إيمان فجر السيد - رؤية إنطباعية لنص (تَرْبِيْع) للمهندس الأستاذ عصام الشب

عصام الشب
تَرْبِيْع

صنَّفونَا إلى ثلاثِ شُعَبٍ، آثرَتِ الأولى الطَّرح، أشادتِ الثانيةُ بالجمع، هلَّلتِ الثّالثةُ لِلضرب.
رَقصتِ القِسمةُ على شَفيرِ الجذور عندما وَحَّدوا المقامات.
**
رؤيتي الإنطباعية

النص ناطقٌ بواقعٍ "عربيٍ" نعيشه آنياً، فكرته مبتكرة غير مستهلكة، تمَّ سرده بأسلوب شيّق ووظِّفت أحداثه بطريقة ذكية ومكثّفة قال الكثير بقليل من الجمل البلاغية بعيداً عن الحشو الكلامي والوصفي.
رصد ما يجري على الساحة العربية برمَّتها ابتداءً من شرارة الثورات العربية، مروراً بالحروب الداخلية الطاحنة التي دارت رحاها بتمويلٍ خارجيٍ ممنهج انتهاءً بويلاتها وما نتج عنها من فتكٍ وقتلٍ وتدمير واعتقالٍ وتهجيرٍ وتنكيلٍ وتدمير كافة البنى التحتية وانبثاق تكتُّلات داخلية أغرقت البلاد في بحرٍ من الدماء ووهمٍ من الانتماء فأضاع العربيّ وجهته ومجده وتاريخه وقد ضرب بكل ذلك عرض الحائط!

تربيع/ عنوان لافت
وهو اصطلاحاً في الرياضيات/ ضرب العدد بمثله
"صنفونا إلى ثلاث شعب" متعالق بالعنوان الرائع ( تربيع)
والشعبة/ الفرقة من الشيء يُراد بها الجزء يتشعَّب من أصل الشيء ويتفرّع منه ويتوزّع عنه.
شعبة/ الجمع منها شعوب وجماعات كثيرة تخضع لنظام اجتماعي وسياسي موحّد
والشِّعبُ/ هو انفراج بين الجبلين والجمع شِعاب
والشِّعب/ هو الطريق ومجرى للماء تحت الأرض.
وهنا يحضرني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أو بضعٌ وستون شعبة،، أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ،،والحياء شعبةٌ من شعب الإيمان
ولكن ماذا عن الشُّعب الممزقة والمتفرعة التي تمّ تصنيفها إليها ومن قِبل من؟
يبدو أن هناك من أخصعنا في فكره الممنهج وتنظيمه المؤدلج إلى عمليات حسابيةٍ أسقطتنا من عين مجدنا وصلبتنا على حوائط تاريخنا وعلقتنا على مشاجب حضارتنا!!
كلنا يعرف أن أقوى العمليات الحسابية في علم الرياضيات هي الجداء (الضرب) ثم القسمة ثم الجمع ثم الطرح وقد رصدها الكاتب بذكاءٍ في توصيف حال الوضع العربي المُسيّس الذي أراد واقعاً واحداً ومرآةٍ متشظيةً بمئة صورة لوجهٍ واحد.
وهنا تبدو جليَّة لنا عملية الطرح وتفضيلها وهذه هي الشعبة الأولى ثم لتأتي الإشادة بالجمع كيف لا نشيد بالجمع ويد الله مع الجماعة؟ ثم ليتم التهليل للضرب وما سامونا إياه من ضرب وقتل وتنكيل يجعلنا ندرك سبب التهليل
وهل بعد الضرب جمعٌ أو في أسوء الأحوال طرح؟
هيهات، لتأتي القسمة (فرِّق تسُدْ) فتقضي على كل جذورنا وتاريخنا،
"وحدوا المقامات" وقد أسسوا وخططوا لمصيرٍ واحدٍ جعل كل بلاد الوطن العربي في فُرقةٍ و نزاعاتٍ طائفيةٍ داخليةٍ تنال من وحدة الشعب الواحد والوطن الواحد!
أخيراً نحن نعي أنَّ الثورات العربية استمدَّت لهيبها من الطابع العام السائد، وليس كما روَّجوا لها أنها في بعض من الدول كانت مبنيةً على نظريتَيْ " المؤامرة " أو " نشر الفوضى الخلَّاقة"
فالغوص في الوعي السياسي العام يضعنا أمام حقيقةٍ واحدةٍ وهي أن:
القوى الخارجية التي تساهم في إعادة هيكلة الشرق الأوسط جعلت من الثورات العربية مادةً دسمةً تخدم مصالحها في المنطقة، لا بل وظَّفتها بتعيينها مناطق اقتتال لقوى عظمى تعيد ترتيب الدول نهباً لثروات وزيادة في المطامع، وإحداث عناصر أخرى جديدة قادرة على تغيير مسار اللعبة السياسية الحالية بكونها تشترك مع عدد من الدول الإقليمية في المنطقة بقضايا جوهرية ومسائل وجودية تحمل شكلًا من الصراع المستمر ليتمخَّض عن هذا سؤال مهم :
إلى متى سيستمر ميزان القوى بالتكافؤ المتساوي بالمواجهات المحتدمة على الأرض؟!
ومن هي القوة المنتصرة في النهاية تلكم التي ستؤثر مستقبلًا على جميع دول الإقليم و العالم؟!
وكيف سيكون شكل العالم الجديد في حال رجوح الكفة لقوةٍ عظمى مهيمنةٍ على المنطقة تؤمن بحريات الشعوب وتقدِّر لها حقها ووعيها في رسم سياساتها الخاصة بعيداً عن الهيمنة القديمة والطابع الاستعماري.

إيمان السيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى