شوقى رجب فاضل المحامى - جرائم البلطجة في قانون العقوبات المصري

تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة البلطجة وهي استعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد باستخدام السلاح بقصد ترويع الأشخاص وفرض السطوة عليهم وابتزازهم وسلب حقوقهم المشروعة حتى بات الأمر يشكل خطورة تهدد أمنهم وتكدر سكينتهم وتمس بطمأنينتهم على أرواحهم ومصلحتهم وممتلكاتهم.
ومن هذا المنطلق فقد عُني قانون العقوبات المصري بعد تعديلاته الأخيرة، بمعالجة هذه الظاهرة وتقنين الجزاء الرادع لها، كما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2582 لسنة 2019 بأن تحيل النيابة العامة جرائم الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة (البلطجة) إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ المشلكة طبقاً للقانون 162 لسنة 1958، أما في الشريعة الاسلامية فقد قال الله تعالى في الآية 33 من سورة المائدة ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
وتتضمن هذه الدراسة معالجة قانون العقوبات لظاهرة البلطجة وفقاً لما ورد في نصوصه ومذكرتها الإيضاحية، وشرح الفقهاء لهذه النصوص.
المبحث الأول: جرائم الترويع والتخويف (البلطجة) في قانون العقوبات
بداية نشير إلى أن المشرع قد فرق بين حالتين: أولاهما مجرد تحقق ركني الجريمة المادي والمعنوي والظهور بمظهرها مع توافر القصد الجنائي ولو لم تقع جريمة بناءً على هذه المظاهر وكذلك ولو لم يتحقق الترهيب أو التخويف في نفس المجني عليه فعلاً، وثانيهما حالة ارتكاب جريمة بناءً على ما ارتكبه الجاني من مظاهر استعراض القوة أو التلويح والتهديد بها، حيث نص في المادة 375 مكرراً على الحالة الأولى، فيما نص على الحالة الثانية في المادة 375 مكرراً (أ)، وذلك على النحو التالي:
أولاً: الترويع والتخويف (البلطجة) مجرداً من أية جريمة أخرى:
تنص المادة 375 مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011 على أنه:
مع عدم الإخلال بأية عُقوبة أشد واردة في نص آخر، يُعَاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستِعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو إستخدامه ضد المجني عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أي أذى مادي أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على الإمتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع تنفيذ الأحكام، أو الأوامر أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ أو تكدير الأمن العام أو السكينة العامة، متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشئ من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات إذا وقع الفعل من شخصين فأكثر، أو باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو يحمل أية أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أو مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أية مواد أخرى ضارة، أو إذا وقع الفعل على أنثى أو علي من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة.
ويقضي في جميع الأحوال بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه.
وقد أوردت المذكرة الإيضاحية تعليقاً لى هذا النص ما يلي:
وإذا كانت هناك أخطار عديدة تحدق بالفرد والمجتمع والدولة ذاتها من جراء تصاعد هذه الظاهرة المدمرة التي يطلق عليها تعبير (البلطجة) فقد استوجب الأمر سرعة التصدي لها قبل استفحال خطرها.
ولما كان قانون العقوبات وإن اشتمل على بعض النصوص التي تؤثم بعض الجرائم التي يكون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أحد أركانها أو ملحوظاً في ارتكابها إلا أنها لم تعد كافية في حد ذاتها لمواجهة هذه الظاهرة لأنها نصوص مقصورة على حالات وأنواع من الجرائم معينة ولا تواجه الخطورة الكامنة في مرتكبيها أو الظاهرة في تلك الأفعال مجردة من النتيجة فضلاً عن أن العقوبات المقررة لتلك الجرائم لم تعد مناسبة لردع مرتكبي تلك الأفعال.
وإذا كان ذلك وكان قانون العقوبات لا يتناول فقط الجرائم التي تضر بالمصالح الاجتماعية وإنما يؤدي دوراً وقائياً في مواجهة الأفعال التي تهدد هذه المصالح قبل أن يقع المساس بها فعلاً، وكانت مواثيق حقوق الإنسان قد حرصت على الاعتراف للإنسان بحقه في الأمن الشخصي وعلى حمايته، فإنه تأكيداً لهذا المعنى أعد مشروع القانون المرافق بإضافة باب جديد لأحكام الكتاب الثالث من قانون العقوبات بعنوان (الباب السادس عشر - المساس بالطمأنينة الشخصية) تقديراً لأهمية هذا النوع من الحقوق، التي تعد ركيزة من ركائز حقوق الإنسان ولا تقل في أهميتها عن غيرها .
عناصر الركن المادي:
يقوم الركن المادي في هذه الجريمة على عنصرين:
الأول: سلوك إجرامي، والثاني: طبيعة إجرامية






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى