كانَ أَبو الطَّيِّبِ في شَبابِهِ يَحْسُدُ الشُّيوخَ عَلَى شََيْبِهِمْ في أَذْقانِهِمْ وَالرُّؤوسِ. وكانَ يَرَى فيهِ خِضابًا أَبْيَضَ وَقارًا، يُخْفُونَ فيهِ ما اسْوَدَّ مِنْ قُرونِهِمْ، فَيَتَمَنَّى مثْلَهُ فَقالَ:
- مُنًى كُنَّ لِي أَنَّ الْبَياضَ خِضابُ
فَيَخْفَى بِتَبْيِيضِ الْقُرُونِ شَبابُا
الْخِضابُ: ما يُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ، وَهُوَ الْحِنّاءُ في الْغالِبِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّواةُ في خِضابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السّلامُ. فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: لَمْ يَخْضُبُ النَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ. وَقالَ آخَرونَ: بَلَى
خَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أنْ قالَ لَهُ أَحَدُ الصَّحابَةِ: "شِبْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ!! فَقالَ عليْهِ السَّلامُ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْواقِعَةُ". وكانَ بَعْضُ الصَّحابَةِ يُصَفِّرونَ لِحاهُمْ بِالْحِنّاءِ. الْقُرونُ: الذَّوائِبُ وَالضَّفائرُ.
- لَيالِيَ عِنْدَ الْبيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ
وَفَخْرٌ وَذاكَ الْفَخْرُ عِنْدِيَ عابُ
الْفَوْدُ: جانِبُ الرَّأْسِ، ولِلْإنْسانِ فَوْدانِ تَتَدَلَّى مِنْهُما قَرْنا الشَّعْرِ. طَبيعِيٌّ أنَّ الشَّعْرَ الأسْوَدَ عَلامَةُ الشَّبابِ، وَهْوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ النِّساء، وَخَصَّ الشَّاعِرُ مِنْهُنَّ الْبيضَ. أمّا شاعِرُنا فَهذا عَيْبٌ عِنْدَهُ لِلسَّبَبِ الَّذي ذَكَرْناهُ.
- فَكَيْفَ أَذُمُّ الْيَوْمَ ما كُنْتُ أَشْتَهِي
وَأَدْعو بِما أَشْكوهُ حِينَ أُجابُ
اِنْتَبَهَ أبُو الطَّيِّبُ حِينَ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَتَساءَل:
كيَفَ أذُمُّ شَيْبي الّذِي كُنْتُ أتَمَنّاهُ، وَأَدْعو عَلَى شَيْءٍ حِينَ أُجِبْتُ عَلَيٍهِ؟
اِنْقَلَبَ شاعِرُنا عَلَى شَيْبِهِ حِينَ رَأَى عَزوفَ الْغَوانٍيَ عَنْهُ. وَهذا يُذَكِّرُنِي بِيْتِ الشّاعِرِ الجاهِليَِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ التَّميمي في النِّساءِ: مِنَ الطَّويلِ:
(إذا شابَ شَعْرُ الْمَرْءِ أوْ قَلَّ مالُهُ
فَلَيْسَ لَهْ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ)
- جَلا اللَّوْنُ عَنْ لَوْنٍ هَدَى كُلَّ مَسْلَكٍ
كَما انْجابَ عَنْ ضَوْءِ النَّهارِ ضَبابُ
اللََهَ عَلَى تَشْبيهِ التَّمْثيل: كَلِمَةُ اللَّوْنِ الأولَى كنايةٌ عَنِ الشَّيْبِ الأبيض، وكلمَةُ اللَّوْنِ الثانيَةُ كِنايَةٌ عَنْ سَوادِ شَعْرِ الشَّباب. شَبَّه الشَّاعِرُ انْقِشاعَ السَّوادِ عَنِ الشَّيْبِ مِثْلَ انقِشاعِ ظَلامِ الضَّبابِ عَنِ النَّهارِ.
- وَفي الْجِسْمِ نَفْسٌ لا تَشِيبُ بِشَيْبِهِ
وَلَوْ أَنَّ ما في الْوَجْهِ مِنْهُ حِرابُ
شَبَّهَ الشّاعِرُ وَخْزَ شَعْرِ اللِّحْيةِ بالْحِرابِ، لِأنَّ أبا الطَّيْبِ كانَ مِمَّنْ يُقَصِّرونَ اللِّحَى، وَيُعْمِلُ فيها الْجَلَمَيْنِ.
- يُغَيِّرُ مِنِّي الدََهْرُ ما شاءَ غَيْرَها
وَأَبْلُغُ أَقْصَى الْعُمْرِ وَهَيَ كَعابُ
الضَّمِيرُ في كلمَةِ غيرَها يَعودُ إلَى اللِّحْيَةِ التي كَنَّى عَنْها أبو الطَّيِّبِ. فالجِسْمُ يَتَغَيَّرُ وَيَذْوي ويُصيبُهُ الْهَوانُ. أمَّا لِحْيَتُهْ فَتَبْقَى شابَّةً كَالفَتاةِ الْكاعِبِ.
لَكِنَّ أبا الطَّيِّبِ لا تَهوي عَزِيمَتُهُ فَهُوَ نَجْمٌ يَهْتَدِي بِهِ صِحابُهْ، إذا غَشِيَهُمُ الْكَرْبُ والْغَمُّ فَيَقُولُ:
وَإِنِّي لَنَجْمٌ تَهْتَدي بِيَ صُحْبَتي
إذا حالَ مِنْ دونِ النُّجومِ سَحابُ
————-
إلَى هنا. الشَّرْحُ والضَّبْطُ لِي وَمِنْ حِفظِي وَفَهْمِي وَتَحْليلي.
- مُنًى كُنَّ لِي أَنَّ الْبَياضَ خِضابُ
فَيَخْفَى بِتَبْيِيضِ الْقُرُونِ شَبابُا
الْخِضابُ: ما يُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ، وَهُوَ الْحِنّاءُ في الْغالِبِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّواةُ في خِضابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السّلامُ. فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: لَمْ يَخْضُبُ النَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ. وَقالَ آخَرونَ: بَلَى
خَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ أنْ قالَ لَهُ أَحَدُ الصَّحابَةِ: "شِبْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ!! فَقالَ عليْهِ السَّلامُ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْواقِعَةُ". وكانَ بَعْضُ الصَّحابَةِ يُصَفِّرونَ لِحاهُمْ بِالْحِنّاءِ. الْقُرونُ: الذَّوائِبُ وَالضَّفائرُ.
- لَيالِيَ عِنْدَ الْبيضِ فَوْدايَ فِتْنَةٌ
وَفَخْرٌ وَذاكَ الْفَخْرُ عِنْدِيَ عابُ
الْفَوْدُ: جانِبُ الرَّأْسِ، ولِلْإنْسانِ فَوْدانِ تَتَدَلَّى مِنْهُما قَرْنا الشَّعْرِ. طَبيعِيٌّ أنَّ الشَّعْرَ الأسْوَدَ عَلامَةُ الشَّبابِ، وَهْوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ النِّساء، وَخَصَّ الشَّاعِرُ مِنْهُنَّ الْبيضَ. أمّا شاعِرُنا فَهذا عَيْبٌ عِنْدَهُ لِلسَّبَبِ الَّذي ذَكَرْناهُ.
- فَكَيْفَ أَذُمُّ الْيَوْمَ ما كُنْتُ أَشْتَهِي
وَأَدْعو بِما أَشْكوهُ حِينَ أُجابُ
اِنْتَبَهَ أبُو الطَّيِّبُ حِينَ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَتَساءَل:
كيَفَ أذُمُّ شَيْبي الّذِي كُنْتُ أتَمَنّاهُ، وَأَدْعو عَلَى شَيْءٍ حِينَ أُجِبْتُ عَلَيٍهِ؟
اِنْقَلَبَ شاعِرُنا عَلَى شَيْبِهِ حِينَ رَأَى عَزوفَ الْغَوانٍيَ عَنْهُ. وَهذا يُذَكِّرُنِي بِيْتِ الشّاعِرِ الجاهِليَِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ التَّميمي في النِّساءِ: مِنَ الطَّويلِ:
(إذا شابَ شَعْرُ الْمَرْءِ أوْ قَلَّ مالُهُ
فَلَيْسَ لَهْ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ)
- جَلا اللَّوْنُ عَنْ لَوْنٍ هَدَى كُلَّ مَسْلَكٍ
كَما انْجابَ عَنْ ضَوْءِ النَّهارِ ضَبابُ
اللََهَ عَلَى تَشْبيهِ التَّمْثيل: كَلِمَةُ اللَّوْنِ الأولَى كنايةٌ عَنِ الشَّيْبِ الأبيض، وكلمَةُ اللَّوْنِ الثانيَةُ كِنايَةٌ عَنْ سَوادِ شَعْرِ الشَّباب. شَبَّه الشَّاعِرُ انْقِشاعَ السَّوادِ عَنِ الشَّيْبِ مِثْلَ انقِشاعِ ظَلامِ الضَّبابِ عَنِ النَّهارِ.
- وَفي الْجِسْمِ نَفْسٌ لا تَشِيبُ بِشَيْبِهِ
وَلَوْ أَنَّ ما في الْوَجْهِ مِنْهُ حِرابُ
شَبَّهَ الشّاعِرُ وَخْزَ شَعْرِ اللِّحْيةِ بالْحِرابِ، لِأنَّ أبا الطَّيْبِ كانَ مِمَّنْ يُقَصِّرونَ اللِّحَى، وَيُعْمِلُ فيها الْجَلَمَيْنِ.
- يُغَيِّرُ مِنِّي الدََهْرُ ما شاءَ غَيْرَها
وَأَبْلُغُ أَقْصَى الْعُمْرِ وَهَيَ كَعابُ
الضَّمِيرُ في كلمَةِ غيرَها يَعودُ إلَى اللِّحْيَةِ التي كَنَّى عَنْها أبو الطَّيِّبِ. فالجِسْمُ يَتَغَيَّرُ وَيَذْوي ويُصيبُهُ الْهَوانُ. أمَّا لِحْيَتُهْ فَتَبْقَى شابَّةً كَالفَتاةِ الْكاعِبِ.
لَكِنَّ أبا الطَّيِّبِ لا تَهوي عَزِيمَتُهُ فَهُوَ نَجْمٌ يَهْتَدِي بِهِ صِحابُهْ، إذا غَشِيَهُمُ الْكَرْبُ والْغَمُّ فَيَقُولُ:
وَإِنِّي لَنَجْمٌ تَهْتَدي بِيَ صُحْبَتي
إذا حالَ مِنْ دونِ النُّجومِ سَحابُ
————-
إلَى هنا. الشَّرْحُ والضَّبْطُ لِي وَمِنْ حِفظِي وَفَهْمِي وَتَحْليلي.