سألني أخي، وكان لايزال طفلا:
- ماذا أصنع؟ إن هم قذفوني بقنبلة؟
قلت: هل تعرف "البارون مانشهاوزن"؟..
الآن أذكر ضحكته الرقراقة وهو يسألني، من هو هذا "البارون مانشهاوزن"؟ وكان يعتقد أن هذا الاسم، يدعو للضحك.
أذكر أنني أخبرته أنه، كان كذابا جميلا، يشبهني، تماما يوم سأصبحُ كهلا، ولأن طفلي كان مُلِحًّا.. لم أجد منه فكاكا، إلا أنْ أخبره بكل شيء..
أنا لا أدعي أنني أعلم الغيب، لكنني نبئت بخبر هزيمتي، وكيف سأنتهي، من خلال نهايات كثيرة عاصرتها، لضحايا يشبهونني. والآن.. لكم أنا آسف، تكاد تقتلني حسرتي... ليتني لم أخبرك بأي شيء من ذلك كله، ربما.. لو لم أفعل.. ما كنت لترحل عنا مبكرا.
ففي النهاية..
نهايتي أنا.. أو عند انتهاء كل الحكايا، أو.. بالتحديد، قبل تفرق الأشخاص المُلتَفِّين حول مائدة العشاء، يستمتعون بصحبة
السيد "مانشهاوزن" المسلية، بطلهم الكذاب العجيب، يسكر، ويخبرهم عن مغامراته.. بعد ذلك بزمن قليل، بعد موته، سوف يعرفون أن قصصه تلك، لم تكن سوى رمزية، تختصر بأسلوب فكاهي، خيبة ظنه في أشخاص.. ووقائع كثيرة..
وإلا ما قصة القمري؟ هل هي فتاة ما؟.. ثم تبخرت فور دخولها مجال الغلاف الجوي للأرض.. لوكان رجلا لسأل:
- ماهي الأرض؟
لذلك أعتقد أنها أنثى، لأن التبخر، يشبه الانسحاب في الوقت المناسب.
الأرض.. كوكب موبوء.. مزدحم بالقذارات، وكان "البارون" قد اختطف ذلك الكائن الهش، الذي لانعلم جنسه.. من بين أهله، وهو يهم بالرجوع إلى الأرض. فيكون له دليلا معجزا يشهد بصحة خبره، أمام البشر الذين لايصدقون نبيا ولاعالما، بينما يتبعون وبكل طواعية دعاوى الكذابين. ومنها يؤسسون نظرياتهم الجديدة.
لقد كنت هناك فعلا. ذات يوم فوق القمر.. قال "البارون"، لكن أسوأ ما حصل معي، وجعلني أحزن بشدة، أنني لما تفقدت الصورة الجماعية، التي التقطها للذكرى رفقة ثلة من سكان القمر، لم أجد على الصورة أحدا غيري.
وأنا أتذكر هذه الخاتمة البائسة، تفقدت ألبوم صور بطولات أجدادي، وكيف صادف أنني، لم أجد على الصور أحدا، إلا هذا الحزين الأحمق.. والذي لابد ينتمي لسلالة معتوهين بائدة. نعم، ذاك أنا.. الفاقد لكل قدرة على التأقلم.. إلا رغبة جامحة قديمة، في امتطاء قنبلة.. بعدما وسوس لي حكماء العصور المنسية، أنها الخطة الوحيدة للنجاة من الموت، بعض السادة المفسرين.. قالوا: إنها.. الكتابة.
أنا الآن في مفترق طريق الجنون والحكمة، والشعور البائس الذي يصيب الحنجرة بالجفاف، لاشيء يرطب من قسوته، لاماء، لا خمر ولا شاي، هو نفسه، ذلك الإحساس القاسي بالخزي والعار، ومن بطشه أنه يوشك أن يهزم رغبتي الصادقة في حياة طبيعية.
حين عاد "البارون مانشهاوزن" - من الحرب وحيدا، لأنه بكل بساطة.. الناجي الوحيد، ألزمته السلطات، بتناول خمسمائة وجبة من لحم الخنزير، مع خمسمائة زجاجة خمر لوحده.. هكذا كما لو أن قدر كل من يدافع عن كرامته، أن يتحول إلى وحش بغيض، يثير قلق البعض، وسخرية الجميع. حين سألهم.. هل أعتبر الأمر عقابا؟ قالوا: بل العكس.. هذه حفاوة.. لا أحد يرغمك على الموت، لكنك مطالب بالإقبال على حتفك. راضيا مرضيا.
وفي خضم هذا الكم الباذخ من الهزائم؟ مع تلك الوليمة المقرفة، التي أعدت على شرف الجنود المنتصرين.. -إن هم عادوا سالمين- والحقيقة أنهم انتصروا، لكنه الانتصار أمر صعب، فهو لايعني العودة سالما من ساحة المعركة، لأنه لا يتحقق إلا بروح التضحية العظيمة، و"البارون" الذي نجا من الموت، يعرف الجميع أنه ليس جبانا، إنما وللأسف الشديد، بعض الأشخاص يعشقهم سوء الحظ، فلايمكنهم الموت، مهما مزقت أجسادهم الجراح، وأوجعتهم الأحزان..
أخي الصغير.. إن إمكانية النجاة من الموت، بسبب التخمة، مكرها على حضور وليمة الأكاذيب.. أصعب ألف مرة.. من فكرة امتطاء قنبلة.
نعم ياولدي.. هذا أنا.. فلو أني ثقب أسود.. كنت ابتلعت عالمنا.. فقط لكي أسعد بضحكتك مرة أخرى.. أو أخيرة، وأنت تراني، مثل إله يوناني أحمق.. أتجشأ بقايا غازات الأفكار الفاسدة التي تزعم بوجود حياة كريمة، فوق هذه الأرض.
- ماذا أصنع؟ إن هم قذفوني بقنبلة؟
قلت: هل تعرف "البارون مانشهاوزن"؟..
الآن أذكر ضحكته الرقراقة وهو يسألني، من هو هذا "البارون مانشهاوزن"؟ وكان يعتقد أن هذا الاسم، يدعو للضحك.
أذكر أنني أخبرته أنه، كان كذابا جميلا، يشبهني، تماما يوم سأصبحُ كهلا، ولأن طفلي كان مُلِحًّا.. لم أجد منه فكاكا، إلا أنْ أخبره بكل شيء..
أنا لا أدعي أنني أعلم الغيب، لكنني نبئت بخبر هزيمتي، وكيف سأنتهي، من خلال نهايات كثيرة عاصرتها، لضحايا يشبهونني. والآن.. لكم أنا آسف، تكاد تقتلني حسرتي... ليتني لم أخبرك بأي شيء من ذلك كله، ربما.. لو لم أفعل.. ما كنت لترحل عنا مبكرا.
ففي النهاية..
نهايتي أنا.. أو عند انتهاء كل الحكايا، أو.. بالتحديد، قبل تفرق الأشخاص المُلتَفِّين حول مائدة العشاء، يستمتعون بصحبة
السيد "مانشهاوزن" المسلية، بطلهم الكذاب العجيب، يسكر، ويخبرهم عن مغامراته.. بعد ذلك بزمن قليل، بعد موته، سوف يعرفون أن قصصه تلك، لم تكن سوى رمزية، تختصر بأسلوب فكاهي، خيبة ظنه في أشخاص.. ووقائع كثيرة..
وإلا ما قصة القمري؟ هل هي فتاة ما؟.. ثم تبخرت فور دخولها مجال الغلاف الجوي للأرض.. لوكان رجلا لسأل:
- ماهي الأرض؟
لذلك أعتقد أنها أنثى، لأن التبخر، يشبه الانسحاب في الوقت المناسب.
الأرض.. كوكب موبوء.. مزدحم بالقذارات، وكان "البارون" قد اختطف ذلك الكائن الهش، الذي لانعلم جنسه.. من بين أهله، وهو يهم بالرجوع إلى الأرض. فيكون له دليلا معجزا يشهد بصحة خبره، أمام البشر الذين لايصدقون نبيا ولاعالما، بينما يتبعون وبكل طواعية دعاوى الكذابين. ومنها يؤسسون نظرياتهم الجديدة.
لقد كنت هناك فعلا. ذات يوم فوق القمر.. قال "البارون"، لكن أسوأ ما حصل معي، وجعلني أحزن بشدة، أنني لما تفقدت الصورة الجماعية، التي التقطها للذكرى رفقة ثلة من سكان القمر، لم أجد على الصورة أحدا غيري.
وأنا أتذكر هذه الخاتمة البائسة، تفقدت ألبوم صور بطولات أجدادي، وكيف صادف أنني، لم أجد على الصور أحدا، إلا هذا الحزين الأحمق.. والذي لابد ينتمي لسلالة معتوهين بائدة. نعم، ذاك أنا.. الفاقد لكل قدرة على التأقلم.. إلا رغبة جامحة قديمة، في امتطاء قنبلة.. بعدما وسوس لي حكماء العصور المنسية، أنها الخطة الوحيدة للنجاة من الموت، بعض السادة المفسرين.. قالوا: إنها.. الكتابة.
أنا الآن في مفترق طريق الجنون والحكمة، والشعور البائس الذي يصيب الحنجرة بالجفاف، لاشيء يرطب من قسوته، لاماء، لا خمر ولا شاي، هو نفسه، ذلك الإحساس القاسي بالخزي والعار، ومن بطشه أنه يوشك أن يهزم رغبتي الصادقة في حياة طبيعية.
حين عاد "البارون مانشهاوزن" - من الحرب وحيدا، لأنه بكل بساطة.. الناجي الوحيد، ألزمته السلطات، بتناول خمسمائة وجبة من لحم الخنزير، مع خمسمائة زجاجة خمر لوحده.. هكذا كما لو أن قدر كل من يدافع عن كرامته، أن يتحول إلى وحش بغيض، يثير قلق البعض، وسخرية الجميع. حين سألهم.. هل أعتبر الأمر عقابا؟ قالوا: بل العكس.. هذه حفاوة.. لا أحد يرغمك على الموت، لكنك مطالب بالإقبال على حتفك. راضيا مرضيا.
وفي خضم هذا الكم الباذخ من الهزائم؟ مع تلك الوليمة المقرفة، التي أعدت على شرف الجنود المنتصرين.. -إن هم عادوا سالمين- والحقيقة أنهم انتصروا، لكنه الانتصار أمر صعب، فهو لايعني العودة سالما من ساحة المعركة، لأنه لا يتحقق إلا بروح التضحية العظيمة، و"البارون" الذي نجا من الموت، يعرف الجميع أنه ليس جبانا، إنما وللأسف الشديد، بعض الأشخاص يعشقهم سوء الحظ، فلايمكنهم الموت، مهما مزقت أجسادهم الجراح، وأوجعتهم الأحزان..
أخي الصغير.. إن إمكانية النجاة من الموت، بسبب التخمة، مكرها على حضور وليمة الأكاذيب.. أصعب ألف مرة.. من فكرة امتطاء قنبلة.
نعم ياولدي.. هذا أنا.. فلو أني ثقب أسود.. كنت ابتلعت عالمنا.. فقط لكي أسعد بضحكتك مرة أخرى.. أو أخيرة، وأنت تراني، مثل إله يوناني أحمق.. أتجشأ بقايا غازات الأفكار الفاسدة التي تزعم بوجود حياة كريمة، فوق هذه الأرض.