرأ كتاب تيري إيغلتون «نظرية الادب» ينتابنا سؤال ملح يقول: هل ترك إيغلتون شيئاً يتعلق بمصطلح الأدب ومفهومه، أو حتى «نظريته» لم يناقشها أو يحللها؟، ليس هذا وحسب، بل إنه يدفعك إلى التفكير في أبعاد التصورات الفكرية والإيديولوجية عند هذا الناقد الأكاديمي، ويدفعك مرة ثانية للسؤال حول مميزات وخصوصيات تصوره للأدب وكيف نظر له؟
من المعلوم أن تيري إيغلتون من «أشهر النقاد الأكاديميين في بريطانيا والعالم الناطق بالإنجليزية»، لكن وعلى الرغم من أن كثيراً من كتبه لم يترجم إلى لغتنا، إلا أن اسمه صار معروفا بقدر معقول في الأوساط الثقافية العربية، لأن كثير من دراساته النقدية تعمل على تفسير العلاقة الكامنة بين الأدب والإيديولوجية، لأنه يرى في الإيديولوجية وسيلة تفسر الطرائق التي يحيا بها البشر في مجتمعاتهم.
يتكئ إيغلتون في كتابه هذا، على مراجع وهوامش يطبعها مبدأ التنوع، وهو بذلك يؤكد أن للأدب أكثر من مقاربة وتأويل، يفسره تنوع الانتاجات الأدبية عبر التاريخ الأدبي الابداعي من حيث الرؤى والأساليب، والتي كان لها تأثير في تطوير المناهج والتصورات التي تناولته بالدراسة والتحليل، ومنها تصوره ذو البعد الثقافي، كيف ذلك؟
إيغلتون هو من أنصار حزب العمال الاشتراكي، كما يميل إلى تبنّي الفكر الماركسي2، لذلك يرى أن الدراسات التي تمزج بين الأدب والثقافة والمجتمع تفتح مجالا واسعا للبحث في مواضيع جدلية كثيرة منها: قضية المطلق والحتمي، فالمطلق بالنسبة لإيغلتون لا وجود له، والمطلق الحتمي بالنسبة إليه هو الموت الذي لا بد للبشرية أن توجه اهتمامها به. هذه الفكرة الإيديولوجية جعلته يطبع معظم انتاجاته الفكرية والتنظيرية بتصوره الثقافي هذا، حتى في إطار استقرائه لنظرية الأدب منذ ق.19 م، نجده قد عالج ذلك من خلال استعراض مجموعة من الاتجاهات والمناهج والمقاربات التي تنم عن توسع مدارك الرجل وانفتاحه على معظم النظريات والاتجاهات، محاولا بذلك تفسيرها بمنظور شمولي من جهة، وأيضا تبيان تحكم المنظور السياسي في توجيه الأدب رغم هذا التنوع من جهة ثانية...
والسؤال الآن هو كيف نبرر ما قلناه سلفا من خلال متن هذا النص؟
توصيف الكتاب:
1 – نبذة عن الكتاب:
كتاب نظرية الأدب للكاتب تيري إيغلتون ، صدر سنة 1983 م، وترجم للمرة الأولى في شتنبر من عام 1991م، عن سلسلة كتابات نقدية التي تصدرها الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة بتوقيع أحمد حسان، ثم النسخة التي بين أيدينا بترجمة ثائر ديب في دمشق عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية الطبعة الأولى سنة 1995 ب 360 صفحة ، والتي تدخل في مجال الدراسات النقدية العالمية ، عبرها يقدِّم الكاتب البريطاني والباحث في نظريات الأدب "تيري إيغلتون" عرضًا يشملُ النظرية الحديثة للأدب، ويستهدف فئة من الناس لديهم معلومات بسيطة عن موضوع نظرية الأدب أو ليس لديهم أية معلومات حولها، بشكل مبسط يمكن للجميع أن يدركه، ولكن دون أن يصل فيه إلى مرحلة الابتذال .
للكتاب طبعة جديدة، صدرت عن دار المدى بيروت، بتاريخ 1/1/2016 م، وبعدد صفحات 343 صفحة. وقد جاء في تصدير الكتاب عن ثائر ديب قوله: «... وعلى الرغم من أن مثل هذا المشروع لابد أن ينطوي على ضروب من الإغفال والإفراط في التنشيط، فقد حاولت أن أجعل الموضوع في متناول مدارك العامة، دون أن أبتذله.
ولما كنت أعتقد أن ليس ثمة طريقة لعرضه "حيادية"، وخلوا من أحكام القيمة، فقد أدليت بدلوي في كل حالة محددة، الأمر الذي آمل أن يضاف إلى الكتاب.»3
يعتبر هذا الكتاب أحد المراجع المهمة في دراسة الأدب والنظريات النقدية الحديثة، خصوصًا مع ما اتسم به من شمولية وإحاطة ومراعاة البعد التعليمي في عرض النظريات النقدية الحديثة وربطها بالتيارات الفكرية والفلسفية الأساسية التي تمخضت عنها.
2 – فهرسة مضمون الكتاب:
يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة هي على التوالي:
مدخل: يطرح فيه السؤال الإشكالي: ما هو الأدب؟
الفصل الأول وفيه يتحدث عن نشأة الأدب الإنجليزي، أي تطور الدراسات الإنجليزية والنقد الأدبي بها.
يخصص الفصل الثاني لنظريات القراءة والتأويل والتلقي المنبثقة عن فلسفة الظاهراتية والهريمينوطيقا.
يعالج في الفصل الثالث البنيوية اللغوية والسيميائيات.
يختص الفصل الرابع لما بعد البنيوية اللغوية.
ويأتي الفصل الخامس عن التحليل النفسي للأدب.
ثم خاتمة عنوانها النقد السياسي.
قراءة في كتاب تيري إيغلتون "نظرية الأدب"
حسب التصدير الذي كتبه ذ. ثائر ديب، فإن إيغلتون في كتابه استعمل لغة بسيطة على خلاف مؤلفاته السابقة، معتبرا أن هذا الكتاب هو ذو طبيعة سجالية تخضع كل روافد نظرية الأدب المطروحة في الفصول السابقة للمساءلة، مع تقديم حجج مضادة تكشف الثغرات والعيوب من زاوية نظره.
موضحا أنه وضع لكل رافد أرضية فلسفية وفكرية يتقاطع عندها الاجتماعي والتاريخي والمعرفي، كنوع من التبسيط والشرح، لأنه كتاب موجه لنوعين من القراء:
أولهما يجهل نظرية الأدب ويحاول فهمها.
والثاني يعرفها معرفة مشوشة وناقصة.
بعبارة أخرى، حاول ذ. ثائر ديب أن يوهم بأن هذا الكتاب ليس موجها للمختصين، لكن الأمر خلاف ما توحي إليه المقدمة تصدير الكتاب، لأن التواضع الذي تمسك به إيغلتون في صياغة نظرية الأدب، لا يتسم به إلا من بلغ في العلم مبلغا... خاصة وأنه عمل على تتبع تاريخ دراسة النصوص من ق.19 من المرحلة الرومانسية حتى مرحلة ما بعد الحداثة في أواخر ق.20 وهو ما سيأتي توضيحه كالآتي:
ما هو الأدب؟
يقول ايغلتون أنه إذا كان ثمة نظرية للأدب، فلابد أن يكون هناك أدب في نظريته، لذلك يجب أن نبدأ بطرح السؤال: ما هو الأدب؟ موضحا أن محاولات كثيرة كانت تريد تعريف الأدب، لكنها أجمعت على أنه "كتابة تخييلية Imaginative"، أي كتابة ليست حقيقية بالمعنى الحر للكلمة، لكن هذا التعريف يعد غير كاف إذا ما ألقينا نظرة ولو سريعة على كل ما يدرجه الناس عموما تحت عنوان الأدب:
إن التمييز بين الواقعية والتخييل من غير المحتمل أنه يمضي بنا بعيدا، ويضعنا أمام إشكالية ناقشها ايغلتون وفسرها بكون هذا التمييز ذاته هو موضع شك في الغالب، مثلا المقابلة بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية لا تنطبق أبدا على الساغات4، وكلمة رواية قد استخدمت في إنجلترا نهاية ق.16 وبداية ق.17، وهي تضم أحداثا حقيقية وتخييلية، وقد ظن نيومان5 أن تأملاته اللاهوتية حقيقية، ولكنها اليوم أدب بالنسبة لكثير من القراء، في حين أن مؤلفي سفر التكوين6 حسبوا أنهم يكتبون الحقيقة التاريخية، لكنهم يقرأون اليوم بمثابة واقعة من طرف البعض وتخييل من قبل البعض الآخر.
هنا نصل إلى حقيقة مفادها أن الأدب حين يضم الكثير من الكتابة الواقعية، فهو يقصي قدرا وافرا من التخييل، مع العلم أن بعض المجلات مثل سوبرمان هي تخييلية لكنها لا تعتبر أدبا...
وحتى إذا اعتبرنا أن الأدب كتابة إبداعية تخييلية، فهل يقتضي ذلك أن التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية ليست إبداعية وتخييلية؟
إذا نحن في حاجة إلى نوع مختلف من المقاربة، وذلك عبر تعريف الأدب ليس لأنه تخييلي أو تخيل وإنما لأنه يستخدم اللغة بطريقة غير مألوفة، وفي ذلك إحالة الى النظرية الشكلانية، حيث يقول رائدها الناقد الروسي رومان جاكبسون7: "الأدب في هذه النظرية هو نوع من الكتابة التي تمثل عنفا منظما يرتكب بحق الكلام الاعتيادي"8، وبذلك يكون الأدب عبارة عن تنظيم محدد للغة له قوانينه وبناؤه وصنعاته النوعية الخاصة، مؤلف من كلمات وليس من موضوعات أو مشاعر، ومن الخطأ رؤيته كتعبير عن رأي المؤلف.
وقد انطلق الشكلانيون9 من رؤية العمل الأدبي كحشد من الصنعات10، ولم يتوصلوا إلى استنتاج أن هذه العناصر بمثابة عناصر أو وظائف مترابطة ضمن نظام نصي كلي تضم: الصوت – المخيلة – الإيقاع – النحو – العروض – القافية والتقنيات السردية... إلا لاحقا، لكن ما يحسب لهم هو أنهم رأوا في اللغة الأدبية نسق من الانحرافات عن معيار اللغة الاعتيادية، وبذلك تكون الأدبية عندهم هي وظيفة للعلاقات التخالفية بين نوع من الخطاب وآخر.
تلخيص مضمون الكتاب:
قارب تيري إيغلتون "نظرية الأدب" بطريقة شمولية، عمد فيها إلى المنهج الوصفي للظاهرة، والذي يمزج الرؤيتين التاريخية والتحليلية، من أجل الإلمام بكل تفاصيلها التي تساعد الدارس في مجال الأدب ونظرياته، اغتنام الكثير من قضاياه، بدءا من مدخل طرح فيه السؤال: ما هو الأدب؟ هل هو كتابة تخييلية أم واقعية؟ مع رفضه إقصاء التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية من تصنيفات الأدب، والتي يجب أن تختص باللغة غير المألوفة كما هو الحال عند جاكبسون في نظريته الشكلانية.
بعد ذلك تطرق في فصله الأول إلى تأريخ نشأة الدراسات النقدية الإنجليزية منذ القرن 18، والذي كان يعتبر الأدب هو كل كتابة ذات قيمة، أطلق عليها اسم الأدب المهذب (فلسفة – تاريخ – قصائد...)، غير أنه في القرن 19، ضاق مجال الأدب، ليقتصر فقط على ما هو إبداعي، ليصير الشعري تخييليا، والنثري واقعيا، يهرب منه الذوق لأنه يذكر بالموت الأسود، فكرة تبناها التيار الرومانسي لتمرير نظرته الإيديولوجية المنتقدة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي...مستعملا ما يعرف بسلطة الرمز ضمن تناسقه الجمالي، الشيء الذي جعل جورج غولدن يقول: "على الأدب الإنجليزي أن ينقد إنجلترا".
وبفعل تطور الترسيخ الأكاديمي، بدأ التليين للأدب حتى يشمل أيضا الإيديولوجية الأنثوية، غير أنه وأمام الزحف الامبريالي، كان لابد للأدب الإنجليزي أن يصون قوميته، فاهتم بالشاعرين الكبيرين شكسبير وميلتون، مع نقد الهراء التيتوني الألماني، وبذلك أصبح الإنجليزي فعلا منافسا كبيرا لفقه اللغة، في جامعة أكسفورد وكيمبردج، خاصة مع إصدار مجلة التمحيص الدورية على يد ليفيس وتلامذته.
ثم تطرق بعد ذلك في الفصل الثاني لعلم الظاهرات مع هسرل وهو محايثة الواقع بالاختزال الظاهراتي، وأيضا التفت للتأويل مع هايدغر في مشروعه الفلسفي تأويل الكينونة، أتبعه بنظرية الاستقبال التي تحتفي بالقارئ الضمني مع إيزر، والتي مع بلوغها يكون الأدب قد وصل مرحلة الانزياح، هذا التصور الجديد كان له جميل الفضل في تطور التفكير الأكاديمي في القرن 20 مع ديسوسور مؤسس اللسانيات والتي طورها بيبرس الأمريكي إلى سيميائيات، كما جاء في الفصل الثالث، واللتان استغلهما الأدب من أجل النظر إلى اللغة بوصفها وسيلة إنتاج مادية، خلفت إنتاجات فكرية متميزة تهم علاقة اللغة بالأدب.
لم يكتف إيغلتون بهذا القدر، إذ نجده أيضا قد أفرد الفصل الرابع لموضوع أسماه "ما بعد البنيوية"، محاولا استعراض أهمية التقابلات التكتيكية لدريدا، والتي تسمح بتفكيك الخطابات والنصوص الأدبية وتحليلها وفق رؤية الناقد وتصوراته الإيديولوجية وأيضا تخصصاته الفكرية (حركة الحداثة الأدبية)، التي تبين أن ذلك التقابل التراتبي بين الرجال والنساء ما هو إلا وهم ميتافيزيقي، حقيقة توصل إليها التحليل النفسي في الفصل الخامس، والذي تم فيه توضيح البعد الغرائزي لذى الإنسان من جذور عقدة أوديب الفرويدية، التي أعاد تأويلها لاكان بربطها باللغة، فوصل إلى نتيجة تبين أن ثمة علاقة بين التحليل النفسي والأدب من جهة المؤلف وأيضا من جهة المحتوى.
ولم يختم إيغلتون تحليله الوصفي هذا إلا بخاتمة معنونة بالنقد السياسي.
النقد السياسي
تطرق الكتاب إلى عدد من الإشكاليات في النظرية الأدبية، وقد وصلنا لخاتمة الكتاب ومازال بأذهاننا جملة من الأسئلة العالقة هي كالآتي:
من الأكيد أن تاريخ النظرية الأدبية الحديثة جزء من التاريخ السياسي والإيديولوجي لحقبتنا، فمنذ بيرسي11 وشيلل حتى نورمان والنظرية الأدبية مرتبطة بالقناعات السياسية، والقيم الإيديولوجية على نحو لا يقبل الانفصال، لأن هناك صلة بين النظرية الأدبية وبين النظام السياسي، بحيث تسهم بدراية أو بغيرها في إسناد وتعزيز افتراضات هذا النظام.
قلنا إن الأدب مرتبط بصورة حيوية بأوضاع البشر الحياتية، فهو ملموس وليس مجردا، لأنه يظهر الحياة بتنوعها الخصب، غير أن المفارقة هو في النظرية الأدبية الحديثة، لأنها تؤسس لسرد الفرار من الوقائع، وتسعى إلى سلسلة من البدائل مثل: القصيدة – الخيال – الأسطورة... وهنا نعود لفاتحة الكتاب ومدخله حيث وضعنا إيغلتون في إشكال مفاده أن الأدب غير موجود.
إذا لم يكن الأدب موجودا، فكيف للنظرية الأدبية أن توجد؟
هناك طريقتان مألوفتان ممكن بهما لأية نظرية أدبية أن تقدم ذاتها مع غاية وهوية متميزتين:
فإما أن تعرف ذاتها تبعا لمناهجها الخاصة في البحث.
أو أن تعرف ذاتها تبعا للموضوع الخاص الذي تبحث فيه.
وأي محاولة لتعريف نظرية الأدب تبعا لمنهج مميز، هي محاولة محكوم عليها بالفشل، لأنه من المفترض بالنظرية الأدبية أن تفكر في الأدب والنقد الأدبي.
إن النقد الأدبي هو نوع من الكلام بمستوى معين من الكفاءة في موضوع يدعى الأدب، لذلك فالتطرق إليه يتم بمناهج سيرية (بيوغرافية) / أسطورية (ميتولوجية)12 و مناهج سيميائية...فقد قال رولان بارت: "الأدب هو ما يتم تعليمه"13، كما يجب ألا نقلق كثيرا من هذا الافتقار إلى وحدة منهجية في الدراسات الأدبية، حيث أن الخطاب النقدي ليس له مدلول محدد، بيد أنه يعمل على إقصاء طرائق كثيرة جدا في الكلام عن الأدب، على اعتبار أن الخطاب النقدي هو في نهاية المطاف سلطة، وسلطة الخطاب النقدي تنتقل على مستويات عدة، سلطة تمارس بولسيتها على اللغة، فتحدد أن أقوالا معينة ينبغي إقصاؤها لأنها غير مشاكلة للمقبول من القول، وهي سلطة تمارس بوليسيتها على الكتابة أيضا، فتصنفها إلى كتابة أدبية ولا أدبية.
إن النظرية الأدبية ليست في الحقيقة سوى فرع من الإيديولوجيا الاجتماعية دون أي وحدة أو هوية تميزها بصورة كافية عن الفلسفة وعلم النفس والأبحاث الثقافية والاجتماعية... فكل نظرية أدبية تفترض مسبقا نفعا معينا من الأدب، حتى وإن كان ما تحصل عليه منه غير نافع مطلقا، والنقد الإنسانوي الليبرالي ليس مخطئا في انتفاعه من الأدب، بل مخطئ في خداع نفسه بأنه لا يفعل، لأنه ينتفع به في تعزيز قيم أخلاقية معينة، والتي هي في الحقيقة لا تنفصل عن قيم إيديولوجية معينة، وفي النهاية يمكن القول أنها تنطوي على شكل محدد من السياسة.
وهذا لا يعني أن الإنسانوية الليبرالية تقرأ النصوص بنزاهة ومن تم تضع ما قرأته في خدمة قيمها، بل تعني أن القيم تحكم سيرورة القراءة الفعلية ذاتها، وتملي ما يضفيه النقد من معنى على الأعمال التي يدرس، مع العلم أن الثقافة مرتبطة بالسياسة في أربع نطاقات هي:
الثقافة في حياة الأمم التي تكافح من أجل استقلالها عن الإمبريالية، ذلك أن هذه الأخيرة ليست مجرد استغلال لقوة العمل الرخيصة والمواد الخام والأسواق السهلة، وإنما هي أيضا اجتثاتات للغات والعادات من جذورها.
نطاق ثقافة حركة النساء، بحيث يهتم الأنثويون اهتماما واضحا بكل أشكال الخطاب.
نطاق صناعة الثقافة هو السياسة.
ونطاق حركة كتابة الطبقة العاملة: إن الكادحين في ابريطانيا - بعد أجيال من الصمت - وبعد أن تعلموا أن الأدب فعالية بعيدة عن متناولهم، تنظموا على نحو نشط لإيجاد أساليبهم وأصواتهم الأدبية الخاصة.
وهنا يصل إيغلتون إلى خلاصة تقضي بأن الأدب مرتبط بصورة حيوية بأوضاع البشرية الحياتية، أي الواقع، مع مفارقة تبين أن النظرية الأدبية الحديثة أصلا تؤسس الفرار من هذا الواقع إلى ما هو تخييلي.
وهنا نعود يعود بنا إيغلتون لسؤال الانطلاق: ما هو الأدب؟ هل هو تخييلي أم واقعي؟
كيف قارب تيري إيغلتون نظرية الأدب ضمن كتابه؟
مستوى المضمون:
استوفى تيري إيغلتون مقاربة ظاهرة نظرية الأدب بالدراسة والتحليل لكل مفاهيمها بدءا بطرح التساؤل: ما الأدب؟ من حيث الواقعي والتخييل، مرورا بالجوانب التي يمكن أن تلتبس بها مثل الأدب المهذب كان (التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية...)، بل وأضاف بالفحص والدراسة والتنقيب كل النظريات التي تبحث في الأدب من حيث اللغة والأسلوب والخطاب ثم النص، كالنظرية الشكلانية - الاختزال الظاهراتي – تأويل الكينونة – نظرية الاستقبال - ... مع اعتماد مختلف الاتجاهات النقدية والمتطورة عبر التاريخ: النقد الطبيعي – النقد الفوكوي - النقد الأمريكي – النقد البنيوي – السيميائي – النقد الحديث – التحليل النفسي وختم بالنقد السياسي.
مستوى اللغة:
من خلال تتبع اللغة التي استخدمها تيري إيغلتون في تأليف كتابه نظرية الأدب، نجد أنه استطرد كثيرا وهو يحلل الموضوع، عن طريق الاتيان بمجموعة من الاحالات و المصادر الداعمة للنظريات الكثيرة المتضمنة في المؤلف، بغية الإحاطة بكل ما يفيد في تبسيط الظاهرة وتقريبها للقارئ، فحسب التصدير الذي كتبه ذ. ثائر ديب، فإن إيغلتون في كتابه قد استعمل لغة بسيطة على خلاف مؤلفاته السابقة، معتبرا أن هذا الكتاب هو ذو طبيعة سجالية تخضع كل روافد نظرية الأدب المطروحة في فصوله للمساءلة، مع تقديم حجج مضادة تكشف الثغرات والعيوب من زاوية نظره.
موضحا أنه وضع لكل رافد أرضية فلسفية وفكرية يتقاطع عندها الاجتماعي والتاريخي والمعرفي، كنوع من التبسيط والشرح، لأن الكتاب موجه لنوعين من القراء:
أولهما يجهل نظرية الأدب ويحاول فهمها.
والثاني يعرفها معرفة مشوشة وناقصة.
بعبارة أخرى، حاول ذ. ثائر ديب أن يوهم بأن هذا الكتاب ليس موجها للمختصين، لكن الأمر خلاف ما يوحي إليه تصدير الكتاب، لأن التواضع الذي تمسك به إيغلتون في صياغة نظرية الأدب، لا يتسم به إلا من بلغ في العلم مبلغا...
كما أن هناك طابع مميز يمكن استشرافه من لغة الكاتب المتسمة بالسخرية تجلت في السؤال الذي افتتح به المدخل ثم انتهى إليه في الخاتمة، بالرغم من استفاضة التحليل للظاهرة من كل الجوانب والاتجاهات الفاحصة، وهذا يدل على أن البحث في نظرية الأدب يجب أن يسبقه توحيد الاديولوجيات حول مفهوم الأدب أولا والذي يعد أصلا مفهوما شائكا وإشكاليا، ثم توحيد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة بشكل مباشر في المستويات الفكرية والأيديولوجية لإنتاجه ومقاربته.
لقد تعمد إيغلتون أن يخلق زوبعة ذهنية لقارئ كتابه، يشوقه بطرح سؤال إشكالي في البداية، موهما أنه سيجيب عليه عبر أسبار التحليل والتفصيل لما ورد بين دفتي الكتاب، حتى يصل به للخاتمة ويؤكد له فيها نفس السؤال، بعد أن أمتعه بالدراسة والتحليل للتطور الأدبي والفكري للأدب، وبهذا يكون إيغلتون قد أخلص لسمة العلوم الإنسانية التي تطبعها النسبية وتجعلها وقضاياها في تجدد مستمر.
مستوى المنهج:
ورد لفظ (المنهج) في لسان العرب بمعنى الطريق14،فضلا عن الطريق الواضح15، وهذا ما جاء في القرآن الكريم في قولـه تعالى: ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا﴾16، وهو في لغة الاصطلاح الطريقة التي يسير عليها دارسٌ ليصل إلى حقيقة في موضوع من موضوعات الأدب، أو قضاياه منذ العزم على الدراسة، وتحديد الموضوع حتى تقديمه ثمرة إلى القرّاء17.
إذا المنهج هو الطريق أو المسلك الذي يتّبعه المؤلف أثناء مقاربة تصوره داخل كتابه أو دراسته أو بحثه، ومن المعلوم أن مناهج البحث تتعدد وفقاً لعدة تصنيفات عالمية، ولعل المنهج التاريخي، والوصفي، والتحليلي من أشهر مناهج البحث العلمي، التي وجدنا أن إيغلتون قد استنجد بها في كتابه "نظرية الأدب" كما يلي:
أولا – المنهج الوصفي:
بدءا لا بد من معرفة حدود المنهج الوصفي الذي يستعمل في الدراسات الإنسانيّة بعامّة، وهو يستقصي الظاهرة الأدبيّة، أو النقديّة لغرض وصفها برؤية تاريخيّة ، وأخرى تحليليّة، فقد جاء في لسان العرب: الوصف: وصفك الشيء بحليته، ونعته18..، وقديما عرّف قدامة بن جعفر(337هـ)الوصف بأنّه "ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات"19، بمعنى والحديث للناقد ابن رشيق القيرواني(456هـ) "الإخبار عن حقيقة الشيء"20 ، وإذا كان قدامة، والقيرواني يتحدّثان عن وصف الشعر فإنّ حديثهما ينصرف إلى أكثر من جنس أدبيّ قد يتعلق بالنثر ، وبالنقد أيضا ، بمعنى أنّه مجموعة من الإجراءات البحثية التي عمد إليها إيغلتون وهو يصف الأدب قبل سرد تأريخه، وبيان تحليله، كي يكون للوصف عناية خاصّة بمنظوره من حيث ملامح شكله؛ أي ضبط مفهوم الأدب، ومعرفة نظرياته، كما هو في حدود استعمالاته وإنتاجاته القديمة والحديثة، وقد اعتمد الآتي من الإجراءات:
اعتماد الوصف في التمييز بين الواقعية والتخييل في مجال الأدب، مؤكدا أن ذلك يضعنا أمام إشكالية تضع هذا التمييز ذاته موضع شك في الغالب، في مثل المقابلة بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية، التي لا تنطبق أبدا على الساغات ، وكلمة رواية قد استخدمت في إنجلترا نهاية ق.16 وبداية ق.17، وهي تضم أحداثا حقيقية وتخييلية، ومع ذلك فإنها تدخل في دائرة الأدب...
تفصيل الفصل الثاني بالدراسة الوصفية / التحليلية لكيفية نشوء الدراسات النقدية الإنجليزية، منذ الأدب المهذب في ق.18 إلى ظهور الرمز الرومانسي وسلطته الإيديولوجية.
استعراض كل النظريات التي تناولت الأدب واللغة بالدراسة بوصفها والتفصيل لها عبر كل أطوار الكتاب في مثل: النظرية الشكلانية – الاختزال الظاهراتي – النقد الأمريكي – النظرية البنيوية – السيميائيات – النقد الفوكوي – التحليل النفسي – النقد السياسي – النقد الطبيعي – نظرية الاستقبال - المذهب الرومانسي...
وصف تأثير الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على الانتاجات الأدبية والابداعية الأدبية وتبادل التأثير الجدلي بينها وبين النقد السياسي...التصور الإيديولوجي للمؤلف.
ثانيا - الرؤية التأريخيّة/ المنهج التاريخي:
وهي من أقدم الرؤى التي استندت إلى المنهج التاريخي الذي كان رائده سانت بوف21 وهيبوليت تين22، وخلاصة هذه الرؤية المنهجيّة التأكيد على أن الأدب مثل الطبيعة لا يعرف مجالا للقوانين الفرديّة ، وأن الأدباء يخضعون جميعا في كلّ أدب وكلّ أمة للقوانين العامّة، وأنّ أيّة محاولة لفهم هذا الأدب فهما صحيحا لا بد لها من الرجوع إلى التربة التي أنبتته، والعوامل التي أعانت على نمائه23، ومغزى هذه الرؤية كما أفهم من عمل إيغلتون الوقوف عند التطوّر التاريخي لنظرية الأدب، وهذه غاية نبيلة تتمّ من خلال التتبّع الزمني لتأريخ مفهوم الأدب ونظريته، وكيف تقلّب على يد النقّاد والدارسين مئات السنين، وهذا ما سنلاحقه عبر فصول الكتاب كما يلي:
الفصل الثاني الذي عنونه بنشوء الإنجليزي، وهي إشارة قوية للاستقراء التاريخي لتطور الأدب ودراساته بإنجلترا منذ ق.18، ومن خلاله تم الإحالة على كل أنواع المؤلفين والمؤلفات بفتراتها التأريخية وإثبات منحاها التطوري سواء على مستوى الانتاجات الأدبية أو على مستوى النظريات النقدية المواكبة لها والتي بدأت مع الأدب المهذب وانتهت بمجلة التمحيص وقوة الرمز الرومانسي الذي أصبح بديلا عن سلطة الكنيسة وأدوارها الدينية...
الاستقراء التاريخي لتطور الظاهرة الأدبية ونظرياتها ليس فقط بإنجلترا فحسب ولكن في تاريخها الأدبي نفسه تبينه الخطاطة التي تؤكد أن تاريخ النظرية الأدبية الحديثة مر بثلاث مراحل هي:
ثالثا - الرؤية التحليليّة / المنهج التحليلي:
يمكن أن نعدّ الرؤية التحليليّة التي أنتهجها تيري إيغلتون وهو يديم الصلة بالنظريات التي تناولت الأدب والتيارات الفلسفية الناجمة عنها كمحاولة ملحقة بالوصف، وذلك لأنه أراد فتح مغاليق الأدب للاستفادة من تطور المفهوم خدمة للثقافة الأدبيّة والنقديّة، فهو يستخرج مكنون المفهوم الذي ينهض من اتجاهاته وأصوله الفلسفية، ليكون ذا فاعليّة نقديّة في إطار زمان ومكان محدد.
والتحليل بتعريف جورج مونان24 "كلّ تقنيّة تسعى إلى التأسيس العام، والشكلي للروابط الموجودة بين وحدات الخطاب المنطوق، أو المكتوب في مستوى أعلى من مستوى الجملة" وهو بحسب التعريف السابق ينفتح على ضرورة التعامل مع مختلف التيارات الفلسفية والنظريات المعرفية المنبثق عنها الأدب، ومنه نظريته بوصفها شكلا يتجاوز بنية الكلمة، والجملة إلى تحليل الخطابات والنصوص.
وإذا كان التحليل بحسب علم النفس هو "تفكيك أمر ما إلى مركّباته الأساسية"، فقد اعتمد إيغلتون على فصل كامل (الفصل الخامس للتحليل النفسي) يبين فيه أن التطورات التي شهدتها النظرية الأدبية الحديثة والاضطراب السياسي والايديولوجي في ق. 20، سببه مسألة الحروب والانهيارات الاقتصادية والثورات التي ساهمت في تأزيم العلاقات الإنسانية، فضلا في كونها زلزلت الحالات النفسية والاجتماعية وهذا يعني تراكم القلق – الخوف - ...الذي طبعت مراحل التاريخ المكتوب، فظهر لنا حقل نظامي جديد من المعرفة، يعرف باسم التحليل النفسي الذي طوره سيغموند فرويد في فيينا أواخر ق.19 والذي كان يرى بأن التاريخ الثقافي خلق من تصعيد يقوم على تحويل غرائزنا وتسخيرها لخدمة أهداف سامية ، وهذا الأمر هو الذي دفع المحلل النفساني جاك لاكان إلى القول "أن اللاوعي مبني مثل اللغة" .
يوضح لاكان أن التحليل النفسي ليس نظرية عن العقل البشري وحسب، وإنما أيضا ممارسة لمعالجة الأمراض والاضطرابات الذهنية من خلال إعادة تأويل الفرودية بالارتباط مع اللغة، والتي هي فعالية اجتماعية واضحة، عن طريق سبر العلاقات بين اللاوعي والمجتمع البشري،
يمكن بصورة عامة تقسيم النقد الأدبي إلى أربعة أنواع تبعا لما يعتبر موضوع اهتمامه، حيث يمكنه أن يعنى بمؤلف العمل – محتويات العمل - بناؤه الشكلي – القارئ، ومعظم التحليل النفسي هو من النوعين الأولين: فالتحليل النفسي للمؤلف عمل تأملي لمناقشة الصلة بين قصد المؤلف والأعمال الأدبية، والتحليل النفسي للمحتوى، أي التعليق على التحفيزات اللاواعية للشخصيات، أو على الدلالة التحليلية النفسية للموضوعات أو الأحداث في النص.
إذا ثمة صلة بسيطة وجلية بين التحليل النفسي والأدب يجب أن نتطرق إليها ونضيئها – سواء أكان صوابا أو خطأ – وهي أن النظرية الفرويدية تعتبر التحفيز الأساسي وراء كل سلوك بشري، تهدف تجنب الألم ونيل اللذة، لذلك فإن السبب الذي يدفع الغالبية العظمى من البشر لقراءة قصيدة والرواية والمسرحيات هو أنهم يجدونها ملذة.
وفي هذا النصّ الذي يحوم حول التحليل الجماليّ والنقدي لمفهوم الأدب ونظريته تحدّث إيغلتون عن مجمل التيارات التي تعنى بالأدب وخاصة حين تشمل النصّ الأدبيّ بثوبها القشيب، فتكون وظيفة التحليل: التفصيل، ووضع اليد على الجمال، ومقاربة النصّ بصنعة العارف، وعندي أنّ التحليل الجمالي للنص الأدبي يتشارك وتحليل النصّ النقديّ في أنّهما مبنيّان على إظهار قوة اللغة، وإشاعة المفاهيم الكامنة في النصوص، فالتحليل في كلتا الحالتين يهدف إلى إبراز الأفكار، والقيم الجماليّة، والاشارة إلى الفاعليّة التأثيريّة.
وتحليل نظرية الأدب عند إيغلتون يراهن على تفكيك البنية الخاصّة بالمصطلح إلى عناصرها الأساسيّة التي تنبثق منها الرؤية النقديّة ذات الفاعليّة التي تشتمل على الدلالة الخاصّة التي يُعرف بها في حدود الاشتغال الذي يتجاوز البنية التي تتشكّل في حدود كلمة واحدة، أو أكثر إلى نصّ له آثاره التي تتمدّد في النصوص، من حيث السمات الصوتيّة، والتركيبيّة، والدلاليّة: اللسانيات والتشكيلية والسيميائيات والتأويل.
وتقتضي الرؤية المنهجيّة عند إيغلتون، أن يأتي بالنظرية الواحدة مقرونة بتعريفات عدّة ينقلها من مصادرها، أو من أصولها الفلسفية، أو من قسم من المراجع التي لها تماس بجذورها، وهذا ما فعله مع النظرية البنيوية مبينا أن ازدهار البنيوية سيكون في ستينيات ق. 20 ، كمحاولة لتطبيق مناهج مؤسس الألسنية البنيوية الحديثة فيرديناند ديسوسور على الأدب، وكتابه الشهير "محاضرات في الالسنية العامة 1916 م"، فسوسور نظر إلى اللغة بوصفها نظاما من الأدلة الذي ينبغي دراسته تزامنيا، أي دراسته كنظام مكتمل عند لحظة زمنية معينة وليس تعاقبيا في تطوره التاريخي، كما ينبغي النظر إلى كل دليل Signe بوصفه مؤلفا من دال Signifier صورة صوتية أو مكافئها الكتابي ومدلول Signified كمفهوم أو معنى...
ووقف على كيف أن واحد من الشكلانيين الروس وهو رومان جاكبسون، استطاع أن يقيم صلة وصل رئيسة بين الشكلانية والبنيوية الحديثة، فقد اعتبر جاكبسون الشعرية Poétiques جزء من حقل الألسنية يقوم قبل كل شيء على دخول اللغة مع ذاتها في نوع من العلاقة الواعية لذاتها. هذه الاعمال التي قامت بها مدرسة براغ جعلت مصطلح البنيوية يختلط إلى حد كبير مع كلمة السيميائية ...
هذه الإحاطة بمجمل النظريات والاتجاهات تعطي دليلا إلى عناية المؤلّف بنظرية الأدب وتتبّع ما قيل فيها، ومن ثمّ تسهل مهمّة تحليلها طمعا في مقاربتها بتفصيل والتوصل لتحديد نهائي لها، أمر لم يتأت له، بل زاد القارئ حيرة بسبب هذا التعدد والاسهاب، وان كان سيغنم المعلومات التي تؤطر النظرية من كل الجهات: الثقافية – الأيديولوجية - الاجتماعية – النفسية – التاريخية وحتى السياسية.
خلاصة القول: فعلى الرغم من أنّ إيغلتون قد تحدّث منذ البداية عن تبسيط أسلوبه ومنهجيته في تأليفه لكتابه التعليمي "نظرية الأدب"، من أجل توجيهه لفئة بسيطة من القراء، لا يعرفون نظرية الأدب، أو فئة لها معلومات قليلة عنها، إلا أن دارسه والمطلع عليه يؤكد أن ذلك كان مجرد تواضع كبير من باحث تعمق في إشكال الظاهرة موضوع البحث، وفصلها بشمولية وتفكيك ابستملوجي25 مستفيض اعتمد فيه منهج الوصف ذي الرؤيتين التأريخيّة والتحليليّة.
اعتمد إيغلتون على خلفية إيديولوجية وجهت دراسته، والتي توخى منها التأكيد على تأثر الأدب بالبعد الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، والسياسي على مر التاريخ. وقد أكد بين طيات كتابه على أن أي محاولة لتعريف نظرية الأدب تبعا لمنهج مميز، هي محاولة محكوم عليها بالفشل، لأنه من المفترض بالنظرية الأدبية أن تفكر في الأدب والنقد الأدبي.
ضمن كتابه مجموعة من الاحالات على أعلام وكتب ونظريات فلسفية...بعضها وضع له هامشا للشرح والتوضيح، وبعضها تركه بدون شرح وكأنها مفاهيم مفروض معرفتها لدى الجميع وهذا يؤكد أن الكتاب ليس موجها لقراء ليس لهم معرفة بنظرية الأدب، بل إنه موجه لمتخصصين في مجال الأدب. وهذا جعلني أحاول تمثل المفاهيم بالبحث والاستقراء والتقصي ... ثم إضافتها لعرضي للمزيد من التوضيح.
الساخر في فلسفة إيغلتون ومقاربته لنظرية الأدب هو افتتاحه المدخل بسؤال إشكالي: ما هو الأدب؟ ثم توالي الشرح والتوضيح والتفسير بنظريات وفلاسفة وتيارات واتجاهات يتيه بك الكتاب بها بين طياته، ثم بلوغ الخاتمة والسؤال بذهنك، لأنك حتما ستغتنم معلومات ومعرفة كبيرة عن نظرية الأدب دونما الحسم في السؤال: ما الأدب؟ الذي يختم به إيغلتون كتابه، وهذا هو الطريف في الأمر أيضا.
هناك سؤال آخر حيرني في منهجه هذا: لماذا قسم فصوله لخمسة؟ مع أن المطلع على الكتاب يجد أنه تناول سبع فصول لتأطير النظرية، بحيث أن المدخل حلل فيه مفهوم الأدب، والخاتمة حلل بها النقد السياسي، ألا يشير هذا إلى أن موضوع البحث والدراسة هو مبثور الرأس، وكأن إيغلتون يدعونا للبحث أولا في تحديد متفق عليه بالنسبة لمفهوم الأدب، وعندها فقط سنتمكن من وضع تحديد أو توصيف دقيق لنظريته، أمر يراه ممكنا في ترابط وارتباط الأدب بالسياسة (فكرته الأيديولوجية)، وهذا في رأيي ما يفسر السؤال الذي وضعه في المدخل وختم به في النهاية.
ما يجب الإشارة إليه هو أن "النظرية الأدبية" تتطور بما يوافق المسار التاريخي العام، فما نتوافق عليه اليوم تحت مسمى "نظرية الأدب"، كان في زمن أرسطو يعرف باسم "الشعرية" وظل كذلك إلى زمن الفيلسوف الألماني هيجل... ليصبح اليوم مجموعة من النظريات والتوجهات الفكرية والثقافية شئنا أم أبينا.
المراجع المعتمدة
كتاب "نظرية الأدب" لتيري إيغلتون، ترجمة ثائر ديب.ط.1995 م.
ثائر ديب، تصدير كتاب "نظرية الأدب" ل: تيري إيغلتون، ص: 7، ط.1995
ابن خلدون: "مقدمة ابن خلدون" ص. 553
أورده غوسان في "الأدب والتعليم" ص. 341 – 342
ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة نهج.
ينظر: مختار الصحاح: الرازي: دار الكتاب العربي: 1981: مادة نهج.
سورة المائدة: الآية: 50.
ينظر: منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر: منشورات مكتبة النهضة- بغداد: ط1: 15.
ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة: وصف
نقد الشعر: تحقيق كمال مصطفى: مكتبة الخانجي في القاهرة: ط3: دون تاريخ: 118
العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني: دار الجيل بيروت: ط 4: 1972: 2: 294.
المناهج النقدية الحديثة أسئلة ومقاربات: د. صالح هويدي: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع: سورية: 2015: 74.
موقع ويكابيديا الالكتروني لترجمة سير بعض الفلاسفة اليونان ونظرياتهم ومصطلحاتهم.
1 شكري عزيز الماضي، "في نظرية الأدب"، ط. الأولى، بيروت دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، ص: 12
2 الماركسية: هي ممارسة سياسية ونظرية اجتماعية مبنية على أعمال كارل ماركس الفكرية، كانت أعمالهم تهتم في المقام الأول في تحسين أوضاع العمال المهضومة حقوقهم من قبل الرأسماليين، والقضاء على استغلال الرأسماليين للإنسان العامل.
3 ثائر ديب، تصدير كتاب "نظرية الأدب" ل: تيري إيغلتون، ص: 7، ط.1995
4 SAGA نوع نثري سردي اسلندي اسكندنافي، تحكي عن بطل مشهور أو عائلة أو مآثر الملوك والمحاربين، ظل معظمها شفوي حتى ق. 12 حيث بدأ تدوينها.
5 جون هنري نيومان 1801- 1890 كانط انجليزية اللاهوتي وشاعر، كان له دور فعال في تأسيس الجامعة الكاتوليكية، درس بجامعة أكسفورد في ق. 19
6 سفر التكوين هو أحد أسفار التوراة أسفار موسى الخمسة، جزء من التوراة العبرية، تم نسب تأليف السفر تقليديا لموسى، لكن العلماء المعاصرين يرون أنه منتج من القرنين 6و5 ق.م
7 رومان جاكبسون، هو عالم لغوي، وناقد أدبي روسي (11 تشرين الأول 1896-18 تموز 1982) من رواد المدرسة الشكلية الروسية. وقد كان أحد أهم علماء اللغة في القرن العشرين وذلك لجهوده الرائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة والشعر والفن.
8 نظرية الأدب لتيري إيغلتون ص. 11
9 الشكلانية هي تطبيق للألسنية في دراسة الأدب، ظهر الشكلانيون بروسيا عام 1917 م، من بينهم رومان جاكبسون – فكتور شكلوفسكي- أوسيب بريك...
10 الصنعات ومفردها صنعة، وهي شيء من الأثر الأدبي يراد به تحقيق غرض معين: صورة بلاغية – أسلوب خاص في الرواية والسرد - ...
11 بيرسي بيش شيلي (بالإنجليزية: Percy Bysshe Shelley) (وُلد في 4 أغسطس 1792 وتوفي في 8 يوليو 1822) شاعر إنجليزي رومانسي مهم، يعتبر واحداً من أفضل الشعراء الغنائيين باللغة الإنجليزية. موقع ويكابيديا.
12 الميثولوجيا أو الميثولوجية والتي اصطلح على ترجمتها إلى «علم الأساطير» هو مصطلح معرب عن اليونانية، ويطلق على العلم الذي يعنى بدراسة منشأ الأسطورة وتطورها...موقع ويكابيديا.
13 "نظرية الأدب". تيري إيغلتون. ص. 230
14 - ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة نهج.
15 - ينظر: مختار الصحاح: الرازي: دار الكتاب العربي: 1981: مادة نهج.
16 - سورة المائدة: الآية: 50.
17 - ينظر: منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر: منشورات مكتبة النهضة - بغداد: ط1: 15.
18 - ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة: وصف
19 - نقد الشعر: تحقيق كمال مصطفى: مكتبة الخانجي في القاهرة: ط3: دون تاريخ: 118
20 - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني: دار الجيل بيروت: ط 4: 1972: 2: 294.
21 شارل أوغستان سانت ـ بوف (بالفرنسية: Charles Augustin Sainte-Beuve) كاتب وناقد فرنسي وُلد ... في عام 1828، قام بنشر كتابه الأول اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر، مؤسس المنهج النقدي في البحث العلمي. وقع ويكابيديا.
22 إيپوليت أدولف تين Hippolyte Adolphe Taine (و. 21 أبريل 1828 - 5 مارس 1893) كان ناقداً ومؤرخاً فرنسياً. وكان المؤثر النظري الرئيسي على حركة الطبيعية الفرنسية، أحد أوائل ممارسي النقد التاريخي historicist. موقع معرفة الالكتروني.
23 - المناهج النقدية الحديثة أسئلة ومقاربات: د. صالح هويدي: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع: سورية: 2015: 74.
24 جورج مونان، كان لغويًا فرنسيًا ومترجمًا وسيميائيًا فرنسيًا. كان ناشطًا في المقاومة الفرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي. موقع ويكابيديا.
25 يعود أصل مُصطلح الإبستمولوجيا لكلمة يونانية الأصل، وهي (Epistémologie)؛ مكوّنة من مقطعين (Epistème)؛ وتعني المعرفة، و (Logos)؛ وتعني السبب أو الحجّة، ويُشير مصطلح الإبستمولوجيا أو ما يُسمى بنظرية المعرفة إلى دراسة المعرفة والأشياء المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً.
كيف نظر تيري ايغلتون ل: نظرية الأدب؟
المقدمة:
إن الجذور الأولى لنظرية الأدب تعود إلى فلسفة اليونان القديمة خاصة في كتاب "فن الشعر" لأرسطو طاليس، دون أن نغفل بعض المحاولات النقدية والبلاغية العربية للتراث القديم الذي كان يعنى بوضع تعريف للشعر وتأصيل قواعده وتبيان وظيفته وأسباب نظمه... ولم يتحول التنظير الأدبي إلى دراسة أكاديمية مستقلة لها مناهجها إلا في منتصف القرن العشرين.
لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن نظرية الأدب ليست هي الدراسة الأدبية وليست هي مناهج النقد الأدبي ولا هي استقراء لتاريخ الأدب...إنما هي تشكيل للخلفية النظرية لتلك المناهج: المنهج التاريخي – المنهج الاجتماعي – المنهج النفسي... لتكون بالتالي "نظرية الأدب هي مجموعة من الآراء والأفكار المتسقة والعميقة والمترابطة والمستندة إلى نظرية في المعرفة أو فلسفة محددة والتي تهتم بالبحث في نشأة الأدب وطبيعته ووظيفته، وهي تدرس الظاهرة الأدبية انطلاقا من هذه الزوايا في سبيل استنباط وتأصيل مفاهيم عامة تبين حقيقة الأدب وآثاره".1
من المعلوم أن نظرية الأدب تثير مجموعة من الأسئلة المهمة مثل: ما هو الأدب؟ هل هو تقليد لنصوص أخرى أم تقليد للطبيعة في نظرية المحاكاة؟ (La théorie de la simulation) ، ما أبعاد الأدب؟ وما خصوصياته؟ ولماذا الأدب؟ ما نوع رسالته؟ نفسية – فنية – تربوية – تاريخية – لغوية...؟ وما الأثر الذي يحدثه الأدب؟ هل الأدب سبر لأغوار النفس الإنسانية كما تقول بذلك نظرية التحليل النفسي؟ من أين تستمد مادة الأدب؟ من اللغة؟ كما تقول بذلك النظرية البنيوية (La structuralisme) أم أن الأدب صورة للواقع الاجتماعي والاقتصادي؟ كما تقول بذلك النظرية الاجتماعية/ الماركسية للأدب...كيف يكون الأدب صورة للمجتمع؟ كيف يفسر الأدب ويؤول؟ ما هي قواعد تأويله؟ تجيب عن ذلك الهيرمينوطيقيا (نظرية التأويل) ...
كل هذه الأسئلة والأفكار وغيرها - التي يتم استحضارها حين يكون الحديث عن نظرية الأدب - سنحاول الوقوف على إجابات لها من خلال وجهة نظر "تيري إيغلتون" ضمن كتابه هذا "نظرية الأدب".
لأننا عندما نقرأ كتاب تيري إيغلتون «نظرية الادب» ينتابنا سؤال ملح يقول: هل ترك إيغلتون شيئاً يتعلق بمصطلح الأدب ومفهومه، أو حتى «نظريته» لم يناقشها أو يحللها؟، ليس هذا وحسب، بل إنه يدفعك إلى التفكير في أبعاد التصورات الفكرية والإيديولوجية عند هذا الناقد الأكاديمي، ويدفعك مرة ثانية للسؤال حول مميزات وخصوصيات تصوره للأدب وكيف نظر له؟
من المعلوم أن تيري إيغلتون من «أشهر النقاد الأكاديميين في بريطانيا والعالم الناطق بالإنجليزية»، لكن وعلى الرغم من أن كثيراً من كتبه لم يترجم إلى لغتنا، إلا أن اسمه صار معروفا بقدر معقول في الأوساط الثقافية العربية، لأن كثير من دراساته النقدية تعمل على تفسير العلاقة الكامنة بين الأدب والإيديولوجية، لأنه يرى في الإيديولوجية وسيلة تفسر الطرائق التي يحيا بها البشر في مجتمعاتهم.
يتكئ إيغلتون في كتابه هذا، على مراجع وهوامش يطبعها مبدأ التنوع، وهو بذلك يؤكد أن للأدب أكثر من مقاربة وتأويل، يفسره تنوع الانتاجات الأدبية عبر التاريخ الأدبي الابداعي من حيث الرؤى والأساليب، والتي كان لها تأثير في تطوير المناهج والتصورات التي تناولته بالدراسة والتحليل، ومنها تصوره ذو البعد الثقافي، كيف ذلك؟
إيغلتون هو من أنصار حزب العمال الاشتراكي، كما يميل إلى تبنّي الفكر الماركسي2، لذلك يرى أن الدراسات التي تمزج بين الأدب والثقافة والمجتمع تفتح مجالا واسعا للبحث في مواضيع جدلية كثيرة منها: قضية المطلق والحتمي، فالمطلق بالنسبة لإيغلتون لا وجود له، والمطلق الحتمي بالنسبة إليه هو الموت الذي لا بد للبشرية أن توجه اهتمامها به. هذه الفكرة الإيديولوجية جعلته يطبع معظم انتاجاته الفكرية والتنظيرية بتصوره الثقافي هذا، حتى في إطار استقرائه لنظرية الأدب منذ ق.19 م، نجده قد عالج ذلك من خلال استعراض مجموعة من الاتجاهات والمناهج والمقاربات التي تنم عن توسع مدارك الرجل وانفتاحه على معظم النظريات والاتجاهات، محاولا بذلك تفسيرها بمنظور شمولي من جهة، وأيضا تبيان تحكم المنظور السياسي في توجيه الأدب رغم هذا التنوع من جهة ثانية...
والسؤال الآن هو كيف نبرر ما قلناه سلفا من خلال متن هذا النص؟
توصيف الكتاب:
1 – نبذة عن الكتاب:
كتاب نظرية الأدب للكاتب تيري إيغلتون ، صدر سنة 1983 م، وترجم للمرة الأولى في شتنبر من عام 1991م، عن سلسلة كتابات نقدية التي تصدرها الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة بتوقيع أحمد حسان، ثم النسخة التي بين أيدينا بترجمة ثائر ديب في دمشق عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية الطبعة الأولى سنة 1995 ب 360 صفحة ، والتي تدخل في مجال الدراسات النقدية العالمية ، عبرها يقدِّم الكاتب البريطاني والباحث في نظريات الأدب "تيري إيغلتون" عرضًا يشملُ النظرية الحديثة للأدب، ويستهدف فئة من الناس لديهم معلومات بسيطة عن موضوع نظرية الأدب أو ليس لديهم أية معلومات حولها، بشكل مبسط يمكن للجميع أن يدركه، ولكن دون أن يصل فيه إلى مرحلة الابتذال .
للكتاب طبعة جديدة، صدرت عن دار المدى بيروت، بتاريخ 1/1/2016 م، وبعدد صفحات 343 صفحة. وقد جاء في تصدير الكتاب عن ثائر ديب قوله: «... وعلى الرغم من أن مثل هذا المشروع لابد أن ينطوي على ضروب من الإغفال والإفراط في التنشيط، فقد حاولت أن أجعل الموضوع في متناول مدارك العامة، دون أن أبتذله.
ولما كنت أعتقد أن ليس ثمة طريقة لعرضه "حيادية"، وخلوا من أحكام القيمة، فقد أدليت بدلوي في كل حالة محددة، الأمر الذي آمل أن يضاف إلى الكتاب.»3
يعتبر هذا الكتاب أحد المراجع المهمة في دراسة الأدب والنظريات النقدية الحديثة، خصوصًا مع ما اتسم به من شمولية وإحاطة ومراعاة البعد التعليمي في عرض النظريات النقدية الحديثة وربطها بالتيارات الفكرية والفلسفية الأساسية التي تمخضت عنها.
2 – فهرسة مضمون الكتاب:
يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة هي على التوالي:
مدخل: يطرح فيه السؤال الإشكالي: ما هو الأدب؟
الفصل الأول وفيه يتحدث عن نشأة الأدب الإنجليزي، أي تطور الدراسات الإنجليزية والنقد الأدبي بها.
يخصص الفصل الثاني لنظريات القراءة والتأويل والتلقي المنبثقة عن فلسفة الظاهراتية والهريمينوطيقا.
يعالج في الفصل الثالث البنيوية اللغوية والسيميائيات.
يختص الفصل الرابع لما بعد البنيوية اللغوية.
ويأتي الفصل الخامس عن التحليل النفسي للأدب.
ثم خاتمة عنوانها النقد السياسي.
قراءة في كتاب تيري إيغلتون "نظرية الأدب"
حسب التصدير الذي كتبه ذ. ثائر ديب، فإن إيغلتون في كتابه استعمل لغة بسيطة على خلاف مؤلفاته السابقة، معتبرا أن هذا الكتاب هو ذو طبيعة سجالية تخضع كل روافد نظرية الأدب المطروحة في الفصول السابقة للمساءلة، مع تقديم حجج مضادة تكشف الثغرات والعيوب من زاوية نظره.
موضحا أنه وضع لكل رافد أرضية فلسفية وفكرية يتقاطع عندها الاجتماعي والتاريخي والمعرفي، كنوع من التبسيط والشرح، لأنه كتاب موجه لنوعين من القراء:
أولهما يجهل نظرية الأدب ويحاول فهمها.
والثاني يعرفها معرفة مشوشة وناقصة.
بعبارة أخرى، حاول ذ. ثائر ديب أن يوهم بأن هذا الكتاب ليس موجها للمختصين، لكن الأمر خلاف ما توحي إليه المقدمة تصدير الكتاب، لأن التواضع الذي تمسك به إيغلتون في صياغة نظرية الأدب، لا يتسم به إلا من بلغ في العلم مبلغا... خاصة وأنه عمل على تتبع تاريخ دراسة النصوص من ق.19 من المرحلة الرومانسية حتى مرحلة ما بعد الحداثة في أواخر ق.20 وهو ما سيأتي توضيحه كالآتي:
ما هو الأدب؟
يقول ايغلتون أنه إذا كان ثمة نظرية للأدب، فلابد أن يكون هناك أدب في نظريته، لذلك يجب أن نبدأ بطرح السؤال: ما هو الأدب؟ موضحا أن محاولات كثيرة كانت تريد تعريف الأدب، لكنها أجمعت على أنه "كتابة تخييلية Imaginative"، أي كتابة ليست حقيقية بالمعنى الحر للكلمة، لكن هذا التعريف يعد غير كاف إذا ما ألقينا نظرة ولو سريعة على كل ما يدرجه الناس عموما تحت عنوان الأدب:
إن التمييز بين الواقعية والتخييل من غير المحتمل أنه يمضي بنا بعيدا، ويضعنا أمام إشكالية ناقشها ايغلتون وفسرها بكون هذا التمييز ذاته هو موضع شك في الغالب، مثلا المقابلة بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية لا تنطبق أبدا على الساغات4، وكلمة رواية قد استخدمت في إنجلترا نهاية ق.16 وبداية ق.17، وهي تضم أحداثا حقيقية وتخييلية، وقد ظن نيومان5 أن تأملاته اللاهوتية حقيقية، ولكنها اليوم أدب بالنسبة لكثير من القراء، في حين أن مؤلفي سفر التكوين6 حسبوا أنهم يكتبون الحقيقة التاريخية، لكنهم يقرأون اليوم بمثابة واقعة من طرف البعض وتخييل من قبل البعض الآخر.
هنا نصل إلى حقيقة مفادها أن الأدب حين يضم الكثير من الكتابة الواقعية، فهو يقصي قدرا وافرا من التخييل، مع العلم أن بعض المجلات مثل سوبرمان هي تخييلية لكنها لا تعتبر أدبا...
وحتى إذا اعتبرنا أن الأدب كتابة إبداعية تخييلية، فهل يقتضي ذلك أن التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية ليست إبداعية وتخييلية؟
إذا نحن في حاجة إلى نوع مختلف من المقاربة، وذلك عبر تعريف الأدب ليس لأنه تخييلي أو تخيل وإنما لأنه يستخدم اللغة بطريقة غير مألوفة، وفي ذلك إحالة الى النظرية الشكلانية، حيث يقول رائدها الناقد الروسي رومان جاكبسون7: "الأدب في هذه النظرية هو نوع من الكتابة التي تمثل عنفا منظما يرتكب بحق الكلام الاعتيادي"8، وبذلك يكون الأدب عبارة عن تنظيم محدد للغة له قوانينه وبناؤه وصنعاته النوعية الخاصة، مؤلف من كلمات وليس من موضوعات أو مشاعر، ومن الخطأ رؤيته كتعبير عن رأي المؤلف.
وقد انطلق الشكلانيون9 من رؤية العمل الأدبي كحشد من الصنعات10، ولم يتوصلوا إلى استنتاج أن هذه العناصر بمثابة عناصر أو وظائف مترابطة ضمن نظام نصي كلي تضم: الصوت – المخيلة – الإيقاع – النحو – العروض – القافية والتقنيات السردية... إلا لاحقا، لكن ما يحسب لهم هو أنهم رأوا في اللغة الأدبية نسق من الانحرافات عن معيار اللغة الاعتيادية، وبذلك تكون الأدبية عندهم هي وظيفة للعلاقات التخالفية بين نوع من الخطاب وآخر.
تلخيص مضمون الكتاب:
قارب تيري إيغلتون "نظرية الأدب" بطريقة شمولية، عمد فيها إلى المنهج الوصفي للظاهرة، والذي يمزج الرؤيتين التاريخية والتحليلية، من أجل الإلمام بكل تفاصيلها التي تساعد الدارس في مجال الأدب ونظرياته، اغتنام الكثير من قضاياه، بدءا من مدخل طرح فيه السؤال: ما هو الأدب؟ هل هو كتابة تخييلية أم واقعية؟ مع رفضه إقصاء التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية من تصنيفات الأدب، والتي يجب أن تختص باللغة غير المألوفة كما هو الحال عند جاكبسون في نظريته الشكلانية.
بعد ذلك تطرق في فصله الأول إلى تأريخ نشأة الدراسات النقدية الإنجليزية منذ القرن 18، والذي كان يعتبر الأدب هو كل كتابة ذات قيمة، أطلق عليها اسم الأدب المهذب (فلسفة – تاريخ – قصائد...)، غير أنه في القرن 19، ضاق مجال الأدب، ليقتصر فقط على ما هو إبداعي، ليصير الشعري تخييليا، والنثري واقعيا، يهرب منه الذوق لأنه يذكر بالموت الأسود، فكرة تبناها التيار الرومانسي لتمرير نظرته الإيديولوجية المنتقدة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي...مستعملا ما يعرف بسلطة الرمز ضمن تناسقه الجمالي، الشيء الذي جعل جورج غولدن يقول: "على الأدب الإنجليزي أن ينقد إنجلترا".
وبفعل تطور الترسيخ الأكاديمي، بدأ التليين للأدب حتى يشمل أيضا الإيديولوجية الأنثوية، غير أنه وأمام الزحف الامبريالي، كان لابد للأدب الإنجليزي أن يصون قوميته، فاهتم بالشاعرين الكبيرين شكسبير وميلتون، مع نقد الهراء التيتوني الألماني، وبذلك أصبح الإنجليزي فعلا منافسا كبيرا لفقه اللغة، في جامعة أكسفورد وكيمبردج، خاصة مع إصدار مجلة التمحيص الدورية على يد ليفيس وتلامذته.
ثم تطرق بعد ذلك في الفصل الثاني لعلم الظاهرات مع هسرل وهو محايثة الواقع بالاختزال الظاهراتي، وأيضا التفت للتأويل مع هايدغر في مشروعه الفلسفي تأويل الكينونة، أتبعه بنظرية الاستقبال التي تحتفي بالقارئ الضمني مع إيزر، والتي مع بلوغها يكون الأدب قد وصل مرحلة الانزياح، هذا التصور الجديد كان له جميل الفضل في تطور التفكير الأكاديمي في القرن 20 مع ديسوسور مؤسس اللسانيات والتي طورها بيبرس الأمريكي إلى سيميائيات، كما جاء في الفصل الثالث، واللتان استغلهما الأدب من أجل النظر إلى اللغة بوصفها وسيلة إنتاج مادية، خلفت إنتاجات فكرية متميزة تهم علاقة اللغة بالأدب.
لم يكتف إيغلتون بهذا القدر، إذ نجده أيضا قد أفرد الفصل الرابع لموضوع أسماه "ما بعد البنيوية"، محاولا استعراض أهمية التقابلات التكتيكية لدريدا، والتي تسمح بتفكيك الخطابات والنصوص الأدبية وتحليلها وفق رؤية الناقد وتصوراته الإيديولوجية وأيضا تخصصاته الفكرية (حركة الحداثة الأدبية)، التي تبين أن ذلك التقابل التراتبي بين الرجال والنساء ما هو إلا وهم ميتافيزيقي، حقيقة توصل إليها التحليل النفسي في الفصل الخامس، والذي تم فيه توضيح البعد الغرائزي لذى الإنسان من جذور عقدة أوديب الفرويدية، التي أعاد تأويلها لاكان بربطها باللغة، فوصل إلى نتيجة تبين أن ثمة علاقة بين التحليل النفسي والأدب من جهة المؤلف وأيضا من جهة المحتوى.
ولم يختم إيغلتون تحليله الوصفي هذا إلا بخاتمة معنونة بالنقد السياسي.
النقد السياسي
تطرق الكتاب إلى عدد من الإشكاليات في النظرية الأدبية، وقد وصلنا لخاتمة الكتاب ومازال بأذهاننا جملة من الأسئلة العالقة هي كالآتي:
من الأكيد أن تاريخ النظرية الأدبية الحديثة جزء من التاريخ السياسي والإيديولوجي لحقبتنا، فمنذ بيرسي11 وشيلل حتى نورمان والنظرية الأدبية مرتبطة بالقناعات السياسية، والقيم الإيديولوجية على نحو لا يقبل الانفصال، لأن هناك صلة بين النظرية الأدبية وبين النظام السياسي، بحيث تسهم بدراية أو بغيرها في إسناد وتعزيز افتراضات هذا النظام.
قلنا إن الأدب مرتبط بصورة حيوية بأوضاع البشر الحياتية، فهو ملموس وليس مجردا، لأنه يظهر الحياة بتنوعها الخصب، غير أن المفارقة هو في النظرية الأدبية الحديثة، لأنها تؤسس لسرد الفرار من الوقائع، وتسعى إلى سلسلة من البدائل مثل: القصيدة – الخيال – الأسطورة... وهنا نعود لفاتحة الكتاب ومدخله حيث وضعنا إيغلتون في إشكال مفاده أن الأدب غير موجود.
إذا لم يكن الأدب موجودا، فكيف للنظرية الأدبية أن توجد؟
هناك طريقتان مألوفتان ممكن بهما لأية نظرية أدبية أن تقدم ذاتها مع غاية وهوية متميزتين:
فإما أن تعرف ذاتها تبعا لمناهجها الخاصة في البحث.
أو أن تعرف ذاتها تبعا للموضوع الخاص الذي تبحث فيه.
وأي محاولة لتعريف نظرية الأدب تبعا لمنهج مميز، هي محاولة محكوم عليها بالفشل، لأنه من المفترض بالنظرية الأدبية أن تفكر في الأدب والنقد الأدبي.
إن النقد الأدبي هو نوع من الكلام بمستوى معين من الكفاءة في موضوع يدعى الأدب، لذلك فالتطرق إليه يتم بمناهج سيرية (بيوغرافية) / أسطورية (ميتولوجية)12 و مناهج سيميائية...فقد قال رولان بارت: "الأدب هو ما يتم تعليمه"13، كما يجب ألا نقلق كثيرا من هذا الافتقار إلى وحدة منهجية في الدراسات الأدبية، حيث أن الخطاب النقدي ليس له مدلول محدد، بيد أنه يعمل على إقصاء طرائق كثيرة جدا في الكلام عن الأدب، على اعتبار أن الخطاب النقدي هو في نهاية المطاف سلطة، وسلطة الخطاب النقدي تنتقل على مستويات عدة، سلطة تمارس بولسيتها على اللغة، فتحدد أن أقوالا معينة ينبغي إقصاؤها لأنها غير مشاكلة للمقبول من القول، وهي سلطة تمارس بوليسيتها على الكتابة أيضا، فتصنفها إلى كتابة أدبية ولا أدبية.
إن النظرية الأدبية ليست في الحقيقة سوى فرع من الإيديولوجيا الاجتماعية دون أي وحدة أو هوية تميزها بصورة كافية عن الفلسفة وعلم النفس والأبحاث الثقافية والاجتماعية... فكل نظرية أدبية تفترض مسبقا نفعا معينا من الأدب، حتى وإن كان ما تحصل عليه منه غير نافع مطلقا، والنقد الإنسانوي الليبرالي ليس مخطئا في انتفاعه من الأدب، بل مخطئ في خداع نفسه بأنه لا يفعل، لأنه ينتفع به في تعزيز قيم أخلاقية معينة، والتي هي في الحقيقة لا تنفصل عن قيم إيديولوجية معينة، وفي النهاية يمكن القول أنها تنطوي على شكل محدد من السياسة.
وهذا لا يعني أن الإنسانوية الليبرالية تقرأ النصوص بنزاهة ومن تم تضع ما قرأته في خدمة قيمها، بل تعني أن القيم تحكم سيرورة القراءة الفعلية ذاتها، وتملي ما يضفيه النقد من معنى على الأعمال التي يدرس، مع العلم أن الثقافة مرتبطة بالسياسة في أربع نطاقات هي:
الثقافة في حياة الأمم التي تكافح من أجل استقلالها عن الإمبريالية، ذلك أن هذه الأخيرة ليست مجرد استغلال لقوة العمل الرخيصة والمواد الخام والأسواق السهلة، وإنما هي أيضا اجتثاتات للغات والعادات من جذورها.
نطاق ثقافة حركة النساء، بحيث يهتم الأنثويون اهتماما واضحا بكل أشكال الخطاب.
نطاق صناعة الثقافة هو السياسة.
ونطاق حركة كتابة الطبقة العاملة: إن الكادحين في ابريطانيا - بعد أجيال من الصمت - وبعد أن تعلموا أن الأدب فعالية بعيدة عن متناولهم، تنظموا على نحو نشط لإيجاد أساليبهم وأصواتهم الأدبية الخاصة.
وهنا يصل إيغلتون إلى خلاصة تقضي بأن الأدب مرتبط بصورة حيوية بأوضاع البشرية الحياتية، أي الواقع، مع مفارقة تبين أن النظرية الأدبية الحديثة أصلا تؤسس الفرار من هذا الواقع إلى ما هو تخييلي.
وهنا نعود يعود بنا إيغلتون لسؤال الانطلاق: ما هو الأدب؟ هل هو تخييلي أم واقعي؟
كيف قارب تيري إيغلتون نظرية الأدب ضمن كتابه؟
مستوى المضمون:
استوفى تيري إيغلتون مقاربة ظاهرة نظرية الأدب بالدراسة والتحليل لكل مفاهيمها بدءا بطرح التساؤل: ما الأدب؟ من حيث الواقعي والتخييل، مرورا بالجوانب التي يمكن أن تلتبس بها مثل الأدب المهذب كان (التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية...)، بل وأضاف بالفحص والدراسة والتنقيب كل النظريات التي تبحث في الأدب من حيث اللغة والأسلوب والخطاب ثم النص، كالنظرية الشكلانية - الاختزال الظاهراتي – تأويل الكينونة – نظرية الاستقبال - ... مع اعتماد مختلف الاتجاهات النقدية والمتطورة عبر التاريخ: النقد الطبيعي – النقد الفوكوي - النقد الأمريكي – النقد البنيوي – السيميائي – النقد الحديث – التحليل النفسي وختم بالنقد السياسي.
مستوى اللغة:
من خلال تتبع اللغة التي استخدمها تيري إيغلتون في تأليف كتابه نظرية الأدب، نجد أنه استطرد كثيرا وهو يحلل الموضوع، عن طريق الاتيان بمجموعة من الاحالات و المصادر الداعمة للنظريات الكثيرة المتضمنة في المؤلف، بغية الإحاطة بكل ما يفيد في تبسيط الظاهرة وتقريبها للقارئ، فحسب التصدير الذي كتبه ذ. ثائر ديب، فإن إيغلتون في كتابه قد استعمل لغة بسيطة على خلاف مؤلفاته السابقة، معتبرا أن هذا الكتاب هو ذو طبيعة سجالية تخضع كل روافد نظرية الأدب المطروحة في فصوله للمساءلة، مع تقديم حجج مضادة تكشف الثغرات والعيوب من زاوية نظره.
موضحا أنه وضع لكل رافد أرضية فلسفية وفكرية يتقاطع عندها الاجتماعي والتاريخي والمعرفي، كنوع من التبسيط والشرح، لأن الكتاب موجه لنوعين من القراء:
أولهما يجهل نظرية الأدب ويحاول فهمها.
والثاني يعرفها معرفة مشوشة وناقصة.
بعبارة أخرى، حاول ذ. ثائر ديب أن يوهم بأن هذا الكتاب ليس موجها للمختصين، لكن الأمر خلاف ما يوحي إليه تصدير الكتاب، لأن التواضع الذي تمسك به إيغلتون في صياغة نظرية الأدب، لا يتسم به إلا من بلغ في العلم مبلغا...
كما أن هناك طابع مميز يمكن استشرافه من لغة الكاتب المتسمة بالسخرية تجلت في السؤال الذي افتتح به المدخل ثم انتهى إليه في الخاتمة، بالرغم من استفاضة التحليل للظاهرة من كل الجوانب والاتجاهات الفاحصة، وهذا يدل على أن البحث في نظرية الأدب يجب أن يسبقه توحيد الاديولوجيات حول مفهوم الأدب أولا والذي يعد أصلا مفهوما شائكا وإشكاليا، ثم توحيد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة بشكل مباشر في المستويات الفكرية والأيديولوجية لإنتاجه ومقاربته.
لقد تعمد إيغلتون أن يخلق زوبعة ذهنية لقارئ كتابه، يشوقه بطرح سؤال إشكالي في البداية، موهما أنه سيجيب عليه عبر أسبار التحليل والتفصيل لما ورد بين دفتي الكتاب، حتى يصل به للخاتمة ويؤكد له فيها نفس السؤال، بعد أن أمتعه بالدراسة والتحليل للتطور الأدبي والفكري للأدب، وبهذا يكون إيغلتون قد أخلص لسمة العلوم الإنسانية التي تطبعها النسبية وتجعلها وقضاياها في تجدد مستمر.
مستوى المنهج:
ورد لفظ (المنهج) في لسان العرب بمعنى الطريق14،فضلا عن الطريق الواضح15، وهذا ما جاء في القرآن الكريم في قولـه تعالى: ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا﴾16، وهو في لغة الاصطلاح الطريقة التي يسير عليها دارسٌ ليصل إلى حقيقة في موضوع من موضوعات الأدب، أو قضاياه منذ العزم على الدراسة، وتحديد الموضوع حتى تقديمه ثمرة إلى القرّاء17.
إذا المنهج هو الطريق أو المسلك الذي يتّبعه المؤلف أثناء مقاربة تصوره داخل كتابه أو دراسته أو بحثه، ومن المعلوم أن مناهج البحث تتعدد وفقاً لعدة تصنيفات عالمية، ولعل المنهج التاريخي، والوصفي، والتحليلي من أشهر مناهج البحث العلمي، التي وجدنا أن إيغلتون قد استنجد بها في كتابه "نظرية الأدب" كما يلي:
أولا – المنهج الوصفي:
بدءا لا بد من معرفة حدود المنهج الوصفي الذي يستعمل في الدراسات الإنسانيّة بعامّة، وهو يستقصي الظاهرة الأدبيّة، أو النقديّة لغرض وصفها برؤية تاريخيّة ، وأخرى تحليليّة، فقد جاء في لسان العرب: الوصف: وصفك الشيء بحليته، ونعته18..، وقديما عرّف قدامة بن جعفر(337هـ)الوصف بأنّه "ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات"19، بمعنى والحديث للناقد ابن رشيق القيرواني(456هـ) "الإخبار عن حقيقة الشيء"20 ، وإذا كان قدامة، والقيرواني يتحدّثان عن وصف الشعر فإنّ حديثهما ينصرف إلى أكثر من جنس أدبيّ قد يتعلق بالنثر ، وبالنقد أيضا ، بمعنى أنّه مجموعة من الإجراءات البحثية التي عمد إليها إيغلتون وهو يصف الأدب قبل سرد تأريخه، وبيان تحليله، كي يكون للوصف عناية خاصّة بمنظوره من حيث ملامح شكله؛ أي ضبط مفهوم الأدب، ومعرفة نظرياته، كما هو في حدود استعمالاته وإنتاجاته القديمة والحديثة، وقد اعتمد الآتي من الإجراءات:
اعتماد الوصف في التمييز بين الواقعية والتخييل في مجال الأدب، مؤكدا أن ذلك يضعنا أمام إشكالية تضع هذا التمييز ذاته موضع شك في الغالب، في مثل المقابلة بين الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية، التي لا تنطبق أبدا على الساغات ، وكلمة رواية قد استخدمت في إنجلترا نهاية ق.16 وبداية ق.17، وهي تضم أحداثا حقيقية وتخييلية، ومع ذلك فإنها تدخل في دائرة الأدب...
تفصيل الفصل الثاني بالدراسة الوصفية / التحليلية لكيفية نشوء الدراسات النقدية الإنجليزية، منذ الأدب المهذب في ق.18 إلى ظهور الرمز الرومانسي وسلطته الإيديولوجية.
استعراض كل النظريات التي تناولت الأدب واللغة بالدراسة بوصفها والتفصيل لها عبر كل أطوار الكتاب في مثل: النظرية الشكلانية – الاختزال الظاهراتي – النقد الأمريكي – النظرية البنيوية – السيميائيات – النقد الفوكوي – التحليل النفسي – النقد السياسي – النقد الطبيعي – نظرية الاستقبال - المذهب الرومانسي...
وصف تأثير الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على الانتاجات الأدبية والابداعية الأدبية وتبادل التأثير الجدلي بينها وبين النقد السياسي...التصور الإيديولوجي للمؤلف.
ثانيا - الرؤية التأريخيّة/ المنهج التاريخي:
وهي من أقدم الرؤى التي استندت إلى المنهج التاريخي الذي كان رائده سانت بوف21 وهيبوليت تين22، وخلاصة هذه الرؤية المنهجيّة التأكيد على أن الأدب مثل الطبيعة لا يعرف مجالا للقوانين الفرديّة ، وأن الأدباء يخضعون جميعا في كلّ أدب وكلّ أمة للقوانين العامّة، وأنّ أيّة محاولة لفهم هذا الأدب فهما صحيحا لا بد لها من الرجوع إلى التربة التي أنبتته، والعوامل التي أعانت على نمائه23، ومغزى هذه الرؤية كما أفهم من عمل إيغلتون الوقوف عند التطوّر التاريخي لنظرية الأدب، وهذه غاية نبيلة تتمّ من خلال التتبّع الزمني لتأريخ مفهوم الأدب ونظريته، وكيف تقلّب على يد النقّاد والدارسين مئات السنين، وهذا ما سنلاحقه عبر فصول الكتاب كما يلي:
الفصل الثاني الذي عنونه بنشوء الإنجليزي، وهي إشارة قوية للاستقراء التاريخي لتطور الأدب ودراساته بإنجلترا منذ ق.18، ومن خلاله تم الإحالة على كل أنواع المؤلفين والمؤلفات بفتراتها التأريخية وإثبات منحاها التطوري سواء على مستوى الانتاجات الأدبية أو على مستوى النظريات النقدية المواكبة لها والتي بدأت مع الأدب المهذب وانتهت بمجلة التمحيص وقوة الرمز الرومانسي الذي أصبح بديلا عن سلطة الكنيسة وأدوارها الدينية...
الاستقراء التاريخي لتطور الظاهرة الأدبية ونظرياتها ليس فقط بإنجلترا فحسب ولكن في تاريخها الأدبي نفسه تبينه الخطاطة التي تؤكد أن تاريخ النظرية الأدبية الحديثة مر بثلاث مراحل هي:
ثالثا - الرؤية التحليليّة / المنهج التحليلي:
يمكن أن نعدّ الرؤية التحليليّة التي أنتهجها تيري إيغلتون وهو يديم الصلة بالنظريات التي تناولت الأدب والتيارات الفلسفية الناجمة عنها كمحاولة ملحقة بالوصف، وذلك لأنه أراد فتح مغاليق الأدب للاستفادة من تطور المفهوم خدمة للثقافة الأدبيّة والنقديّة، فهو يستخرج مكنون المفهوم الذي ينهض من اتجاهاته وأصوله الفلسفية، ليكون ذا فاعليّة نقديّة في إطار زمان ومكان محدد.
والتحليل بتعريف جورج مونان24 "كلّ تقنيّة تسعى إلى التأسيس العام، والشكلي للروابط الموجودة بين وحدات الخطاب المنطوق، أو المكتوب في مستوى أعلى من مستوى الجملة" وهو بحسب التعريف السابق ينفتح على ضرورة التعامل مع مختلف التيارات الفلسفية والنظريات المعرفية المنبثق عنها الأدب، ومنه نظريته بوصفها شكلا يتجاوز بنية الكلمة، والجملة إلى تحليل الخطابات والنصوص.
وإذا كان التحليل بحسب علم النفس هو "تفكيك أمر ما إلى مركّباته الأساسية"، فقد اعتمد إيغلتون على فصل كامل (الفصل الخامس للتحليل النفسي) يبين فيه أن التطورات التي شهدتها النظرية الأدبية الحديثة والاضطراب السياسي والايديولوجي في ق. 20، سببه مسألة الحروب والانهيارات الاقتصادية والثورات التي ساهمت في تأزيم العلاقات الإنسانية، فضلا في كونها زلزلت الحالات النفسية والاجتماعية وهذا يعني تراكم القلق – الخوف - ...الذي طبعت مراحل التاريخ المكتوب، فظهر لنا حقل نظامي جديد من المعرفة، يعرف باسم التحليل النفسي الذي طوره سيغموند فرويد في فيينا أواخر ق.19 والذي كان يرى بأن التاريخ الثقافي خلق من تصعيد يقوم على تحويل غرائزنا وتسخيرها لخدمة أهداف سامية ، وهذا الأمر هو الذي دفع المحلل النفساني جاك لاكان إلى القول "أن اللاوعي مبني مثل اللغة" .
يوضح لاكان أن التحليل النفسي ليس نظرية عن العقل البشري وحسب، وإنما أيضا ممارسة لمعالجة الأمراض والاضطرابات الذهنية من خلال إعادة تأويل الفرودية بالارتباط مع اللغة، والتي هي فعالية اجتماعية واضحة، عن طريق سبر العلاقات بين اللاوعي والمجتمع البشري،
يمكن بصورة عامة تقسيم النقد الأدبي إلى أربعة أنواع تبعا لما يعتبر موضوع اهتمامه، حيث يمكنه أن يعنى بمؤلف العمل – محتويات العمل - بناؤه الشكلي – القارئ، ومعظم التحليل النفسي هو من النوعين الأولين: فالتحليل النفسي للمؤلف عمل تأملي لمناقشة الصلة بين قصد المؤلف والأعمال الأدبية، والتحليل النفسي للمحتوى، أي التعليق على التحفيزات اللاواعية للشخصيات، أو على الدلالة التحليلية النفسية للموضوعات أو الأحداث في النص.
إذا ثمة صلة بسيطة وجلية بين التحليل النفسي والأدب يجب أن نتطرق إليها ونضيئها – سواء أكان صوابا أو خطأ – وهي أن النظرية الفرويدية تعتبر التحفيز الأساسي وراء كل سلوك بشري، تهدف تجنب الألم ونيل اللذة، لذلك فإن السبب الذي يدفع الغالبية العظمى من البشر لقراءة قصيدة والرواية والمسرحيات هو أنهم يجدونها ملذة.
وفي هذا النصّ الذي يحوم حول التحليل الجماليّ والنقدي لمفهوم الأدب ونظريته تحدّث إيغلتون عن مجمل التيارات التي تعنى بالأدب وخاصة حين تشمل النصّ الأدبيّ بثوبها القشيب، فتكون وظيفة التحليل: التفصيل، ووضع اليد على الجمال، ومقاربة النصّ بصنعة العارف، وعندي أنّ التحليل الجمالي للنص الأدبي يتشارك وتحليل النصّ النقديّ في أنّهما مبنيّان على إظهار قوة اللغة، وإشاعة المفاهيم الكامنة في النصوص، فالتحليل في كلتا الحالتين يهدف إلى إبراز الأفكار، والقيم الجماليّة، والاشارة إلى الفاعليّة التأثيريّة.
وتحليل نظرية الأدب عند إيغلتون يراهن على تفكيك البنية الخاصّة بالمصطلح إلى عناصرها الأساسيّة التي تنبثق منها الرؤية النقديّة ذات الفاعليّة التي تشتمل على الدلالة الخاصّة التي يُعرف بها في حدود الاشتغال الذي يتجاوز البنية التي تتشكّل في حدود كلمة واحدة، أو أكثر إلى نصّ له آثاره التي تتمدّد في النصوص، من حيث السمات الصوتيّة، والتركيبيّة، والدلاليّة: اللسانيات والتشكيلية والسيميائيات والتأويل.
وتقتضي الرؤية المنهجيّة عند إيغلتون، أن يأتي بالنظرية الواحدة مقرونة بتعريفات عدّة ينقلها من مصادرها، أو من أصولها الفلسفية، أو من قسم من المراجع التي لها تماس بجذورها، وهذا ما فعله مع النظرية البنيوية مبينا أن ازدهار البنيوية سيكون في ستينيات ق. 20 ، كمحاولة لتطبيق مناهج مؤسس الألسنية البنيوية الحديثة فيرديناند ديسوسور على الأدب، وكتابه الشهير "محاضرات في الالسنية العامة 1916 م"، فسوسور نظر إلى اللغة بوصفها نظاما من الأدلة الذي ينبغي دراسته تزامنيا، أي دراسته كنظام مكتمل عند لحظة زمنية معينة وليس تعاقبيا في تطوره التاريخي، كما ينبغي النظر إلى كل دليل Signe بوصفه مؤلفا من دال Signifier صورة صوتية أو مكافئها الكتابي ومدلول Signified كمفهوم أو معنى...
ووقف على كيف أن واحد من الشكلانيين الروس وهو رومان جاكبسون، استطاع أن يقيم صلة وصل رئيسة بين الشكلانية والبنيوية الحديثة، فقد اعتبر جاكبسون الشعرية Poétiques جزء من حقل الألسنية يقوم قبل كل شيء على دخول اللغة مع ذاتها في نوع من العلاقة الواعية لذاتها. هذه الاعمال التي قامت بها مدرسة براغ جعلت مصطلح البنيوية يختلط إلى حد كبير مع كلمة السيميائية ...
هذه الإحاطة بمجمل النظريات والاتجاهات تعطي دليلا إلى عناية المؤلّف بنظرية الأدب وتتبّع ما قيل فيها، ومن ثمّ تسهل مهمّة تحليلها طمعا في مقاربتها بتفصيل والتوصل لتحديد نهائي لها، أمر لم يتأت له، بل زاد القارئ حيرة بسبب هذا التعدد والاسهاب، وان كان سيغنم المعلومات التي تؤطر النظرية من كل الجهات: الثقافية – الأيديولوجية - الاجتماعية – النفسية – التاريخية وحتى السياسية.
خلاصة القول: فعلى الرغم من أنّ إيغلتون قد تحدّث منذ البداية عن تبسيط أسلوبه ومنهجيته في تأليفه لكتابه التعليمي "نظرية الأدب"، من أجل توجيهه لفئة بسيطة من القراء، لا يعرفون نظرية الأدب، أو فئة لها معلومات قليلة عنها، إلا أن دارسه والمطلع عليه يؤكد أن ذلك كان مجرد تواضع كبير من باحث تعمق في إشكال الظاهرة موضوع البحث، وفصلها بشمولية وتفكيك ابستملوجي25 مستفيض اعتمد فيه منهج الوصف ذي الرؤيتين التأريخيّة والتحليليّة.
اعتمد إيغلتون على خلفية إيديولوجية وجهت دراسته، والتي توخى منها التأكيد على تأثر الأدب بالبعد الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، والسياسي على مر التاريخ. وقد أكد بين طيات كتابه على أن أي محاولة لتعريف نظرية الأدب تبعا لمنهج مميز، هي محاولة محكوم عليها بالفشل، لأنه من المفترض بالنظرية الأدبية أن تفكر في الأدب والنقد الأدبي.
ضمن كتابه مجموعة من الاحالات على أعلام وكتب ونظريات فلسفية...بعضها وضع له هامشا للشرح والتوضيح، وبعضها تركه بدون شرح وكأنها مفاهيم مفروض معرفتها لدى الجميع وهذا يؤكد أن الكتاب ليس موجها لقراء ليس لهم معرفة بنظرية الأدب، بل إنه موجه لمتخصصين في مجال الأدب. وهذا جعلني أحاول تمثل المفاهيم بالبحث والاستقراء والتقصي ... ثم إضافتها لعرضي للمزيد من التوضيح.
الساخر في فلسفة إيغلتون ومقاربته لنظرية الأدب هو افتتاحه المدخل بسؤال إشكالي: ما هو الأدب؟ ثم توالي الشرح والتوضيح والتفسير بنظريات وفلاسفة وتيارات واتجاهات يتيه بك الكتاب بها بين طياته، ثم بلوغ الخاتمة والسؤال بذهنك، لأنك حتما ستغتنم معلومات ومعرفة كبيرة عن نظرية الأدب دونما الحسم في السؤال: ما الأدب؟ الذي يختم به إيغلتون كتابه، وهذا هو الطريف في الأمر أيضا.
هناك سؤال آخر حيرني في منهجه هذا: لماذا قسم فصوله لخمسة؟ مع أن المطلع على الكتاب يجد أنه تناول سبع فصول لتأطير النظرية، بحيث أن المدخل حلل فيه مفهوم الأدب، والخاتمة حلل بها النقد السياسي، ألا يشير هذا إلى أن موضوع البحث والدراسة هو مبثور الرأس، وكأن إيغلتون يدعونا للبحث أولا في تحديد متفق عليه بالنسبة لمفهوم الأدب، وعندها فقط سنتمكن من وضع تحديد أو توصيف دقيق لنظريته، أمر يراه ممكنا في ترابط وارتباط الأدب بالسياسة (فكرته الأيديولوجية)، وهذا في رأيي ما يفسر السؤال الذي وضعه في المدخل وختم به في النهاية.
ما يجب الإشارة إليه هو أن "النظرية الأدبية" تتطور بما يوافق المسار التاريخي العام، فما نتوافق عليه اليوم تحت مسمى "نظرية الأدب"، كان في زمن أرسطو يعرف باسم "الشعرية" وظل كذلك إلى زمن الفيلسوف الألماني هيجل... ليصبح اليوم مجموعة من النظريات والتوجهات الفكرية والثقافية شئنا أم أبينا.
المراجع المعتمدة
كتاب "نظرية الأدب" لتيري إيغلتون، ترجمة ثائر ديب.ط.1995 م.
ثائر ديب، تصدير كتاب "نظرية الأدب" ل: تيري إيغلتون، ص: 7، ط.1995
ابن خلدون: "مقدمة ابن خلدون" ص. 553
أورده غوسان في "الأدب والتعليم" ص. 341 – 342
ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة نهج.
ينظر: مختار الصحاح: الرازي: دار الكتاب العربي: 1981: مادة نهج.
سورة المائدة: الآية: 50.
ينظر: منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر: منشورات مكتبة النهضة- بغداد: ط1: 15.
ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة: وصف
نقد الشعر: تحقيق كمال مصطفى: مكتبة الخانجي في القاهرة: ط3: دون تاريخ: 118
العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني: دار الجيل بيروت: ط 4: 1972: 2: 294.
المناهج النقدية الحديثة أسئلة ومقاربات: د. صالح هويدي: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع: سورية: 2015: 74.
موقع ويكابيديا الالكتروني لترجمة سير بعض الفلاسفة اليونان ونظرياتهم ومصطلحاتهم.
1 شكري عزيز الماضي، "في نظرية الأدب"، ط. الأولى، بيروت دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، ص: 12
2 الماركسية: هي ممارسة سياسية ونظرية اجتماعية مبنية على أعمال كارل ماركس الفكرية، كانت أعمالهم تهتم في المقام الأول في تحسين أوضاع العمال المهضومة حقوقهم من قبل الرأسماليين، والقضاء على استغلال الرأسماليين للإنسان العامل.
3 ثائر ديب، تصدير كتاب "نظرية الأدب" ل: تيري إيغلتون، ص: 7، ط.1995
4 SAGA نوع نثري سردي اسلندي اسكندنافي، تحكي عن بطل مشهور أو عائلة أو مآثر الملوك والمحاربين، ظل معظمها شفوي حتى ق. 12 حيث بدأ تدوينها.
5 جون هنري نيومان 1801- 1890 كانط انجليزية اللاهوتي وشاعر، كان له دور فعال في تأسيس الجامعة الكاتوليكية، درس بجامعة أكسفورد في ق. 19
6 سفر التكوين هو أحد أسفار التوراة أسفار موسى الخمسة، جزء من التوراة العبرية، تم نسب تأليف السفر تقليديا لموسى، لكن العلماء المعاصرين يرون أنه منتج من القرنين 6و5 ق.م
7 رومان جاكبسون، هو عالم لغوي، وناقد أدبي روسي (11 تشرين الأول 1896-18 تموز 1982) من رواد المدرسة الشكلية الروسية. وقد كان أحد أهم علماء اللغة في القرن العشرين وذلك لجهوده الرائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة والشعر والفن.
8 نظرية الأدب لتيري إيغلتون ص. 11
9 الشكلانية هي تطبيق للألسنية في دراسة الأدب، ظهر الشكلانيون بروسيا عام 1917 م، من بينهم رومان جاكبسون – فكتور شكلوفسكي- أوسيب بريك...
10 الصنعات ومفردها صنعة، وهي شيء من الأثر الأدبي يراد به تحقيق غرض معين: صورة بلاغية – أسلوب خاص في الرواية والسرد - ...
11 بيرسي بيش شيلي (بالإنجليزية: Percy Bysshe Shelley) (وُلد في 4 أغسطس 1792 وتوفي في 8 يوليو 1822) شاعر إنجليزي رومانسي مهم، يعتبر واحداً من أفضل الشعراء الغنائيين باللغة الإنجليزية. موقع ويكابيديا.
12 الميثولوجيا أو الميثولوجية والتي اصطلح على ترجمتها إلى «علم الأساطير» هو مصطلح معرب عن اليونانية، ويطلق على العلم الذي يعنى بدراسة منشأ الأسطورة وتطورها...موقع ويكابيديا.
13 "نظرية الأدب". تيري إيغلتون. ص. 230
14 - ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة نهج.
15 - ينظر: مختار الصحاح: الرازي: دار الكتاب العربي: 1981: مادة نهج.
16 - سورة المائدة: الآية: 50.
17 - ينظر: منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر: منشورات مكتبة النهضة - بغداد: ط1: 15.
18 - ينظر: لسان العرب: دار المعارف بمصر: مادة: وصف
19 - نقد الشعر: تحقيق كمال مصطفى: مكتبة الخانجي في القاهرة: ط3: دون تاريخ: 118
20 - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: ابن رشيق القيرواني: دار الجيل بيروت: ط 4: 1972: 2: 294.
21 شارل أوغستان سانت ـ بوف (بالفرنسية: Charles Augustin Sainte-Beuve) كاتب وناقد فرنسي وُلد ... في عام 1828، قام بنشر كتابه الأول اللوحة التاريخية والنقدية للشعر والمسرح الفرنسي في القرن السادس عشر، مؤسس المنهج النقدي في البحث العلمي. وقع ويكابيديا.
22 إيپوليت أدولف تين Hippolyte Adolphe Taine (و. 21 أبريل 1828 - 5 مارس 1893) كان ناقداً ومؤرخاً فرنسياً. وكان المؤثر النظري الرئيسي على حركة الطبيعية الفرنسية، أحد أوائل ممارسي النقد التاريخي historicist. موقع معرفة الالكتروني.
23 - المناهج النقدية الحديثة أسئلة ومقاربات: د. صالح هويدي: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع: سورية: 2015: 74.
24 جورج مونان، كان لغويًا فرنسيًا ومترجمًا وسيميائيًا فرنسيًا. كان ناشطًا في المقاومة الفرنسية والحزب الشيوعي الفرنسي. موقع ويكابيديا.
25 يعود أصل مُصطلح الإبستمولوجيا لكلمة يونانية الأصل، وهي (Epistémologie)؛ مكوّنة من مقطعين (Epistème)؛ وتعني المعرفة، و (Logos)؛ وتعني السبب أو الحجّة، ويُشير مصطلح الإبستمولوجيا أو ما يُسمى بنظرية المعرفة إلى دراسة المعرفة والأشياء المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً.