رايفين فرجاني - سبع حالات للدنو من الموت

الاقتراب من الموت تعد واحدة من أكثر التجارب رعبا وغرابة وتفردا مما قد يمر به الإنسان في حياته كلها. وذلك لما يحمله مفهوم الموت من خصائص تجعله ينال مكانته بين الكيانات الوجودية الكبرى. فمنها أنه غير معروف إحساس / وجدان الميت به. وبناء عليه إذا ظل وجدانه قائما,كان هناك عالما بعد الموت,وإذا لم يشعر بشيء بعد الموت. كان ذلك عدما. إلا أن الموت يظل واحد من أكبر الألغاز الغير محلولة في هذا الكون. هذه هي خاصية. ولكنها تأتي تالية على سمته الأولى,وهي الحتمية. لا يوجد شيء لا يموت. هذه حقيقة يمكن اعتبارها من نواميس الكون الثابتة. الموت حتمى. وذلك ينقلنا إلى سمة أخرى. الموت لا رجعة منه. لذا هو تجربة لا يمكن اختبارها مرتين,وبالتأكيد لا يمكن اختبارها والحكي عنها.



[1] الاحتضار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقرب الحالات للموت,لأن خاتمتها حتما هي الموت. فالاحتضار لا يكون كذلك إذا نجى منه أحد. رغم أن البعض قد يرى أن مشارف الموت تعد احتضارا حتى لو لم يمت المحتضر. الاحتضار هو مفهوم يعبر عن الحالة التي تسبق الموت. والوقت الذي يأخذه المحتضر حتى الموت أو ربما النجاة. وهذا الوقت يتراوح ما بين ثواني ولحظات وصولا إلى شهور وسنوات. حيث تعد الشيخوخة من منظور ما فترة احتضار قد تقصر أو تطول.



وكما للشيخوخة علامات فاللموت سكرات,والسكرة هي كل ما يحيل بين المرء وعقله,لذا أقوى سكرات الموت ونذائر إقترابه هو توهم الميت برؤية الموتى -أو لعله يراهم فعلا!.



[2] الشيخوخة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخوخة هي عملية تقدم بالعمر تمر بها الكائنات الحية.



والعمر حتما ينتهي,لذا فالشيخوخة احتضار طبيعي يمر به أي إنسان,فطالما لم يمت (مرضا / قتلا / حادثا, إلخ...) فإنه حتما سيموت لإنتهاء عمره الافتراضي. والذي يبدأ عادة من بعد الستين ويمكن أن يستمر حتى المائة أو متجاوزا للقرن بقليل. ورويت حكايات عن أناس عمرت عقودا بعد المائة الأولى حتى أوشك العمر بهم أن ينتصف في المائة الثانية.



ومثلما للموت سكرات فاللشيخوخة علامات,منها



-بياض الشعر

-تقوس الظهر

-تجعد الجلد

-بطء الحركة

-خرف العقل

-ضعف البصر

-قلة النوم



يقول أحمد سعداوي في وصف هذا الموت



"قبل عقدين أو أكثر، كنّا نسمع كبار السنّ يدعون الله، متمنّين أن "يموتو موت الله". ولم نفهم لماذا يدعو شخصُ مفعم بالحياة ويتمنى أن يموت.. موت الله أو موت الشيطان.. أو موت "إبنادم"، على حدّ قولهم.



اليوم صرنا نفهم أكثر.. شاعرية هذا الموت.

متى يكون الموت الذي ينتظر أبناء هذا البلد.. هو موت الله فحسب. متى نموت "فحسب" بالشيخوخة والهرم.. متى ينتهي نهر الدم هذا.. متى يتوقّف الشباب الصغار عن الموت.



مهمة الشباب الصغار أن يدفنوا آباءهم وأمّهاتهم وأعمامهم.. لا أن يكون العكس..

كم هي عقوبة قاسية أن يرى الماضي المجسّد في الأب الهرم.. كيف يموت المستقبل أمامه.. فيحمل جثّة إبنه الهامدة الى المقبرة.



ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي



دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثواني



[3] الحادث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاحتضار والشيخوخة,هما إقتراب من النوع الذي ينتهي مساره إلى الموت. بينما الحادث هو نوع من الدنو ثم الإبتعاد. فإذا مت في الحادث,عادة لن يكون دنوا من الموت. بل قضاء الله نزل عليك. وربما تكون هناك لحظات نتسائل فيها عن ماذا شعر الميت فيها قبل موته.



وحوادث عديدة تحمل مثل تلك التساؤلات (أو عامة أغلب أنواع الموت عدا من مات نائما) فحتي الذي تخترق رأسه رصاصة في مقتل أو تنسحق رأسه تحت ثقل في حادث,حتى وإن استغرق موته لحظة واحدة,هناك شيء شعر به في ذلك الوقت القصير نتسائل عن ماهيته. ولكن نحن لن نتطرق لتلك المسألة. بل نعني بالحالات التي يمكن تجربتها,ثم سرد التجربة لشخص آخر لم يعشها.









[4] الممر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كل هذا كان عن حادث لم يصيبك,أما إذا أصابك فأنت تنتقل حينها إذا لم تمت إلى واحد من حالتين؛إما غيبوبة تنتهي إلى الموت,وتكون في هذه الحالة نوع من الاحتضار. وإما غيبوبة تنقلك إلى النجاة. وتلك هي ما تخصنا هنا,وتحديدا منطقة معينة هي المعروفة بـ الممر. وتوصف دوما من قبل الناجين بـ الضوء في نهاية الممر. وتسمى بـ تجربة الإقتراب من الموت Near Death Experience (NDE). تجربة فيزيائية وميتافيزيقية في آن واحد,وربما هي التجربة الأكثر قربا من الموت كما يتبين من إسمها.



وحسب تفسير البعض,فالظاهرة عبارة عن نوع من الوهم الحادث بسبب الإشارات التي يطلقها العقل في محاولته للبقاء يقظا بعد توقف القلب.



[5] النوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوم شقيق الموت,وسمي أيضا الموت الأصغر,وذلك لأنه يتشارك في التجربة الغريبة للموت وبثه للأحاسيس الماورائية من منظور ديني,والعدمية من منظور إلحادي. وهي تجربة شعورية يمر بها النائم,ويفترض أن يمر بها الميت. فالموت إن كان بوابة للعالم الآخر كذا النوم بوابة إلى عالم الأحلام. والموت إذا كان عدما لا شيء بعده أو فيه,كذا النائم قد ينام ويصحو دون أن يشعر بشيء. وحتى من وجهة نظر طبية,الموت هو سكون تام للوظائف الحيوية في الجسم,وخاصة المخ في حال توقف المخ. وكذا النوم هو سكون مؤقت للنشاطات الحيوية في الجسم,وخاصة المخ في حالة اللاوعي.



[6] الغيبوبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطب يدرس الأحياء قبل وبعد موتهم (أي الجثث بعد أن خلت من حياتها),ولكنه عاجز عن قياس تلك المرحلة التي يحدث فيها الموت,ولهذا نجده يعلن عن عجزه في أغلب الأحيان أمام تجربة الغيبوبة. والغيبوبة حالة مكثفة من النوم,وهي النوع الأقرب من النوم للموت.



الغيبوبة عبارة عن نوع من الإغراق في النوم,والإطالة فيه. الإغراق بمعنى أنه لا تصير هناك وسائل متاحة للنائم أو لمن حوله تجعله قادر على الاستيقاظ. والإطالة فيه (وتكون المدة طويلة إذا ما تجاوزت ساعات النوم الطبيعية من ثمانية إلى عشر ساعات) والتي قد تستغرق من يوم -أو ربما نبدأها من نصف يوم- إلى بضعة أيام / شهور / سنوات,وصولا إلى العمر كله لو توفرت الرعاية اللازمة للنائم الساقط في غيبوبته.







[7] الهذيان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك مجموعة من التجارب الوهمية / الهذيانية التي تجعل المرء في حالة قريبة من الموت, أو بمعنى أدق تعطيه شعورا أنه قريب من الموت. خاصة وأن الهذيان هو نوع من النوم يسمى نوم اليقظة. ويلاحظ سطوة النوم هنا مستحقا عن جدارة لقبيه (شقيق الموت / الموت الأصغر) فقد قدمنا أربعة حالات تندرج تحت تصنيف النوم (الممر / النوم / الغيبوبة / الهذيان),وحتى الاحتضار يتضمن مزيجا من النوم والهذيان كما وضحنا في معنى السكرة. والشيخوخة تترتب عليها تغييرات مهمة في النوم,خاصة كلما طال العمر,قيل قل النوم. بل وربما يمكننا القول أن عبارة (رأيت شريط الحياة يمر أمام عيني) التي تقال عادة بعد المرور بحادث صعب كان سيعقبه هلاك,تصف نوع من الهذيان اللحظي الذي يمر به الناجي من حادث صعب كاد أن يودي بحياته ويقضي على عمره.



ونتناول الهذيان هنا إجمالا وليس تفصيلا بعرض أبرز الحالات الهذيانية



1-الهذيان

2-التجارب الوهمية

3-العزل الحسي

4-المخدرات وعقارات الهلوسة

5-بعض النشاطات الروحانية

6-بعض الأمراض النفسية

7-طقس الزومبي لدى الفودو



يقول أحمد شوقي في تعاطي المخدرات,وهو إحدى الحالات الذهانية



"أرى نشئاً ذوي شطاطه،وذهب نشاطه،ورثَّ نياطُه،واقترب احتضاره واعتباطه،مساكين

صرعى الكوكايين،وارحمتاه لصبائهم،ويا ويح آبائهم،ابتلوا بالسم القاتل،والمس الخابل، والسل الآكل. تعرفهم بأنوفهم المجيرة وأبصارهم المتحيرة وألوانهم المتغيرة،وبطرفٍ النصفِ منتبه،إلى غير مرمى متجه،وحديثٍ يقطعه النسيان،ويصله الهذيان .. وبيدٍ نحو الجيب تختلج،وتكاد من نفسها تلج،كيد اللص إن حركها اختلست،وإن أسكنها التبست،يموت أحدهم مرات،يعاني فيها السكرات،

نزعه جزع،واحتضاره نزع،ويستفيق فلا يرتدع. ذبابةٌ في الأنف لا تشبع،يحمل طعامها على الإِصبع،إذا أخذها الجوع طنت،وإذا ألحَّ عليها جنت،فإذا غضب الساعةِ قد بلغ نهايته،وإذا جبروتها قد جاوز غايته،أعصاب شنِجة،أطراف مختلجة،دنيا مظلمة،ونفس متألمة إلى اليأس مستسلمة،فيا أهل المريض لا تعنفوه ولكن أسعفوه؛حولُوا بقوة بين العاشق والمعشوق، واحفروا هوةً بين الأنف والنشوق."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى