عبد الجليل بدزي - قراءة لقصيدة في المديح لشيخنا البركة سيدي محمد مرعازي

المديح النبوي في شعر الملحون
نموذج من نظم الشيخ سيدي محمد مرعازي المكناسي
أطال الله عمره

تعتبر شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وما انفردت به من مثل ومزايا، المنبع الصافي الذي استقى منه شعراء المديح النبوي، حيث راحوا ينسجون قصائد غزيرة في مدحه صلى الله عليه وسلم، والثناء عليه، والإشادة بكراماته ومعجزاته، كما راحوا ينظمون سيرته ومراحل حياته، مستلهمين من كل ذلك نفسا شعريا يفيض تذللا وانكسارا، أمام قوة هذه الشخصية التي هزت العالم، والتي استطاعت، بعون من الله تعالى، أن تغير الظلمة نورا، وتبدل التنافر والتفرقة جمعا والتئاما.
وإذا نحن تصفحنا حلقات التاريخ الإسلامي، وجدنا بعض الشعراء في عصر البعثة المحمدية، ينقطعون إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، والدفاع عن دعوته، وهجو أعدائه ومعارضيه، أمثال كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت القائل:
بنــي أتانا بعــد يأس وفـترة ** من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا ** يلــوح كما لاح الصقيل المهند
وأنـــذرنا نارا وبشـــر جنة ** وعلمنا الإســـلام فالله نحمـــد
وقد امتد شعر المديح النبوي إلى ما بعد مرحلة البعثة المحمدية، حيث نجد مجموعة من الشعراء ينساقون مع هذا التيار، وينظمون فيه القصائد المتعددة، على غرار الإمام البوصيري الذي كان يقصر إنتاجه الشعري على هذا الموضوع.
ونفس الملاحظة تستوقفنا في الشعر المغربي، إذ نصادف طفرة من الشعراء المغاربة وهم يبدعون في المديح النبوي، منذ العصر المرابطي، مع القاضي عياض مثلا، ومرورا بالعصر الموحدي، مع ميمون الخطابي، فالعصر المريني، مع مالك بن المرحل، وأبي العباس العزفي، وهو العصر الذي بدأ فيه الاحتفال بعيد المولد النبوي، وأصبح هذا الاحتفال مناسبة تلقى فيها المولديات المتعددة، وكذلك العصر السعدي والعلوي فيما بعد، مع شخصيات بارزة من أمثال محمد المرابط الدلائي، وابنه محمد، وأبي العباس الدغوغي وعبد العزيز القشتالي وغيرهم كثير.
وأشير إلى أن المغاربة ببعدهم الإيماني العميق، لم يتوقفوا عند حدود اللغة العربية الفصيحة من أجل التعبير عن حبهم لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل استعملوا من أجل الإشادة به وبصفاته وخصاله حتى اللهجات الشعبية، فجاءت قصيدة الملحون على سبيل المثال، مشحونة بهذا الحب، معبرة عن تعلقات وجدان المغاربة بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر صفاته، وتعاليمه، ومعجزاته، والتوسل به إلى الله سبحانه وتعالى، وإظهار شدة الشوق إلى زيارة قبره عليه أزكى الصلاة والسلام، وزيارة البقاع المقدسة، والقيام بشعائر الحج ...، زيادة على تخصيصهم قصائد في مولده عليه الصلاة والسلام، والمعجزات التي واكبته، وقصائد في غزواته وموته ... حتى أصبح المديح النبوي غرضا خاصا من أغراض القصيدة الملحونة، طال فيه الأشياخ واستطالوا، وأبانوا عن علو كعبهم في هذا المضمار، وتفانيهم في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإن كنت أعجز عن الإحاطة بهذا اللون من الشعر، من حيث تاريخ ظهوره، وأولى قصائده، والشعراء الذين نظموا فيه، فإنني لن أعدم تواجد الكثير من النماذج الرائعة في ديوان الشعر الملحون المغربي، أرد إليها الراغب في الإطلاع على هذا الإبداع الثر، أمثل لها بالنظم المعاصر لأسباب أهمها:
+ الجودة في النظم في هذا الموضوع ليست وقفا على الشيوخ القدماء، بل هناك من المحدثين من كان تناولهم للموضوع جد مشرف،
+ التواصل الحاصل في حب الرسول بين أجيال المغاربة من الماضي إلى الآن.
+ أن شعر الملحون لم يمت، ولم يفقد ناظميه ولا ناشديه، بل لازال في حاضرة هذا الشعر من يبدع بشكل رائع يستحق الاحترام.
لهذه الأسباب ولغيرها، أقدم اليوم نموذجا من القصيدة الملحونة المعاصرة، موضوعها مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، من نظم: شيبة الحمد الشيخ الأديب سيدي محمد مرعازي المكناسي أطال الله عمره ولطف به، هو شيخ اخْزَانَة (كَـرَّاحْ)، أي ينشد قصائد الملحون، إضافة إلى أنه شيخ (سَجَّايْ)، أي ينظم القصيدة الملحونة، وكلما اتقيته وحادثته، إلا ووجدت لديه غصة وأمنية لا يتعداها إلى غيرها، وهي زيارة البقاع المقدسة وحج بيت الله الحرام، الشيء الذي يعبر عنه هذا النص بكل وضوح، ومن هنا سنعرف سر هذه العاطفة الجياشة، فهي تنطلق من حب صادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والممتد من عقيدته الراسخة، وإيمانه الصادق، بلغه الله مقصده ومناه، ويسر له حجة مبرورة في القريب العاجل إن شاء الله.
وأشير إلى أن الشيخ محمد مرعازي قد اختار لقصيدته ( امْرَمَّتْ مَكْسُورْ الْجْنَاحْ)، وهي المرمة الثانية من امرمات الملحون الخمسة، حربتها من (الْمْبِيَّتْ الْمْثَنِّي)، وسمي بمكسور الجناح، لأن البيت الأول من كل قسم، ليس فيه إلا الصدر، أو ما يسمى في الملحون ب"لَفْرَاشْ"، في حين أن عجز البيت وهو ما يسمى ب"لَغْطَا" غير متوفر، فأصبح البيت شبيها بالطائر الذي كسر أحد جناحيه، وهو ما يعطي للناظم إمكانية الإفصاح عما يوجد بخاطره ووجدانه على أوسع نطاق. وقد جعلها الشيخ من ستة مقاطع مختومة ب"ادْرِيدْكَة"، وتقول حربتها:
صَلُّوا عْلَى الْمَاحِي سِيرَاجْ النُّورْ ++ سيدنا محمد كَنْزْ الغْنَى وُلَسْرارْ
ويسعى من خلالها الشاعر أن يشرك كل الناس في حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والإكثار من الصلاة عليه.
ويصدر القصيدة بطريقة مألوفة عند شيوخ الملحون منذ القديم، وهي البداية بذكر اسم الله سبحانه وتعالى، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم:"كل أمر لم يذكر عليه اسم الله فهو أبتر"، وفي ذلك يقول الشيخ سيدي محمد مرعازي في مطلع قصيدته: "باسم الغني الدَّايمْ نبدا قولي في ذا الأشطارْ" ...............
ثم يتجه لكي يوضح للمستمع كيف أن حب محمد صلى الله عليه وسلم قد ملك عليه كيانه، وأصبح ورده الذي يلازمه صباح مساء، وفي ذلك يقول الشيخ:"حُبُّه اسْرَى فْقَلْبِي وَامْلَكْ عَقْلِي ضَيْ وَاسْحَارْ" ................
ثم يتدرج في قصيدته ليكشف عن مدى اشتياقه لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول الشيخ المرعازي:"نرجى الله يكمل ليا قصدي اترى بلبصار + امقام سيد لورى بحر التنوير..."، ثم يضيف:"مهما انزور قبر المصطفى نهنا ونبشار...".
ثم يشير بالاختصار إلى معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر البعض منها قائلا:"اختاصرت في معجزاته نذكر يا الحضار..."
ويختم بذكر فضائل الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم والتصلية عليه في فيض وجداني يجسد الحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشاعر في جذبة صوفية.
هذا باقتضاب كبير هو مضمون القصيدة المدحية للشيخ الأريب سيدي محمد مرعازي، والرجل لم يوقف إنتاجه فقط على المديح النبوي ولو أن هذا الغرض اشتمل على جانب كبير من فضاء إبداعه، بل اشتغل على مواضيع أخرى وطنية واجتماعية سنعود لها معه في وقت لاحق بحول الله تعالى، وأترككم مع النص الكامل لهذه القصيدة الرائعة. وتحياتي للشيخ المكناسي سيدي محمد مرعازي لطف الله بنا وبه.

قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
نظم شيبة الحمد الشيخ محمد مرعازي المكناسي
امرمت مكسور الجناح

الحربة:
صلوا على الماحي سيراج النور * سيدنا محمد كنز الغنى ولسرار
المقطع الأول:
باسم الغني الدَّايم نبدا قولي في ذا الْشْطارْ *
الواحد الجليل الحي الباصرْ * العالم الخافي والظاهرْ * ولا اخفات عليه اسرايرْ *
سبحانَهُ سبحانْ لا اشريك افملكه يذكارْ * هو القديم هو الباقي فضله ما ينحصارْ *
جاد علينا بخير سيد لورى *
محمد المفضل عين الرحمة اشريق لنوارْ * صلوا بسرّْ واجهارا *
يا لامت لسلام اصلاته تفجي اهموم لكدارْ *
المقطع الثاني:
حبّه اسرى فقلبي واملك عقلي ضي واسحار *
الهاشمي المكي سيد لبرارْ * كم ارضاه البرّْ الغفَّارْ * فضّْله وُجعله مختارْ *
جتباهْ وصَطْفاهْ على الخلق بالعزّْ وتقديرْ * واعطاه الشفاعة لْـأُمته فنهار التَّعسيرْ *
يا مسعدنا بيهْ يا الحضرة *
غدَّا فْى لاخْرة فحماهْ انكونوا في اجوارُه * يوم النّْشور واحرارا *
هو إيجيرنا من لجحيم وهولها ولشرارْ *
المقطع الثالث:
نرجا الله إيكمَّلْ ليا قصدي انرى بلبْصارْ *
امقام سيد لورى بحرْ التنويرْ* نغنم زُورَة والنَّالْ الخيرْ* يهوان عني ما كان اعسير*
يفرح قلبي وانقول من اصميم ادواخل لسيارْ*أنت كنزي وادخيرتي وسعدي ليلي وانهارْ*
وأنت هو ربحي امع التجارة *
ونا في اصلاتك دايم جداد ابغير تقصار* بلسان دون فتَّارا *
عليك الصلا والسلام أيا إمامْ لبرارْ *
المقطع الرابع:
مهما انزور قبر المصطفى نهنا ونبْشارْ *
انعود بالشواقْ ونحرم بيزارْ * انطوف وانلبي للغفَّارْ * علّْ الكعبة بدمع مدرار *
وبين الصفا نسعى مع المروة بِخفَّتْ السير* وفوق جْبلْ عرفة ما انكلّْ بالحمد وتكبيرْ*
نشكر نعم الكريم بكل جهرا *
وانقول جاد سعدي واكمل قصدي بْحَجّْ وامزارْ* لمقام خير لطهارة *
الطاهر لمطهر جد الحسنين صيل لحرارْ *
المقطع الخامس:
اختصرتْ في معجزاته نذكرْ يا الحضَّارْ *
اضوا الكون يوم اخلاق المختارْ * اكذاك خمدت نار الكفار * وُلحصى في كفه باجهارْ*
سبَّح لله والدرع خبَّرُه بالطمع المغدورْ * واكذاك احيا جذع النخل بحكمتْ نعم الغفورْ *
ووحى عنُّه جبريلْ باش يقرى *
ما قال ربنا فكتابه وُكانْ خير بشَّارْ * الأمته المختارة *
يا سعد من شهَّد بالله وبيه فاز بسرارْ *
المقطع السادس:
صلوا عليه أيا لامت لعباد دون تفتارْ *
من صلى عليه وحدة يجزى عشرة * اكذاك عشرة بَمْيَا بشرة * لَمْيَا بألف يا حضرة *
وُألف كي جانا فالحديث توقي من صهد النار* ونا بلْسَانِي ما انزول فصْلاته وفْلَشْطَارْ *
هي وردي فحياتي وخمرة *
هي اكمال ربحي واغنايا هيا خير لذْكَارْ * وانسلَّمْ بَحْرَارَة *
وانقول يا الهادي يا تاج المرسلين لبرار*
الدريدكة:
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عد لنجوم وما ضوَّاتْ افغُمقْ لسحارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عَدّْ لَدْوابْ ولسماك في اتخوم لبحار *
ازكى الصلاتْ عليك يا نعم المبرور * عدّْ لحصى واحْجَارْ فتْلولها ولقفارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عد لجراد ونَملْ ونَحلْ وعدّْ لطْيارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عد اللسون وما نطقات افجمعْ لْقْطارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عد ما زحف على الترى وكل سيَّارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * عد ما خلق الله فهاذ الكون مَشْهَارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * وعد ما في علمه من لا اتراه لنظارْ *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * اتعم آلك وازواجك الفايزين لطهار *
ازكى الصلات عليك يا نعم المبرور * وعلى العشرة لصحابْ الماجدين لنصارْ *
اصلا امداومة كـــلّْ سْنَة واشهــــورْ * ما اتّْعدّْ بْلَعـــداد ولا اتّْعـــدّْ باشْطار *
واختام ما انقول في هاذ المسطور * خذ يا راوي حلَّة من اصميم لفكار *
من وهب ربنا الجليل الشكور * رب لورى الكريم من لا اتراه لبصار *
هبت السلام ابطيب الندّْ وُلعطور * وزيد ياس ونسري والياسمين وزهار*
على الدهات ناس العلم فالْسْطورْ * ولشياخْ وطلبة واجميع كل مَحْضارْ *
وعلى كل حاضر في هاذْ الكورْ * من اسمع واتخمَّرْ فمديح سيد لبرارْ *
محمد أسمي والكنية فالنُّور * انقول مرعازي في مكناس واضح اجهارْ *
معروف بين ناس الوهب فالحضورْ * كنت طايع شيخي وكنت ليه محضارْ *
تاريــخ حلتي بالرمز المذكــــور * شين والتَّا والاّم وهَا خــذ لخبـــارْ *
في شهـــر خبّْرُه لحليم الغفـــورْ * شْهرْ صفر الخير وأنا عْليل بضرارْ *
نرجى الله يشفي منْهُو مضرور * ابجاه طه عين الرحمة اشريق لنوارْ *





تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
ديوان الملحون والزجل والشعر العامي - ملف
المشاهدات
1,210
آخر تحديث
أعلى