أ. د. عادل الأسطة - لا ملائكة في... رام الله

"لا ملائكة في رام الله".. عنوان رواية صدرت العام المنصرم في عمان للكاتبة إيناس عبد الله. العنوان لافت لا شك، وإن تساءل المرء عن مدلول دال: ملائكة. ما الذي يعنيه هذا الدال في ذهن المؤلفة، وما الذي يقوله عنه النص الذي أنجزته إيناس؟ ماذا تقول بطلاتها: هبة ولينا ورنا، وربما أخريات. ولا شك أن العنوان، لشخص مهتم بمدينة رام الله، جاذب. أنا مثلاً، حين قال لي أكرم مسلم عن الرواية، أخذت أبحث عنها بحثاً حثيثاً. ماذا تقول كاتبة النص التي لا أعرفها عن مدينة ظلت أقرب إلى القرية في دولة متقدمة حتى العام 1994، ثم بدأت أحوالها تنقلب انقلاباً لافتاً.
كنا في فلسطين، وربما في خارج فلسطين، مشغولين بالقدس ومهتمين بها، كنا كذلك منذ العام 1967، فالمدينة أخذت معالمها تتغير رويداً رويداً. تُهود درجة درجة، حتى إننا منعنا من دخولها منذ مؤتمر (مدريد) تقريباً –أي منذ 1991، وأخدنا، قبل بناء السور / الجدار، نتسلل إليها تسللاً، مغامرين بسجن يوم ودفع غرامة. ها نحن، الآن، نلتفت إلى رام الله بشكل لافت، وإن كان بعض العائدين من الأدباء التفت إليها في نهاية تسعينيات ق 20.
غدا لرام الله حضور في كتابات مريد البرغوثي "رأيت رام الله" وفاروق وادي "منازل القلب"، ومحمود شقير "مدن فاتنة، هواء فاسد"، وفي أشعار محمود درويش: رام الله، ورأى أنها مدينة تبنى على عجل، مدينة ليس له فيها ماض. ومؤخراً سينشر حسن عبد الله كتاباً عن رام الله. وسيكون للمدينة، كما هو ملاحظ، حضور في العناوين. إنها المدينة الأبرز الآن في الضفة، على المستويات جميعها، حتى على المستوى الأدبي. هل احتفل العائدون بنابلس أو الخليل أو جنين؟ وربما السؤال هو: لماذا رام الله؟
وأنا أقرأ الرواية تذكرت مجموعة الكاتبة ليانة بدر "سماء واحدة" (2007)، فهي من العائدين، وتكتب عنهم وعن معاناتهم. وإيناس عبد الله من المقيمين لكنها تأتي في روايتها التي ترويها راوية مقيمة هي هبة –وإن تعدد الرواة- تأتي على إشكالات المقيمين مع العائدين الذين احتلوا المشهد، هكذا بلا مقدمات.
وأنا أقرأ الرواية أيضاً تذكرت رواية حسن حميد "مدينة الله". كتب حميد المقيم في دمشق، وفي مخيم اليرموك، عن القدس التي لم يزرها ولم يقم فيها. لماذا تذكرته وتذكرت روايته؟ السبب واضح. لملاحظة الفرق بين كتابة كاتب يكتب عن مكان لم يتصل به مباشرة، وكاتب يكتب عن مكان نشأ فيه وكانت بينه وبين المكان صلات يومية. هل كتب حسن حميد عن شارع صلاح الدين في القدس أو عن باب العامود ما كتبته إيناس عبد الله عن شارع ركب وبوظته، وما كتبه خليل السواحرة عن مقهى الباشورة في مجموعته "مقهى الباشورة" (1968)؟
وأنا أقرأ الرواية تذكرت أيضاً كتابي "أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" (1998/2008). صدرت الطبعة الأولى عن وزارة الثقافة في رام الله، والثانية عن مؤسسة فلسطين للثقافة في الشام. وحين طلب مني أسامة الأشقر النظر في الطبعة الثانية، وسألني إن كنت أرغب في إضافة كتابات جديدة إليها، أجبته مكتفياً بطباعة الكتاب كما صدر. لكنه هو أضاف مقالة ودراسة عن أدب الانتفاضة وعن شعر المقاومة. وأنا أقرأ "لا ملائكة في رام الله" قلت: ها هي تمدني بنص جديد يحفل بخيبة أبطاله، ولو لم تصدر الطبعة الثانية لأنجزت مقالة عن الرواية وألحقتها بها، بالطبعة الثانية. وقد ساعدني على هذا أيضاً كتاب د. فيصل دراج الجديد "الذاكرة القومية في الرواية العربية: من زمن النهضة إلى زمن السقوط" (2008)، بخاصة صفحاته 207-269، ففيها يقارب ما قاربته في كتابي، ويأتي لا على خيبات الفلسطينيين بعد (أوسلو)؟ وهذا ما عالجته أنا، وإنما على خيباتهم وخيبات الأدباء العرب. وحين أقرأ ما كتبه د. دراج أكتب رسالة بلفونية لابنتي أقول لها فيها: ها إنني أقرأ الآن ما كتبته في العام 1997، وإن اختلفت النصوص.
كيف تبدو رام الله في رواية إيناس عبد الله؟ لعل العنوان يقول لنا هذا. إنها مدينة لا ملائكة فيها. والملائكة هنا ليسوا ملائكة الله، فهؤلاء، وفق الرواية الدينية، موجودون في كل مكان. الملائكة المقصودون هم البشر الأقرب إلى الملائكة، وحين عاد العائدون اختلفت المدينة، وغدت عالماً آخر مختلفاً. هذه وجهة نظر الراوية الرئيس في الرواية: هبة، وهبة هذه موظفة بنك تربطها علاقة حب بفارس، المناضل الذي أنقذها، لكنها تتزوج من سيف/ستيف وتسافر إلى بوسطن. هل وجدت هناك الملائكة أم أخذت تحن إلى رام الله؟ تخيب هبة وتعود إلى رام الله مطلقة، لتبحث عن فارس، لكنها تعرف أنه غادر منذ شهرين. وحينها تقول منهية الرواية: "كان العالم بالضبط، بالضبط يا فارس، قد توقف عن الدوران". لماذا لا ملائكة في رام الله؟ لأنها بلا قلب، والمدن التي ليس لها قلب لا تسكنها الملائكة، ومثل رام الله بوسطن (ص90). ترى ماذا سيقول أهل رام الله: عائدين ومقيمين في هذه الرواية؟



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى