قَضِيَّةُ الْمُوَلَّدِ وَالدَّخيلِ قَديمَةٌ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ ظاهِرَةٌ عامَّةٌ في كُلِّ اللُّغاتِ. لَمْ يَتَوَرَّعِ الْعَرَبُ عَنِ اسْتِخْدامِ الأَجْنَبِيِّ في لُغَتِهِمْ، لِتُعَبِّرَ عَمّا اسْتَجَدَّ في حَياتِهِمْ، وَاحْتِكاكِهِمْ مَعَ جِيرانِهِمْ في حِلِّهِمْ وَتَرْحالِهِم، وَإدْخالِ ذَلِكَ في نَسيجِ كَلامِهِمِ الْيَوْمِي وَالرَّسْمِي.
فَعِنْدَ اطِّلاعِنا عَلَى الشِّعْرِ الْقَديمِ الَّذي هُوَ سِجِلَُ حَياتِهِمْ وَعاداتِهِمْ نَجِدُ الْفُحُولَةَ مِنْهُمْ يَسُتَخْدِمُونَ كَلِماتٍ أَجْنَبِيَّةً مِنْ لُغاتٍ شَتَّى دونَ حَرَجٍ، بَعْدَ أنْ أَصْبَحَتْ مَأْلُوفَةً في أوْساطِهِمِ الشَّعْبِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ.
نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَإذا بَيْنَ آياتِهِ كَلِماتٌ عُدَّتْ أَجْنَبِيَّةً، عَلَى خِلافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ. وَأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ عَهْدٌ بِها مِنْ قَبْلُ، بِالْمَعْنَى الَّذي نَزَلَتْ فِيهِ، عَلَى الأَخَصِّ الألْفاظُ التي تَدُلُّ عَلَى الْمُصْطَلَحاتِ الدِّينِيَّةِ كَالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ والقِسْطاسِ وَالرَّحْمَنِ وَغَيْرِها.
وَأُثِرَ عَن ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتَرْجُمانِ الْقُرْآنِ إقْرارُهُ بِأَعْجَمِيَّتِها. غَيُرَ أنَّ الإمامَ الشّافِعِيَّ، وَأَبا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بْنَ الْمثَنَّى، وَابْنَ جَريرٍ الطَّبَرِيَّ، وَابْنَ فارِسٍ صاحِبٍ مَقاييسِ اللُّغَةِ، وهَؤُلاءِ أصْحابُ نَظَرِيَّةِ التَّوْقِيفِ (التوْقيفمعناه أَنَّ اللُّغَةَ وَقْفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ) لَمْ يَقْبَلُوا فِكْرَةَ الدَّخِيلِ في الْقُرْآنِ.
وَفي الْمُقابِلِ نَجِدُ ابْنَ عَطِيَّةَ صاحِبَ التَّفْسِيرِ
وَأبا عُبَيْدٍ الْجُمَحِي، والسُّيُوطي يُقِرُّونَ الدَّخيلَ.
سيبَوَيْهِ هُوَ أَقْدَمُ مَنْ عَرَفَ قَضِيَّةَ التَّعْرِيبِ، وَاعْتَبَرَها ظاهِرَةً لُغَوِيَّةً. فَقّدْ ذَكَرَ في بابِ (ما أُعْرِبَ مِنَ الأعْجَمِيَّةِ) أَنَّ الْعَرَبَ يُغَيِّرونَ مِنْ الْحُروفِ الأَعْجَمِيَّةِ ما لَيْسَ مِنْ حُروفِهِمْ الْبَتَّةَ
(الحروف: الكلِمات) فَرُبَّما أَلْحَقُوهُ بِبِناءِ كَلامِهِمْ، وَرُبَّما لَمْ يُلْحِقُوهُ، وَرُبَّما غَيَّرُوا حالَهُ عَنْ حالِهِ في الأَعْجَمِيَّةِ.
إنَّ الْمُعَرَّبَ وَالدَّخِيلَ - بِناءً عَلَى سُنَّةِ التَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ، وَعَلَى إقْرارِ الْغالِبِيَّةِ الْعُظْمَى مِنْ عُلَماءِ اللُّغَةِ الْعَرَبِ - ظاهِرَةٌ صِحِّيَّةٌ تُثْرِي اللُّغَةَ بِالتَّعابيرِ الْجَديدَةِ، وَتُجْرِي في عُروقِها قَوالِبَ لَفْظِيَّةً جَديدَةً لِلْمَعاني وَالدَّلالاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْها، وَتَشْحَنُها بِقُِوَى تَعْبيرِيَّةٍ جَديدَةٍ تَتَّسِعُ لَها دائِرَتُها؛ فَيَسْهُلُ عَلَى النّاطِقينَ بها تَأْدِيَةُ الْمَعانِي، وَالتَّعْبيرُ عَنِ الْأَحاسيسِ وَالْعَواطِفِ بِيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ؛ وَتَرُفُدُ اللَُغَةَ بِالْمُصْطَلَحاتِ الْحَضارِيَّةِ الَّتِي لا حَصْرَ لَها، مِمّا يُتيحُ لَنا عَلْمَنَةَ لُغَتِنا وَالنُّهوضَ بِها إلَى مَصافِّ لُغاتِ الْعالَمِ جَمالًا وَحَيَوِيَّةً واتِّساعًا.
اِعْتَنَى السَّلَفُ مِنْ عُلَمائِنا بِالدَّخيلِ وّالْمُعَرَّبِ وَأَكْثَرُوا التَّأْلِيفَ فِيهِ، وَأَشارُوا إلَى الأَصيلِ ، وَالدَّخيلِ ، وَالْمُحْدَثِ، وَالْمُوَلَّدِ، وَعَرَفُوا كُلَّ نَوْعٍ مِنْها وَوَقَفُوا عِنْدَ حُدودِهِ يُوَفَّقُونَ مَرَّةً وَيُخِفِقونَ أُخْرَى، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ تَعْرِيفاتُ كُلِّ نَوْعٍ وَرَسَتْ بَعْدَ خَلْطٍ كَثيرٍ.
وَصَلَ هذا النَّوْعُ مِنَ التَّأْلِيفِ إلَى مَرْحَلَةِ النُّضْجِ، وَبَدَأَ مَعَ مُحاوَلات أبي حاتَمٍ الرّازِيِّ في كتابِ “الزِّينَةِ”، وَمِنْ ثَمَّ أبو مَنْصورٍ الجَواليقي في كِتابِهِ “الْمُعَرَّب”، ثُمَّ وَصَلَ توتيبُ الدَّخيل وَمَلاحِقهِ عَلَى حُروفِ الْمُعْجَمِ عَلَى يَدِ شهابِ الدِّينِ الْخَفاجِي (ت ٩٧١هج) في كِتابِهِ “ شِفاءُ الْغَليل فيما في كَلامِ العَرَبِ مِنَ الدَّخيل (طُبِعَ في بيروت سنَةَ ١٩٨٧م). ثُمَّ ارْتَقَى المَشْروعُ العربيِّ في حَصْرِ الدَّخيل مَعَ الإمامِ الْمُحِبِّي (ت١١١١هج) بِكتابِه الضَّخمِ “فَضْلُ السَّبيل فيما في اللُّغّةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الدَّخيل” طُبِعَ في الرِّياض في مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْن سنَةَ ١٩٩٤م. وَقَدْ سَهَّلَ اللَّهُ لي اقْتِناءَ كتابَيْ “شِفاءُ الغَليل وفَضْلُ السبيل” مِنَ الْمَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، عَلَى ساكِنِها أفْضَلُ الصّلاةِ والسَّلامُ، في رِحْلَةِ العُمْرَةِ التي قمتُ بها شتاءَ سنَةَ ١٩٩٥م.
وَأَخِيرًا أُكَرِّرُ كَلامي لِأَقولَ إنَّ الدَّخيلَ ضَرورَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وَوَسيلَةٌ لِلنُّهوضِ بِاللُّغَةِ إنْ أُحْسِنَ اسْتِعْمالُهُ وَاخْتِيارُهُ. وَلْنَتْرُكْ لِمَجامِعِنا اللُّغَوِيَّةِ تَعْرِيبَ ما نَحْتاجُ إلَيْهِ في عَصْرِ التِّكْنولوجْيا وَالتَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ الْهائِلِ.
إنَّ مَنْ دَرَبَ لِسانُهُ عَلَى الْفَصاحَةِ والنَّحْوِ يَسْهُلُ عَلَى ذائِقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ اكْتِشافُ الدَّخيل بِيُسْرٍ وَسُهولَةٍ.
فَعِنْدَ اطِّلاعِنا عَلَى الشِّعْرِ الْقَديمِ الَّذي هُوَ سِجِلَُ حَياتِهِمْ وَعاداتِهِمْ نَجِدُ الْفُحُولَةَ مِنْهُمْ يَسُتَخْدِمُونَ كَلِماتٍ أَجْنَبِيَّةً مِنْ لُغاتٍ شَتَّى دونَ حَرَجٍ، بَعْدَ أنْ أَصْبَحَتْ مَأْلُوفَةً في أوْساطِهِمِ الشَّعْبِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ.
نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَإذا بَيْنَ آياتِهِ كَلِماتٌ عُدَّتْ أَجْنَبِيَّةً، عَلَى خِلافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ وَاللُّغَوِيِّينَ. وَأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ عَهْدٌ بِها مِنْ قَبْلُ، بِالْمَعْنَى الَّذي نَزَلَتْ فِيهِ، عَلَى الأَخَصِّ الألْفاظُ التي تَدُلُّ عَلَى الْمُصْطَلَحاتِ الدِّينِيَّةِ كَالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ والقِسْطاسِ وَالرَّحْمَنِ وَغَيْرِها.
وَأُثِرَ عَن ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتَرْجُمانِ الْقُرْآنِ إقْرارُهُ بِأَعْجَمِيَّتِها. غَيُرَ أنَّ الإمامَ الشّافِعِيَّ، وَأَبا عُبَيْدَةَ مَعْمَرَ بْنَ الْمثَنَّى، وَابْنَ جَريرٍ الطَّبَرِيَّ، وَابْنَ فارِسٍ صاحِبٍ مَقاييسِ اللُّغَةِ، وهَؤُلاءِ أصْحابُ نَظَرِيَّةِ التَّوْقِيفِ (التوْقيفمعناه أَنَّ اللُّغَةَ وَقْفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ) لَمْ يَقْبَلُوا فِكْرَةَ الدَّخِيلِ في الْقُرْآنِ.
وَفي الْمُقابِلِ نَجِدُ ابْنَ عَطِيَّةَ صاحِبَ التَّفْسِيرِ
وَأبا عُبَيْدٍ الْجُمَحِي، والسُّيُوطي يُقِرُّونَ الدَّخيلَ.
سيبَوَيْهِ هُوَ أَقْدَمُ مَنْ عَرَفَ قَضِيَّةَ التَّعْرِيبِ، وَاعْتَبَرَها ظاهِرَةً لُغَوِيَّةً. فَقّدْ ذَكَرَ في بابِ (ما أُعْرِبَ مِنَ الأعْجَمِيَّةِ) أَنَّ الْعَرَبَ يُغَيِّرونَ مِنْ الْحُروفِ الأَعْجَمِيَّةِ ما لَيْسَ مِنْ حُروفِهِمْ الْبَتَّةَ
(الحروف: الكلِمات) فَرُبَّما أَلْحَقُوهُ بِبِناءِ كَلامِهِمْ، وَرُبَّما لَمْ يُلْحِقُوهُ، وَرُبَّما غَيَّرُوا حالَهُ عَنْ حالِهِ في الأَعْجَمِيَّةِ.
إنَّ الْمُعَرَّبَ وَالدَّخِيلَ - بِناءً عَلَى سُنَّةِ التَّطَوُّرِ اللُّغَوِيِّ، وَعَلَى إقْرارِ الْغالِبِيَّةِ الْعُظْمَى مِنْ عُلَماءِ اللُّغَةِ الْعَرَبِ - ظاهِرَةٌ صِحِّيَّةٌ تُثْرِي اللُّغَةَ بِالتَّعابيرِ الْجَديدَةِ، وَتُجْرِي في عُروقِها قَوالِبَ لَفْظِيَّةً جَديدَةً لِلْمَعاني وَالدَّلالاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْها، وَتَشْحَنُها بِقُِوَى تَعْبيرِيَّةٍ جَديدَةٍ تَتَّسِعُ لَها دائِرَتُها؛ فَيَسْهُلُ عَلَى النّاطِقينَ بها تَأْدِيَةُ الْمَعانِي، وَالتَّعْبيرُ عَنِ الْأَحاسيسِ وَالْعَواطِفِ بِيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ؛ وَتَرُفُدُ اللَُغَةَ بِالْمُصْطَلَحاتِ الْحَضارِيَّةِ الَّتِي لا حَصْرَ لَها، مِمّا يُتيحُ لَنا عَلْمَنَةَ لُغَتِنا وَالنُّهوضَ بِها إلَى مَصافِّ لُغاتِ الْعالَمِ جَمالًا وَحَيَوِيَّةً واتِّساعًا.
اِعْتَنَى السَّلَفُ مِنْ عُلَمائِنا بِالدَّخيلِ وّالْمُعَرَّبِ وَأَكْثَرُوا التَّأْلِيفَ فِيهِ، وَأَشارُوا إلَى الأَصيلِ ، وَالدَّخيلِ ، وَالْمُحْدَثِ، وَالْمُوَلَّدِ، وَعَرَفُوا كُلَّ نَوْعٍ مِنْها وَوَقَفُوا عِنْدَ حُدودِهِ يُوَفَّقُونَ مَرَّةً وَيُخِفِقونَ أُخْرَى، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ تَعْرِيفاتُ كُلِّ نَوْعٍ وَرَسَتْ بَعْدَ خَلْطٍ كَثيرٍ.
وَصَلَ هذا النَّوْعُ مِنَ التَّأْلِيفِ إلَى مَرْحَلَةِ النُّضْجِ، وَبَدَأَ مَعَ مُحاوَلات أبي حاتَمٍ الرّازِيِّ في كتابِ “الزِّينَةِ”، وَمِنْ ثَمَّ أبو مَنْصورٍ الجَواليقي في كِتابِهِ “الْمُعَرَّب”، ثُمَّ وَصَلَ توتيبُ الدَّخيل وَمَلاحِقهِ عَلَى حُروفِ الْمُعْجَمِ عَلَى يَدِ شهابِ الدِّينِ الْخَفاجِي (ت ٩٧١هج) في كِتابِهِ “ شِفاءُ الْغَليل فيما في كَلامِ العَرَبِ مِنَ الدَّخيل (طُبِعَ في بيروت سنَةَ ١٩٨٧م). ثُمَّ ارْتَقَى المَشْروعُ العربيِّ في حَصْرِ الدَّخيل مَعَ الإمامِ الْمُحِبِّي (ت١١١١هج) بِكتابِه الضَّخمِ “فَضْلُ السَّبيل فيما في اللُّغّةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الدَّخيل” طُبِعَ في الرِّياض في مُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْن سنَةَ ١٩٩٤م. وَقَدْ سَهَّلَ اللَّهُ لي اقْتِناءَ كتابَيْ “شِفاءُ الغَليل وفَضْلُ السبيل” مِنَ الْمَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، عَلَى ساكِنِها أفْضَلُ الصّلاةِ والسَّلامُ، في رِحْلَةِ العُمْرَةِ التي قمتُ بها شتاءَ سنَةَ ١٩٩٥م.
وَأَخِيرًا أُكَرِّرُ كَلامي لِأَقولَ إنَّ الدَّخيلَ ضَرورَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وَوَسيلَةٌ لِلنُّهوضِ بِاللُّغَةِ إنْ أُحْسِنَ اسْتِعْمالُهُ وَاخْتِيارُهُ. وَلْنَتْرُكْ لِمَجامِعِنا اللُّغَوِيَّةِ تَعْرِيبَ ما نَحْتاجُ إلَيْهِ في عَصْرِ التِّكْنولوجْيا وَالتَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ الْهائِلِ.
إنَّ مَنْ دَرَبَ لِسانُهُ عَلَى الْفَصاحَةِ والنَّحْوِ يَسْهُلُ عَلَى ذائِقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ اكْتِشافُ الدَّخيل بِيُسْرٍ وَسُهولَةٍ.