عبدعلي حسن - الدراسات التناصيّة بين التقليد والمعاصرة

باختصار ....
اتفقت الدراسات النقدية عربيها وغربيها قديمها وجديدها وفق مساهمات النقاد العرب القدامى منذ القرن الرابع الهجري على يد الجرجاني والعسكري والٱمدي وسواهم و فتوحات النقد العالمي المعاصر كمساهمات باختين وكريستيفا وبارت وتودوروف وغيرهم ،
اتفقوا على أن ليس هنالك نص إبداعي بريء من تعالقه مع نص سابق له ، وعلى الرغم من اختلاف المسميات والأنواع والمقاصد ومدى قرب النصوص المتعالقة من دائرة الابداع ، فإن الجهد النقدي العالمي قد ملأَ الساحة النقدية بالعديد من الدراسات والتٱليف الخاصة بهذه الظاهرة التي عُدت أمراً لامناص منه في إنتاج النصوص الإبداعية ، ولستُ هنا بصدد مراجعة تأريخية لهذا الجهد فهو متوفُرٌ في كل منافذ التصدير التأليفي ويمكن مراجعته والاطلاع عليه لمن يشاء ، إلّا اني في هذا المنشور أُشير إلى ظاهرة غير محمودة الاحظها في العديد من الدراسات التناصية التي تقصر جهدها النقدي على محورين الأول هو الركون إلى المعنى الذي ذهب إليه النقد العربي القديم لمفهوم التناص الذي عنىٰ عندهم بأنه السرقة أو الأخذ ، فيذهب النقاد الجدد إلى الإشارة إلى المعاني التي أخذ النص الحاضر من النص السابق فقط ، كما لاحظته في واحدة من دراسات الماجستير مؤخراً ، وهي نظرة مقصورة تدير الظهر إلى المعنى الحديث والمعاصر والمتواضع عليه في الدراسات التناصية المعاصرة ، والثاني هو الكشف عن مواطن ومواقع التعالق النصي بين النصوص فقط وتتوقف عند هذه الحدود ، وأراهُ جهداً ضائعاً بسبب من وجود سلسلةِ لانهائية من النصوص المتعالقة فيما بينها ، صحيح أن اكتشاف هذا التعالق بين النصوص السابقة واللاحقة مهم ويتوقف على قدرة الناقد ومرجعيته المعرفية والقرائية واختلافها بين ناقد وٱخر ، ولكن ينبغي عدم التوقف عند حدود الكشف والإشارة والمقارنة ، لأن الناقد سيقفُ عند متوالية تناصية متّسعة من النصوص ، فعلىٰ أي منها سيعتمدُ في الكشف عن وجود هذه الظاهرة في النص المنقود مادام هذا النص متعالق مع نص سابق له وهذا السابق متعالق مع نص اسبق وهكذا إلى مالانهاية لهذه التعالقات دون أن نعثر على النص الأول الذي كان خط الشروع في هذه المتواليات النصية ؟ لذلك ووفق المفهوم الذي وضعته كريستيفا للتناص بأن ( كل نص هو عبارة عن ؛ لوحة فسيفسائية؛ من الإقتباسات ، وكل نص هو تشرّبٌ وتحويل لنصوص أخرى سابقة عنها أو معاصرة لها ) ارىٰ أن مهمة النقد هي تجاوز هذا الكشف والإشارة إلى العبور إلى جوهر هذه الظاهرة وهو تبيان كيفية (التشرّب والتحويل) والتعالق وتمكن المبدع من انتاج نص جديد ينسلخ فيه النص السابق عن سياقه القديم ، ليمتزج مع مقاصد المبدع في تخليق صورة جديدة أو حدث جديد منقطع العلاقة عن سياق النص المتناص معه ، ليدخل في علاقة جديدة تمكّنُ من ظهور نص بمعانِ جديدة ، وبذلك سيضافُ معنىً جديدا الىٰ تلك السلسلة المتوالية من النصوص المتعالقة ، وهنا يتبدّىٰ ابداع الناقد الحاذق .

عبد علي حسن
تشرين اول /2021





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى