السريالية هى : كلمة فرنسية الأصل تعنى : "ما وراء الواقع", والسريالية اصطلاحا هى : مذهب فنى يسعى اٍلى التعبير عن اللاشعور والعقل الباطن, ويخلط البعض بين السريالية كمذهب فنى وأدبى وبين ما يروق لى أن أسميه "اللعب باسم السريالية", حيث تجد أن الشاعر فى هذا النوع من اللعب يحاول أن يحاكى بشكل مُصطنع حالة المريض النفسى المصاب بالعُصاب, المستسلم استسلاما تاما للهذيان والتحلل العقلى والجنون, ونتيجة لذلك يصبح النصّ مجرّد كلمات غريبة مفككة خالية من الانفعال الشعرى, أمّا السريالية الحقيقية فهى ليست ( استسلاما سلبيا للهذيان والتحلل العقلى, بل هى اٍخلال متعقل بالحواس, أى انفلات من القيود اليومية التى تحيطنا بها حواسنا, ولكنه انفلات واع بذاته )1, وهى بذلك تمزج بين الحلم والواقع والوعى واللاوعى والذات والموضوع ( والشعر السريالى ناشئ عن دافع لا شعورى يبتدع القصيدة كما يُخلق الحلم )2 . ,
وعلى حد تعبير الشاعر الفرنسي "أندريه بريتون" رائد الشعر السريالى : ( اٍن كل شئ, يتوقف فى نهاية الأمر, على مقدرتنا على الهذيان الاٍرادى )3, اٍذا فالشاعر السريالى عندما يعيش حالة الهذيان فى تجربته الشعرية, فاٍنه ينفلت من قيود العقل انفلاتا واعيا اٍراديا ليُخرج ما بداخله من مشاعر وأفكار مدفونة فى اللاشعور, ويعتمد فى ذلك على "الكتابة الآلية" أو "الأتوماتيكية" التى تشبه أسلوب "التحليل النفسي", فالشاعر يشبه المريض النفسى الذى يسترخى على الأريكة ويُخرِج ما بداخله دون تخطيط منطقى مسبق, فتخرج الكلمات والجمل وكأنها غير مترابطة لكنها تحمل رموزا واٍشارات وصور غريبة محملة بشحنات لا شعورية تعبر عن المدفون فى أعماق الذات, عَصية على الفهم المباشر, ( تتزواج أو تتنافر فيما بينها مؤلفة صورا وكاشفة عن واقع لم يقله أحد بالضرورة )4, وعلى القارئ أن يتفاعل مع هذه الرموز التى تبدو ظاهريا غير مرتبطة, لكنها خارجة من منطقة "لا شعورية" واحدة وتعبر عن المكنونات الدفينة فى أعماق ذات واحدة وبينها روابط سياقية غير ظاهرة, تتجه لقارئ يقوم بالتفاعل معها والكشف عن الروابط السياقية الخفية لربط تلك الرموز ببعضها البعض, كما فى هذا المقطع من قصيدة سريالية بعنوان "الفأس فى الغابة" التى كتبها "أندرية بريتون" سنة 1932م .
أحد توفي منذ لحظة
لكنني إنا حي، ومع ذلك لم يعد لي روح،
لم يعد لي سوى جسد شفاف
في قراره يمامات شفافة
تمسكه يد شفافة تلقي بنفسها على خنجر,
أرى الجهد بكل جماله
الجهد الحقيقي الذي لا يزنه أي شيء
قبيل ظهور النجمة الأخيرة
إن الجسد الذي أسكنه يشبه كوخا
وبسعر مقطوع
يمقت الروح التي كانت لي والطافية بعيدا
هكذا نرى أسلوب التداعى الحر والكتابة الأوتوماتيكية حيث تبدو الكلمات والرموز والصور الغريبة الغير مألوفة للعقل والحواس للوهلة الأولى بلا رابط , لكنها خارجة من بؤرة لا شعورية واحدة وهناك مؤشرات سياقية مبعثرة فى النصّ تربط بين هذه الصور الرموز و الصورالغريبة, ويلتقط القارئ هذه الاٍشارات ويعيد تنظيم النصّ والربط بين صوره ورموزه, كما يلتقط المحلل النفسى الرموز والاٍشارات من بين كلمات الشخص الخاضع للتحليل النفسى, فالشاعر هنا يقف بين حالة الموت الفيزيقى باٍعلانه أن أحدا توفى منذ لحظة, ولكنه هو ـ الشاعر ـ ما زال حيّا, وتندفع بعد ذلك أفكار ومشاعر الذات الشاعرة من منطقة اللاشعور معبرة عن حالة تَموقُع الذات بين الموت واللاموت حيث يقول الشاعر : "إن الجسد الذي أسكنه يشبه كوخا وبسعر مقطوع, يمقت الروح التي كانت لي والطافية بعيدا" .
محمد علي عزب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ اٍدوار الخراط ـ ما وراء الواقع "مقالات فى الظاهرة اللاواقعية" ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ سلسلة كتابت نقدية العدد 86 ـ القاهرة أكتوبر 1997م ص 15
2 ـ المصدر السابق ص 15
3 ـ هربرت ريد ـ السرياليية والمذهب الرومانتيكى ـ ترجمة هيفاء هاشم ص 36
4 ـ المصدر السابق 38.
* صفحة أدباء مصر ـ جريدة الجمهورية ـ الجمعة 15 / 10 / 2021م
وعلى حد تعبير الشاعر الفرنسي "أندريه بريتون" رائد الشعر السريالى : ( اٍن كل شئ, يتوقف فى نهاية الأمر, على مقدرتنا على الهذيان الاٍرادى )3, اٍذا فالشاعر السريالى عندما يعيش حالة الهذيان فى تجربته الشعرية, فاٍنه ينفلت من قيود العقل انفلاتا واعيا اٍراديا ليُخرج ما بداخله من مشاعر وأفكار مدفونة فى اللاشعور, ويعتمد فى ذلك على "الكتابة الآلية" أو "الأتوماتيكية" التى تشبه أسلوب "التحليل النفسي", فالشاعر يشبه المريض النفسى الذى يسترخى على الأريكة ويُخرِج ما بداخله دون تخطيط منطقى مسبق, فتخرج الكلمات والجمل وكأنها غير مترابطة لكنها تحمل رموزا واٍشارات وصور غريبة محملة بشحنات لا شعورية تعبر عن المدفون فى أعماق الذات, عَصية على الفهم المباشر, ( تتزواج أو تتنافر فيما بينها مؤلفة صورا وكاشفة عن واقع لم يقله أحد بالضرورة )4, وعلى القارئ أن يتفاعل مع هذه الرموز التى تبدو ظاهريا غير مرتبطة, لكنها خارجة من منطقة "لا شعورية" واحدة وتعبر عن المكنونات الدفينة فى أعماق ذات واحدة وبينها روابط سياقية غير ظاهرة, تتجه لقارئ يقوم بالتفاعل معها والكشف عن الروابط السياقية الخفية لربط تلك الرموز ببعضها البعض, كما فى هذا المقطع من قصيدة سريالية بعنوان "الفأس فى الغابة" التى كتبها "أندرية بريتون" سنة 1932م .
أحد توفي منذ لحظة
لكنني إنا حي، ومع ذلك لم يعد لي روح،
لم يعد لي سوى جسد شفاف
في قراره يمامات شفافة
تمسكه يد شفافة تلقي بنفسها على خنجر,
أرى الجهد بكل جماله
الجهد الحقيقي الذي لا يزنه أي شيء
قبيل ظهور النجمة الأخيرة
إن الجسد الذي أسكنه يشبه كوخا
وبسعر مقطوع
يمقت الروح التي كانت لي والطافية بعيدا
هكذا نرى أسلوب التداعى الحر والكتابة الأوتوماتيكية حيث تبدو الكلمات والرموز والصور الغريبة الغير مألوفة للعقل والحواس للوهلة الأولى بلا رابط , لكنها خارجة من بؤرة لا شعورية واحدة وهناك مؤشرات سياقية مبعثرة فى النصّ تربط بين هذه الصور الرموز و الصورالغريبة, ويلتقط القارئ هذه الاٍشارات ويعيد تنظيم النصّ والربط بين صوره ورموزه, كما يلتقط المحلل النفسى الرموز والاٍشارات من بين كلمات الشخص الخاضع للتحليل النفسى, فالشاعر هنا يقف بين حالة الموت الفيزيقى باٍعلانه أن أحدا توفى منذ لحظة, ولكنه هو ـ الشاعر ـ ما زال حيّا, وتندفع بعد ذلك أفكار ومشاعر الذات الشاعرة من منطقة اللاشعور معبرة عن حالة تَموقُع الذات بين الموت واللاموت حيث يقول الشاعر : "إن الجسد الذي أسكنه يشبه كوخا وبسعر مقطوع, يمقت الروح التي كانت لي والطافية بعيدا" .
محمد علي عزب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ اٍدوار الخراط ـ ما وراء الواقع "مقالات فى الظاهرة اللاواقعية" ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ سلسلة كتابت نقدية العدد 86 ـ القاهرة أكتوبر 1997م ص 15
2 ـ المصدر السابق ص 15
3 ـ هربرت ريد ـ السرياليية والمذهب الرومانتيكى ـ ترجمة هيفاء هاشم ص 36
4 ـ المصدر السابق 38.
* صفحة أدباء مصر ـ جريدة الجمهورية ـ الجمعة 15 / 10 / 2021م