د. سيد شعبان - وارتحلت أمي!

آن أن تكون صفحة أمي بيضاء نقية، كان من يمن نقيبتها أن كان اسمها هو كنيتها: أم السعد في حياتها سعد على أبي وبركة.
أنجبت له البنين والبنات، عاشت الحياة قسوتها ومرارتها رافقته في رحلة جهاد يعجز الرواة أن يدونوها سردا، كانت ابنة الصاوي البنا راعي الغنم فتعلمت منه الصبر والجلد، تطعمنا من حلال وهي المرأة التي أعجزت لداتها مهارة وحسن تدبير، ربما تكون شهادتي فيها مجروحة إذ هي أمي!
كانت رحمة الله عليها ذات مهارة في كل شيء امرأة أم سعد في كل ما مسته يدها؛ يتحول بفضل الله إلى بركة ونماء،
مات أبي عن ثلاثة وثمانين عاما عاشت معه ما يقارب السبعين عاما رفيقة عمره وساعده الأيمن، ما اشتكت من فقر وما كشفت له سرا فمات راضيا عنها، وظل مكانها في القبر بجواره ينتظرها ما يقارب العامين فتلحق به على خير!
كانت رحمة الله عليها ذات دين فما تذكر أحدا بسوء، خرجت معه تعمر وتبني في الصحراء، فتركت جنة خضراء، ما أقول وقد انغلق باب الرحمة الذي كان لي ولإخوتي!
يبقى منك ياأمي عملك الصالح وحسن خاتمتك وحبك لقاء الله في النزع الأخير تبتسمين وتنطقين الشهادة، كنا شهودا أنا وأخي وثلاثة من أخواتي فسعدنا وبلغ بنا الحمد غايته!
هذه حيلتي أن أسرد وقائع أيامي، غير متجن ولا مختلق لحدث، في يومها الأخير كنت أداعبها وأذكرها ببعض الطرف عن القط الأخضر وقد عاد عند منتصف الليل بعدما أمسكت به وأمرتني أن أبعده قريبا من مصنع السكر مسافة لاتقل عن العشرين كيلو متر، فيطرق الباب منتصف الليل فتقول لي:
إن القطط ذات أرواح، تعلمت منها حب آل البيت والسيدة الطاهرة زينب عقيلة بني هاشم!
هذه أمي تركت عملها الصالح يسبقها، ذات إباء وأنفة تذكر الجنيهن ونصف وتوص بسدادهما، شهد لها جيرانها بالخير، تتوكأ على عصاها وتنزل الأرض مطلع الشمس حيث مقولتها: أنا أصبح على الزرع!
كثيرة هي خصال خيرها ويد برها؛ توفر لي ولإخوتي الكتاب والقلم وكانت الحياة عسيرة ذات رهق، أي مثال كنت أمي!
لعل في السرد بوح وحكي يخفف من لوعة القلب وحرقته، أحاول أن أتماسك فيغلبني دمعي، أم لاتعز على خالقها ولا أمن بها عليه فتلك أمانته ووديعته، ما عساي أكتب؟
الحمد صفتها ومعقد لسانها فرحة بلقاء ربها، إيمانها فطرة وتسبيحها أعجوبة وصلاتها آية بقيت حتى النزع الأخير!
هذه بداية سرد أعاوده حتى يرى أباؤنا كيف كان أجدادهم!
اللهم اغفر لأمي وأبي ولكل عبادك الصالحين!


سيرة تروى.jpg






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى